حملة التطهير في السعودية ترعب المستثمرين

طهران / تسنيم // أسس ولى العهد السعودي محمد ابن سلمان لجنة لـ "مكافحة الفساد" قامت باحتجاز عدد كبير من الأمراء والوزراء الحاليين وعشرات الوزراء السابقين ورجال الاعمال وهو ما أثار تساؤلات بشأن استقرار الحكومة السعودية والقدرة على التنبؤ بأفعالها المستقبلية.

دفعت قرارات التطهير كما أطلق عليها والتي مورست بحق عدد كبير من الأمراء ورجال الأعمال والنافذين في السعودية، الى اضطرابات في سوق الأسهم بالرغم من رهان المستثمرين على أن تلك الحملة ربما تعزز الاصلاحات على المدى الطويل. ولقد شكّلت حملة الاعتقالات لعدد من رجال الاعمال والمستثمرين العرب المرتبطين بشكل مباشر بالمملكة عن طريق التجنيس او بشكل غير مباشر بمصالح و استثمارات مشتركة صدمة كبيرة في الاوساط الاقتصادية محليا ودوليا.

خلق هذا الوضع حالة من القلق والفوضى في وسط المستثمرين خاصة حول ما اذا كانت هذه الحملات المدرجة تحت عنوان" مكافحة الفساد" سببا كافيا ليدفع أطرافا معينة الى بيع حيازاتها في الاسهم. رأى كثير من المحللين والمصرفيين أن هذه الحملة وبالرغم من الشعارات التي نادت بها بمثابة تشديد لقبضة محمد ابن سلمان ولى العهد على السلطة وازالة لأي عقبات متبقية أمام سيطرته وضمان وراثته للعرش في أخر المطاف.

أما البعض الاخر فقد اعتبروا ان هذه الممارسات ربما تساعد الاقتصاد السعودي حيث سيسير الطريق أمام ابن سلمان للمضي قدما في اصلاحات اخرى تتضمن تقليص للعجز في الميزانية، لتوظيف المزيد من النساء ورفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة وبيع أصول حكومية بنحو 300 مليار دولار.

شملت الحملات العديد من رجال الاعمال والمستثمرين العرب كان من أبرزهم رئيس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري الحامل ايضا للجنسية السعودية الذي احتجزته السلطات السعودية بأمر من محمد ابن سلمان وأجبر في خطوة متهورة وغير محسوبة على اعلان استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية و هذا التصرف كان كفيلا بخلق أزمة سياسية حادة بين السعودية و لبنان الذي ضغط بكل الوسائل الدبلوماسية الممكنة لإطلاق سراح رئيس وزرائه؛ ابتداء برفض الاستقالة واعتبارها قرارا غير دستوري اعلن تحت الضغط، وصولا الى الضغط الدولي الذي مورس على ابن سلمان من قبل العديد من الدول خاصة فرنسا ليكون سببا كافيا للسماح بعودته الى لبنان بضمانات فرنسية.

لكن الأمور لم تقف عند هذا الحدّ، فمنذ ايام قامت السلطات السعودية باعتقال رجل الاعمال الاردني-السعودي صبيح المصري مما أثار سخطا كبيرا لدى الاوساط السياسية والاقتصادية في المنطقة. وتفيد المعلومات بأن "المصري" كان قد صرّح منذ فترة وتحديدا منذ انطلاق حملة الاعتقالات للأمراء ورجال الاعمال في السعودية، لأوساط قريبة منه عن نيّته التوجه للرياض من اجل عقد اجتماعات لشركات يمتلكها بهدف تصفية العديد منها ووضع خطة لنقل استثماراته كلها او البعض منها الي خارج السعودية ويبدو انّ تسرب ذلك كان سببا كافيا للانقضاض عليه من حكام السعودية.

وقد افادت العديد من الأوساط ألاقتصادية أن رجل الاعمال الاردني صبيح المصري صديق مقرب للعاهل عبد الله الثاني ملك الاردن وأنه بدأ منذ فترة بالتخطيط لنقل أسس البنك العربي من الولايات المتحدة. وقد نجح منذ حوالي ثلاث سنوات في تطبيق برنامج "أردنه" للبنك العربي ولوضع أسس لحماية القطاع المصرفي الاردني بعد احباطه لمشروع سعودي-لبناني لنقل البنك ومقره الرئيسي.

لكن في الفترة الأخيرة وبالرغم من نصائح بعض المقربين له بعدم السفر الى السعودية في ظل أجواء الاعتقالات وحملات التشويه المبرمجة ضد العدد من رجال الاعمال والمستثمرين، قرر الذهاب الى الرياض لمتابعة أعماله بحجّة أنّ استثماراته في السعودية لا علاقة لها بالقطاع العام وأنّ شركاته لم يسبق لها أن حصلت على عطاءات من الحكومة السعودية. ولقد أثارت تغريدة للصحفي السعودي جمال خاشقجي غضب السعودية عندما ذكر أن مجموعة جديدة من رجال الاعمال والمستثمرين دخلوا "فندق الريتز كارلتون" مقرّ احتجاز الامراء والمسؤولين المتهمين بالفساد في السعودية، وأنّ عدد الموقوفين من "المواطنين" في الريتز بين 250 الى 300 من الامراء دون 20 سنة.

هذا كان دليلا اضافيا على أنّ ما يحصل في السعودية ليس الا تصفية حسابات يسعى محمد ابن سلمان من خلالها لتقويض أي قوة مضادة لمصالحه ولمشروعه السياسي في المستقبل.

ليس واضحا الان ان كان ابن سلمان مدرك لخطورة ما يفعل، لأنّ الخطر الذي يهدد الاسواق المالية يتمثل في أنّه بحملاته هزّ ممارسات لشركات وروابط استمرت لعقود في تحرك ربما ينجم عنه نتائج عكسية. فقد يحفّز الكثير من الاموال والاستثمارات للهروب خارج المملكة، لأنّ احتجاز رجال أعمال ومستثمرين بارزين بهذا الحجم سيرعب القطاع الخاص ويساهم في نزوح الكثير من الاموال وهذا سبب كاف لبث الذعر في الأوساط الاقتصادية و المالية السعودية اليوم وهو مبررّ.

* أكاديمية تونسية

/انتهي/