متى تستردّ المرأة السعودية حقوقها المهضومة ... ؟


متى تستردّ المرأة السعودیة حقوقها المهضومة ... ؟

وصف الباحث المغربي والخبير الستراتيجي "مصطفى قطبي"، الظلم الذي يحيط بالمرأة السعودية مثلما تحيط الأسيجة بالبساتين ، مع الفارق الشاسع في المعنى، لأن الأسيجة تعني التحديد والحماية للبساتين، في حين تبدو الأسيجة الاجتماعيّة التي تحيط بالمرأة السعودية ظلماً صرفاً، ذلك لأنها أسيجة ذكورية مريضة بذكوريتها، لا هدف لها أو غاية سوى الحديث تنافشاً بتمايز الرجل وتفرّده، وسعة صدره وعقله وإبداعه نيافةً على المرأة وفي كل عمل وشأن.

وكتب هذا الباحث مقالا خص به وكالة تسنيم جاء فيه :
مازلتُ على قناعتي بأنّ الظلم يحيط بالمرأة السعودية مثلما تحيط الأسيجة بالبساتين، مع الفارق الشاسع في المعنى، لأن الأسيجة تعني التحديد والحماية للبساتين، في حين تبدو الأسيجة الاجتماعيّة التي تحيط بالمرأة السعودية ظلماً صرفاً، ذلك لأنها أسيجة ذكورية مريضة بذكوريتها، لا هدف لها أو غاية سوى الحديث تنافشاً بتمايز الرجل وتفرّده، وسعة صدره وعقله وإبداعه نيافةً على المرأة وفي كل عمل وشأن.
وهذا محض وهم وتخريف، ذلك لأن المرأة السعودية، وفي مجال الأدب والإبداع والتصوّر لديها من المهارات والحذق ما يوازي مهارات الرجل وحذقه، لكن النيافة تبدو من خلال الأسبقيّة، أسبقيّة الرجل على المرأة في الخوض والتعامل والبكورية، وهي أسبقيّة زمنيّة، وليست أسبقيّة في التمييز والتفرّد، أي ليست هي أسبقيّة طبيعيّة.
وعندي، أن الحراك الاجتماعي للمرأة السعودية، وعلى الرغم من التقدّم، والتغيير الدائم الذي يصيب منظومة القيم، لا يزال محارباً من الحراك الاجتماعي للرجل، فالمجتمع السعودي مجتمع أبوي فاقع في تمظهراته وتجليّاته، بقولة أخرى هو مجتمع ذكوري جارح في علاقاته ومعاملاته وتصوّراته، لأنه مازال ينظر إلى المرأة بوصفها أنثى وليس بوصفها فرداً، ومازال ينظر إليها بوصفها عورة وشأناً داخلياً، وليس بوصفها طاقة اجتماعيّة وفكرية وإبداعيّة، وهي شأنٌ داخلي وخارجي معاً، لأن توصيفها بالشأن الداخلي يعني حبسها داخل أحياز الأسرة الصغيرة (الزوج ـ الزوجة ـ الأولاد)، وداخل أحياز الأسرة الكبيرة الممتدة (الجد ـ الجدة ـ الزوج ـ الزوجة ـ الأولاد ـ الأعمام ـ الأخوال...)...
وهذا ما لا يصح اجتماعياً وفكرياً... لأن خسران طاقات المرأة السعودية وفاعليتها ليس خسراناً للمجتمع الأنثوي وحده، وإنما هو خسران للمجتمع السعودي باجتماعه الكليّ.
في الشهر الذي يحتوي في أيامه عيد المرأة العالمي وعيد الأم، بدل من أن تهدى الورود وجمل التهاني لكل النساء من الرجال لفضلهن عليهم، تشهر سيوف القهر بوجه النساء والأمهات والبنات السعوديات، فذاك يحرمها من حق قيادة السيارة، وقد قال عليه أزكى الصلوات (علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل)، ولم يقل الذكور فيهم بخاصة، وآخر يحرم المرأة السعودية حقها السياسي، والرسول صلى الله عليه وسلم، كان يستشير أم سلمة.
وذاك يدعي التدين، ألم يسمع في حديث الرسول (ص) نهيه أحد المجاهدين عن الخروج في جيش المسلمين لأن له أماًّ عجوزاً تحتاج خدماته، فجعل هذه بتلك جهاداً في سبيل الله.
فهل سنعود لعصر الوأد من جديد؟ وهل الوأد الدس في التراب للمولودة فقط؟ ماذا نقول في وأد حقوق المرأة السعودية كإنسانة لها الحق في الحياة والتعليم والعمل واختيار الزوج والحياة الكريمة المناسبة، أليس حجب هذه الحقوق عنها وأدُ وضد الشريعة الإسلامية...؟
ما يلزم إدراكه أن حقوق المرأة في السعودية تعد الأقل بالمقارنة ليس مع دول العالم المتقدّم بل حتى مع دول الجوار التي تجاوزت أساطير التقليد والعرف كستار وهمي لانتهاك حقوق المرأة...
جدير بالملاحظة، أن السعودية تحفظت على المعاهدة الخاصة بمكافحة التمييز ضد المرأة، بحجة عدم انطباق كل بنودها مع الشريعة الإسلامية، ما اعتبر محاولة هروبية، حيث أوضحت اللجنة بأن (ليس هناك أي تناقض من حيث الجوهر بين المعاهدة والشريعة الإسلامية)... نذكّر أيضاً بأن السعودية صادقت على معاهدة الأمم المتحدة لحقوق المرأة في أيلول (سبتمبر) 2000، وامتنعت عن المصادقة على البروتوكول الإضافي لمعاهدة الأمم المتحدة لحقوق المرأة، وتحفظت على مواد الاتفاقية الأصلية التي تشمل مكافحة جميع أنواع التمييز ضد النساء، وضمان حقوقهن السياسية والشخصية.
ولهذا، بقيت المرأة تعاني، ولا تزال، من تمييز كبير في محاور عدّة تنظر إليها المنظمات الحقوقية بأنها أولوية في مسيرة الإصلاح ومن بينها: موضوع المحرم ووصايته على المرأة، وحقوق الاختيار والموافقة على الزواج والوصاية القانونية على الأطفال بخاصة بعد الطلاق، وحق المرأة في التنقّل وقيادة السيارة، إضافة إلى حقها الكامل في الرعاية الصحية والتعليم، وحقوقها الثابتة في القضاء، والعمل، والأحوال الشخصية، والسكن، وصولاً إلى المجال السياسي حيث التمثيل شبه المعدوم للمرأة في أي من السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، بكل تفريعاتها وأذرعها.
والحق، أن المجتمعات المتقدّمة اليوم، هي أيضاً... عانت المرأة فيها الكثير من الويلات والظلم والقسوة والأذى، ذلك حين جعلت تلك المجتمعات المرأة حبيسة الدور والعفة، فمثلما أغلقوا عليها الأبواب بالأقفال، أغلقوا على عفتها بالأقفال أيضاً، لكن نضال المرأة الاجتماعي والفكري، وجرأتها في دخول ميادين العمل جعلها تنتزع حقوقها الطبيعيّة انتزاعاً وافتكاكاً من قبضة الرجل الذكورية المسيّرة بمعطيات العقل الذكوري المريض الذي لم يرَ في المرأة سوى كائنٍ بيولوجي وظيفته الأولى والأخيرة مساهرة خاصية الإنجاب وملحقاتها من جهة، ومساهرة متطلبات الرجل (سيد المجتمع الأبوي) وتنفيذها من جهة ثانية.
وقد افترعت المرأة الغربيّة (أوربا تحديداً) وعبر أزمنة متتالية طرقاً وسبلاً واتجاهات وتيارات كثيرة حتى صارت إلى ما صارت عليه اليوم من حضور وعطاء ومنافسة وتميّز، وعبر الأدوار الاجتماعيّة التي لعبتها، وعبر حرصها الشديد على القيم النبيلة لتظل لها المكانة السامية، ومن ثم تجلّت تمظهرات ـ حضور المرأة في انخراطها في المشاريع العامة (عملاً وتفكيراً)...
مع أن المرأة الأوروبيّة وقبل قرنين أو ثلاثة توارت خلف الأسماء الذكورية (عملاً وتفكيراً)، كيما تبدو وتشقّ طريقها في الحضور والفاعليّة، وتوارت داخل اللباس الذكوري كيما تحمي أنوثتها من الخدش ولصوصيّة النظر من جهة، ومن أجل انطلاقة لا تعوقها تجليّات اللباس وخصوصيّة الأنثى من جهة ثانية... إلى أن اتّسعت رقعة حضور المرأة، وفي جميع الميادين، فصارت إلى ما صارت عليه اليوم، وبذلك أثبتت المرأة أن عاطفتها، وأنوثتها، وحساسيّتها... لا تقف أمام نورانيّة عقلها الذي نادد الرجل في غير موقع، وغير إبداع، وغير عطاء... لا بل إن المرأة بزَّت الرجل وتفوّقت عليه في غير موقع، وغير إبداع، وغير عطاء...
إن قناعتي أكيدة بأن قصر نشاط المرأة السعودية على أمرين اثنين هما: بيتها وأنوثتها فيه الكثير الكثير من الإهانة والتحقير لمكانته ا، لاسيما بعدما تعلّمت، وامتلكت المعرفة، ووعت مواهبها وقدراتها...، كما أن احتباس المرأة السعودية رهن محبسين هما البيت والأنوثة... فيه الكثير الكثير من الإهانة للمجتمع الذي ينادي بالتشاركيّة، والاجتماعيّة، والتفاعليّة، والمساواة.
ومن المفارقات المذهلة في موضوع التمييز بين الجنسين، بحسب ما ورد في تقرير الفجوة الجنسية على المستوى العالمي، حيث يبدأ الترتيب بين الدول من واحد ـ الدولة الأفضل في مكافحة التمييز وتحقيق المساواة بين الجنسين وحتى 135 أقل دولة في تحقيق المساواة بين الجنسين وتتحدد نتيجة الفرق بين الجنسين في أي دولة بناء على الفروق بين الجنسين في أربعة مؤشرات: المشاركة والفرص الاقتصادية، التعليم، الصحة ومعدلات الحياة، والتمكين السياسي، فجاء ترتيب  المملكة العربية السعودية في الصفوف الأخيرة.
فالمرأة في السعودية لا تزال الكائن الوحيد في العالم الذي يناضل من أجل حق قيادة سيارته ومن أجل رفع الوصاية والوكالة، ومعاملتها  كقاصرة لا تبلغ سن الرشد أبداً، بل إن ثمة نساء بدأن يواجهن أفراداً من عائلاتهن يتقدمون بطلب طلاقها من زوجها بحجج مثل عدم تكافؤ النسب أو عدم موافقته المسبقة على الزواج، ويحكم القاضي بالطلاق دون أن يعود إلى رأي الزوجة التي عاشت مع زوجها سنوات وأنجبت منه أبناء...
فالمرأة السعودية رغم الحيف والقهر والتمييز ضدها إلاّ أنها جدّ متبصرة بجميع حقوقها، وليس لها مطلب وحيد، بل هي حزمة من المطالبات تبدأ بالمشاركة في المناصب القيادية وصناعة القرار وبالتمثيل الحقيقي في مجلس الشورى وليس التمثيل الصوري، وتنتهي مطالبها بمدونة للأحوال الشخصية تنتصر لحقوقها المستلبة على يد القضاة المتهاونين في الوقوف إلى جانب المرأة المستضعفة.
إن مجتمعاً لا يغتني بعلوم المرأة وإبداعها وعطاءاتها هو مجتمع أحول وأعرج، ومفقوع بذكوريته المريضة، ومغلق ذهنياً... لأن النساء وكما تقول العرب، هن شقائق الرجال، والشقيق شقيق في المساواة، والمكانة، والرتبة، والمقام، والحضور، والإبداع... وأي حيف أو غمط يلحق بأحد الشقيقين هو حيف وغمط يلحق بالآخر في كليّته العامة...
فكيف إذا كانت المرأة هي ملح الحياة... وعينها الباصرة، ومرآتها الأبدي؟.

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة