"مايكل كوريلا" في مهمة يائسة .. خروج القوات الأمريكية من سورية حتمي

دأب الساسة الأمريكيون على تكرار ترديد الرواية الكاذبة التي أطلقها باراك أوباما وكررها ترامب, لتبرير الوجود اللاشرعي للقوات الأمريكية في سوريا, عبر رواية سخيفة ادعت "حماية الشعب السوري" من حكومته الشرعية وجيشه الوطني، و"حماية ثرواته ونفطه".

المهندس: ميشيل كلاغاصي

ومع الوقت تطورت الرواية الأمريكية في عهد بايدن, وتحولت إلى إكذوبة أطلقتها وزارة خارجيتها, وتبنى الوزير أنتوني بلينكن مهمة ترويجها بنفسه, فقد سبق له إعلان أن بلاده "تبحث عن حلٍ سلمي في سورية", وأن وجود القوات الأمريكية هو "لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي", على الرغم من أنه لم يتم تسجيل ولو لمرة واحدة أية عملية إرهابية للتنظيم استهدف فيها قوات الإحتلال الأمريكي في سورية, وسط إدراك العالم بأن الجيش العربي السوري وحلفائه , وحدهم من يواجهون جحافل هذا التنظيم الإرهابي وغيره...

روايات امريكية تهالكت أمام وضاعتها وزيفها, وتحولت إلى مسرحية هزلية, أمام السلوك الأمريكي المشين, الذي كشف للعالم تمسك واشنطن بالمؤامرة والحرب على سورية، وبالأدوار التي توكلها إلى جميع أدواتها سواء كانوا دولاً أو ميليشياتٍ إنفصالية وتنظيمات ومجاميع إرهابية وعملاء , أم كانوا منظماتٍ دولية أو حقوقية أو ماكيناتٍ إعلامية عملاقة وفراخها وأبواقها, حيث اختبئ الجميع وراء الأفعال المشينة لقوات الاحتلال الأميركي، والتي تختبئ بدورها وراء ستار سياسات "الدولة الأميركية العميقة"، وما يخدم مصالح الرئيس الأميركي وإدارته، بعدما تأكدت حقيقة اللصوصية الأميركية التي تمر عبر قواعدها العسكرية والمعابر اللاشرعية، وتحولت إلى ثوابت لا تقبل التشكيك بها أو نكرانها ونفيها.

هذه الأفعال تخطت الحصار السياسي والعسكري, وأصدرت العقوبات وأحكمت الحصار الاقتصادي عبر ما يسمى "قانون قيصر" الأمريكي أحادي الجانب, وسيطرت قواتها الإحتلالية على حقول النفط ومحاصيل القمح والشعير وكافة الثروات السورية, بالإعتماد على دعمها للإنفصاليين والإرهابيين في شمال البلاد وشرقها, وتحوَّل المشهد نحو فضح الرغبة لأميركا الجامحة لتجميد الخرائط العسكرية الميدانية, واستمرار وجودها وبقائها الاّمن على الأراضي السورية، وسط هواجس حفاظها على هيبتها ومكاسبها وقواعدها وحياة جنودها، واكتفت ظاهرياً بمتابعة أعمال السرقة والنهب وحرق المحاصيل, رغم عدوانها العسكري بين الحين والاّخرعلى نقاط ومواقع تمركز قوات الجيش العربي السوري, بما يخدم استراتيجتها الخبيثة غير المعلنة.

ونتيجة لذلك, اعتقد البعض أن واشنطن مهتمة فقط بفرض استراتيجية تتعلق بسورية فقط , لكن ما أثبتته الوقائع, أكد أنها تعتمد استراتيجية كبرى تتخطى مصالحها على الأراضي السورية، وتجعلها قادرة على تحقيق أهدافها في العراق، وتمنحها إمكانية الاقتراب من الحدود الإيرانية، ومنع التواصل الجغرافي والحيوي والعسكري الممتد من طهران إلى بغداد ودمشق، وصولاً إلى لبنان وفلسطين المحتلة.

لكن ومع تصدع الرواية والمشروع الأميركي، نتيجة الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه والمقاومة اللبنانية والعراقية على طرفي الحدود، وبعد نجاح الدولة السورية باستعادة سيطرتها ونفوذها وتحرير ما يقارب 80% من الأراضي التي سيطرت عليها وإرهابييها، تأكد الأميركيون من استحالة تحقيق أي تقدم أو نجاح في تفكيك الدولة السورية وإطاحة حكومتها وقيادتها ونظامها السياسي, وبأنه لا بد تغيير المشهد الميداني.

وبدأت قوات الاحتلال الأمريكي بتكثيف نشاطها وتحركاتها العسكرية وضاعفت أعداد جنودها وقواعدها العسكرية, واستجلابها لعشرات قوافل الشاحنات المحملة بالأسلحة وكافة مسلتزمات الدعم اللوجستي, وزادت من تحصين نفسها في أهم قواعدها في منطقة التنف, وضاعفت أعداد إرهابييها في محيطها لحماية قاعدتها الرئيسية, كذلك ضاعفت من زيارات ولقاءات مسؤوليها العسكريين بأدواتها الإنفصالية والإرهابية على الأرض, واهتمت بمشروع إعادة إحياء "داعش", وإطلاقه من سجون "قسد", الذي تكفل بدوره بتنفيذ دوره ومهمته بإلهاء الجيش العربي السوري في سورية, وتوجيه الضربات إليه, بالتوازي مع تكيثف العدوان الإسرائيلي على سورية ومحيط دمشق, في رسالةٍ واضحة للدولة والمقاومة السورية والحلفاء, على طرفي الحدود السورية – العراقية, للحد من تصعيد المقاومة ضد قواتها وأدواتها, وسط مخاوفها من خروجٍ مذل في نعوش وأكياس بلاستيكية, وحاولت الإيهام والتهويل حول قدراتها العسكرية, وأوحت بعملية جديدة تستهدف قطع الطريق البرية بين سورية والعراق وإغلاق الحدود, لكنها فوجئت بتعرض مواقعها في قاعدتي كونيكو والشدادي خلال 72 ساعة إلى هجومين نفذتهما فصائل المقاومة السورية, ما دفع البنتاغون بالإسراع لإصدار بيان يؤكد أنهم غير معنيين بشن معركة عسكرية لإغلاق الحدود والسيطرة على مدينة البوكمال ومعبر القائم بريف محافظة دير الزور.

لكن ماذا عن استمرار الزيارات المعلنة والسرية والمفاجئة للمسؤولين العسكريين رفيعي المستوى إلى مناطق شمال وشرق سورية ؟ كزيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال الأسبق مارك ميلي لشمال شرقي سورية, بالتوازي مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال شهر اّذار الماضي العراق والأردن وتل أبيب, ناهيك عن عدة زيارات قام بها قائد القيادة المركزية الأمريكية الحالي مايكل كوريلا, الذي يعتبر القائد العسكري الأمريكي الأبرز بين أقرانه الذين زاروا سورية, وقد سجل الجنرال ثلاث زيارت معلنة كانت اّخرها في الإسبوع الماضي, حيث والتقى مظلوم عبدي قائد ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية.

من هو مايكل كوريلا قائد العمليات الأميركية في الشرق الأوسط ؟

مايكل كوريلا هو العسكري الأمريكي الحاصل على بكالوريوس هندسة الفضاء، ودرجة الماجستير في دراسات الأمن القومي من كلية الحرب الوطنية الأميركية , ويملك تاريخاً طويلاً بمشاركته بالعمليات العسكرية الأميركية الخارجية، كما تولى مسؤوليات في هيئة الأركان العامة للجيش الأميركي، وقاد فرقة المظلات 82 , وقاد عدداً من الوحدات الخاصة المحمولة جواً، وشارك في عمليات عدة لحفظ السلام في عدة دول.

حيث ترى فيه المؤسسة العسكرية الأمريكية أنه مقاتل بارع ، ومفكر استراتيجي, وصاحب طموحات كبيرة في المناصب العسكرية الرفيعة, وربما السياسية ايضاً, وعلى ما يبدو أن كوريلا يحظى بثقة قيادته, التي تمنحه مجالاً لتحركات قواته على الأرض داخل سورية, ونطاقاً واسعاً على مستوى الخرائط الإستراتيجية والجيوسياسية, الممتدة من طهران إلى تركيا وسورية ولبنان وفلسطين المحتلة والأردن والعراق, وهي مهام تتخطى عمله كقائد عسكري فقط, الأمر الذي يضفي على دوره وزياراته المزيد من طابع الخطورة.

واستكمالاً لزيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن التي قام بها مؤخراً إلى تل أبيب والأردن والعراق, قام مايكل كوريلا بزيارة هي الثالثة له هذا العام إلى المناطق التي يحتلها الأمريكيون في سورية, بالتزامن مع زيارته للأردن, ويمكن قراءة هذه الزيارات من خلال التصعيد والضغوطات الميدانية والإقتصادية غير المسبوقة على الحكومة السورية, في الوقت الذي تبدو فيه حقيقة الزيارة, أنها في سياق تفقد التعزيزات الدفاعية الأمريكية عن قواعدها العسكرية غير الشرعية في سورية, وضمان قدرتها على التصدي والصمود أمام أي هجمات جديدة محتملة للمقاومة الشعبية السورية وحلفائها.

وبحسب بعض وسائل الإعلام, فقد التقى كوريلا بقائد "قسد", وتفقد مخيمي الهول وروج, ونقل عنه أن: "الولايات المتحدة لن تتخلى عن أي منطقة في سورية وستواصل عملها مع قوات سورية الديمقراطية لتحقيق الاستقرار", يبدو أن كلامه جاء لطمأنة "قسد" بأن واشنطن ليست بصدد التخلي عنها حالياً, كذلك ما قاله حول "احتفاظ تنظيم داعش بقدراته على قيادة وشن الهجمات", هو بمثابة تهديد إرهابي جديد, وإعلان يائس ومثير للشفقة, لتأكيد براءة واشنطن من تهمة قيادة التنظيم الإرهابي, وعلى مبدأ أعذر من أنذر.

وفي خلاصة القول ... لم تعد الولايات المتحدة تكتفي بمراقبة وتعزيز التقارب الإقتصادي بين دمشق وبغداد, وباتت ترى فيه تهديداً لكسر الحصار الغربي المفروض على سورية, ويفتح مسارات جديدة وقد يحيي مشاريع قديمة للتعاون على محور طهران – بغداد – دمشق, كتبنّي الحكومة العراقية إعادة العمل بمشروع إنبوب النفط المار من الأراضي السورية المتوقف 4 عقود, ومشاريع ربط السكك الحديدية, ومشاريع الطاقة الكهربائية وغيرها, وهي أمورٌ بمجملها تنسف أحد أهم أهداف واشنطن لوجودها في التنف, ناهيك عن خشية الولايات المتحدة من تأثير ذلك على علاقات دمشق مع الدول العربية كالأردن ولبنان على سبيل المثال لا الحصر, وهذا بدوره أيضاً سيضعف مواقفها وضغوطها على الدول العربية لوقف عمليات تطبيع علاقاتها مع سوريا بشكلٍ كامل وفوري.

من الواضح أن الولايات المتحدة باتت تشعر بالخوف وتعيش هواجس تصاعد المقاومة السورية وحلفائها, بعدما تجاهلت عشرات التحذيرات من الدولة السورية, حول ضرورة إنسحاب قواتها من الأراضي السورية, وبات عليها اليوم, قراءة المعادلات الجديدة للمقاومة السورية, فالهجوم والعدوان الإسرائيلي على محيط دمشق ومخازن للأسلحة ومناطق مدنية, قوبل بهجوم على قطعان ومستودعات أدواتها الإرهابية والإنفصالية, والإعتداء على مواقع للجيش العربي السوري وقوافل المبيت جنوبي البلاد, قوبل بالهجوم على قواعدها وجنودها في قواعدها الإحتلالية في كونيكو والشدادي, وبات عليها إدراك أن خروجها من سورية سيكون حتمياً ومذلاً.

لن يتوقّف السوريون ومحور المقاومة مجتمعاً عن توثيق لصوصية قوات الاحتلال الأميركي، ولن يتوقفوا عن سعيهم لمحاسبتها وإخراجها من سورية والمنطقة والإقليم، وسط غياب العدالة الدولية وصمت الأمم المتحدة ومجلس الأمن وما يطلقون عليه زوراً اسم "المجتمع الدولي".

/انتهى/