الاعلامي عبد الباري عطوان : "حلف الناتو" يريد تقسيم سوريا على غرار البوسنة على اسس مذهبية وعرقية


اعتبر الاعلامي الفلسطيني "عبد الباري عطوان" رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" الالكترونية ، ان ملامح السيناريو الغربي في سوريا و ابعاده بدات بالظهور الى العلن تدريجيا ، و رآى انه مخطط رهيب وخطير ، واذا قدر له ان ينجح ، فانه سيطبق في دول عربية اخرى، ابتداء من العراق، ومرورا بمصر، وانتهاء بالعربية السعودية .

و اشار الاعلامي عبد الباري عطوان في مقال الى محاولات الغرب المستمرة في النيل من سوريا باعتبارها الخط الاول لجبهة المقاومة خاصة بعد الفشل من اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد ، و اكد ان "حلف الناتو" يريد تقسيم سوريا على غرار البوسنة على اسس مذهبية وعرقية .
و كتب عطوان في مقاله : بالامس خرج علينا اندرس فوغ راسموسن الامين العام السابق لحلف الناتو الذي قاد التدخل العسكري في ليبيا، واشرف على الضربات الجوية العسكرية في العراق ، خرج علينا بتصريحات في الجلسة الافتتاحية لندوة “السلام في الشرق الاوسط: اللاعبون، المشاكل وسبل الحل” التي نظمتها جامعة حسن قليونجي في ولاية “غازي عنتاب” الواقعة على الحدود التركية مع سورية، (لاحظوا اهمية المكان) ، قال فيها حرفيا حول كيفية الحل في سورية “ينبغي تقسيم البلاد في اطار التوزعات الاثنية والدينية عبر اقناع الرئيس الاسد بمغادرة السلطة على غرار ما حدث في البوسنة” .
و اضاف هذا الخبير : البوسنة شهدت حربا اهلية بين الصرب والمسلمين بين عامي 1992 و1995 لعبت المخابرات الامريكية دورا كبيرا في تأجيجها ومن ثم انهائها وارسال “مجاهدين عرب” بدعم من المملكة العربية السعودية ودول خليجية اخرى لنصرة اخوانهم المسلمين في وجه المجازر الصربية البشعة التي راح ضحيتها آلاف الابرياء ابرزها مجرة سربرنيتسا . المجاهدون العرب كانوا مندفعين بغيرتهم على عقيدتهم ودينهم ونصرة اشقائهم، ولم يعرفوا مطلقا الدور الامريكي الغربي في تأجيج الصراع في البلقان من اجل تفكيك وانهيار الامبراطورية السوفييتية العدو الابرز، والاتحاد اليوغسلافي احد ابرز دعائمها، ولكن دولهم كانت تعرف جيدا بتقاصيل هذا المخطط، وتشارك في انجاحه تماما مثلما حدث في افغانستان . و بعد ان بلغت المجاور ذروتها، وبدأ المسلمون المقاتلون يدركون جيدا انهم لن يحققوا حلمهم بإقامة دولتهم المستقلة على كامل ترابهم ، عقدت الولايات المتحدة مؤتمرا للسلام في مدينة دايتون الامريكية في نوفمبر عام 1995 تمخض عن اتفاق بتقسيم البوسنة والهرسك الى دولتين : الاولى فيدرالية البوسنة والهرسك يتناوب على حكمها المسلمون الصرب ، والثانية جمهورية صرب البوسنة وهي خاضعة لحكم الصرب، كما أدت إلى انتشار قوات حفظ السلام الدولية الإيفور.
و اردف قائلا : المستر راسموسن يؤيد تطبيق هذا الاتفاق ، او نسخة معدلة منه في سورية، تماما مثلما حدث في البوسنة، ولكنه لم يقل في مداخلته تلك كم عدد الدول التي ستنشأ في سورية وفق الحل الذي يقترحه، فهل ستقسم الى ثلاث دول: علوية وسنية، ودرزية، ام الى اربع دول، اي اضافة دولة اخرى للاكراد في الشمال، ثم ما هو مصير “الدولة الاسلامية” التي تتربع حاليا على نصف العراق وثلت سورية، وتحكم حوالي ثمانية ملايين مواطن من البلدين ومرشحة للتوسع، هل سيتم الاعتراف بها كأمر واقع لاحقا، ولم لا، الم تعترف واشنطن بحكومة طالبان وتوعز بفتح سفارات لها في ابوظبي والرياض واسلام اباد؟
و اضاف : من يتابع تفاصيل حرب البوسنة في التسعينات، وتدخل الطائرات الامريكية في اطار حلف الناتو عسكريا وقصفها لصربيا، وتفتيت البلاد واقامة عدة دول في يوغوسلافيا (كوسوفو، البوسنة، صربيا، الحبل الاسود، كرواتيا) يجد ان السيناريو نفسه يتكرر حاليا في سورية، فخطوط التقسيم للدول الجديدة المقترحة تتبلور، والقصف الجوي الامريكي في بداياته، ويزداد كثافة، والصراع المذهبي والمناطقي يتصاعد ويجد دعما خارجيا، والجهاديون يتدفقون من منطقة الخليج (الفارسي) ودول عربية واسلامية اخرى؟
و اردف القول : السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عما اذا كان هذا السيناريو الذي “يبشر” به المستر راسموسن يمكن ان ينجح في سورية مثلما نجح في البوسنة؟ . الرجل نفسه اجاب على السؤال نفسه بالقول “هذه الصيغة ليست الحل الامثل، اذ تعد الخلافات الدينية، والاثنية والعرقية في سورية اعمق بكثير من نظيراتها في منطقة البلقان” ولكنه كان مصرا في مداخلته على ان التقسيم هو الحل الاكثر ترجيحا.
و بعد عرضه لهذا السيناريو المدمر ، والمغزى من وروده على لسان صاحبه ومكانته ، و الاهداف المرجوة من طرحه في هذا التوقيت .. رأى عطوان ان هناك امرين مهمين يجب التوقف عندهما :
    الاول : ان السلطات السورية ستكون منزعجة منه حتما ، ولكنها ستكون مرتاحة له من ناحية اخرى، منزعجة لانه ربما يكشف عن النوايا الغربية المستقبلية لمرحلة ما بعد “القضاء” على الجماعات الاسلامية في سورية مثل الدولة الاسلامية، وجبهة النصرة، واحرار الشام، والاولى على وجه الخصوص.
    الثاني: ان انعقاد هذه الندوة في جامعة تركية في ولاية غازي عنتاب الحدودية التي تعتبر “مطبخ” الانشطة السياسية والعسكرية للحرب لاسقاط النظام في سورية يوحي بأن الحكومة تقف خلف هذا السيناريو التفتيتي لجارها السوري، او لا تعارضه في افضل الاحوال .
و اضاف : انه مخطط رهيب وخطير يسلط الاضواء على كل ما حدث ويحدث من وقائع وتدخلات في سورية على مدى السنوات الاربع الماضية، واذا قدر له ان ينجح، فانه سيطبق في دول عربية اخرى، ابتداء من العراق، ومرورا بمصر، وانتهاء بالمملكة العربية السعودية .
و تساءل عطوان : هل انتفض الشعب السوري، بتحريض من دول اقليمية وعربية خليجية، وامبراطوريات اعلامية ضخمة، من اجل التوصل الى الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية، ام من اجل تفتيت بلاده ووحدتها الجغرافية والديمغرافية على اسس عرقية ومذهبية؟ ، مردفا القول : نكتفي بطرح الاسئلة في هذه المقالة، لاننا نعرف الاجابة عن ظهر قلب، ولهذا رفضنا ان نكون من بين المخدوعين عندما بدأت ملامح هذا السيناريو في الظهور الى العلن تدريجيا .