"الحاجة أم الاختراع" البدائل التي ابتكرها الشعب السوري في ظل الحصار

"الحاجة أم الاختراع" البدائل التی ابتکرها الشعب السوری فی ظل الحصار

لم تمنع الحرب التي بلغت عامها السادس في سوريا، والتي رافقها الحصار الاقتصادي الجائر على الشعب السوري، من تكيف المواطن مع التغييرات.

وافادت وكالة تسنيم الدولية للانباء نقلا عن "سبوتنيك" وهي رصدت في عدة محافظات تلك التغيرات التي أخذت أشكالا مختلفة ومتنوعة على اختلاف طبيعة الحياة وأنواع التجمعات السكانية في كل منطقة وطرق الحياة اليومية التي يختلف فيها سكان الساحل السوري مثلاً عن المناطق الغربية الشمالية.

تمز وأقمشة

"أبو محمد العامودي" صاحب معصرة زيتون في منطقة القدموس بمحافظة طرطوس تحدث لـ"سبوتنيك" عن الإجراء الذي قام به بعد انتهاء موسم عصر الزيتون، حيث يكدس "يجمع" ما أسماه لنا (التمز).

وهو عبارة عن بقايا بذور الزيتون المطحونة الناتجة عن عملية العصر واستخراج الزيت، ومن ثم يدخلها في قوالب أسطوانية الشكل ويعمد على تجفيفها حتى تأخذ شكلا يشبه إلى حد كبير قطعة الخشب الملساء.

ويقوم "أبو محمد" ببيع هذه المادة كوقود لمدافئ الحطب والحراقات التي تستخدم في تدفئة المداجن والهنكارات البلاستيكية التي يزرع فيها مواسم مختلفة.

كما تقوم ربات البيوت في القرى النائية لتأمين وقود الشتاء بإجراءات مختلفة للحصول على الدفء منها، ما كانت تقوم به السيدة "أم علي" في قرية الطواحين بجرد القدموس، بوضع الألبسة القديمة والأحذية المهترئة مع الحطب مما يساعد في عملية الاشتعال، فكانت جملتها المؤثرة "نكاد نتعرى ونحفى حتى يتدفأ أطفالنا".

نكهة الحلويات مختلفة في قرى مصياف

انتشرت أنواع كثيرة من المأكولات في الآونة الأخيرة لم تكن تندرج على موائد السوريين قبل الأزمة.

فمثلاً الحمص المطحون على شكل بودرة لم يكن شائعاً في المطبخ السوري، أما اليوم فقد أكد "محمد حسن" صاحب مطحنة في مدينة مصياف لـ"سبوتنيك"، أن الأهالي باتوا يجلبون له بشكل كثيف كميات من الحمص المجفف الذي يحصلون عليه من المساعدات الإنسانية المقدمة من منظمة الهلال الأحمر وغيرها من الجمعيات الخيرية التي انتشرت في سوريا، ويطلبون تحويل الحمص إلى بودرة ليتم لاحقاً تحويلها إلى ما يشاع تسميته في سوريا بالمسبحة والفلافل.

خاصة بعد أن باتت أسعار تلك المادتين في الأسواق المحلية تفوق القدرة الشرائية للمواطن العادي، وللحلويات أيضاً حصة على موائد السوريين، وبدورها بينت أم إبراهيم وهي معلمة مهجرة من محافظة حلب وتدرس في ناحية وادي العيون، أنها تقوم بطحن المعكرونة التي تحصل عليها من المساعدات لتعيدها إلى المادة الأولية التي تصنع منها وهي (السميد) ومن ثم تضيف إليه السكر وماء الزهر وبعض المنكهات وتقوم بقليها بالزيت، لتصنع منها مجدداً الحلوى الشعبية الشهية التي تعرف عند أهل الشام عموماً باسم العوامة أو المشبك.

الكهرباء لم يعجز عنها الشعب السوري وأوجد بديلها

ففي طور الاعتداءات الإرهابية المستمرة على حقول الغاز ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتسبب ذلك بانقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه مستمر عن المدن والبلدات والمصانع وغيرها، فقد طور أهالي مدينة حلب ما يعرف منذ فترة بـ (الأمبيرات).

وهي عبارة عن مولدات كهربائية تعمل على البنزين أو المازوت، ويتم توزيع أكبال إلى المشتركين لتوصيل التيار الكهربائي مقابل مبالغ مالية باهظة ليصبح مالك الأمبير بمثابة حاكم فعلي للحي الذي يغذيه بالتيار الكهربائي، فإن حظي أحدهم برضاه ناله حظ وفير من تخفيض سعر الساعة التي يسددها.

بالإضافة إلى الإقبال الكبير في باقي المحافظات على شراء ما يعرف بـ (الليد) وهي أزرار متلاصقة يتم استخدامها في الإضاءة بواسطة البطاريات الجافة، كما أشار "حكمت وسوف" وهو صاحب محل كهربائيات بمحافظة اللاذقية لـ"سبوتنيك" إلى أن المواطنين يرغبون بشراء الليدات والبطاريات وشواحن البطاريات مع رافع جهد التيار الكهربائي كطقم كهربائي كامل يكون بمثابة البديل في حال انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة.

الماء الحاضر الأكبر الذي لا بديل عنه

رغم قدرة المواطن السوري على التكيف الكبير لمختلف الظروف وإيجاده البدائل الممكنة لأي مادة قد يفقدها أو يندر وجودها، إلا أن المياه مصدر الحياة والزراعات والصناعات اليومية والاستراتيجية لا يمكن استبدالها بمادة أخرى.

ومع ذلك فقد أعاد المواطن المأزوم من كل شيء الوسائل البدائية ليستخدمها في استجرار المياه وتخزينها، فمثلاً عمل أهالي قرية قنية بمنطقة الشيخ بدر التي تشتهر بالينابيع والمجاري السيلية، على إنجاز مشروع تخزين المياه على قمة الجبل هناك، ومن ثم توزيعها على منازل القرية، أدى لضبط كميات الهدر الكبيرة لتلك الينابيع واستخدامها بشكل أفضل.

أما في بعض القرى النائية فقد أعاد الناس صورة الحمار الذي يحمل ما يعرف بالراوي، وهو جعبة كبيرة من الكاوتشوك يتم تخزين المياه فيها ونقلها على ظهر الحمار، وهذه الصورة كانت منتشرة في قرى المناطق الحدودية والنائية والبعيدة عن مراكز المدن.

الوسائد لا تحتاج إلى القطن


نتيجة قلة المساحات المزروعة بمادة القطن وضعف تسويقها وتصنيعها كما كان سابقاً، أخذ الناس يبحثون عن مواد قطنية يتم تصنيع الوسائد والفرش المنزلية منها، فكانت فكرة فرم الملابس البالية وتحويلها إلى قطع صغيرة من الخيوط الدقيقة ليتم حشوها بأكياس قماشية وشدها على شكل وسادة أو فراش.

يقوم "عزيز الحايك" صاحب آلة تشبه الحصادة بالتجوال فيها بين القرى والبلدات ليعيد تصنيع الملابس المهترئة وتحويلها إلى مواد أولية يمكن إعادة استخدامها، وأوضح لـ"سبوتنيك" أن هذه الآلة على بساطتها إلا أنها توفر للناس شراء حاجيات ضرورية يستخدمونها في غرف المعيشة والنوم وحتى في الحقل.

فالملابس معظمها مصنوع من المواد القطنية والصوفية، وبالتالي تصبح الوسائد المحشوة بها أشبه ما تكون كتلك المصنعة بمعامل حديثة وتوفر الراحة والمال للناس.

وسائل النقل والبدائل

كانت تنتشر بين الناس قبل الحرب الحالية على سوريا عدوى شراء السيارات والدراجات النارية الحديثة حتى أخذت الشوارع تعج بالآلات.

كما تعددت شركات النقل البرية وأصبح التنقل بين المحافظات ميسراً وسهلاً، وكذلك الوصول إلى أماكن العمل في مراكز المدن والبلدات النائية أيضاً.

أما في سنوات الحرب القاسية فقد تغيرت الطرق وتم إلغاء طرق دولية وفرعية مما زاد من صعوبة التنقل والتكاليف.

وفي هذه الأزمة الحركية التي أدت إلى ما يشبه الشلل أوجد السوريون آليات جديدة للتنقل كانت موجودة ولكن نادراً ما يفكر باستخدامها، فمثلاً قام "ياسر الحموي" من مدينة حمص ببيع سيارته السياحية بسبب صعوبة التنقل وغلاء مادة البنزين واشترى بدلاً عنها دراجة تعمل على البطارية الكهربائية وأخذ يتنقل بها من منزله إلى مركز عمله.

وأوضح لـ"سبوتنيك" أنه أصبح يصل باكراً إلى عمله ووفر كثيراً من المال، وفي جولة استطلاعية تبين لنا انتشار الدراجات الهوائية أكثر من ذي قبل، كما تحول معظم الناس للتنقل مشياً على الأقدام لقطع المسافات القريبة.

/انتهي/

أهم الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
عناوين مختارة