مصر وايران .. حضارات عريقة وتعاون الضرورة

مصر وایران .. حضارات عریقة وتعاون الضرورة

ان مصر وايران تربطهما علاقات تاريخية وثقافية واجتماعية عميقة وزواج الرئيس عبد الناصر من سيدة من اصول ايرانية يعبر بشكل واضح عن السمات المشتركة التي تجمع البلدين خاصة لجهة الموروث الثقافي والاجتماعي ويتمثل احد مظاهرة في المحبة الكامنة في قلوب الشعبين لال بيت الرسول الاكرم (ص).

مصر وايران حضارات قديمة متجذرة في التاريخ وعلاقتهما بدأت في القرن السادس (قبل الميلاد) ، ومع انضوائهما تحت راية الاسلام تعمقت تلك العلاقات ، وحدث اختلاط واسع وتفاعل ملحوظ بين الشعبين العريقين في العهود الفاطمية والايوبية والمملوكية والعثمانية ، وكان يفد الى مصر الكثير من العلماء والمتصوفة الإيرانيين، نذكر منهم الليث بن سعد الفقيه المعروف ، والشاعر سعد الشيرازي ونظيره الصوفي فخر الدين العراقي فضلا عن الشاعر ناصر خسرو، صاحب كتاب «سفرنامه» في وصف مصر، الذي يتضح منه انه كانت هناك علاقة تجارية بين البلدين.

ومن مفارقات التاريخ ان القوات البريطانية والسوفيتية اجتاحت الاراضي الإيرانية واجبرت  رضا شاه بهلوي على التنازل عن العرش عام 1941، وتكرست سيطرة بريطانيا على الخليج بالتزامن مع اجتياح القوات الألمانية والبريطانية للأراضي المصرية وتكريس بريطانيا لسيطرتها على قناة السويس، بل وكادت الضغوط البريطانية أن تطيح بالملك فاروق عن العرش عام 1942 ، فاسهمت المعاناة المشتركة في جعل الاعمال النضالية ضد الاحتلال البريطاني في اي من الدولتين صدى لاعمال الدولة الاخرى  .

ومن المفارقات التاريخيه الاخرى اندلاع ثورة يوليو في مصر في العام ١٩٥٢ بقيادة وطنية مناهضة للاستعمار ، اعقبتها ثورة ايران في العام ١٩٥٣ بقيادة محمد مصدق تحمل نفس الرؤى الوطنية والاجتماعية ولكن نجحت المخابرات الامريكية في اجهاضها واعادة الشاه للحكم ، لتعود ايران مرتكزا للسياسات الغربية في المنطقة ما اسهم في تباعد تدريجى بين البلدين نتيجة لسياسات الشاه الموالية للغرب والداعمة للكيان الصهيوني ، واتسعت الهوة بعدما قام عبد الناصر بدعم فصائل الثوار الايرانيين بكل اشكال الدعم الاعلامي والعسكري والسياسي وعندما بدأ الامام الخميني نضاله كانت مصر سباقة لتقديم كافة اشكال الدعم من مال وسلاح واذاعات .

وعلى الجانب الاخر طور الشاه من علاقاته مع الكيان الصهيوني حتى انه امده بالنفط ابان عدوانه على مصر في ١٩٦٧ ورفض عبور الجسر الجوي السوفيتي للاجواء الايرانيه ابان حرب ١٩٧٣ حتى يضمن التفوق الصهيوني على مصر وسوريا .

واستمرت حالة القطيعة بين البلدين الى ان اعلن السادات عن قناعاته بان ٩٩٪ من اوراق اللعبة في ايدي امريكا فعادت العلاقات الى اوجها .

وجاءت الثورة الايرانية لتحدث تحولا كبيرا في السياسة الخارجية الايرانية وتصبح اكثر الدول عداءا للكيان الصهيوني ، بينما ابرم السادات معاهدة صلح مع الكيان فدب خلاف جديد مازالت نتائجه حاضرة حتى اليوم متمثلة في تدني مستوى التمثيل الدبلوماسي.

من خلال متابعة تطور العلاقات بين البلدين مدا وجذرا يلاحظ بان خلافاتهما كانت تضيق وتتسع بقدر قربهما او بعدهما عن السياسات الغربية ، وان المنطقة كانت تشهد استقرارا وامان كلما كانت البلدان على وفاق .

ان مصر وايران تربطهما علاقات تاريخية وثقافية واجتماعية عميقة وزواج الرئيس عبد الناصر من سيدة من اصول ايرانية يعبر بشكل واضح عن السمات المشتركة التي تجمع البلدين خاصة لجهة الموروث الثقافي والاجتماعي ويتمثل احد مظاهرة في المحبة الكامنة في قلوب الشعبين لال بيت الرسول الاكرم (ص) .

ما يثير تساؤل ممزوج بالحسرة حول استمرار قطع العلاقات بين البلدين لاكثر من عقدين وهو امر مثير للاستغراب وخاصة ان البلدين يجمعهما الكثير وخلافاتهما تضيق في الرؤى خاصة لجهة ملفات سوريا واليمن ومكافحة الارهاب ، وتطوير علاقاتهما يحدث نتائج ايجابية لصالح شعبيهما خاصة في المجال الاقتصادي ، حيث ان إيران ثاني أكبر الاقتصادات حجمًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى، وهي منطقة جذب استثماري للشركات العالمية، فالسوق الإيراني البالغ قوامه 80 مليون نسمة ذو قيمة استثمارية كبيرة.

ورغم الخلافات السياسية بين إيران والانظمة الخليجية، إلا أن المصلحة أدت إلى وجود علاقات اقتصادية واستثمارات خليجية تتجاوز عشرات المليارات .

نعم هناك تباين واضح في نظم الحكم بين مصر وايران وفي الرؤى السياسية لبعض الملفات لكن التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة تفرض السعي الحثيث لعودة العلاقات بين البلدين ليشكلا سويا ثنائي اقليمي يواجه جنوح البعض لاشعال الفتن والحروب في المنطقة ويقود المنطقة نحو الاستقرار لتنعم شعوبها بالعيش الرغد في مناخ من الامن والحرية .

الخبير الستراتيجي والاعلامي المصري البارز

/انتهي/ 

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة