الكرياه: حفرة إبتلاع الجنود وإنهيار الأرواح

2025/10/27 - 12:38
الأخبار الشرق الأوسط

هي العاصمة العسكرية المصغرة للكيان الإسرائيلي، فيها وداخلها يعيش الجندي ومن يدخلها عزلة وانفصال عن العالم الخارجي، إضافة الى معاناة نفسية لا يعرفها إلاّ وارديها، الكرياه، الحفرة التي تبتلع الجنود...

الشرق الأوسط

في قلب تل أبيب تقع "الكرياه"، مجمّع أمني ضخم يضم وزارة الحرب وهيئة الأركان، ويُعد العاصمة العسكرية المصغّرة للكيان الإسرائيلي
الكرياه ليست مجرد مجمّع إداري، بل تحتوي على "الحفرة" وهي قاعة محصّنة تحت الأرض تُدار منها الحروب وتُبنى الخطط بعيدًا عن الضوء والاتصال بالخارج
تُجسّد حفرة الكرياه أقصى درجات العزلة والإنفصال عن العالم الخارجي، إذ يؤدي عمقها الكبير وتحصينها الخرساني إلى سوء تهوية وضغط هوائي دائم يعاني منه الجنود العاملون فيها
يخلق الهواء المعاد تدويره بيئة خانقة، تؤدي إلى نزيف الأنف، الصداع، التعب المزمن، والإرهاق العصبي، وفق شهادات من ضباط خدموا داخلها
يعيش جنود الحفرة في عزلة تامة بلا سماء أو شمس أو بحر، ما يسبب لهم عزلة حسية تؤثر تدريجيًا على توازنهم النفسي، وتدفع كثيرين منهم إلى الاستقالة أو الهروب، وأحيانًا إلى الانتحار
أحد الضباط العاملين في الحفرة "كل ما يحلم به الجنود هو نافذة صغيرة وقطرة أكسجين"، مشيراً إلى العزلة المطلقة التي تولّد انفصالاً نفسياً ومعرفياً وواقع بعيد عن الحياة الطبيعية
بسبب الضغط النفسي، تتزايد حالات الإرهاق الذهني وتراجع التركيز، ما يشكل خطراً مباشراً على نوعية القرارات التي تُتخذ في غرفة عمليات بهذه الحساسية
تتجاوز الأزمة النفسية في الكرياه بعدها الإنساني، فرغم كونها مركز القرار الإسرائيلي في الحرب والسلم وصورة "القوة والسيطرة"، تعاني من هشاشة عميقة تطال كل من يعمل داخلها
يعاني الجنود من إجهاد جسدي ونفسي متواصل نتيجة العمل الدائم في بيئة مغلقة، إذ تتطلب المهام يقظة مستمرة واستجابة سريعة لتغير الوضعيات، ما يثقل أدائهم البدني والإدراكي
يواجه الجنود ضغطاً كبيراً بسبب البيئة التقنية المكثفة من أجهزة وشاشات و معدات وأصوات الإنذار وبيانات الحرب المستمرة، ما يزيد احتمال الأخطاء ويضاعف الإرهاق
تشكل الكرياه مصدر قلق استراتيجي لداخل الكيان، فوجودها في قلب تل أبيب المكتظة يجعل أي هجوم عليها قد يؤثر أيضًا على المنشآت المحيطة بها
تتكرر المطالب داخل الكيان بنقل الكرياه إلى مناطق مثل النقب لتقليل المخاطر على السكان، إلا أن هذه الخطط تبقى مجمّدة بسبب تكلفتها العالية وتعقيدها اللوجستي
تُعد الكرياه رمزاً للكيان، حيث صيغت فيها سياسات الحرب منذ 1948، لكنها تحولت بسبب التحصين والعزلة الشديدة إلى بيئة صعبة للجنود تؤثر على كفاءة إدارة الحرب
رغم تحصينها بالإسمنت، تبقى الكرياه بيئة خانقة وتتضاعف الضغوط مع كل تصعيد عسكري، ما يكشف ثغرات "العمق الأمني" الإسرائيلي

/إنتهى/