أسباب سعودية وراء الوساطة الكويتية المنتظرة مع ايران

فجأة، ودون أي شروح أو مقدمات، اعلن خالد الجار الله، وزير خارجية الكويت، الخميس ان بلاده جرى تكليفها بحمل رسالة من دول الخليج (الفارسي) الست الى القيادة الإيرانية توضح وجهة نظرها حول قضية الخلاف بين الطرفين الخليجي والإيراني، وأجرت اتصالات مع طهران فيما يتعلق بكيفية بدء الحوار معها لتحديد موعد ملائم للجانبين.

ما زال مضمون هذه الرسالة الخليجية غامضا، ومن الطبيعي ان يكون كذلك، لكن من الواضح ان هناك رغبة بالحوار، وقد جرى تكليف الكويت رسميا من قبل مجلس التعاون بفتح قنوات وساطة مع طهران، لتخفيف حدة التوتر، خاصة بين المملكة العربية السعودية والحكومة الإيرانية على صعد عدة، من بينها الحروب بالإنابة التي تشنها البلدان ضد بعضهما البعض في سورية واليمن والعراق، ومقاطعة الحجاج الإيرانيين لأداء مناسك الحج في الأماكن المقدسة.

من الواضح ان الحكومة السعودية التي خسرت الحرب في سورية تقريبا بعد استعادة الجيش السوري لمدينة حلب، وانضمام تركيا للمحور الروسي، ولم تكسب الحرب التي تشنها في اليمن، واوشكت على دخول عامها الثالث، تقف خلف هذه الوساطة الكويتية، وربما تكون هي التي اوعزت بها اثناء انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي الشهر الماضي في المنامة.
هناك أربعة مواقف سعودية لافتة في هذا الاطار لا بد من التوقف عندها لقراءة الموقف السعودي قراءة أولية متعمقة:

    الأول: امتناع المملكة العربية السعودية عن ارسال برقية تعزية الى الحكومة الإيرانية في وفاة حجة الإسلام هامشي رفسنجاني، الرئيس الإصلاحي الإيراني السابق، الذي كان صديقا لها، وقناة اتصال مهمة مع ايران، وقد أقدمت جميع دول الخليج على هذه الخطوة باستثناء السعودية، وربما يفيد التذكير في هذا الاطار ان الحكومات الخليجية لم تغلق سفاراتها في طهران تضامنا مع القرار السعودي بقطع العلاقات اثر جريمة احراق السفارة السعودية في العاصمة الايرانية، واكتفت بعضها باستدعاء سفيرها فقط، أي ان المواقف الخليجية ليست دائما متطابقة.

    الثاني: اعلان السلطات السعودية عن توجيه دعوة رسمية للهيئة المسؤولة عن شؤون الحج في ايران لمناقشة الترتيبات اللازمة للموسم المقبل، واكد ممثل الولي الفقيه في شؤون الحج الإيراني السيد علي قاضي عسكر تلقي هذه الدعوة، وارسال وفد إيراني يوم 23 شباط (فبراير) المقبل الى الرياض للبحث مع الجانب السعودي في شأن انهاء مقاطعة الحجاج الإيرانيين، صحيح ان الدعوة جرى توجيهها لاكثر من ستين دولة، ان لم اكثر، ولكن الصحيح أيضا انه كان من الممكن تجاهل ايران لو كانت هناك رغبة سعودية باستمرار الازمة.

    الثالث: الحفاوة اللافتة التي حظي بها الرئيس البناني ميشال عون اثناء زيارته للرياض كمحطة أولى له بعد توليه السلطة، وهو المقرب من “محور الممانعة” السوري الايراني، والحليف القوي لـ”حزب الله” اللبناني، الذي يوصف سعوديا بأنه الذراع العسكري والسياسي لإيران في لبنان، يوحي باستعداد لفتح قنوات مع “الآخر”، وتقليص الصدامات، ان لم يتأت منعها.
    الرابع: معارضة مسؤولين سعوديين ابرزهم الأمير تركي الفيصل لسياسة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب لاي الغاء للاتفاق النووي مع ايران، لما يمكن ان يترتب على هذه الخطوة من توترات في منطقة الشرق الأوسط، وسياق تسليح نووي، وربما حروب إقليمية، وهو الموقف الذي يتناقض مع المعارضة السعودية الشرسة لهذا الاتفاق، وخيبة الامل الكبرى من توقيعه في حينه، أي قبل عام.

الميل السعودي الرسمي للحوار مع ايران عبر الوسيط الكويتي ربما يكون الأكثر ترجيحا، لان المملكة ادركت مدى فاعلية هذا التوجه، عندما خففت من موقفها في منظمة أوبك وقبلت بتخفيض انتاجها النفطي بأكثر من نصف مليون برميل يوميا، ودون الإصرار على اقدام ايران على أي تخفيضات في انتاجها، وهو الإصرار الذي عطل الاتفاق لاكثر من ثمانية اشهر تكبدت خلالها الدول المنتجة اكثر من مئة مليار دولار كخسائر بسبب استمرار انخفاض الأسعار.

السعودية ليست في موقف قوي مثلما كان عليه الحال في السابق لفرض شروطها، واتخاذ مواقف متشددة بالتالي في ظل انخفاض عوائدها النفطية، وقدوم رئيس امريكي جديد يريد فرض "خوات" عليها ودول الخليج الأخرى مقابل الحماية التي تقدمها أمريكا لها، ويساند بقوة مقاضاة الحكومة السعودية امام المحاكم الامريكية بتهمة الارهاب، والوقوف خلف هجمات مركز التجارة العالمي.

نجاح الوساطة الكويتية او فشلها يعتمد بالدرجة الاولى على نسبة المرونة في الموقف السعودي، ومدى تجاوب الحكومة الإيرانية معها، والامر المؤكد ان هذا النجاح في حال تحقيقه، سيؤدي الى انفراجات في ملفات عديدة من بينها الملفان السوري واليمني، وانهاء مقاطعة الايرانيين لمواسم الحج المقبلة.

هل نحن متفائلون في هذه الصحيفة "راي اليوم"، نجيب بـ"نعم"، ولكنها "نعم" ضعيفة، ومقرونة بالكثير من التحفظات، مع ايماننا الراسخ بأن الحوار هو اقل الخيارات كلفة للجانبين بعدما شاهدنا ما حدث في سورية واليمن من نتائج كارثية للخيارات العسكرية الأخرى.

/انتهى/