السيد نصر الله: استعادة حلب أفشلت هدف إسقاط الحكومة في سوريا


نحن أمام مرحلة جديد في الصراع في سورية، جبهتنا ‏تتقدم بشكل كبير جدا، تقدمت بانجازاتها بانتصاراتها، ولكن المسؤولية والمواجهة ما ‏زالت كبيرة، المرحلة المقبلة يجب ان تتركز على تثبيت مدينة حلب.

قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إن ما جرى في حلب هو هزيمة كبرى للمشروع الآخر وانتصار لسوريا، مؤكداً أن "هدف إسقاط النظام بعد تحرير حلب سقط"، وهذا هو "إحدى الدلالات المهمة لتحرير المدينة".

نصر الله قال "إننا أمام مرحلة جديدة من الصراع في سوريا" لأن "مشروع تدمير سوريا مستمر" مشدداً على وجوب العمل على تثبيت الإنجاز الذي تحقق في حلب وتأمين المدينة ومحيطها. 

وقال نصر الله في لقاء مع طلاب جامعيين إن "انتصار حلب وفشل المحور الآخر يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة أمام حلول سياسية ويجعل بعض الدول أكثر واقعية أمام الحقائق الميدانية والسياسية والشعبية"، مضيفاً أن "ما تحقق ليس بسبب حجم الدعم بل نتيجة وجود قيادة وجيش وحلفاء ومقاومين أصرّوا على المواجهة". ولفت إلى "الإمكانات المالية والعسكرية واللوجستية الهائلة التي قدمتها بعض الدول للمسلحين في حلب".

ولفت نصر الله إلى أن "معركة حلب رافقها الكثير من التضليل الإعلامي والتشويه من قبل الجماعات المسلّحة وداعميها" قائلاً "إن المسلحين وداعميهم جاؤوا بأطفال من اليمن وغزة وعرضوهم على أنهم محاصرون في حلب".

الكلمة الكاملة للسيد حسن نصر الله في اللقاء الطالبي الجامعي

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

الإخوة والأخوات في القاعة المركزية وفي المناطق، الحضور الكريم، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

دعونا في الأول نُنظّم الكلام وندخل إليه، أنا في نيتي في هذا اللقاء الكريم والمبارك خصوصاً مع الإخوة والأخوات طلاب الجامعات وبحضور السادة العلماء والأساتذة الدكاترة الكرام والأخوة المسؤولين، أنا أريد أن أقسم البحث قسمين، أو الحديث:

القسم الأول سأقدم فيه الحديث السياسي من أجل الاستفادة من فرصة النقل التلفزيوني، الآن المنار، إذا هناك تلفزيونات أخرى تنقل، فلا نعطّلهم، نتكلم في البداية في الموضوع السياسي، ننتهي منه، يعني المقدار المتاح، يتوقف البث التلفزيوني وننتقل للنقاش الآخر الذي له علاقة بالشأن الطلابي والجامعي وحديثي مع الإخوة والأخوات، الطلاب والطالبات، والذي هو في الحقيقة ليس حديثاً خاصاً أو أسراراً لا نريد أن نبثّها على التلفاز، ولكن من أجل أن لا نأخذ من وقت التلفزيونات أكثر، نكتفي بالجزء السياسي من الحديث في البث المباشر.

حسناً، في الشق السياسي أنا أريد أن أتكلم قليلاً عن الوضع في المنطقة، سوريا ستكون هي الموضوع الأساسي في الحديث عن وضع المنطقة، وأثناء الحديث عن سوريا أنتقل بشواهد إلى ما يجري في المنطقة، في اليمن، في غيرها، وبعد ذلك أتكلم قليلاً عن الوضع اللبناني الداخلي، ليس لدي كلام طويل بالوضع الداخلي لأن الأمور إن شاء الله واضحة، وننهي الجزء السياسي من لقائنا.

لكن في البداية اسمحوا لي أن أجدد لكم ولجميع اللبنانيين ولجميع المسلمين والمسيحيين التبريك بالأعياد والأيام العظيمة والمجيدة التي نعيشها في هذه الأيام، قبل مدة.

قبل أيام قليلة كنا بين يدي ذكرى ولادة رسول الله الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، رسول الرحمة الإلهية للعالمين، وذكرى ولادة حفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، أستاذ الأئمة، وبين أيدينا في الأيام القليلة المقبلة إن شاء الله عيد الميلاد المجيد للسيد المسيح عليه السلام، هذه أيام عظيمة ومجيدة ومباركة.

أيضاً في بداية الكلمة وفي أجواء البرد والثلج والعواصف التي جاءت أو قد تأتي على مستوى الطبيعة، يجب أن نتوجه بالتحية والسلام والإكبار والتقدير إلى كل المرابطين والمقاتلين والمتواجدين في الميادين، من ضباط وجنود ومقاومين، سواءً عندنا في الحدود الجنوبية في مواجهة إسرائيل، أو على حدود غزة في مقابل الاحتلال أو على حدودنا الشرقية في البقاع في مواجهة الجماعات الإرهابية أو في سوريا، في كل خطوط المواجهة، أو في العراق أو في اليمن أو في أي موقع يقاتل فيه مدافعون ومقاتلون في مواجهة أشكال الغزو والاحتلال والإرهاب والهيمنة.

لهم كل التحية والتقدير، لهؤلاء الصابرين الصامدين في الظروف الطبيعية الصعبة والظروف العسكرية الصعبة أيضاً والذين يدافعون عن بلدانهم وشعوبهم ليحيا الناس حياة طيبة آمنة وادعة في مدنهم وقراهم.

قبل أن أدخل للحديث عن سوريا، انطلاقاً من الوضع العام في المنطقة، من وضعنا، أدخل إلى موضوع أول وأساسي، أيضاً انطلاقاً من ذكرى ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأقول: لم يتعرض الإسلام كدين ورسول الإسلام إلى هذا المستوى من الإساءة والتشويه على الصعيد الإعلامي وعلى الصعيد الشعبي وعلى صعيد المواقف طوال التاريخ كما حصل في السنوات القليلة الماضية، كماً ونوعاً، بسبب حجم الأحداث والانحرافات والتجاوزات، وأيضاً بسبب قوة الإعلام الذي يمكن أن يوصل الخبر أو الصورة أو الكلمة إلى كل بيت في العالم خلال ثوانٍ أو دقائق.

قبل ست سنوات كنا نواجه حملات إساءة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبر الأفلام السينمائية أو الرسوم الكاريكاتورية أو بعض الكتب كالآيات الشيطانية، ولكن للأسف الشديد منذ ستة أعوام أصبحنا أمام مشهد مختلف، لا داعي لاستنزاف الوقت لأنه عندنا أشياء كثيرة نحكيها، ولكن يكفي أن نستحضر، أن نستجمع بذهننا خلال ستة أعوام ما جرى على أيدي الجماعات الإرهابية التكفيرية المسلحة التي تدّعي أنها إسلامية، وتدعي الانتساب لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتكتب على أعلامها وراياتها لا إله إلا الله محمد رسول الله، والأسوأ بينها داعش التي تضع على راياتها ما يقال إنه ختم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مكتوب هكذا بالدائرة محمد رسول الله.

حسناً، ما قام به هؤلاء الذين يدّعون ظلماً وزوراً هذا الانتساب من قتل ومن ذبح ومن سبي ومن حرق في الأقفاص أو في السلاسل، ومن مجازر جماعية ومن تدمير لكل إرث حضاري، سواءً كان إسلامياً أو مسيحياً أو غير ديني، له تاريخ، له قيمة حضارية، يعني ما يرتبط بالبشر وما يرتبط بالحجر وما يرتبط بالتاريخ وما يرتبط بالثقافة.

نحن خلال الأعوام الماضية أمام مجزرة شاملة، مجزرة على المستوى البشري والدموي، مجزرة على المستوى الحضاري والفكري والثقافي، مجزرة على المستوى الأخلاقي والنفسي والمعنوي، وقام بها هؤلاء.

ما شهدناه خلال الأعوام الماضية من التفنن بأساليب القتل، الإغراق في الماء، شق الصدور، الصلب، قطع الرؤوس والأيدي، أمر مذهل، هذه المشاهد غابت عن عيون العالم لمئات السنين. لكن هؤلاء الآن يقدّمون كل هذه النماذج البشعة، وباسم الإسلام وباسم نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم.

هذا يرتّب مسؤولية دينية، بالدرجة الأولى، وتاريخية وأخلاقية على جميع المسلمين والمسلمات في العالم، على علمائهم ومفكريهم وإعلامييهم وأساتذتهم وطلاب جامعاتهم وعلى عامّتهم، على كل مسلم ومسلمة، كل واحد يستطيع أن ينطق بكلمة، كل واحد يستطيع أن يكتب جملة، كل واحد عنده شبكة تواصل اجتماعي ويستطيع أن يحكي عليها ويعبّر عن موقف، هناك مسؤولية، المسؤولية هي رفض وإدانة هذه الجرائم وهذه الأعمال البشعة وأيضاً البراءة منها، أن نصرخ في وجه العالم كله لنقول أيها العالم، أيها المسلمون وغير المسلمين، هذه الأعمال لا تمتّ إلى الإسلام بصلة ولا تمت إلى دين الله بِصلة ولا تمتّ إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بِصلة ولا إلى أهل بيت رسول الله ولا إلى صحابة رسول الله، لأن هؤلاء يحاولون أن يستشهدوا على بعض جرائمهم بالصحابة الكرام أنفسهم وهذه أعظم إساءة وإهانة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. هذا الرفض، هذه الإدانة، هذا الاستنكار اليومي والساعاتي والدائم وعند كل جريمة لا يكفي أن نقول لقد استنكرنا قبل شهر أو شهرين أو سنة الجريمة الفلانية، مع كل جريمة، مع كل تفصيل، مسؤولية الجميع أن يصرخوا،
ومن يسكت فهو شريك في إتاحة المجال لأن يُساء إلى الإسلام وإلى نبي الإسلام بل إلى الأديان السماوية بل لله سبحانه وتعالى، رب هذا الدين ومنزل هذه الكتب السماوية، هذه المسؤولية كبيرة وخطيرة جداً،وهذا الحد الأدنى الواجب على كل مسلم ومسلمة، وكلنا لديه القدرة على أن يُعبّر، الآن مع وجود وسائل التواصل الإجتماعي والإنترنت أصبح بإمكان كل واحد أن يعبّر عن رأيه، احياناً تمتلئ مواقع وسائل التواصل الإجتماعي بقضايا وملفات سخيفة وتافهة وقضايا جزئية، لكن قضايا بهذا المستوى من الحجم والأهمية والخطورة، نرى أنه مغفول عنها ومتروكة.

في هذا السياق، أريد أن آخذ ثلاثة حوادث بشكل سريع حصلوا خلال الأيام القليلة الماضية وأدخل بعدها مباشرةً إلى حلب وإلى سوريا.

المسألة الأولى إحياء مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الآن الناس يقولون: ذكرى المولد أو عيد المولد أو يوم المولد، لا مشاحة في الإصطلاح، لأنه هنا عندما نتحدث عن العيد، لا نتكلم عن العيد بالمعنى الفقهي والشرعي الذي تترتب عليه آثار شرعية، عندما نقول مثلاً عيد الاستقلال أو عيد المقاومة والتحرير، لا نقول هنا هذا عيد شرعي فقهي يستحب به كذا.. ويجب فيه كذا.. ويحرم فيه كذا..، مثلما حال الأعياد مثل عيد الفطر أو عيد الأضحى وما شاكل..، طيب الناس تتسامح في التسميات وفي الاصطلاحات.

هناك الفكر الذي يقف وراء هذه الجماعات وتحمله هذه الجماعات، يعني الفكر الوهابي حتى لا نظل نختبئ وراء أصابعنا، يريد أن يفرض نفسه بالقوة على مسلمي العالم. هناك الفكر الوهابي يقول إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف حرام وبدعة وكفر، وذهب بعض كبار شيوخهم إلى القول إن من يحتفل بعيد المولد النبوي الشريف كافر يُقتل، لأنه مرتد عن الإسلام، طيب يا أخي هذا هو رأيك، الذي أصلاً لا يستند إلى أي دليل، وهذا اجتهادك.

حسناً، بقية المسلمين من سنة وشيعة وغيرهم يقولون إن هذا الاحتفال حلال وجائز وراجح وجيد وإحياء للإسلام وإحياء لرسول الله صلى الله عليه وآله، وعندهم أدلّتهم، فلماذا تريد أنت أن تفرض قناعتك وفكرك على بقية المسلمين. ثم شهدنا على مدى السنوات الماضية كيف يذهب الإنتحاريون ليفجروا أنفسهم في إحتفالات ماذا؟ ليس احتفالات الشيعة في الحسين،  بل في احتفالات المسلمين السنّة بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. هل يوجد فكر ظلامي وهمجي أكثر من هذا الفكر؟
حسناً، يا أخي عندك إجتهادك، (وإن يكن)، في العالم الإسلامي وفي الأمة الإسلامية وفي التاريخ الإسلامي صار مقبولاً وجود اجتهادات متنوعة، لا أحد يقدر أن يفرض فكره الخاص أو مذهبه الخاص أو اتجاهه الفقهي الخاص على مليار ونصف مليار مسلم في العالم.

ولكن هناك جهة هي الوهابية التي تريد أن تفرض فكرها، وبقوة السلاح، وبالانتحاريين، مثلما في السنوات الماضية أفتت القاعدة والتيار التكفير بأن كل من يشارك في انتخابات، سواء كانت انتخابات بلدية أو انتخابات نيابية أو انتخابات رئاسية هو مبتدع وكافر ويجوز قتله، ولذك قتلوا الناس في العراق وفي أفغانستان وفي الجزائر وفي نيجيريا وفي أماكن أخرى من العالم وفي أفغانستان وباكستان، فقط لأنهم ذاهبون لينتخبوا، وأن هذه هي بدعة وكفر وخروج عن الإسلام، ومن يفعل ذلك يُقتل.

طيب لماذا هذه المعركة؟ الآن في الأسابيع الماضية تفتح على التلفزيونات وعلى بعض الفضائيات العربية وعلى المواقع تلاحظ حروباً طاحنة في العالم الإسلامي، نحن في العالم الإسلامي لا توجد لدينا مشكلة اسمها فلسطين والمقدسات، ولا اسمها العنف والإرهاب في كثير من الدول، ولا أسمها ملايين المهجرين ولا أسمها.. ولا أسمها..، عندنا مشكلة اسمها أنه نحتفل بعيد المولد أم لا نحتفل بعيد المولد، وخطب وساعات وهجمات قاسية على من يحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

طبعاً من يحتفل بمولد النبي (عندهم) كافر، فكيف إذا كان يحتفل بميلاد المسيح عليه السلام؟ يعني علينا أن نفهم الأمور إلى أين سوف تذهب.
مثل ثاني: الذي رأيناه خلال الأيام القليلة الماضية، أمس، أول أمس، كلنا يعرف أنه قبل أيام دخلت طفلة صغيرة إلى مركز للشرطة في دمشق، إلى أحد مراكز الشرطة في دمشق، إما أنها فجّرت نفسها أو أنه تم تفجيرها عن بعد، على الحد الأدنى أنا لا أعرف، لكن القدر المتيّقن الذي كل وسائل الإعلام تحدثت عنه أكيد، أن الطفلة تم إلباسها حزاماً ناسف وإرشادها للدخول إلى مركز الشرطة، وعلى كل حال، إذا أقنعوها وهي فجّرت نفسها، فهذه مصيبة عظيمة جداً ، وإذا هم فجروها عن بعد فهذه أيضاً هي مصيبة عظيمة جداً، الآن من دون أن نقول أيهما أعظم، حسناً ثم خرج على التلفزيون ليقف في هذين اليومين ـ صحيح هي حادثة جزئية لكن هي جزئية في سياق هذا المناخ والظاهرة الفكرية والثقافية ـ يضع ابنتين صغيرتين و”عامل لك لحية هالأد”، وبنتين محجبات ويتكلم معهن والبنات مرعوبات،ولا كانوا قادرين على أن يُجاوبوه، وصوتهم مخفي، أنه ألستِ ذاهبة إلى الله يا حبيبتي؟  من قال لك أنك باعثها إلى عند الله، انت إلى أين باعثها؟

أريد هنا أن أتساءل، لأنني كنت أقول قبل قليل إنه واجبنا أن نصرخ اليوم  بالحقيقة. يجب برأيي الشخصي، أنا لا مرجع ولا مفتي، لكنني أقدّم وجهة نظر، يجب على كل مسلم في العالم يستطيع أن يتكلم ولديه إنترنت وعنده جريدة وعنده إذاعة وعنده تلفزيون أن يُدين هذا المجرم وهذا الوحش وهذا القاتل وهذا الهمجي الذي يرسل بناته الأطفال لينفذوا عمليات إنتحارية وباسم الله يرسلهم، وباسم الإسلام وباسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الآن بمعزل عن أن واحدة من هاتين البنتين هي راحت أم لا. على كل هذا يعبر عن ثقافة وعن ثقافة مقبولة في أوساط معينة في الأمة، وبالمناسبة هذا ليس شيئاً جديداً، في نيجيريا عشرات البنات الصغيرات الأطفال من البنات، بوكو حرام التي هي داعش والتي هي قاعدة والتي هي فكر وهابي استخدمت بنات فجّرتهم في الأسواق وفي الكنائس وفي المساجد، وقُتل واستشهد المئات من النيجيريين بسبب هذه العمليات الإنتحارية، هذا ألا يحتاج إلى إدانة، ألا يحتاج إلى صرخة؟ أين يوجد عقل وأين يوجد قلب وأين يوجد دين؟ أين يوجد شيء له أي صلة بالسماء يمكن أن يقبل أن ترسل طفلاً أو طفلة لتفجر نفسها أو لتفجرها أنت عن بعد؟ فعلاً هذا شيء مذهل، وشيء كنا نسمع في الزمانات، في بعض خطب أمير المؤمنين عليه السلام يقول: فتنة صماء عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، لم نكن نفهم ما هي هذه الفتنة؟ لكن هذه الآن توجد أمامنا، هذه هي الفتنة، يهرم فيها الكبير الذي عمره أربعون أو خمسون أو ستون سنة، يحس حاله انه صار عمره مئتين سنة، ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، كل إنسان مؤمن وكل إنسان مسلم، وكل إنسان غيور على الإسلام وعلى رسول الإسلام، يحترق قلبه عندما يرى هؤلاء المتوحشين والهمجيين والتكفيريين، والقتلة يسيئون إلى هذا الدين وإلى هذا النبي ويسيئون إلى الله سبحانه وتعالى من خلال هذه الجرائم وهذه المنهجية.

حسناً، الحدث الثالث: الذي رأيناه أمس واليوم، إحراق جنديين تركيين مقيّدين بالسلاسل، إحراقهم بالنار، يضعون عليهم كاميرا، طبعاً وسائل الإعلام لم تنقل كل شيء، لكن الذي وضعته داعش على الإنترنت المشهد كله، هو ويحترق إلى أن يصير رمادا، و”مبسوطين فيه” ويقف واحد باللغة التركية يهدد ويرعد ويزبد ويوصل رسالة، وباسم الإسلام.

طبعاً الجيش التركي للأسف اليوم هو في الموقع الآخر، لكن هذا لا يمنع على الإطلاق أن نُدين هذا القتل وهذه الوحشية، كما فعلنا سابقاً عندما أقدمت داعش على حرق الطيار الأردني، وكما أقدمت سابقاً على حرق جنود ومدنيين عراقيين، وكانت تفتخر بذلك، وأيضاً في دول أخرى فعلت ذلك.

حسناً هذه هي حادثة ثالثة،  أليس هذا يحتاج إلى وقفة وإلى استنكار؟، هذا باسم الإسلام، هل هكذا يقول الإسلام؟ أي دين وأي مذهب وأي فقه وأي مجتهد عنده قليل من العلم يمكن أن يقبل بهذا الذي يجري الآن بإسم الإسلام؟

في هذا السياق، أيها الأخوة والأخوات:

أولاً: في كل حدث مشابه يجب أن نستنكر وأن نُدين وأن نرفض وأن نرفع الصوت، من دون خجل ومن دون حسابات، وسواء كان الذي يُرتكب بحقه هذه البشاعات منا أو حتى من الذين يقفون في المعسكر الآخر ويُقاتلوننا.

ثانياً: أتمنى الانتباه إلى هذه النقطة التي تحتاج إلى شغل، المسلمون وغير المسلمين، وكل وسائل الإعلام وكل المفكرين والكتاب حتى الناس العاديين في أدبياتهم، يجب أن ننتبه إلى أمر التي أحب أن أنبه عليها في ذكرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتي هي الآن تسمع مثلاً في وسائل الإعلام الإرهاب الإسلامي، ترامب الآن يلحقنا بالإرهاب الإسلامي، لكن الغرب كله يتكلم عن الإرهاب الإسلامي، والإعلام العربي يمشي معهم، الإسلام المتطرف والجماعات الإسلامية الإرهابية والجماعات الإسلامية المتطرفة والجماعات الإسلامية المتشددة.

الإعلام الغربي وفي بعض الإعلام العربي مصّر أن لا يقول داعش، وتستطيع أن تقول داعش، يقول تنظيم الدولة الإسلامية، الإسلامية، الآن جماعة الجامعات والأساتذة وعلم النفس التربوي كلهم والذين يشتغلون بالإعلام والحرب النفسية يعرفون ماذا يعني أنه على مدار ست سنوات يوجد أناس تحترق وتوجد أطفال تُذبح ونساء يتم سبيها، وتُقطع الرؤوس وتشق الصدور، وتسمع معها “الله اكبر” واسلام، الله اكبر واسلام، حركة إسلامية، دولة إسلامية، إسلام إسلام إسلام، يوجد في بعض هذا الأمر بالنسبة لبعض الناس غفلة، ويوجد في بعضه هذا جزء من مؤامرة على الاسلام، جزء من التواطؤ على الإسلام وجزء من استهداف الاسلام.

هذا يجب أن ننتبه إليه، حتى نحن بأدبياتنا يجب أن ننتبه لهذا الموضوع. لا يوجد شيء اسمه تنظيم الدولة الإسلامية، رغم أن بعض الفضائيات العربية تصر على هذه التسمية، بالغرب كله يقولون: تنظيم الدولة الإسلامية، يوجد شيء اسمه داعش، لا يوجد جماعات إسلامية متشددة ومتطرفة وإرهابية، يوجد جماعات إرهابية، يوجد جماعات تكفيرية متطرفة.

لا يوجد شيء اسمه الإسلام الإرهابي. يوجد تناقض بين الإسلام وبين الإرهاب. يوجد تناقض بين الإسلام وبين التطرف. لا يوجد شيء اسمه الإسلام المتطرف. الإسلام إسلام واحد، هو إسلام القرآن، إسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن غير المسلمين أيضا نطالبهم بهذا.

اليوم مثلاً، نتيجة الوعي الموجود في العالم الإسلامي، عندما يأتي مثلا الجيش الاميركي ويرتكب مجزرة بحجم هيروشيما ونكازاكي وليس فقط هذا، الآن على مدى السنوات الماضية، منذ عام 2001 إلى اليوم مئات الآلاف قتلهم الجيش الأميركي، سلاح الجو الأميركي في العراق، افغانستان، باكستان، في سوريا، في اليمن، في أماكن أخرى، لم يخرج أحد من المسلمين ليقول الجيش المسيحي الاميركي، الإرهاب المسيحي، المسيحية المتطرفة، المسيحية الإرهابية، الدولة المسيحية الأميركية، بل نقول الدولة الأميركية، الجيش الأميركي، الجماعات الإرهابية، وننزّه اسم المسيح عليه السلام واسم المسيحية والديانة المسيحية والمسيحيين عن أن ننسب إليها هؤلاء المجرمين القتلة الذين هم مسيحيون، مثلما داعش والنصرة والقاعدة مسلمون.

حتى في الموضوع اليهودي، نحن بكل أدبياتنا لا نقول الجيش اليهودي لا نقول الدولة اليهودية، نقول الكيان الصهيوني، الجيش الصهيوني، العصابات الصهيونية الارهابية، للأسف الشديد اليوم في العالم ممكن كل العالم

يقول لك الإسلاميون الارهابيون، الإسلام الإرهابي، الإسلام المتطرف “وماشي الحال”، لكن في حال يقول أحد  يهود أو اليهودية أو الجيش اليهودي أو الدولة اليهودية يصبح معادياً للسامية ويحاكم في أوروبا، حتى في فرنسا يحاكم، مثلما فعلوا بـ “روجيه غارودي”.

جيد، نحن نطالب بقية العالم بما نفعله نحن، فلننزّه أسماء الديانات السماوية والأنبياء وأتباع الديانات السماوية عن أن ننسب إليها هذه الجرائم البشعة، ولننسبها إلى اصحابها بصفتهم الإرهابية الوحشية الإجرامية، سواء كانوا مسلمين كداعش، أو مسيحيين كبعض هذه الجيوش الغازية، أو يهود كالجيش اليهودي الإسرائيلي، ولا نقول إسلام ومسيحية ويهودية، ومسليون ومسيحيين ويهودا.

هذا مطلوب بأن يُعمل، والشيء الأخير في هذا السياق: دعوة إلى الدول التي قدّمت كل أشكال الدعم لهؤلاء الإرهابيين أنه لم يفت الأوان، يمكنها أن تتدارك، يجب أن توقف هذه الرعاية وهذا الدعم وهذه التسهيلات.

هذه الأردن، ما جرى في الأيام القليلة الماضية في مدينة الكرك وسقط شهداء من الجنود الأردنيين ومن المدنيين الأردنيين، ومن السواح أيضاً سقط ضحايا بفعل داعش وجريمة داعش.

أيتها الحكومة الاردنية: ألا يجب أن تتعظوا؟ ألا يجب أن تتعلموا؟ هذه الرعاية للجماعات المسلحة التي تحمل نفس الفكر. يمكن أن تقول: هذا ليس داعش، ولكن هذا نفس الفكر يا حبيبي، هؤلاء الذين تقدمون لهم الرعاية والدعم والتسهيلات في الأردن وعلى الحدود الأردنية بحجة أن هؤلاء يقاتلون النظام في سوريا، هؤلاء سيقاتلونكم وسيفجرونكم وسيقتلون جنودكم والشرطة لديكم والمدنيين عندكم والناس عندكم، لأنكم في عقلهم وفي ثقافتهم أنتم كفرة، ويجب أن تُقتلوا وأن تُزالوا.

إلى متى هذه الدول الراعية للإرهاب وللجماعات الإرهابية ستظل تغض النظر و”مضروب على عقلها” نتيجة حسابات مع السعودية ومع أميركا، تعرّض أمنها القومي وتعرض مستقبل نظامها أيضاً للخطر.

هذه تركيا، العالم كله يعرف أن تركيا وأن الحكومة التركية أو أن الحزب الحاكم في تركيا قدّم لداعش من الدعم ما لم تقدمه أي دولة في العالم وهذا لا يحتاج الى دليل، دليله واضح، يمكنكم أن تراجعوا على مواقع التواصل وعلى الانترنت خطاب جو بايدن في واحدة من الجامعات الاميركية، هو يقول عن حوار بينه وبين أردوغان أن انظروا، الأميركي مع دعم داعش ولكن بحدود حتى لا تخرج عن السيطرة، يقول لأردوغان أنتم تدعمونهم أكثر من اللازم، تفتحون لهم الحدود تقدمون لهم التسهيلات أكثر من اللازم، أردوغان يقول له كلا، ولكن بعد مدة جو بايدن ماذا يقول؟ بعد مدة (يقول) أردوغان اعترف لي أنه كان مخطئاً.

هل لدى أحد نقاش أنّ تركيا سهّلت دخول داعش إلى العراق وسوريا؟ ليس فقط سوريا، العراق وسوريا. سلاح، إمكانات، الآلاف من المقاتلين الذين جاؤوا من العالم، والأموال، وبيع النفط، وبيع الاثار، كله من أي حدود يخرج؟ من حدود تركيا.

لكن هذه تركيا اليوم تتلظى بنار داعش في داخل تركيا وفي شمال سوريا.

الاتراك، ولحد اليوم هم غير معتبرين بالذي يحصل، لانهم يقاتلون داعش في شمال سوريا ويدعمونها في شمال العراق، هذا اللعب السياسي، اللعب السياسي الذي لا يوجد فيه لا قيم دينية ولا قيم إنسانية ولا قيم أخلاقية ولا حتى حسابات استراتيجية، يوجد حسابات سياسية وأحقاد ونوع من التعصبات المعينة.

حقيقةً، الشعب التركي، الآن يقول لك إنه بالأمس قالوا بالأخبار إن الحكومة التركية حجبت مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا يشاهد الشعب التركي منظر الجنديين يحترقان، هل قلبه محروق على الجنديين؟ أو إنه لا يريد أن يرى الشعب التركي نتيجة سياساته، ولا يريد أن يرى الشعب التركي حقيقة داعش التي دعمها أردوغان وسلّحها واشترى منها النفط، واشترى منها الآثار، وفتح لها الحدود كيف تفعل بالجنود الاتراك وبالشعب التركي (ما فعلت).

لكن على كل حال، الآن الحكومة التركية أيضاً مدعوّة إلى موقف حاسم من داعش، وانتهت اللعبة السياسية، سواء في الرقة أو في الموصل أو في شمال العراق، وإلى الخروج من الإزدواجية، أن تقاتل تركيا داعش في مدينة الباب وتدعمها في الموصل، هذا ليس لمصلحة تركيا وليس لمصلحة الشعب التركي ولا مصلحة الجنود والجيش التركي.

نأتي إلى سوريا، نريد ان نتحدث قليلا عن حلب وعن الوضع العام في سوريا ونعطيه القليل من الوقت لأننا لم نتحدث عن سوريا منذ فترة، كنا نتحدث دائماً بالأوضاع اللبنانية المحلية.

في موضوع سوريا، في موضوع حلب وما يرتبط بالأحداث الاخيرة لديّ عدد من النقاط:

النقطة الأولى:  تابع الناس بالأخبار خلال الأشهر القليلة الماضية أحداثاً ومواجهات وحروباً وقتالاً وغيره في حلب، ولكن إذا جئنا لنكوّن مشهداً جامعاً من قلب الميدان، أودّ أن اقول لكم وللسادة المشاهدين أن الذي جرى في حلب خلال الأشهر القليلة الماضية، ثلاثة أو أربعة أشهر، هي حرب حقيقية من أقسى الحروب التي شهدتها سوريا، بل من أقسى الحروب التي شهدتها المنطقة خلال أعوام، لم يكن الذي يحدث أمراً عادياً على الإطلاق، ابداً.

الدول الراعية للجماعات المسلحة جاءت بعشرات الآلاف المقاتلين، المعارك التي كانت تدور غرب مدينة حلب وجنوب مدينة حلب، يعني غرب المدينة وفي ريفها الجنوبي مع هذه الجماعات المسلحة، لم تكن فقط مع جماعات سورية معارضة، بل كان هناك أعداد كبيرة جداً من الأتراك والأوزبك والطاجكستانيين والشيشان ومن آسيا الوسطى يقاتلون هناك. الذين شاركوا في المعارك خلال الاشهر القليلة الماضية عشرات الآلاف، بينهم مئات الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم بأي مواجهة، ليس انتحارياً واحداً أو اثنين، بل عشرة وعشرين انتحارياً في وقت واحد. طبعا عندما تقول “انتحاري” ليس عبوة ناسفة، بل يركب في ملالة، ناقلة جنود، يوجد فيها 3 طن 4 طن 5 طن ويدخل إلى خطوط التماس أو المباني الأولى التي يوجد فيها الجيش السوري أو المقاتلون الآخرون. وتصوروا أنتم مشهد أطنان من المتفجرات يقتحم فيها الانتحاريون بآليات. ما هو حجم الثبات والصمود الذي حصل؟ مئات الإنغماسيين، الذي هو ليس انتحارياً بل يقتحم بمستوى الانتحاري، أسلحة نوعية، إمكانيات هائلة، أموال، دبابات، ناقلات جند، آليات تحمل أسلحة، إعلام..

ولذلك الذي حصل في حلب ـ فقط لتكونوا بالصورة ويكون العالم كله في الصورة ـ هو معركة متواصلة يومية، معركة قاسية، معركة طاحنة، وراهنت عليها كل الدول الراعية للمشروع الآخر، وبنت عليها أحلاماً وأمجاداً، وكان الهدف من هذه المعركة هو إسقاط حلب والسيطرة عليها، وليس إنقاذ أو فقط فتح الطريق إلى حلب الشرقية، لأن حصار حلب الشرقية هو عدة أشهر فقط، أما الحرب على حلب لسنوات.

في الأشهر القليلة الماضية كان عنوان المعركة التي رفعتها الجماعات المسلحة ورعاتها: ملحمة حلب الكبرى معركة فتح حلب، أليس هذا ما قالوه هم في الإعلام؟

ولذلك اليوم عندما نقف أمام هذا الانتصار وأمام هذا الإنجاز يجب أن نعرف وأن نستحضر في البداية حجم التضحيات الجسيمة من شهداء وجرحى ومدنيين وأيام صعبة وتحمّل قصف ومواجهات حادة حصلت خلال أشهر من قبل الجنود والضباط والمقاومين وبقية المقاتلين في تلك الجبهة.

النقطة الثانية، يعني أريد أن أقول موضوع حلب لم يأتِ هكذا مثل أي معركة، لا، معركة عمرها سنوات لكن عمرها الأخير عدة أشهر حرب متواصلة يومية، وضغط ضغط ضغط، يحصل الهجمات الأولى تنكسر، ثاني يوم الهجمات الثانية، ثالث يوم الهجمات الثالثة، رابع يوم الهجمات الرابعة، وتشعر أن هناك حجماً من المقاتلين كأن لا أب لهم ولا أم، يؤتى بهم من كل العالم ليقتلوا هناك.

النقطة الثانية، تبرير الجماعات المسلحة الهزيمة في كل معركة حلب، لأننا نحن لا نتكلم هنا فقط عن الهزيمة في أحياء حلب الشرقية، معركة حلب كلها، في الأحياء الشرقية وفي غرب حلب وفي الريف الجنوبي، الذي وصل إلى هذا الانتصار والإنجاز، تبريرها بموضوع حجم الدعم وأن الدول الراعية لها خذلتها ولن تدعمها وتركتها، هذا خاطئ وليس بصحيح وليس له أساس.

حجم الدعم الذي قُدّم للمعركة في حلب من خارج المدينة ومن داخل المدينة، من قبل هذه الدول، تسهيلات، حشد المقاتلين الأجانب، الإمكانيات، الأموال، الأسلحة، شيء مذهل جداً.

وهنا دعوني أقول ما يلي فيما يتعلق بكل سوريا، يا إخواني وأخواتي باعتراف جو بايدن، باعتراف كلينتون، باعتراف الأميركان، المال الذي أنفق في سوريا مئات المليارات من الدولارات، عشرات الآلاف من الأطنان، أطنان السلاح والذخائر جيئ بها إلى سوريا، اسمحوا لي أن أجري مقارنة برسم الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، ما قدمه العالم والدول العربية ـ لأن أغلب الأموال من الدول العربية ـ ما قدموه من دعم ومال وسلاح وذخيرة على المستوى المادي واللوجستي ومن دعم إعلامي وسياسي للحرب على سوريا خلال ستة أعوام يفوق بعشرات المرات، وغير قابل للقياس، بما قدمه العالم العربي من دعم للشعب الفلسطيني خلال أكثر من ستين عاماً. احسبوها، بالمال وبالسلاح وبالذخيرة وبالدعم السياسي، بالمؤتمرات، مؤتمرات أصدقاء سوريا، كم مؤتمر؟ حتى كلام، كم عقدوا مؤتمرات لفلسطين على ستين سنة وكم عقدوا مؤتمرات للجماعات الإرهابية في سوريا خلال ست سنوات؟

الحقيقة هي أن الدول الداعمة للإرهاب في سوريا لم تقصّر لا في دعم السلاح ولا في دعم الذخيرة ولا في دعم المال ولا في الدعم السياسي ولا في الحصار ولا في العقوبات ولا في التحريض الإعلامي ولا بالأكاذيب وبالتضليل وبالفتن الطائفية والمذهبية. نعم، ما لم تفعله هذه الدول أنها لم ترسل الجيش السعودي أو الجيش القطري أو الجيش الفلاني ليقاتل في سوريا، وفّرت أبناءها، ولكن الآن التركي تورط وبدأ يذوق طعم تورطه، بدأ أولاده يُقتلون على الأرض السورية، بل يُحرقون على الأرض السورية، وبأيدي من رعاهم وقدّم الدعم لهم.

حجم الدعم الذي قُدّم للجماعات المسلحة في سوريا حتى لا يقاس، ترون معركة أفغانستان، اجمعوا أفغانستان، وانظروا كم قدّم من المال والسلاح والتدريب والذخيرة والدعم السياسي والإعلامي والديني والثقافي والذي تريدونه لأفغانستان على مدى سنوات طويلة، ولكنه لا شيء أمام ما قدّم للحرب على سوريا بست سنوات.

ولذلك الذي حصل في سوريا هو ليس نتيجة ضعف الدعم للجماعات المسلحة، بل نتيجة أن في سوريا قيادة وجيشاً وشعباً وحلفاء ومقاومين أصروا أنه لا، لا نريد أن نستسلم، وسنواجه، وسنمنع سيطرة داعش والنصرة والإرهابيين على سوريا، وكان عندهم بصيرة وعندهم فهم للمشروع وعندهم إرادة قتال وعندهم عزم على تحقيق الإنتصار، هذا الذي حصل.
هذه النقطة الثانية، النقطة الثالثة، أثناء معارك حلب خصوصاً في الأشهر القليلة الماضية، الآن نحن لأننا جزء من المعركة وجزء بالتالي من الاتهام وكلنا معنيون أن نوضح.

قيل الكثير عن هذه المعركة، الكثير من التضليل الإعلامي والكثير من الأكاذيب، مثلاً جيئ بصور من الضاحية الجنوبية من حرب تموز وقدّمت في الإعلام العربي والعالمي على أنها حلب، جيئ بمجازر ارتكبتها إسرائيل في حرب تموز وقدّمت على أنها في حلب، جيئ بمجازر ودمار في غزة في حروب غزة قامت بها إسرائيل وقدّمت على أنها في حلب.

والأنكى من ذلك، اسمحوا لي أن أقول الأنكى والآلم من ذلك، أنه جيئ بأطفال اليمن، هناك نقاش أنه في حلب هناك أطفال ماتوا جياعاً، بالحد الأدنى اذهبوا وأجروا تحقيقاً، نحن نقول لا، اذهبوا وأجروا تحقيقاً، ولكن كل العالم يعرف أن آلاف الأطفال في اليمن يموتون جوعاً وكل ساعة وساعتين وثلاثة بالجوع وبالمرض، ومن سنة ونصف، وبسبب الحصار السعودي لليمن والحرب على اليمن والقصف لكل شيء في اليمن، مستشفيات ومراكز ومستوصفات ومدارس وبيوت وكذا، وأطفال اليمن يموتون أمام مرأى العالم، ليس أنه نريد أن نركّب فلم من غزة نقول هذا بحلب أو بالضاحية ونقول هذا بحلب، هذا العالم كله يشهد، هؤلاء أطفال يمنيون، يتكلمون باللهجة اليمنية، الصورة آتية من اليمن، نقلتها مؤسسات دولية، وبدل أن كل من يدعي أنه شريف وإنساني وحقوق إنسان وعنده غيرة على الناس بدل أن يقف ويقول كلمة الحق في وجه الذين يحاصرون اليمن ويقتلون الشعب اليمني ويميتون أطفال اليمن جوعاً ومرضاً، يأتي بصور أطفال اليمن ليقول هؤلاء أطفال حلب يموتون جوعاً ومرضاً. حسناً، ورُكبت أفلام ومُثلت أفلام و”مُنتجت” أفلام وكله قيل في حلب، حصل حديث عن 300 ألف محاصر في حلب، هذه حلب انتهب أين الـ 300 ألف؟

على كلٍ، يمكن للإعلاميين “إذا حدا هكذا يفضي باله قليلاً أو جهة معينة، فقط إذا تعمل وثائقي ترى العربية والجزيرة والفضائيات العربية والـ CNN والـBBC ولا أعرف مَن”، خلال ثلاثة أشهر ماذا قالوا عن حلب وبعد تحرير حلب ماذا تبيّن في حلب؟ ليبان حجم التزوير والتضليل، طبعاً لا نقول كان هناك “شمّة هواء” في حلب، كان هناك حرب في حلب، هناك قتال، معركة قاسية ودامية، ولكن هذا الذي كان يفبرك ويقال ليس له أي أساس من الصحة ويجب أن نستفيد من هذه التجربة حتى لا يقع الناس في التضليل الإعلامي.

رابعاً، في المشهد الإنساني، أصبح لنا أسبوع كنا نشاهد المدنيين يخرجون من شرق حلب ويخرج أيضاً المسلحون وبسلاحهم الفردي، طبعاً ممكن أي أحد يقول يا سيد أنت ليس شغلك أن تدافع عن النظام في سوريا، الآن نحن في معركة واحدة، شغلتي أو ليس شغلتي لكن اسمحوا لي هنا أن أقول ما يلي: أريد أن أسألكم سؤالاً وأسأل العالم كله والناس كلها، اذكروا لي مدينة سيطرة عليها داعش أو حاصرتها داعش أو سيطرت عليها جبهة النصرة وهذه الجماعات التكفيرية المسلحة ودخلت إليها وسمحت أن يخرج المدنيون منها سالمين، أو سمحت للمقاتلين الذين كانوا يقاتلون فيها أن يخرجوا سالمين، ليس بسلاحهم الفردي، ولكن عزّل، اعطوني مثلاً واحداً. أتحدى العالم كله أن يعطيني مثلاً واحداً، في سوريا، في العراق، في اليمن، في ليبيا، في نيجيريا، في كل مكان يقاتل هؤلاء، أعطوني مثلاً، أنهم هم غالبون وهم مسيطرون والمعركة محسومة، ومع ذلك قبلوا أنهم يجروا اتفاقا ويفتحوا الطريق ويخرج المدنيون، والمقاتلون يخرجون بسلاحهم.

هؤلاء الذين تقول عنهم أميركا والغرب والسعودية وتركيا والكل جماعات المعارضة المعتدلة الديمقراطية التي تطالب بالديمقراطية في سوريا والعراق واليمن ولا أعرف أين. أما النظام السوري المتوحش، النظام السوري المتوحش، يقبل باتفاقية يخرج الناس فيها سالمين وبأمان، ليس فقط في حلب، هذا حصل في حمص، بالمدينة القديمة التي كانت محاصرة، في كل مدينة أو بلدة يقبل الناس والمسلحون أن يعملوا فيها تسوية في سوريا يعمل تسوية.

في خان الشيح قاتلوا حتى اليأس، آخر شيء قالوا نريد أن نعمل تسوية، كان يستطيع النظام أن يقول أنا لا أريد أن أعمل تسوية، أريد أن أدخل وأقتل وأدمر وأمسح وأحسم عسكرياً، لكن قبل أن يعمل تسوية، عدد كبير من المسلحين سلّم سلاحه وبقي والناس بقوا وأهل البلد بقوا، وهناك أناس ذهبوا إلى إدلب. ولمعلوماتكم بعض المسلحين الذي يرحلون إلى إدلب يعودون ويسوون أوضاعهم مع النظام.

هذا يحصل في المدن وفي القرى وفي البلدات، أين هناك حرب، تقولون نظام متوحش، دلوني على حرب خاضتها بعض هذه الأنظمة العربية وعندما كانت تغلب على قرية أو مدينة كانت تقبل بالتسوية، هذا دعونا نشهد فيه، نقول هذا هو الحق.

عندنا فوعة وكفريا محاصرة من قريب السنتين وتدافع عن نفسها ويدافع عنها أيضاً من الخارج، يقال تعالوا نعمل تسوية، هناك ملف إنساني كامل تعالوا نحلّه مع بعضنا البعض، مضايا الزبداني ـ الفوعة كفريا، لا يقبلون، وبالكاد يقبلون مثل ما حصل بالمعالجة الاخيرة، حيث خرج 1200  إلى 1300 رجل وأمرأة وطفل، كبار سن ومرضى وجرحى من الفوعة وكفريا. للاسف الشديد، في الليالي الاخيرة احتجزوهم رهائن، يعني خلاف الوعد والاتفاق والالتزام والكلمة والقول، لماذا؟ لانهم يريدونهم رهائن. اذا يجب ان يأخذ من تجربة حلب، طالما نتكلم عن حلب.

النقطة ما قبل الاخيرة في الموضوع السوري، الأكاذيب حول التغيير الديموغرافي،  وهذا الموضوع يتهمون به النظام  وكذلك نحن أيضا. أين يوجد تغيير ديموغرافي في سورية؟!

حسنا، هذه خان الشيح بقي أهلها فيها، دمشق بقي أهلها فيها، محيط دمشق بقي أهلها فيها، حلب أهلها فيها، غرب حلب أهلها كلهم فيها وشرق حلب أهلها سيعودون إليها، وفي أغلب المدن عادت الناس اليها.
من يريد ان يغيير ديموغرافيا في سورية؟! نعم يمكن القول أنه يوجد استثناء في داريا نتيجة الوضع الامني، لكن الافق بأن الناس ستعود إليها في اي لحظة من اللحظات.

في التسوية في الفوعة وكفريا والتي اتكلم عنها، نحن نقول لهم بأن أهل الفوعة وكفريا يريدون ان يخرجوا وأهل مضايا يبقون، أهل الزبداني يعودون، لا يريد احد ان يغير ديموغرافيا في سورية، لا النظام ولا حلفاء النظام، الذي غيّر ديموغرافيا في سورية هي الجماعات المسلحة. اذهبوا الى مناطق سيطرة المسلحين، هل تجدون من أتباع الديانات الاخرى ؟! هل تجدون من اتباع المذاهب الاخرى ؟! هل تجدون من أتباع الخطوط السياسية الاخرى؟! من قام بالتغيير الديموغرافي ؟! النظام او المسلحين والجماعات المسلحة؟؟! ليس تغييراً ديموغرافياً على اساس الدين والطائفة والمذهب، بل حتى على اساس الخط السياسي. في مناطق المسلحين اذا كان هناك سنياً يخالف رأيهم او تنظيمهم يقتل او يطرد او يهجر، اليس هذا ما حصل عند داعش وجبهة النصرة؟! اليس هذا ما يحصل بين الجماعات المسلحة ؟! اما عند النظام، لا يوجد تغيير ديموغرافي.

النقطة الاخيرة في الموضوع السوري لنتكلم بعدها بالموضوع اللبناني، معركة حلب إذا كنا نريد أن نوصفها، الآن، نحن لا نريد أن نبالغ أو أي شيء آخر، نريد أن نكون واقعيين، لا نريد أن نزهد بالانجاز ولا نريد ان نبالغ فيه. يعني يمكنني أن أقول بأن الحدث عادياً، ولم يحصل شيء، وهذا أمر طبيعي وهذه معركة من معارك سورية، في هذه الحالة نكون قد أذهبنا قيمة الموضوع، أو أن نأتي ونقول بأن المعركة قد انتهت في سورية، لا هذه مبالغة، لكن ممكن أن نقول: هي هزيمة كبرى، إحدى الهزائم الكبرى للمشروع الآخر، للمحور الآخر، وببساطة هي انتصار كبير لهذه الجبهة المدافعة والمواجهة للارهاب، وهي تطور كبير وبالغ الاهمية، على المستوى العسكري والسياسي والمعنوي لجبهتنا.

أتريدون ان نفهم المشهد أكثر، فلنفترض أنه لا سمح الله بأن حلب سقطت بيد الجماعات المسلحة، كيف سيكون الوضع اليوم، الوضع العسكري والسياسي والمعنوي والاعلامي؟ أين كان العالم؟

فلنأخذ مثلاً آخر، مثلما كنا نتكلم في العام 2006، لو هزمت المقاومة في لبنان؟ ماذا كان ليحصل بلبنان والمنطقة؟ لو حلب سقطت في أيديهم، ما الذي كان ليحصل؟ هذا بحد ذاته عدم حصوله هو من أعظم الانجازات لاستعادة حلب.

لا يعني ‏انتهاء المعركة لا يعني حسم المعركة، صحيح. ولكن ، في النتائج الكبرى ‏لمعركة حلب يوجد شيء، دعوني أكون واضحاً فيه وهو أن المشروع الذي كان يقول اسقاط، كان هناك مشروعان، أوكان هناك هدفان، يوجد هدف ‏اسمه اسقاط النظام، وهدف آخر اسمه السيطرة على كل سورية، ممكن ان يسقطوا ‏النظام لا سمح الله، ولكن ان لا يسيطروا على كل سورية، لانه يوجد مناطق تصبح ‏عصية عليهم مثلا. مثل ما يحصل عادة بالدول، وتكون النتيجة حرب أهلية طويلة، ‏لكن يكون قد حقق هدف اسمه اسقاط النظام، لذا يوجد هدفان، الاول هو اسقاط النظام ‏الذي هو الممر اللازامي للسيطرة على كل سورية، والذي هو هدف أعلى، اليوم بعد ‏حلب، يستطيع المرء أن يقول مطمئنا أن هدف اسقاط النظام سقط، هذا الهدف سقط، ‏هذا الهدف فشل، هذا البرنامج فشل في تحقيق هدفه، لماذا؟  لأن النظام الذي معه دمشق ‏والذي معه حلب، الآن، أصبح بامكانك أن تتكلم، أكبر مدينتين في سورية، وخذ عدد ‏السكان في دمشق وحلب ومعه حمص ومعه مدينة حماة ومدينة اللاذقية وطرطوس ‏والسوداء ووو، هذا نظام موجود وقوي وفاعل ولا يستطيع احد في العالم ان يتجاهله او ‏يدعي بان هذا النظام قد انتهى وقد سقط، وهذه احدى الدلالات السياسية الكبرى ‏للانتصار بمعركة حلب.

الآن انتصار حلب لا يعني أن مشروع تدمير سورية سقط، ‏وأن المشروع من أجل الحرب على سورية انتهى، لا أبدا الجماعة “مكفيين”، ومن هنا ‏أنا أريد أن أبني وأقول، نعم نحن أمام مرحلة جديد في الصراع في سورية، جبهتنا ‏تتقدم بشكل كبير جدا، تقدمت بانجازاتها بانتصاراتها، ولكن المسؤولية والمواجهة ما ‏زالت كبيرة، المرحلة المقبلة يجب ان تتركز على تثبيت مدينة حلب، وعلى محيطها ‏وأمنها وأمانها لأنه من المؤكد أن الجماعات المسلحة ستعمل على استهداف المدينة وعلى ‏استهداف محيط المدينة، والرعاة الذين ليس لديهم مشكلة، فقط يدفعون فلوس ويشترون ‏سلاح ويأتون بالمقاتلين من كل انحاء العالم، لن يسلموا ولن يستسلموا ولذلك يجب ‏علينا وعلى الجميع ان نكون حذرين. الأولوية يجب ان تكون تثبيت هذا الانجاز، ‏ترسيخ وتمكين هذا الانتصار ليبنى عليه ميدانيا، وأيضا ليبنى عليه سياسياً، من جهة أخرى انتصار حلب يمكن ان يفتح افاقاً جديدة أمام حلول سياسية، أمام حل سياسي،  أامام معالجات سياسية.

انتصار حلب وفشل المحور الآخر يمكن أن يدفع ببعض الدول ‏لأن ىتصبح واقعية وان تنظر الى الامور بمنظار مختلف، هذا الحل السياسي الذي ‏عطله حتى الان الاميركيون والسعوديون وكثيرون، لانهم يتجاهلون الحقائق الشعبية ‏والحقائق الميدانية، حلب غيرت الكثير في هذه الحقائق الشعبية والميدانية والتي يجب ‏ان يبنى عليها ميدانيا في الميدان، هذا الانجاز طبعا، هو انجاز لكل الذين قاتلوا ‏وصمدوا وضحوا في حلب من سورين وحلفاء، ولكن من موقع الحلفاء دعوني أقول بعد ‏الله سبحانه وتعالى الأصل هو للسوريين أنفسهم، للقيادة السورية، للجيش السوري، ‏للشعب السوري، للسوريين الذين اخذوا قرار الصمود والمواجهة والا لو ان السوريين ‏انفسهم، القيادة السورية والجيش السوري والشعب السوري لم يأخذوا هذا القرار، كل ‏الحلفاء، ماذا يستطيعون ان يفعلوا؟ الحلفاء هم عامل مكمل، عامل مساعد، عمال متمم، ‏لكن يبقى الاصل هو للسوريين انفسهم، الذين هذا بلدهم، وهذا مصيرهم، وهذا مستقبلهم، ‏وهم يصنعون مستقبل بلدهم بل مستقبل المنطقة كلها.

قبل ان اتحدث عن الوضع ‏اللبناني، فقط وقفة سريعة لان ما حصل في البحرين أول أمس، يدل للاسف ‏الشديد أن الحكومة البحرانية لا تعمل بعقل ولا زالت مصرة على ارتكاب الحماقات، ‏وكادت ان ترتكب حماقة بالامس لولا تصدي الشباب البحريني واهل الدراز والبلدات ‏المحيطة للشرطة البحرينية التي حاولت الاعتداء على منزل سماحة اية الله الشيخ ‏عيسى قاسم، وهذا شاهد على ان الشباب البحريني والشعب البحريني لم يستسلم ولم ‏يسلم ولن يسلم قائده. ومجددا دعوة لهذه الحكومة في البحرين الى التعقل، وان لا تأخذ ‏الامور الى المكان الذي ستندم عليه كثيرا، هي ومن يدعمها ومن يدفعها لارتكاب هذه ‏الحماقة.

في الوضع اللبناني، طبعا، تألفت الحكومة بحمد الله، الان بالحد لادنى لم تأخذ ‏شهرين او ثلاثة اشهر او ستة اشهر او 11 شهرا، هذا يعبر عن ايجابية، وكما قلت ‏بالخطاب السابق انه حقيقةً لا أحد كان يريد ان يعطل تشكيل الحكومة، الكل يريد ‏تشكيل الحكومة ولكن كان النزاع، وهو نزاع طبيعي على هذه الحقيبة وعلى تلك الحقيبة ‏وعلى تمثيل هذه الجهة او عدم تمثيل هذه الجهة، حسنا، هذا انجز.

البيان الوزاري، ‏اعتقد انه من المفترض ان لا يكون فيه صعوبات وعقد، والامور تميل الى انها ستكون ‏ان شاء الله سهلة والنوايا طيبة وجيدة، لذلك الجهد الان يتوجه باتجاه  قانون الانتخابات، ‏لكن هنا اسمحوا لي ان اقول بان الحكومة التي ستنجز البيان الوزاري، الحكومة ‏التي ستحصل على ثقة المجلس بطبيعة الحال نتيجة ان أغلبية الكتل البرلمانية ممثلة ‏في هذه الحكومة لا يجوز ان تعتبر نفسها حكومة انتخابات فقط ، خلال خمسة ‏اشهر او ستة اشهر اذا حصل تمديد تقني، شهرين او ثلاثة اشهر، يعني ممكن ان تكون ‏هذه الحكومة ستة اشهر، سبعة اشهر، ثمانية اشهر، يجب ان تتحمل كامل المسؤولية تجاه الشعب اللبناني، على المستوى الامني، الاقتصادي، السياسي، المعيشي، الاجتماعي، ‏الاعماري، المناطق المحرومة، قضايا الناس، ولا يجوز للحكومة او لاي جهة في ‏الحكومة ان تبرر غدا عجزها او تقصيرها بالقول انه ليس لدينا مسؤولية، نحن حكومة ‏انتخابات، نعم احدى اهم اولويات هذه الحكومة اجراء الانتخابات، لكن هي حكومة ‏كاملة المسؤولية وكاملة الصلاحية ويجب ان تتحمل مسؤوليتها كاملة.

نذهب الى قانون ‏الانتخاب، طبعا نحن نؤيد النسبية الكاملة. ولكن في نفس الوقت نحن ندعوا الى حوار ‏شامل مع كل القوى السياسية في لبنان، ونتفهم مخاوف البعض وقلق البعض، ويجب ان ‏يؤخذ هذا بعين الاعتبار. اود هنا مجددا بموضوع قانون الانتخاب، ان اقول شيئا، ‏دائما ما كنا نقوله، بالنسبة لنا نحن بشكل خاص، خصوصا الان بعد انتخاب الرئيس ‏وتشكيل الحكومة، عاد بعض الناس ليقولوا لك هذه حكومة حزب الله، مثل ما كانوا يقولون في ‏زمن الرئيس نجيب ميقاتي.

حسنا، اذا حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حكومة حزب الله، وحكومة الرئيس سعد الحريري حكومة حزب الله،” على كل حال صيت الغنى أحلى من صيت الفقر”، لكن هذا غير صحيح، ليس غير دقيق، ليس صحيحاً. يعني إما أن تكون حكومة حزب الله أو تكون حكومة متآمرة على حزب الله لا يوجد حل ثالث، رابع، خامس..

كان دائماً يقال أن حزب الله يريد السيطرة على البلد، يريد السيطرة على مفاصل (البلد) ، أي مفاصل دولة وأي بلد، وأي حكومة، وأي وزارات؟! هذه اتهامات باطلة يتلطى خلفها بعض القاصرين والمقصرين والعاجزين أن حزب الله يريد السيطرة على البلد.

أعود وأكرر، نحن لا نريد أن نسيطر على البلد، وإذا تريدون أن أقسم لكم يميناً معظماً، لو جاءت القوى السياسية الآن، والأحزاب السياسية كلها وقالت يا حزب الله، ليس يا ثنائي شيعي، يا حزب الله: رئيس الحكومة منكم، والوزراء كلهم منكم، والحكومة كل وزرائها من حزب الله، ونحن موافقين وتعالوا ديروا البلد وحلوا مشاكل البلد نقول لهم : شكراً لكم، الله يخليكم لا تقتربوا منا، لأنه لا يوجد إنسان عاقل يقبل لوحده ، ليس قصة زهد، حتى بالعقل، يقبل أن يحمل مسؤولية بلد فيه هذه الصعوبات والتراكمات، قرابة 100 مليار دولار دين، وفي ظل هذا الوضع القائم في المنطقة من يفكر أنه يريد أن يحكم أو يسيطر أو يديرحتى لو وضعنا الموضوع الأخلاقي والزهد جانباً.

“قصة أننا نريد أن نسيطر على البلد”، أتمنى إذا كان هناك أحد ما في لبنان يفكر بهذه الطريقة  وبهذه العقلية أن ينتهي من هذا الموضوع. نحن جدياً وحقيقياً وواقعياً، نحن نريد الشراكة، وشراكة الجميع، نحن الذين كنا   نقاتل من أجل قيام حكومة وحدة وطنية إضافة إلى آخرين غيرنا، نحن كنا نقاتل من أجل تمثيل الجميع في أي حكومة، هذا ليس لأننا نريد أن نسيطر على البلد، لأن هذا البلد خياره وقدره ومصلحته أن يشارك الكل.
لذلك، عوداً إلى قانون الانتخاب، نحن مع حوار كامل مع كل القوى السياسية، حوار شامل، يُؤخذ بعين الاعتبار، يعني نريد أن نجمع ما بين الصيغة والقانون الانتخابي الأمثل والأحسن والأفضل وفي نفس الوقت نريد أن نأخذ الهواجس ونقاط القلق ونحاول أن نصل إلى مكان ما. لكن بالتأكيد ليس على قاعدة العودة إلى قانون الستين.

بالنسبة إلى البلد في المرحلة المقبلة، الناس تذهب لمناقشة قانون الانتخاب، الذي أعرفه أنا حتى أطمأنكم، الظاهر في أجواء نقاشات قانون الانتخاب، الأجواء طيبة وإيجابية ومنفتحة، ومن الظاهر أن الأمور غير صعبة كما كانت قبل سنتين ونصف أو قبل سنة ونصف عندما كنا نناقش والظاهر أن الناس تريد الوصول إلى نتيجة، وهذا يعني أن بلدنا إن شاء الله يدخل في مرحلة استقرار سياسي، استقرار أمني، فرصة للتلاقي، فرصة للعمل، هذه نتيجة طيبة بانتظار الانتخابات النيابية المقبلة التي يجب أن نحرص عليها جميعاً، لكن يجب أن يبقى الحذر على كل حال. على المستوى الأمني، لأن الجماعات الإرهابية غاضبة من هزيمتها ومن فشلها، وأيضاً على المستوى السياسي حتى لا يكون هناك أحد ما في البلد لا زال يفكر أنه يعيش على الصراعات وعلى الحروب وعلى النزاعات الداخلية.

مستقبل هذا البلد كما كنا نقول  دائماً، مرهون بتعاون الجميع وتعاضد الجميع وتفهم الجميع للجميع، هذا ما ندعو إليه أيضاً في هذه المناسبة.

المصدر: العلاقات الاعلامية -حزب الله

/انتهي/