اشكالية الماضوية والحداثة لدى جماعات العنف-تفكيك الايديولوجيا

الماضوية كبنية فكرية نقيض الحداثة، ذلك أن النسق المعرفي للحداثة متغير ودنيوي لا يرى للمقدس إلا حضوراً باهتاً ولا يجد في الماضي ميزةً ولا في التراث مصداقية.

د.أحمد الصحاف؛ دبلوماسي في الخارجية العراقية ومحاضر في جامعة بغداد

يقول آلان تورين: أن الحداثة تقوم على مبدأين هما: الاعتقاد بالعقل وبالنشاط العقلي. ثم الاعتراف بحقوق الفرد أي أثبات شمولية تعطي جميع الأفراد الحقوق نفسها كائن ما كانت أوصافهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. جماعات العنف المستندة الى التأريخ وتأويلاته، ترى المجتمع جاهلياً وبالتالي فهو لا يستحق سوى الكراهية وإشهار السيف والاستئصال. نقول ذلك ليس دفاعاً عن الحداثة خصوصاً وأنها ارتبطت بالغرب المسيحي، كما ترتبط اليوم بأساءات للإسلام ورسوله (صلى الله عليه وآله).
 
يبدو موقف هذه الجماعات من الحداثة واضحاً من خلال رفضها لمفاهيم الديمقراطية والانتخاب والدستور. ففي مطبوع وزع في العراق يقول كاتبه (أن الديمقراطية دين قائم بذاته من أعتنقها وقع فيالشرك الأكبر)، بل أنه يكفّر الذين يشاركون أو يطمحون إلى المشاركة في العملية الديمقراطية. التشريع الديمقراطي كُفري  وكل من نواب البرلمانات ومن ينتخبهم من الشعب واقع فيالكفر.

وقد حاولت بعض الجماعات ان توجد مقاربة بين مفهومي الديمقراطية والشورى. يقول الشيخ حسن الترابي:  أن المعاني أهم من المباني وان العبرة ليست بالصور والألفاظ وإنما بالمعاني والمقاصد، والشورى بهذا المعنى ترادف الديمقراطية فالبشر سواسية في العبودية لله وبذلك تحقق التحرر السياسي الذي يستلزمه نظام الشورى أو الديمقراطية أو يصبح الناس قاطبة هم المُستخلفون على سلطة الأرض ولكل واحد منهم نصيبه المستحق من السلطة. ويذهب أدريس سالم الحسن: معلقاً على ذلك بأن ايديولوجيا هذه الجماعات تشمل عناصر كثيرة من قلب المفاهيم الى قلب الوقائع التاريخية الى قلب الحقائق العلمية. أن استخدام مفهومي الشورى والديمقراطية كمترادفين (غير دقيق) فالديمقراطية تشير الى حرية الجماعة في انتخاب من ينوب عنها. أما الشورى فليس فيها قواعد أو الزام. فضلاً عن أن الديمقراطية تقتضي وجود مؤسسات لا تقتضيها الشورى، على ان كثيراً من الجماعات الاسلامية ( في تونس وفي مصر مثلاً) لم تستطع ان تبقى خارج اللعبة السياسية الديمقراطية، فعاد التواصل بين مفهومي الديمقراطية والشورى ولكن لا على أساس ترادفهما بل على أساس أنهما يختلفان ويلتقيان في الوقت ذاته عند نقاط معينة وبذلك فان بعض الجماعات رضيت بمبدأ التعددية السياسية والحزبية وإمكانية المشاركة في الآليات التي تقتضيها الحياة السياسية الحديثة.

كراهية الحداثة تمتد الى ما يلبسه الناس وما يستخدموه من تسهيلات تكنولوجية وإلى إنماط علاقات الجنسين والموقف من الطفولة وتعليم الاناث ومضمون التعليم والى الفنون والسينما والمسرح. ان قائمة المحرمات لا تنتهي!!.

في دراسة عن الجبهة الاسلامية في السودان التي يقودها حسن الترابي تظهر أن الجبهة تقدم صورة مثالية لا تخضع لظروف تاريخية محدودة بزمان ومكان أو مجتمع معين. الاستثناء الوحيد هو كلامهم عن دولة المدينة مع أن دستور المدينة الذي أعلنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقم على قاعدتي التكفير والعنف. يقول الدكتور كمال السعيد حبيب: أن ذلك الدستور طرح مفهوماً جديداً للأمة يمكّن مخالفي المسلمين في العقيدة ان يكونوا جزءاً منها بحيث يكون (للآخر دينه وللمسلمين دينهم). أن الجبهة الاسلامية السودانية إذ تطرح نموذج (دولة المدينة) لاتحسب حساباً لمعايير مصطلح (دولة) العلمي ولا لسياقه التاريخي كما ان صورتهم للمجتمع الديني مستمدة من صور تاريخية مجتزأة وآيات مستقطعة من سياقاتها ومعانيها المحددة وهم في ذلك يتجنبون الحوادث التاريخية وظروفها التي تبين العلاقة بين السلطة الدينية والسلطة السياسية في تاريخ المجتمعات الاسلامية.

•المجتمع الديني – كما أتصورهُ – تنتفي فيه التناقضات الاجتماعية ولا يعود فيه أثر للعوامل التاريخية. وكان الشيخ عمر التلمساني قد وصف الحكومة الاسلامية بكونها التي تطبق شريعة الله سبحانه وتعالى كاملاً غير منقوص مقدرة أن التحريم والتحليل ليس اليها ولكنه لله جل جلاله.

لقد تعرضت  يوتوبيا المستقبل لانقسامات عديدة فالسلفية الجهادية تطرح "الخلافة الراشدة" كصورة مستقبلية مقابل الحكام الطواغيت ومذهب الديمقراطية الكفري ومن المعلوم ان الايديولوجيا التكفيرية التي بدأ بصياغتها "أبو علي المودودي" والتي برزت لاحقاً مع التيار القطبي وتيار السلفية الجهادية تمثل في المقام الأول ردة فعل على تصدع الأطر الرمزية والاجتماعية الموروثة تحت ضغط الحداثة. ومن المعلوم ان المودودي رفض في كتابه الحكومة الاسلامية ان يتعايش المسلمون في الهند مع الجماعات الأخرى ودعا الى قيام قومية اسلامية واحدة تحت حكومة واحدة لها نظامها الخاص بها.

*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي وكالة تسنيم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

/انتهى/