الدكتور الحسيني : «داعش» هو النسخة الثانية لـ«طالبان» ولهذه الأسباب لم تنضم طهران إلى التحالف الأمريكي

الدکتور الحسینی : «داعش» هو النسخة الثانیة لـ«طالبان» ولهذه الأسباب لم تنضم طهران إلى التحالف الأمریکی

أوضح الدكتور محمد علي الحسيني مستشار وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأسباب التي دفعت طهران لعدم الانضمام إلي «التحالف» الذي تم أنشاؤه بمساع أمريكية وأعلن عنه في جدة لمواجهة التنظيم الإرهابي التكفيري «داعش» و أكد في مقال نشرته صحيفة «السفير» اللبنانية ، أن سيناريو «داعش» أصبح بمثابة الكتاب الذي ترغب أمريكا بأن يقرأ من نهايته ، أو الفصل الأخير منه .

و اضاف الدكتور الحسيني بأن تنظيم «داعش» هو النسخة الثانية لـ«طالبان» الذي وضعت أمريكا بذرته الأولي من أجل تأمين مصالحها الإستراتيجية وفي سبيل رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، وعندما يحين موسم الحصاد تقطف ثماره ثم أغصانه .

• الأزمة السورية وتكرار سيناريو «طالبان»
لقد تأسست «طالبان» في البداية من أجل مواجهة الاتحاد السوفياتي السابق، وبهدف تحرير طاقات العالم الإسلامي ضد الشيوعية . وفي سبيل ذلك أطلقوا العنان لـ«طالبان» للعب دور عسكري في الساحة الأفغانية ، وفي الوقت نفسه، وفي إطار مشروع الترهيب والعداء للإسلام ، سمحوا لـ«طالبان» بممارسة شتي أنواع العنف والتطرف وحتي المتاجرة بالمخدرات ، إلي أن وصل المشروع إلي ذروته مع حادث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) . استغلت أميركا ذلك ، بذريعة «الحرب ضد الإرهاب»، خلال تدخلها العسكري في أفغانستان، وما تلي ذلك من أحداث.
إن ولادة «داعش» جاءت ايضا في البداية من أجل القضاء علي الدولة في سوريا . فبالإضافة إلي دوره العسكري في الميدان ضد الدولة، استخدم «داعش» أسلوب «طالبان» نفسه في إثارة الحقد ضد الإسلام . ويتم توفير المصادر المالية لـ«داعش» من خلال السماح له ببيع النفط وبقية المصادر الطبيعية . إن ذروة هذا المشروع الجديد هو الانتشار الواسع لـ«داعش» في العراق، وإعلان الخلافة الإسلامية مصاحبة بالرعب والإرهاب وارتكاب شتي أنواع الجرائم ، لتصبح بمثابة ذريعة مناسبة للتدخل العسكري في المنطقة . إن «داعش»، أو «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ، الذي تأسس في العام 2011، بعد شهر واحد فقط من بدء الأزمة السورية، لم يكن هناك أي شك في طبيعته الإرهابية منذ البداية. فهذه الجماعة التكفيرية التي كانت آنذاك لا تزال مرتبطة بـ«القاعدة»، وتحارب جنباً إلي جنب مع «جبهة النصرة» ضد الدولة السورية، كانت لا تميز في جرائمها ضد الأبرياء في سوريا ولبنان والعراق بين الطوائف والمذاهب المختلفة.
و خلال الأزمة السورية ، و بالإضافة إلي الدعم السياسي الأميركي الكامل ، والدعم العسكري والمالي واللوجستي المباشر لبعض حلفاء أميركا في المنطقة لهؤلاء الإرهابيين التكفيريين .. عمد الكيان الصهيوني أيضاً إلي تقديم أوسع خدمات التدريب والاستشارة والعلاج للتكفيريين في الجولان والقنيطرة وعتيبة وبقية المناطق المتاخمة للحدود السورية، وحتي داخل فلسطين المحتلة . وهنا يتساءل المرء : لماذا بالرغم من أكثر من 100 ألف شخص قتلوا بأبشع الأساليب علي يد «داعش» و«النصرة» بصورة مكشوفة وعلنية في سوريا ولبنان والعراق طوال السنوات الثلاث الماضية ، لم يحرك ساكناً لدي المجتمع الدولي للحيلولة دون تمويل هذه العصابات المسلحة والإرهابية بالمال والسلاح والمرتزقة من بعض دول المنطقة؟ ولماذا استمر تمويل هذا الوليد البشع بالمال والسلاح من قبل الغرب طوال ثلاث سنوات؟
• التحالف المزعوم ضد «داعش»
شنت عصابة «داعش» الإرهابية يوم 6 حزيران الماضي هجوماً شمال غربي العراق ، واحتلت أجزاءً منه، بما فيها مدينة الموصل الإستراتيجية . و كشفت وسائل إعلام وثائق تبيّن علم السفارة الأميركية في بغداد المسبق بمخطط «داعش» و «حزب البعث» . ولاشك ان الادعاء بعدم العلم بمثل هذا المخطط العسكري ، مع امتلاك أميركا لأحدث أقمار التجسس ، لهو ادعاء واه ومضحك.
وفي الوقت الذي ذكرت فيه تقارير الأمم المتحدة، في العام 2013، أن هذا العام يمثل أكثر دموية منذ عام 2008 بعد وقوع نحو ثمانية آلاف قتيل بسبب العنف والعمليات الإرهابية، فإن عمليات القتل التي ارتكبها «داعش» في العراق في غضون ثلاثة أشهر فقط لا تقل عن 5550 شخصاً، 90 في المئة منهم من المدنيين.
وبعد 3 أشهر من جرائم «داعش» في العراق ، فجأة دخلت أميركا وبريطانيا وفرنسا وحلف شمال الاطلسي (الناتو) علي الخط ، وقررت مواجهة «داعش»، في حين انها لم تتطرق أبداً الي منشأ هذه العصابة أو عوامل نموّها و أسباب دعم اللاعبين في المنطقة والعالم لها لمدة ثلاث سنوات ، كما تجاهلت الحديث عن حجم الفظائع التي ارتكبتها هذه العصابة ضد الأبرياء من مختلف الطوائف العربية والكردية والتركمانية والمذاهب الشيعية والسنية والمسيحية والإيزيدية.
ان العناوين الباهرة التي تم انتخابها لاجتماعات و مؤتمرات مثل اجتماع ويلز و جدة و باريس ، حول تأليف تحالف دولي لمواجهة «داعش» . و تزامناً مع ذكري احداث 11 أيلول ، تم انتخاب قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان (الجنرال جون آلن) والذي لعب دوراً بارزاً أيضاً في حرب العراق ، و بعبارة أخري قاد القوات الأميركية لما يسمي بمحاربة الإرهاب، كقائد ومنسق للتحالف الدولي ضد «داعش».
ان حقيقة ادعاءات أميركا والغرب حول مكافحة الإرهاب تبيّن أن مثل هذه التحركات الدولية لا تشير أبداً إلي وجود إرادة وعزم جادين لقطع التمويل العسكري والمالي عن «داعش» والجماعات الإرهابية المشابهة . فلا قيود أو حظر لتعجيز هذه الجماعات الإرهابية، ولا إجراء قانونيا ضد قادتها وزعمائها وأعضائها، ولا حتي احتواء وسائل الإعلام المتطرفة التي تدعم مثل هذه الجماعات وتشجعها. فهذه الأمور لو تسني منذ اليوم الأول الاهتمام بها لما استدعت الحاجة اليوم إلي استخدام القوة العسكرية غير القانونية ضدها .
• تأمين المصادر المالية لمشروع الإرهاب
وكما تجاهل نظام البنك الدولي، الواقع تحت سيطرة الدولار الأميركي، عمليات تداول الأموال الناجمة عن تجارة المخدرات التي تقوم بها «طالبان» في أفغانستان ، سيتجاهل ذلك أيضاً بالنسبة الي «داعش» . فمصادر تمويل «داعش»، في البداية ، كانت مرتبطة بالدرجة الأولي بالدعم الأجنبي، وجزء منه بواسطة عمليات التهريب أو الحصول علي فدية إزاء تحرير الرهائن . وأدت سيطرة «داعش» علي مصادر النفط في الرقة في سوريا، ثم في الموصل في العراق، وكذلك نهب فرع البنك المركزي في الموصل، لجعل هذه المنظمة الإرهابية من أغني المنظمات الإرهابية في العالم. وبعدما تمكن «داعش» من السيطرة علي أكبر حقل نفطي في الموصل، أشارت التقارير إلي بدء عمليات بيع النفط إلي دول مجاورة وبأسعار مخفضة (بين 25 إلي 60 دولارا لكل برميل من النفط) .
وكما قال حسين علاوي، كبير مستشاري وزارة النفط العراقية ولؤي الخطيب أحد أعضاء مؤسسة «بروكينغز» و مستشار في البرلمان العراقي لشؤون الطاقة ، إن عوائد بيع «داعش» للنفط تبلغ يومياً نحو مليوني دولار. وكل يوم تعبر 210 شاحنات محملة بالنفط إلي الحدود العراقية، ومعظمها يتجه نحو تركيا . و أشارت تقارير غير رسمية أيضاً إلي بيع «داعش» نحو 125 ألف برميل نفط يومياً من حقول العراق وسوريا، أي أن هناك عوائد لهذه المنظمة الإرهابية تتراوح يومياً ما بين ثلاثة إلي خمسة ملايين دولار .
ان النفط الذي ينهبه الإرهابيون من سوريا يباع بواسطة شركة «اكسون موبيل» الأميركية في الأسواق الدولية ، كما يتم بيع نفط الموصل بواسطة شركة النفط الوطنية لإحدي الدول النفطية المجاورة للعراق، وبدعم أميركي شامل في الأسواق الدولية.
لكن النظام المصرفي الدولي ، الذي يتخذ أشد الأساليب تعنتاً للحيلولة دون تداول الأموال الإيرانية المشروعة ، كيف لا يستطيع اتخاذ الأساليب اللازمة لمنع تداول ملايين الدولارات الناجمة عن بيع «داعش» للنفط العراقي والسوري، بالرغم من امتلاك مجلس الأمن الدولي شتي السبل الكفيلة لمنع تداول أموال الإرهابيين؟
• الترهيب من الإسلام والمصالح الصهيونية
إن الإرهاب التكفيري الذي استهدف منذ البداية المقاومة بصورة عامة ، لم يهدف أبداً ، خلافاً لشعاراته الدينية، سوي خدمة المصالح الإستراتيجية للكيان الصهيوني وحماته . و إن أهم هدف لهذا السيناريو :
- أولاً برنامج إسقاط الدولة في سوريا
- ثانياً إنجاز مشروع الترهيب من الإسلام وخلق العداوة ضد هذا الدين، وجعل الإسلام خطراً بدل الصهيونية
و بالرغم من إجماع علماء المسلمين علي أن ممارسات «داعش» ، ليس لها أدني ارتباط بالتعاليم الإسلامية، وبالعكس فإنها مغايرة تماماً للأحكام والأخلاق الإسلامية، وإن نسب هذه العصابة، الدموية والملحدة والمنعدمة الأخلاق، إلي الإسلام والمسلمين هو إهانة وظلم كبير بحق هذا الدين المبين. فإن الكثير من المصادر الغربية تحبذ إطلاق التسمية المزعومة «الدولة الإسلامية» ليجري الاعتراف بهذه التسمية رسمياً.
ولو ألقينا نظرة عميقة علي ما يجري ، يمكننا تصور حجم الرعب و القلق الناجم عن ممارسات «داعش» الوحشية لدي الرأي العام، وخاصة الغربي . وقد غطّت هذه الممارسات علي الجرائم الصهيونية في غزة، وتم استغلالها من أجل تبييض أيادي الصهاينة الملطخة بدماء الآلاف من النساء والأطفال الفلسطينيين العزّل. وحتي أن تخريب المساجد والكنائس والمراقد الدينية علي يد «داعش» يدخل في إطار منح التبرير للرأي العام لتنفيذ الأجندة الصهيونية المبيتة في تخريب المسجد الأقصي، وبناء هيكل سليمان محله .
إن الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي وصف «داعش» بالغدة السرطانية في الثالث من أيلول ، دعا كل الحكومات و الشعوب الشرق أوسطية للتعاون المشترك للحيلولة دون انتشار هذه الغدة . ولا ننسي أن هذا الوصف المعروف والمتداول لم يطلقه من قبل ، سوي الإمام الخميني حول «إسرائيل». كذلك دعا (بنيامين) نتنياهو رئيس حكومة كيان الاحتلال الذي يمثل أكبر مثال علي الإرهاب الحكومي ، دعا خلال تصريحاته الأخيرة إلي شن حرب عالمية ضد الإرهاب ، وقال : "بات على الدول السنية في المنطقة أن تفهم أن «اسرائيل» ليست عدواً بل نحن نكافح معاً" ! . لذلك فإن فتنة التكفيريين أكبر من مجرد انحراف عن الدين الإسلامي ، بل هي مؤامرة موجهة من قبل أعداء الإسلام تتوافق مع أهداف الكيان الصهيوني . لذلك نشاهد أن التيار التكفيري لم يقم بأي إجراء ضد الكيان الصهيوني، وانه يستهدف المسلمين فقط.
مع ما ذكرناه أعلاه و اتضاح عدم مصداقية أدعياء هذا السيناريو المزعوم لما يسمي بـ«مواجهة الإرهاب» .. فإنه من البديهي أن لا تنضم الجمهورية الإسلامية الإيرانية لهذا السيناريو ، الذي هو من ألفه إلي يائه ، في خدمة المصالح اللاإنسانية واللاشرعية لواضعيه الرئيسيين.
وعلي العكس من حماة و داعمي «داعش» بالأمس ، ومن يدّعون قتاله اليوم، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت سباقة في التصدي لكل أشكال التنظيمات الإرهابية والتكفيرية المسلّحة في سوريا والعراق ، و كان أداؤها جاداً وصادقاً ، وهي تري أن أي مشروع يتخذ للتعامل مع هذه الأزمة لن يحظي بالنجاح ما لم يكن شاملاً وجذرياً وغير انتقائي ، و يكون هدفه القضاء نهائياً علي هذه التنظيمات مع احترام السيادة الوطنية للعراق وسوريا.

الأكثر قراءة الأخبار ايران
أهم الأخبار ايران
عناوين مختارة