الأردن واغتيال ناهض حتّر: لا مناعة!


الأردن واغتیال ناهض حتّر: لا مناعة!

تقدم القاتل الذي وقف ساعة أمام قصر العدل في عمان، منتظراً، وأطلق ثلاث رصاصات، لا على الشهيد ناهض حتر وحده، وما يمثله، بل على كل المجتمع الأردني.

صار يتحتم على كل المسؤولين في الدولة الأردنية، التي ما زالت تحتفل بإجراء انتخاباتٍ برلمانية في ظلِّ إقليمٍ ملتهب، أن يقفوا قليلاً بعد اغتيال الكاتب ناهض حتر، ليسألوا أنفسهم: هل نحن بمنأىً من الفتنة التي تحرق الأخضر واليابس في دول الجوار؟ هل وجود المؤسسات الأمنية المحترفة يكفي وحده لحماية الوطن، أم أن هذا الوطن بحاجةٍ ايضا إلى سور منيع من الفكر والبحث لحماية الجميع وكلّ حاملِ رأي مخالف؟

والقتيل ـ إذا لم تُحسِن الحكومة الأردنية إدارة الحدث ـ لن يكون حتر بمفرده، بل قد يصطحب معه إلى القبر إحساسَ كلّ كاتبٍ، ومواطنٍ، بالأمان. والقاتل ليس وحده المجرم المتطرف الذي أطلق الرصاصات، أفلا يعتبر كل من دعا إلى قتل ناهض حتر، بدلاً من مناقشته بأسلوب حضاري، مشاركاً في هذه الجريمة؟

واستشهد حتر، أمام قصر العدل في منطقة العبدلي في وسط عمان، بعد نحو أسبوعين على إطلاق سراحه بكفالة مالية. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية "بترا" عن مصدر أمني تأكيده "القبض على المجرم مطلق النار وضبط سلاحه الناري". وكان يرافق حتر إلى قصر العدل نجله وعدد من أصدقائه.

وقال محمد الجغبير، وهو إعلامي وصديق لحتر رافقه لحضور جلسة المحاكمة، "كنا نهم بالدخول الى المحكمة. وبينما كنا نصعد درجات مدخل الباب الرئيسي للمحكمة، اقترب منا شخص ملتحٍ يلبس دشداشة وأخرج مسدسا من كيس كان يحمله وأطلق الرصاص على رأس حتر من مسافة صفر، فسقط حتر قبل أن يطلق القاتل رصاصات اخرى"، مؤكداً أنه "لم يكن هناك حماية للشهيد رغم أنه كان قد تعرض للتهديد وطلب توفير حماية من الأمن منذ بدء محاكمته".

ووجه مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى "ثلاث تهم لقاتل حتر"، هي "تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وجناية القيام بعمل إرهابي أدى الى موت إنسان، وحمل وحيازة سلاح ناري بدون ترخيص"، كما قرر "توقيف القاتل 15 يوما على ذمة القضية، وإحالة ملف القضية على محكمة أمن الدولة صاحبة الاختصاص".

وقال مصدر قريب من التحقيق إن "القاتل الذي يعمل مهندساً بوزارة التربية والتعليم، أفاد خلال استجوابه، أنه كان قد خطط لارتكاب الجريمة منذ فترة، وأنه لم يكن يعرف أو يسمع بالكاتب حتر، وأنه قام بالبحث عن صورته على شبكة الانترنت بعد إعادة نشره الكاريكاتور على فايسبوك"، مضيفاً أن "القاتل قال إنه علم بموعد عقد جلسة المحاكمة من خلال المواقع الالكترونية وقام بشراء مسدس قبل أسبوع وتوجه الى قصر العدل صباح يوم الحدث وظل ينتظر الكاتب حتر لقرابة ساعة، وعند مشاهدته له توجه نحوه وفتح عليه النار".

ودان مجلس الوزراء الأردني برئاسة هاني الملقي، الذي قدمت حكومته استقالتها امس، وأعيد تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، بـ "أقسى العبارات الجريمة النكراء" التي أودت بحتر، موجهاً وزيري الداخلية والعدل "للمتابعة الفورية لإجراءات التحقيق".

لكن عائلة حتر رفضت استلام جثمانه إلا بعد محاكمة القاتل، محمّلة الحكومة مسؤولية الجريمة. وقال ماجد حتر شقيق الكاتب الراحل "نحمل كل أعضاء الحكومة الأردنية ووزير الداخلية مسؤولية دماء ناهض حتر، وعقدنا اجتماعاً عائليا وقررنا رفض استلام الجثة إلا بعد محاكمة القاتل". وينتظر ما إذا كان رئيس الوزراء سيعيد تكليف وزير الداخلية الحالي سلامة حماد، أم سيحاول امتصاص الغضب بعد مقتل حتر عبر استبعاده، علماً أن استقالة الحكومة كانت متوقعة بعد الانتخابات. وقال ماجد حتر إن السلطات الأمنية قالت لشقيقه المغدور عندما أفرجت عنه قبل أسبوعين إن سلامته هي "مسؤوليته الشخصية"!

وفي بلدة الفحيص غرب عمان التي تتحدر منها عائلة حتر، نظم عشرات من أبناء عشيرته وأقاربه وقفة احتجاجية للتنديد بمقتله.

ويدرك المتابع للتحشيد والدعوة لقتل حتر، حجم الخطر، ولا يشفع للمجتمع الأردني مسارعة كل التيارات السياسية، وعلى رأسها "جبهة العمل الإسلامي" ("الإخوان المسلمون")، أو دائرة الإفتاء، باستنكار حادثة الاغتيال، فبرغم سعي العُقلاء لتطويق الحدث الخطير بالحكمة، عبر استنكار سابقة خطيرة في توقيت صعب، إلا أن متابع ردود فعل الناس على مواقع التواصل يشي بخطر يحدق بالمجتمع.

وعلى ذلك، يعلّق الكاتب والمختص في دراسة خطاب الكراهية وليد حسني لـ "السفير" بأن "خطاب الكراهية قد تصاعدَ في المجتمع العربي بعد بدء مرحلة ما يسمى بالربيع العربي، وهذا الخطاب الذي يتصاعد وصولاً إلى التحريض الطائفي والديني، يمتدُّ في الشارع الأردني، ورغم أنه لا يظهر في الصحافة الرسمية واليومية، لكنه ممتدٌ ومنتشرٌ انتشارا كبيرا، ويشكل خطراً على المجتمع والمنظومة الأخلاقية. ويعتبر حسني أن هذا الخطاب إذا استمر على هذا النحو "فإن قانون منع الجرائم الإلكترونية لا يكفي لمحاصرته".

في السياق ذاته، يصف المحلل السياسي عامر السبايلة الحدث بـ "الخطير"، إذ إنه "انتقال واضح إلى مرحلة خطيرة في الاردن، فهذه المرة الأولى التي يتم فيها استهداف كاتب وقتله بسبب رأيه، وهذا يشكل سابقة"، معرباً عن اعتقاده أن الحكومة الأردنية "مسؤولة، من جهة أخلاقية، إذ إن حتر مواطن أردني كانت تجب حمايته، ومن جهة ثانية، كان الرجل يهمّ بالدخول إلى المحكمة، وهي رمزية هيبة الدولة في الأردن".

ويضيف السبايلة أن الدولة الأردنية "لم تكن قادرة على إدارة هذا الملف بحنكة"، قاصداً بذلك منذ بدء التحشيد ضد ناهض حتر، ومعتبراً أنه «كانت ثمة فرصة لفرض هيبة الدولة وفرض القانون وعدم إعطاء فرصة لأي أحد لتطبيق قانونه الخاص، عبر توفير الحماية له ومعاقبة كل من هدده، لكن الحكومة لم تدر هذا الملف بأسلوب ناجح فكانت النتيجة هي الانتقال لهذه المرحلة الخطيرة".

هل فات الأوان؟ ثمة فرصة أخرى من وجهة نظر السبايلة، تتلخص في أن تفرض الدولة هيبتها، وأن تكون موجودة، ليصبح القانون هو المرجعية الوحيدة.

من وجهة نظر المتدينين، يعتبر حتر بـ "تشييره" للكاريكاتير "عاصياً"، فهل يعتبر قاتله من وجهة نظر الإسلام طائعاً لله؟

"من وجهة نظر الشريعة، فإن ما حدث جريمة بشعة ومستنكرة ومدانة"، هكذا يردُّ الدكتور ارحيل الغرايبة، منسق "تيار زمزم" السياسي وأستاذ الفقه الإسلامي، خلال حديثه لـ "السفير"، مؤكداً أن "الدين لا يعطي الحق لأي شخص، مهما كان علمه وفكره، أن يقتل شخصاً خارج القانون وخارج الدولة وهذا رأي محل اتفاق".

وإضافة لقناعته بأن على جميع أطياف الدولة من رسميين وسياسيين أن يطوّقوا تداعيات الحدث بحنكة، إلا أنه يشير لأهمية تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، عبر إيجاد منظومة تشريعية لضبط التعامل معها، بحيث يتاح المجال لحرية التعبير من دون الوصول إلى الإساءة، معتبرا أن هذا يجب أن يكون قانوناً أممياً، ومحذراً من الانسياق نحو الانتقام والفتنة.

ما يذهب إليه الغرايبة يعني وضع تشريعات جديدة تحاسب المسيء، لكن ألا يعتبر المحرّض على القتل مسيئا؟

اليوم، تتجه الأنظار كلها نحو الحكومة الأردنية والطريق التي ستسلكها في إدارة هذا الملف، في ظل اللهيب الإقليمي، فهل يمكن لها أن تخرج بعد بأقل الخسائر؟! أم هل سيكون على كل أردني أن يتحسس رأسه إذا عبّر عن رأيه؟!

المصدر: صحيفة السفير

/انتهى/

 

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة