عراقجي: التعاون العلمي والتقني أحد الركائز الأساسية للشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا

 وافادت وكالة تسنيم الدولية للانباء ان عراقجي ذكر في مقال له بعنوان "طهران وموسكو؛ شراكة استراتيجية على طريق النظام العالمي المتعدد الجوانب" بصحيفة "كوميرسانت" الروسية، حول العلاقات الإيرانية الروسية: "يرجع تاريخ أطر التعاون والإطار القانوني بين طهران وموسكو إلى عقود مضت. وقد دخلت هذه العلاقات مرحلة جديدة مع اعتماد 'معاهدة أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين ايران وروسيا' في بداية القرن الحادي والعشرين".

وفيما يلي نص المقال:

علاقات متجذرة ومتعددة المستويات

ترتبط الجمهورية الإسلامية الايرانية والاتحاد الروسي بعلاقات متجذرة ومتعددة المستويات، قائمة على الفهم المشترك للتطورات العميقة في النظام الدولي. علاقات لم تتشكل بناءً على اعتبارات مرحلية، بل انبثقت من روابط تاريخية وجيوسياسية ومصالح دائمة للشعبين. وقد بلغت هذه العلاقات، مع مرور الوقت ومواجهة التحولات الإقليمية والدولية المعقدة، مستوى من النضج والثقة المتبادلة والتطلع إلى المستقبل يمكن وصفه اليوم كنموذج لشراكة مسؤولة ومستدامة في النظام الدولي.

دبلوماسية الجوار: ركيزة أساسية

تشكل دبلوماسية الجوار أحد الركائز الأساسية للسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الايرانية؛ نهج كان دائمًا محل تأكيد من قبل الدكتور بزشكيان، رئيس الجمهورية الإسلامية الايرانية، ويقوم على المبدأ الأساسي القائل إن الأمن والاستقرار والتنمية الإقليمية المستدامة لا تتحقق إلا من خلال تعاون الدول المجاورة والإقليمية دون تدخل الفاعلين من خارج المنطقة. وفي هذا الإطار، تحتل روسيا باعتبارها جارة هامة في منطقة أوراسيا وبحر قزوين وقوة مؤثرة في المعادلات العالمية، مكانة خاصة في السياسة الخارجية لايران.

إطار قانوني متين وتطور تاريخي

يعود تاريخ أطر التعاون والإطار القانوني بين طهران وموسكو إلى عقود مضت. وقد دخلت هذه العلاقات مرحلة جديدة مع اعتماد "معاهدة أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين ايران و روسيا" في بداية القرن الحادي والعشرين؛ معاهدة رسخت الأسس القانونية والسياسية للتعاون الطويل الأمد بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار وضمان المصالح المشتركة. وكانت تلك الوثيقة نقطة انطلاق مهمة لترسيخ علاقات ثابتة ومتوازنة وموثوقة بين البلدين.

ومع ذلك، فإن التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، وتوسع دور إيران وروسيا في المعادلات الدولية، وتصاعد التحديات الناجمة عن الأحادية والضغوط السياسية والعقوبات غير القانونية وغير الإنسانية، كلها كشفت بشكل متزايد عن ضرورة الارتقاء بهذا الإطار التعاوني. وفي هذا السياق التاريخي والاستراتيجي، تشكلت "معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين ايران وروسيا"؛ وهي معاهدة رفعت مستوى علاقات البلدين إلى مرحلة نوعية أعلى، وتعمل بمثابة خارطة طريق شاملة وطويلة الأمد وتطلعية للمستقبل، ترسم آفاقًا مشرقة للتعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية والطاقة والعلمية والتقنية والثقافية والسياحية والاستثمار.

الروابط الثقافية والحضارية: أساس ناعم ودائم

إلى جانب الأبعاد الاستراتيجية والقانونية لشراكة البلدين، تشكل الروابط الثقافية والحضارية بين إيران وروسيا الأساس الناعم والدائم لهذه الشراكة. لطالما كانت الثقافة والأدب لغة مشتركة بين الشعوب، وقد لعبا دورًا أساسيًا في علاقات طهران وموسكو. لقد خلقت الأدب الإيراني بأسماء مثل الفردوسي والسعدي والحافظ والمولوي، والأدب الروسي بشخصيات مثل بوشكين وتولستوي ودوستويفسكي وتشيخوف، إرثًا مشتركًا للثقافة العالمية؛ إرث يروي، بما يتجاوز الحدود، لغة الإنسان المشتركة والأخلاق والمعنى والكرامة، ويوفر أرضية قيمة لتعميق الحوار الثقافي وترسيخ الروابط بين الشعوب. كما قال سعدي الكبير: "بني آدم أعضاء جسد واحد / خُلقوا من جوهر واحد". يشكل هذا الرأسمال الثقافي دعمًا قيمًا لتوسيع الدبلوماسية الثقافية والتبادات الجامعية وترجمة الأعمال الأدبية وترسيخ الروابط الشعبية بين البلدين.

القدرات الاقتصادية: أبعد من المستوى الحالي

في المجال الاقتصادي، تتجاوز قدرات التعاون بين إيران وروسيا المستوى الحالي بكثير. يمكن لتنمية التبادل التجاري الثنائي والاستثمار المشترك والاستفادة من المزايا الاقتصادية التكميلية أن ترفع العلاقات الاقتصادية للبلدين إلى مستوى العلاقات السياسية الحقيقي. وقد وفر التعاون في إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي إمكانية ربط الاقتصاد الإيراني بشكل مستدام بالأسواق الإقليمية، وتسهيل التجارة، والحد من العوائق الهيكلية، وتنويع مسارات التبادل؛ وهي قدرة يمكن أن تؤدي، بالإرادة المشتركة للبلدين، إلى نتائج ملموسة ودائمة.

بحر قزوين: رابط جيوسياسي محوري

يحتل بحر قزوين، باعتباره أحد الروابط الجيوسياسية المهمة بين إيران وروسيا، مكانة محورية في دبلوماسية الجوار بين البلدين. فبحر قزوين ليس مجرد مساحة مائية مشتركة فحسب، بل هو أيضًا ساحة للتعاون في مجالات الطاقة والنقل والبيئة والأمن الإقليمي وربط الممرات العابرة. ويمكن أن يحول تطوير الممر الدولي شمال-جنوب وتعزيز البنى التحتية اللوجستية إيران وروسيا إلى محورين متكاملين في هيكلية ممرات المواصلات لأوراسيا والربط بين الشرق والغرب.

التعاون السياسي والأمني: مكانة متميزة

على المستوى السياسي والأمني، يتمتع التعاون والتنسيق بين طهران وموسكو بمكانة متميزة. يلعب الاتحاد الروسي، بصفته عضوًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دورًا مهمًا في مواجهة الأحادية، والاستغلال الآلي للمؤسسات الدولية، ومحاولات فرض الإرادة السياسية عبر الضغط والعقوبات. وايران وروسيا تؤمنان، مع التأكيد على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة واحترام السيادة الوطنية للدول ومعارضة التدخلات غير القانونية، بأن النظام الدولي بحاجة إلى العودة إلى تعددية حقيقية وعادلة ومنصفة. وقد تعرضت إيران وروسيا معًا لعقوبات أحادية وجانبية وغير قانونية وغير إنسانية؛ عقوبات لا تتعارض فقط مع القانون الدولي، بل تنتهك أيضًا الحقوق الأساسية للشعوب. وقد وفرت هذه التجربة المشتركة أرضية مهمة لتعميق التعاون من أجل الحد من آثار العقوبات، وتطوير آليات مالية ومصرفية مستقلة، وتعزيز التجارة بالعملات الوطنية، وزيادة المرونة الاقتصادية والتقنية للبلدين.

التعاون في الأطر متعددة الأطراف: نحو نظام عالمي أكثر عدالة

يعكس التعاون النشط بين إيران وروسيا في إطار المنظمات والترتيبات متعددة الأطراف، خاصة مجموعة البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، النظرة المشتركة للبلدين حول ضرورة الانتقال من النظام أحادي القطبية والتوجه نحو نظام أكثر عدالة وتوازنًا وشُمولية. لم يعد البريكس اليوم مجرد إطار اقتصادي، بل أصبح رمزًا لإرادة القوى الصاعدة لإصلاح هياكل الحوكمة العالمية غير العادلة، والحد من هيمنة أدوات الضغط الأحادية، وتعزيز دور الدول المستقلة في صنع القرار الدولي. يمكن أن يؤدي التعاون الوثيق بين إيران وروسيا في هذا الإطار إلى تضافر فعال في المجالات المالية والطاقة والتجارة والتكنولوجيا والتنمية المستدامة.

التعاون العلمي والتقني: ركيزة أساسية

في غضون ذلك، يُعد التعاون العلمي والتقني أحد الركائز الأساسية للشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا. يتمتع البلدان بقدرات كبيرة في مجالات الاقتصاد القائم على المعرفة، والتقنيات المبتكرة، والطاقات المتقدمة، والفضاء، والتكنولوجيا النووية السلمية، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، والعلوم الطبية. وقد وفرت معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة أرضية مناسبة لتوسيع التعاون بين الجامعات ومراكز البحوث والشركات القائمة على المعرفة والمؤسسات التقنية في البلدين؛ تعاون يمكن أن يؤدي إلى الاستقلالية العلمية والتقنية والحد من التأثر بالضغوط الخارجية.

السياحة والروابط الشعبية: مجال مهم

تحتل السياحة والاتصالات الشعبية أيضًا، باعتبارهما من المجالات المنصوص عليها في معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة، مكانة مهمة في علاقات البلدين. يوفر التنوع المناخي والإرث التاريخي والثقافي الغني، وقدرات السياحة العلاجية، والجاذبات الطبيعية في إيران وروسيا أرضية مناسبة لتوسيع التبادلات السياحية. يمكن لتسهيل التأشيرات، وتطوير الرحلات الجوية المباشرة، وتوسيع التعاون بين مؤسسات السياحة والقطاع الخاص، وتصميم برامج سياحية مشتركة، أن يؤدي إلى زيادة تنقل مواطني البلدين وتعزيز المعرفة المتبادلة بين الشعبين. وترى ايران في السياحة أداة فعالة لتعزيز الدبلوماسية الشعبية وترسيخ الروابط البشرية المستدامة بين طهران وموسكو.

شراكة استراتيجية لبناء نظام عالمي جديد

تسير إيران وروسيا اليوم، بالاعتماد على الشراكة الإستراتيجية والتجربة التاريخية المشتركة وإدراك مسؤوليتهما تجاه مستقبل النظام الدولي، على طريق بناء نظام يحل فيه التعاون محل الهيمنة، والحوار محل الضغط، والاحترام محل الإملاء. وفي هذا السياق، فإن "معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة" ليست مجرد وثيقة لتنظيم العلاقات الثنائية فحسب، بل هي إطار للمشاركة النشطة للبلدين في تشكيل نظام متعدد الجوانب وعادل ومتوازن؛ نظام سيكون لصالح الشعوب والاستقرار الإقليمي والعدالة العالمية.

/انتهى/