"خزاعة" الغزية .. رائحة الموت تفوح من كل زقاق وشارع

"خزاعة" الغزیة .. رائحة الموت تفوح من کل زقاق وشارع

قبل 24 يوماً كانت رائحة الورد الجوري ، وأزهار القرنفل بألوانه المختلفة المتراصة على طول الأراضي الزارعية تفوح في بلدة خزاعة بمدينة خان يونس ، جنوبي قطاع غزة ، فتجعل من الصباح ، صباحاً استثنائياً .. غير أن هذه الرائحة بدأت تذوب ، و تتلاشى أمام ركام و دمار ما تّخلفه الحرب الصهيونية العدوانية على فلسطينيي القطاع والمتواصلة لليوم الثاني عشر على التوالي .

ومنذ فجر الأربعاء الماضي ، و حتى اللحظة ، وحدّها رائحة الموت تنتشر في المكان ، ولا يمكن للسيدة النجار وهي أم لخمسة أطفال محاصرين داخل بلدة خزاعة ، أن ترتب حروفاً تصف بها الهجوم الصهيوني على البلدة الواقعة شرقي خان يونس . يأتي صوتها باكياً مخنوقاً " إنهم يرتكبون مجزرة، أفظع من مجزرة الشجاعية، شرقي مدينة غزة (التي وقعت الأحد الماضي وأسفرت عن مقتل أكثر من 70 شخصاً)، لقد حاصروا البلدة، وأخذوا يقصفون المنازل والأراضي بعشوائية، براً وجواً، هناك من العائلات من تمكن من الهرب، ولكن الكثير مثلي، ظل محاصراً". تبكي السيدة النجار، كلما تذكرت أنها قد تتحول هي وأولادها في أي لحظة إلى "رقم" يزيد من "عدّاد الدم" الذي لا يتوقف في غزة . و منذ ذلك الفجر ، بدأت «إسرائيل» هجوماً برياً وجوياً على بلدة خزاعة، حيث بدأ الهجوم وفق شهود عيان باستهداف أراضٍ فارغة على طول حدود البلدة من كافة جهاتها . وتلا ذلك، بحسب الشهود، قصف عشوائي، وإطلاق نار على مداخل البلدة والشوارع المؤدية إليها، ما أدى إلى فصلها عن البلدات المجاورة ومحاصرتها، وبعد ذلك دخلت آليات الجيش الإحتلالي إليها، وتم اقتحام عدد من منازل المواطنين فيها واتخاذها كنقاط للمراقبة، وانطلاق العمليات العسكرية الصهيونية منها بعد حشر السكان في إحدى غرف المنزل . و وفق أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية، فإنّ الطواقم الطبية لا تزال عاجزة عن انتشال وإحصاء العدد الكلي للقتلى والجرحى، معظمهم من النساء والأطفال ، محذراً من تكرار مشهد "مجزرة" حي الشجاعية .

"أين العالم الحر؟ أين ضمير الإنسانية؟ الآن قد أموت، أقاربي وجيراني كلهم تحت أنقاض البيوت، اعتقلوا عشرات الشبان، واقتادوهم لجهة مجهولة" .. يواصل أبو ريدة صراخه قبل أن ينقطع الاتصال به. ووفق شهود عيان فإن الجيش الصهيوني اعتقل عشرات الشبان من بلدة خزاعة، القريبة من الحدود الصهيونية، واقتادوهم لجهة مجهولة.
ووفق ما يرويه، سعد قديح، (38 عاماً)، الذي يتلقى علاجه في إحدى المستشفيات : "من استطاع الهرب، في الساعات الأولى من القصف، فقد نجا، الوضع الآن يبدو مأساوياً، وهناك مجزرة، بل مذبحة، الطائرات قصفت عشرات المنازل فوق رؤوس ساكنيها، لقد قصفوا أمامي عدداً من النساء والأطفال، وأحالوا أجسادهم إلى أشلاء" .
أما إياد النجار، الذي تمكنت طواقم الدفاع المدني من إنقاذه، فيصف ما يجري في خزاعة بـ"المحرقة" . ويقول بصوت مرتجف "الموت في كل شارع، في كل زقاق، ما من بيت إلا وقصف إما بالطائرات، أو بالقذائف، الأمر لا يمكن وصفه" . ويكاد، وفق شهود عيان، أن يتكرر في بلدة خزاعة ما حدث في حي الشجاعية، ويروي الشهود من داخل البلدة أن الجيش الصهيوني "لا يكتفي بإطلاق القذائف المدفعية، بل يُطلق مئات القذائف الحارقة والمسمارية" .

ويقول أحد المسعفين بعد دخوله البلدة لأمتار قليلة، أجبرتّه النيران الصهيونية بعدها على التراجع هو وكافة سيارات الإسعاف : "البلدة تبدو ككتلة من اللهب، نداءات الاستغاثة من الداخل، لا تتوقف، ونحن لا حول لنا ولا قوة، دخلنا لأمتار قليلة فقط، فتعثرنا بدمار هائل، وأراضٍ زراعية محروقة بالكامل، هناك عائلات بأكملها محاصرة، وهناك وفق شهادات أهالي البلدة عشرات الجثث تحت الأنقاض" . و برأي الحقوقي الباحث في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ياسر عبد الغفور فان العالم سيكون على موعدٍ مع صور صادمة ، و قاسية ، ويقول : إن "الوضع لا يمكن لأي مفردات أن تصفه قسوته ، و بشاعته" . ويضيف ان "12 ألف مواطن يقطنون بلدة خزاعة، الآن هم مشردون، نازحون، ومنهم من هو تحت الأنقاض، ومن هم من لا يزال يصرخ محاصراً، وما من أحد يستطيع الوصول إلى إنقاذه" . و يتابع "لقد تم قصف عيادة صحيّة، وبداخلها عشرات المصابين الذين يتلقون علاجهم، ما تسبب بمقتل وإصابة العديد منهم، والقذائف تنهال على البيوت، فتدمرها على ساكنيها، هناك شهادات مرّوعة يرويها سكان البلدّة، وكأننا أمام سلسلة من المجازر البشعة على غرار ما حدث قبل أيام في حي الشجاعية".

أهم الأخبار انتفاضة الاقصي
عناوين مختارة