سرّ الاتهامات التركية لايران

ان الرئيس التركي كان يرى نفسه زعيما على امبراطورية موهومة في العالم الاسلامي والسني سرعان ما تبددت لذلك استشاط غضبا وبات يكيل الاتهامات يمينا ويسارا خاصة بعدما ادرك انه حتى تدخلاته العسكرية المباشرة وارسال القوات الى الاراضي العراقية والسورية لن يحقق غاياته التقسيمية في هذين البلدين فلم يجد امامه الا الصخرة الايرانية لينطحها ويتهم طهران بما كان يسعى هو الى تنفيذه.

تسنيم - من يعرفون الرئيس التركي رجب اردوغان يعتبرونه من ساسة الغضب الذين يهيجون وينفعلون سريعا خاصة اذا واجهوا الفشل في مخططاتهم ووصلوا الى طريق مسدود في مبتغياتهم، لكن اردوغان يمتاز عن أبناء جلدته بأنه أسرع من غيره في نكران الجميل ايضا، كيف لا وان اتهاماته العجيبة الأخيرة لايران بقيادة مشروع طائفي شيعي تقسيمي في المنطقة جاءت بعد ان وقفت طهران الى جانبه هو وحكومته ضد الانقلابيين العسكريين الاتراك الذين كانوا سيصفونه جسديا بمجرد ان تصل أيديهم اليه.

لقد تحدث اردوغان خلال جولته في بلدان الخليج الفارسي مؤخرا عن مشروع قومي فارسي مزعوم تقوده ايران لتقسيم سوريا والعراق ومن ثم تكلم وزير خارجيته جاويش اوغلو في مؤتمر ميونيخ الأمني ان طهران تحاول تشييع سوريا والعراق وان بعض افعال ايران تزعزع الامن والاستقرار في المنطقة، على حد تعبيره، ما استدعى ردا ايرانيا حازما على المواقف التركية الاخيرة لوضع النقاط على الحروف على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية وقد استدعت طهران السفير التركي لديها لابلاغ الاحتجاج الشديد، حيث اكدت ايران ان لصبرها امام تركيا حدود.

لكن لماذا اختار اردوغان مشيخات الخليج الفارسي ليطلق اتهاماته تجاه ايران من هناك؟

المتتبع لشؤون تركيا يعلم جيدا ان الاوضاع الداخلية والاقتصادية التركية متردية في هذه الايام بسبب سوء ادارة البلاد والأزمات الداخلية وقضية الارهاب والقضية الكردية وسياسة معاداة الخارج التي تتبعها الحكومة التركية، وما من شيء يدغدغ مشيخات الخليج ويدفعهم نحو منح الامتيازات الاقتصادية لأية دولة او جهة بمقدار معاداة هذه الدولة او الجهة للجمهورية الاسلامية الايرانية، واردوغان الذي لايحتاج الى ذكاء خارق لادراك هذا الأمر اختار الدخول من هذه البوابة.

من جهة أخرى يدفع الغضب الناجم عن الفشل في العراق وسوريا اردوغان الى التهجم على ايران لأن الرئيس التركي يرى بأم عينه ان العراق بات قاب قوسين او أدنى من تسجيل النصر النهائي على الارهاب وانهاء تواجد تنظيم داعش الارهابي الذي دعمته أنقرة كثيرا، كما ان سوريا تشهد قعود الجماعات المسلحة التي كانت منضوية تحت حلم العثمانية الجديدة على طاولة المفاوضات في آستانة ولاحقا في جنيف في اعتراف واذعان واضحين على استحالة تحقيق أحلام اردوغان في الاطاحة بالنظام السوري واقامة دولة التطرف السلفي التكفيري السني العثماني في سوريا والعراق معا، وبما ان فكر اردوغان هو فكر طائفي مقيت فليس عجبا ان يرى هزيمة الارهاب في العراق وسوريا هزيمة لمشروعه العثماني وانتصارا لايران الشيعية.

ان الرئيس التركي كان يرى نفسه زعيما على امبراطورية موهومة في العالم الاسلامي والسني سرعان ما تبددت لذلك استشاط غضبا وبات يكيل الاتهامات يمينا ويسارا خاصة بعدما ادرك انه حتى تدخلاته العسكرية المباشرة وارسال القوات الى الاراضي العراقية والسورية لن يحقق غاياته التقسيمية في هذين البلدين فلم يجد امامه الا الصخرة الايرانية لينطحها ويتهم طهران بما كان يسعى هو الى تنفيذه.

وهناك قضية هامة اخرى يمكن الاشارة اليها في هذا المجال وهو ما يقال عن سعي امريكي لايجاد محور وحلف عربي عبري جديد في المنطقة في مواجهة ايران وذلك بعد مجيء ادارة دونالد ترامب الى سدة الحكم في البيت الابيض، وربما أراد اردوغان ان يلحق بهذا الركب بعدما خرجت تركيا صفر اليدين في مشاريعها المزعزعة للامن والاستقرار في المنطقة، ليقود الوهم اردوغان مرة أخرى نحو مغامرات جديدة لعله يجد ضالته في هذا المحور وفي هذا الحلف المزعوم الجديد الذي سينهار وسيخسر بالتأكيد أمام محور الممانعة والممانعة في المنطقة.

لقد لفظت المنطقة تركيا ومشاريعها الاردوغانية الدموية التخريبية لكن يبدو ان الرئيس التركي يريد هذه المرة ان يعود من الشباك بعدما اخرجوه من الباب فاختار التجاهر بمعاداة ايران لعل الامريكيين والاسرائيليين يرضون بادخاله في حلفهم المزعوم فيجد فرصة للانتقام من ايران التي انقذت المنطقة وشعوبها من مشروع ظلامي كان سيفتت المنطقة الاسلامية بأكملها ويغرقها في الدماء.

/انتهى/