كذب الموت فالحسين مخلد كلما مرّ زمان ذكره يتجدد

کذب الموت فالحسین مخلد کلما مرّ زمان ذکره یتجدد

عند ضفاف جرحك .. جرح السماء ، ستجفُّ خجلاً يا مولاي الجراح . وعند حدود عاشورائك .. مُدميةَ قلوب الأنبياء ، ستقف مبهورة يا سيدي الأزمان . وعند تخوم قدس أرضك .. مهوى أفئدة الأولياء ، ستنتهي المسافات . وعند سخاء جودك .. الذي ليس له انتهاء ، سيعقم رحم التضحيات ؛ إذ لا يوم كيومك سيدي يا أبا عبد الله .. ولا مصاب كمصابك مولاي يا أبا الشهداء .. ولم ، و لن يكن لأحدٍ حق اختزال نهضتك الخالدة بسويعات يوم عاشوراء .. بيد إن أحداث عاشوراء هي من اختزلت الزمن برمّته .

من أين أبدأ سيدي .. و البداية صارت ختاماً ؟ و بمَ أختم .. والنهاية أضحت في ملحمة الطف ابتداء ؟؟ ؛ اذ ولدت من نحرك ثانيةً عند الظهيرة من يوم عاشوراء ، مطروحاً فوق الرمضاء من أرض كربلاء ، فصار سفرك الخالد عنواناً للحياة ، و أضحى جرحك الوضاء نبراساً للنجاة .
ومَن سواك يا مولاي يا أبا الشهداء سكن الخلد دمه ؟ ، و اقشعرّت لسفكه أظلّة العرش ؟؟ ، و بكت مصيبته الراتبة بدل الدموع دماً ، عيون الخلائق و مقل السماء ؟؟؟ .. من؟!
لقد ظنوا بقتلك - سيدي يا أبا الأحرار - أنهم يردوك الفناء ، و ما حسبوا - يا بؤسهم – أن شهادتك ستغدو واهبة الحياة ، كما ظنوا أنهم استطاعوا منك .. فداروا بحوافر حقدهم الأسود ، وضغينتهم الصفراء على أشلاء الجسد المرمّل بالدماء ، ثم داروا.. وداروا.. ودا... روا........! ، ليخفوا أي أثر لجريمتهم  وجريرتهم النكراء ، تلك الملطخة بالسخام وجه التاريخ البشري ؛ فانقلب المكر على الماكر .. وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ؛ فطلعت لهم يانع ورد أحمر قان ، يشرئب من سويداء القلب ، معشوشباً في ضمائر الملايين كغابات يقين .
سيدي ..
لم يكن لسخاء بَذلِكَ هنالك نظير ، و لن يصل لشحّ فعل قاتليك في الأفعال شبيه .. حتى بلغ الاستكثار برشفة ماء - لا غير- على رضيعك العطشان..! فسقوه حرارة سهم غادر حزّ منه المنحر .
سيدي ..
دمك المسفوك ظلماً فوق رمضاء الطفوف ، قد أينع غابات عشق إلهي في صحراء القلوب ، وواحات حزن نضر في دهاليز الضمير ، فراح يزكو علواً في أرواح العاشقين .
سيدي ..
مَن مثلك ضحّى لله بكل ما يملك .. ولم يتوقف ؟ و ذٌبح رضيعه بين يديه من الوريد الى الوريد .. ولم يهتز ؟
من مثلك استطال رحمة حتى بأعدائه .. فبكى اشفاقاً عليهم ؟ ومن مثلك تعجبت من صبره ملائكة السماء ؟ ومن مثلك ظل صوتاً.. ولم يخبُ مثل الصدى؟! فمن مثلك يا سيدي .. من.. من .. من ...!!
يا أبيّ الضيّم ..
قتلوك فردا ً.. فأضحيت حشوداً مليونية ، و قتلوك جسداً.. فتساميت الى تجسيدٍ حيٍّ للرسالة ، و قتلوك شخصاً .. فتحوّلت الى شاخص وضاء .. ينير دروب التائهين ، و سفينة نجاة في أوج هياج طوفان الفتن ، وقتلوك حقداً حينما قالوا : "إنما نقتلك بغضاً لأبيك" ؛ فغدوت رمزاً لأطهر حب ، وأسمى عشق يمكن أن يعرفه الوجود . وحينما رفعوا رأسك فوق الرمح ؛ صار مأذنة تصدح بـ «الله أكبر» في كل حين ، وتتلى منها آيات القرآن الكريم .
يا أسوة الاحرار ..
عجزت اللغة عن الوصول إليك ، وتحيّرت الكلمات في رحبتيك ، و تاهت الحروف عند شاطئيك ؛ فسلام عليك و أنت السلام ، و منك السلام ، و إليك السلام ... اذ مضيت تجوب آفاق السماء وأقطار الأرض ، راية بيضاء .. نقية كالضياء ، بيد إنها ستبقى مخضبة بالدماء ، تهتف : أين الطالب بدم المقتول بكربلاء.

الأكثر قراءة الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
أهم الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
عناوين مختارة