وثائق عن دور حلفاء أمريكا السريين في وقائع التعذيب والاختطاف التي تفذتها وكالة المخابرات المركزية CIA


وثائق عن دور حلفاء أمریکا السریین فی وقائع التعذیب والاختطاف التی تفذتها وکالة المخابرات المرکزیة CIA

على الرغم من ان الحكومة الامريكية و وكالة المخابرات المركزية الـ CIA هما المتهمتان بشكل اساسي في برنامج التعذيب و الاختطاف ، إلا انهما لا تعتبران اللاعبتان الرئيسيتان في وقائع ممارسة اعمال العنف ، ذلك بعد ان كُشف وبشكل واضح عن مشاركة 25 دولة اوروبية في تنفيذ هذا المشروع .

وافاد تقرير القسم الدولي بوكالة "تسنيم" الدولية للانباء ان لجنة الاستخبارات في الكونغرس الاميركي اصدرت الثلاثاء من الاسبوع الماضي ، خلاصة عن تقريرها حول برامج التعذيب التي نفذتها CIA في انتزاع المعلومات والاعترافات من المتهمين في تنفيذ عمليات إرهابية . و المثير للاهتمام انه لم يتم الاشارة في هذا التقرير الذي جاء في اكثر من ستة آلاف صفحة والذي نشر منه 525 صفحة فقط و تم الاحتفاظ ببقية التقرير سريا ، الى جهاز الأمن  البريطاني MI5 ولا إلى جهاز الاستخبارات السري المعرف بـ MI6 كما لم يتم الاشارة الى جزيرة "دياغو غارسيا" المرجانية – التي تعد أرضا بريطانية - الا ان هناك وثائق عديدة تؤكد ان المحققين في الكونغرس الاميركي لم يحتفظوا فقط بسرية هاتين الوكالتين ، بل ان هناك اسماء اخرى لم تنشر لاسباب "امنية" .
و تقرير الكونغرس اماط اللثام عن الأساليب و الممارسات المثيرة للجدل التي استخدمتها وكالة المخابرات الاميركية لاستخلاص المعلومات من المشتبه بهم في القيام بعمليات ارهابية . و اختار عناصر (CIA) لانفسهم مصطلح "تقنيات الاستجواب المشدد" لبرنامج التعذيب كما اختاروا اساليب خاصة لهذا البرنامج. ومن المحتمل ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سعت من خلال انتخاب هذا المصطلح ، ان تبعد الاتهام عنها في اذهان المخاطب الذي لم يعرف حقيقة هذه الوكالة جيدا ، و لم يلم بطرقها البشعة في انتزاع المعلومات والاعترافات ، الا ان جولة سريعة في تفاصيل هذه الاساليب و الفنون تكشف حقيقة الامور . ان إيهام المشتبه بهم بالغرق و إبقاء المعتقلين وسط ظلام دامس في زنازين معزولة لفترات طويلة ، واستخدام الموسيقى الصاخب والضجيج ووضعهم في مواجهة الحائط أو وضعهم في مياه مثلجة إلى حرمانهم من النوم لأسبوع كامل ، وهم  واقفون ومكبلون وعراة ، و التهديد بواسطة مقدح كهربائي، او اخضاعهم بالقوة لعمليات تزويد بالسوائل او إدخال الطعام عن طريق الشرج تزامنا مع استخدام اساليب اخرى بشعة  في نفس الوقت ، هي من جملة اساليب التعذيب وفق برنامج "تقنيات الاستجواب المشدد" التي استخدمت عملاء وكالة الاستخبارات الاميركية اثناء الاستجواب والتي تعتبر من وجهة نظر التزامات اميركية تجاه المعاهدات الدولية لحقوق الانسان ومن وجهة نظر الادبيات مثيرة للجدل والتي تعتبر مقارنة بسائر الدول مصداقا بارزرا للتعذيب. إلا ان الحكومة الاميركية ووكالة الاستخبارات المركزية ، وعلى الرغم من كل هذا فانهما لا تعتبران اللاعبتين الرئيسيتين في هذا المضمار وفي الصف الاول في قفص الاتهام - رغم امتلاكهما كل الخصائص اللازمة لاطلاق عبارة ارتكاب "جرائم الحرب" عليهما - لان صحيفة الغارديان البريطانية كشفت في 8 كانون الاول 2014 عن مشاركة 25 بلدا اوروبيا اسهم في برنامج التحقيق السري المشؤوم وبذريعة محاربة الارهاب . ان بولندا تعتبر واحدة الدول الاوروبية ويحتمل ان تكون الاولى في الاستجابة لمطالب وكالة الاستخبارات الاميركية في تعذيب المتهمين وفق برنامج الاحتجاز والاستجواب ، والذي ادى الى ادانة هذه الدولة من قبل المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان . (الجزيرة 24 تموز 2014 ) .
ان اسهام بعض حلفاء واشنطن في القارة الخضراء في ملف تعذيب وكالة الاستخبارات الاميركية ليست واضحة بشكل كامل كما وان لجنة الكونغرس الاميركي تصر بشدة على بقاء سرية الدور البريطاني في هذا الملف المشين . و ليس من العجب ان تحاول اميركا التستر على حليفتها الاوروبية بريطانيا، البلد الشريك لها دائما ومنذ القدم في تنفيذ مشاريعها التخريبية . اذ أن تقرير الكونغرس الأميركي حذف أي إشارة لبريطانيا أو لدور مخابراتها في عمليات التعذيب والترحيل القسري الذي مارسه عملاء السي آي إيه . ان بقاء الزوايا الخفية عن ضلوع  بريطانيا في تنفيذ انقلاب "اميركا- بريطانيا" في 28 أغسطس عام في إيران والدور المؤذي لهذا الحليف الاوروبي لاميركا ، في حين ان وكالة الاستخبارات الاميركية اعترفت في 19 أغسطس 2013، بدورها في تدبير الانقلاب في الارشيف الوطني الامني لاميركا مشيرة وبصورة موجزة الى دور لندن في هذا المجال. ان المسؤولين البريطانين، نفوا في الايام الاخيرة الماضية، وكما كان متوقعا من قبل، دورهم في عمليات تعذيب وكالة الاستخبارات الاميركية، في حين ان الكثير من الوثائق عن مصادر "غير رسمية" ووفقا لتصريحات ضحايا التعذيب حول الرحلات الجوية لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية خلال السنوات الماضية، تكشف وتؤكد ضلوع لندن في تعاونها مع الحكومة الاميريكة في هذا الصدد. و قد كانت الوثائق الاولى التي نشرت عن هذا الموضوع ، في 4 يناير/كانون الثاني 2007 عندما كشفت صحيفة الغارديان البريطاينة، عن تنفيذ بيونغ N379P - طائرات وكالة الـ CIA لنقل السجناء- 3000 رحلة من رحلاتها الجوية الى الاراضي البريطانية في جزيرة "دييغو غارسيا" المرجانية.

بعد ذلك كشف الكاتب "ديويد واين" في عام 2009 في كتابه بعنوان "جزيرة العار: التاريخ السري للقاعدة الاميركية في "دييغو غارسيا" عن احدى القواعد العسكرية السرية التي تستخدمها وكالة الاستخبارت المركزية الاميركية لتعذيب المتهمين بالارهاب . و بالطبع فان تصريحات "ديويد واين" لم تقتصر على الفترة بعد عام 2001، بل اشارا إلى ان واشنطن استخدمت احدى قواعدها العسكرية غير المعروقة في "دييغو غارسيا" منذ فترة الحرب الباردة إلى فترة الحرب على الإرهاب ، لاستجواب وتعذيب المشتبه بهم . وجاء في جانب من هذا الكتاب حول الاهمية الاستراتيجية القاعدة العسكرية: ان اميركا تستطيع عن طريق الافادة من جزيرة "دييغو غارسيا" السيطرة على كافة انحاء منطقة الشرق الاوسط ومن شرق أفريقيا الى الهند واستراليا واندونيسيا، وان هذه الجزيرة مع قاعدة "غوام" تعتبر واحدة من أهم القواعد العسكرية الأميركية خارج البلاد.    

وأوضحت أنه بعد مرور 6 أعوام من مراجعة الوثائق الخاصة بـ CIA اصدرت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي ملخصا من 480 صفحة من أصل تقريرها المكون من 6200 صفحة عن أساليب التعذيب التي استخدمتها الوكالة مع المشتبه بانتماءهم لتنظيم القاعدة و المعتقلين بسجون سرية في أوروبا وأسيا والشرق الأوسط.
إن كشف لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الاميركي "الكونغرس" الخاصة بالتحقيق في اساليب التعذيب البشعة التي استخدمتها وكالة الاستخبارات الاميركية في استجواب المتهمين ، قبل عدة اشهر، عن وثائق اكثر وضوحا بشأن اسهام وتعاون بريطانيا مع ال CIA وضلوعها في برنامج ترحيل واستجواب المعتقلين، كان السبب في اعلان اللجنة عن نشر ملخص من 480 صفحة من اصل تقريرها المكون من اكثر من 600 صفحة.
وفي هذا السياق ذكرت صحيفة "رشا تودي" في تقرير لها نشرتها بتاريخ 19 أغسطس 2014  قائلة: في هذه الاثناء، فان الوثائق التي نشرت بموجب قانون "حرية المعلومات" تؤكد ان السفير البريطاني في اميركا "بيتر ويستماكوت" التقى باعضاء ومسؤولين في لجنة الاستخبارات في الكونغرس الاميركي 21 مرة على الاقل، اثناء اعداد اللجنة تقريرها، ولم تكشف وزارة الخاريجة البريطانية عما جرى في هذه اللقاءات ، الا انها تؤكد اسهام بريطانيا في برنامج اميركا الخاص بترحيل واستجواب المعتقلين.

بالاضافة الى هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق التي كشفت النقاب عنها صحيفة الغارديان في عام 2012 والتي اشارت فيها الى الدور البارز لاجهزة الاستخبارات الخارجية MI6 البريطانية والداخلية MI5، ووكالة الاستخبارات الاميركية في اختطاف وتعذيب معارض معمر القذاقي، الدكتاتور الليبي السابق. ووفقا لصحيفة الغارديان فان القصة بدأت عندما انفجرت قنبلة كان من الممكن ان تكون بريطانيا هي التي وضعتها في مكتب "موسى كوسا" رئيس مخابرات القذافي ووزير خارجيته . و حسب هذه القصة فانه "موسى كوسا" ارتبط بعلاقات وثيقة مع جهاز الاستخبارات الخارجية MI6 البريطانية. ان الوثائق التي اكتشفت في مكتب "كوسا" بالاضافة الى تاكيدها بوجود علاقات وثيقة له مع وكالة الاستخبارات الخارجية البريطانية MI6 فانها كشفت النقاب عن وجود تعاون بين بريطانيا مع ليبيا في مجال اختطاف وتعذيب المعارضين لحكومة القذافي. وكان رئيس قسم مكافحة الارهاب في جهازMI6 البريطاني في ذلك الوقت "مارك ألن" بعث في تاريخ 18 مارس/آذار 2004 ببرقة شكر "لكوسا" لجهوده لاعداد لقاء بين رئيس الوزاء البريطاني في ذلك الوقت "توني بلير" مع "معمر القذافي". وكتب "ألن" في برقيته قائلا،" اريد ان اعرب عن شكري لكم لنقل ابوعبد الله الصديق (الاسم المستعار لـ "عبد الكريم بالحاج" في ذلك الوقت) وبصورة آمنة. ان هذا اقل ما يمكن ان نفعله لاظهار العلاقة الخاصة التي بنيناها على مر السنين الماضية" .
لقد تولى بلحاج منصب قائد المجلس العسكري الليبي بعد سقوط القذافي في عام 2011 وكان رئيس الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة التي كانت تعتبر من التنظيمات المعارضة لقذافي، الا ان اجهزة الاستخبارات الخارجية MI6 البريطانية والداخلية MI5 اتهمته بعلاقته مع تنظيم القاعدة . لقد تمت مبادرة الاستخبارات الخارجية MI6 البريطانية في اعتقال بلحاج وزوجته وسامي السعدي (احد كبار المعارضين لحكومة القذافي) تمت - وفق وثائق صحيفة الغارديان- بناء على طلب وزراء الحكومة البريطانية في ذلك الوقت، والتي كشفت عن الطبيعة العدائية لسياسات الخارجية لحكومة لندن في ذلك الوقت. وتحدثت "فاطمة بوشار" زوجة عبدالكريم بلحاج لصحيقة الغارديان في عام 2012 عن تجربتها القاسية التي مرت بها عند إلقاء القبض عليها، رفقة زوجها، عن اساليب التعذيب التي مارسه المحققين الاميركيين في وكالة الاستخبارات الاميركة بعد اختطافهم من قبل الاستخبارات الخارجية البريطانية MI6 واوضحت كيف تم تقييدها من جانب ثلاثة أميركيين وإلباسها قلنسوة وغطاء للأذنين، لكي تفقد كامل قدرتها على الحركة والسمع والرؤية، وظلت على هذا الحال خلال رحلة تسليمها، مع زوجها، للسلطات الليبية، على مدار سبع عشرة ساعة متواصلة . و هذه الوثائق وعلى الرغم من كشفها لدور لندن في تعاونها الوثيق مع حليفتها القديمة أميركا وبشكل جيد، في ملف اختطاف وتعذيب المتهمين، لكنها قد لا تكون قادرة على كشف الكثير من التفاصيل في هذا المجال، ويمكن ان يساعد مرور الزمن على كشف المزيد من القضايا السرية، على الرغم من ان بريطانيا عادة في عملها هي اكثر ايذاءا مما يمكن تصوره.

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة