«اجتماع فيينا» الموسع يفرض نفسه مرجعيّة جديدة لتسوية الأزمة في سوريا .. تركيا خاسر أول والمملكة السعودية خلفها


«اجتماع فیینا» الموسع یفرض نفسه مرجعیّة جدیدة لتسویة الأزمة فی سوریا .. ترکیا خاسر أول والمملکة السعودیة خلفها

اختتم امس «اجتماع فيينا» الموسع بفرض نفسه كمرجعيّة جديدة لتسوية الأزمة السورية ، راسما خارطة طريق «طموحة» أفضت إلى "سوريا موحدة وعلمانية" ، مع الدعوة إلى جمع الأطراف في الاجتماع المقبل للتوصّل إلى حلّ سياسي يفضي إلى انتخابات ... من دون مناقشة مصير الرئيس بشار الأسد ، و ذلك في اطار سقف سياسي وضع ضوابط وسقوفا لحركة الميدان التي ستكون لها الكلمة الفصل في المسار السياسي .. فيما كانت تركيا خاسرا أول تليها المملكة السعودية

و أدارت واشنطن و موسكو ، لقاء فيينا ، و ظهر وزير الخارجية الأميركي جون كيري كممثلّ وحيد عن أخصام الدولة السورية ، خاصة و قد جاء البيان الختامي مراعياً لتوجّه إدارة الرئيس باراك أوباما في «تنازلاتها» الدبلوماسية أمام التعنّت التركي والخليجي .

و كالعادة ، غاب مصير الرئيس السوري بشار الأسد عن البحث ، وبهذا الصدد قال كيري «اتفقنا على أن لا نتفق» .. فيما قال نظيره الروسي لافروف : لم نتفق على مصير الأسد ، و نرى أن ذلك يحدده السوريون .
اما «الجديد» في المباحثات ، شبه خارطة طريق و ثوابت من 9 بنود ، أهمها : «إحضار ممثلي الحكومة والمعارضة من أجل عملية سياسية تفضي لحكومة ذات صدقية و يلحقها تعديل بالدستور و إنتخابات تدار بواسطة مراقبين من الأمم المتحدة ، وهذه العملية السياسية ستكون بقيادة سورية ، و السوريون هم من سيحدد مستقبل سوريا» . كما دُعي بعد أسبوعين الى اجتماع جديد يضمّ طرفي النزاع السوري، قد يظهر حينها مآل «فيينا 1» وبنوده، إن كان سيكون مصيره مشابهاً لمباحثات جنيف .
واكد وزير الخارجية الروسي أن المجتمعين لم يتفقوا على مصير الأسد ، وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأميركي و المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا : «ناقشنا وقف إطلاق النار في سوريا على نحو عام ، لكننا لم نتوصل إلى اتفاق بهذا الشأن» ، مشيرا الى أننا «لم نتفق على مصير الأسد ، وروسيا ترى أن ذلك أمر يحدده السوريون وحدهم». وتابع: «عملياتنا العسكرية جاءت بطلب من دمشق، وقد طلبنا التنسيق مع واشنطن بهذا الشأن» . لكن لافروف حرص على أن يضفي على مداخلته مسحة تفاؤل و قال «اليوم عبّر الجميع عن جاهزيتهم لحلول وسطية ، وآمل أن يترجم ذلك في لقاءاتنا المقبلة» ، معبّراً عن أمله في أن تساعد محادثات اليوم بشأن قوائم الإرهاب على مكافحة الظاهرة بفعالية أكبر . وأضاف لافروف أن المجتمعين اتفقوا على ضرورة إجراء الانتخابات في سوريا بإشراف الأمم المتحدة ومشاركة جميع السوريين، مع التأكيد أننا «اتفقناً جميعا على ضمان وحدة و علمانية سوريا و الحفاظ على مؤسسات الدولة فيها» .
من جهته ، قال الوزير الامريكي جون كيري إن قرار بلاده ارسال قوة أميركية خاصة إلى سوريا للتنسيق مع المعارضة ضد «داعش» ، اتّخذ منذ شهر ولا علاقة له بمحادثات فيينا . ودعا الحكومة السورية والمعارضة إلى تأليف حكومة شاملة تقود إلى انتخابات . و رأى كيري أن الخيار المطروح أمام السوريين يجب أن لا يكون بين «الدكتاتور و داعش» بل بين الحرب و السلم ، و بين العنف والسياسة ، مضيفاً أنه «لا يمكن للأسد أن يبقى في سوريا ، لكننا بحاجة إلى الحوار بغية الحل» . و تابع قائلاً : «مقتنعون بضرورة وقف أعمال القتل في سوريا .. ولن نسمح لداعش وللتنظيمات الإرهابية الأخرى بالسيطرة على سوريا» .
وفيما يلي بنود البيان الختامي الذي تلاه جون كيري :
1ــ وحدة سوريا وإستقرارها وسيادتها على كامل أراضيها، وعلمانيتها هي أسس رئيسية
2 ــ بقاء مؤسسات الدولة
3ــ حقوق كل السوريين بغض النظر عن قوميتهم أو عقيدتهم الدينية يجب أن تصان
4 ــ يجب أن تتسارع الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب
5ــ العبور الإنساني يجب أن يكون مضموناً ضمن كل أراضي سوريا ، وكل الحاضرين يجب أن يقوموا بزيادة الدعم للنازخين داخلياً، واللاجئين والبلدان التي تحتويهم
6ــ «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى المصنفة بواسطة مجلس الأمن وآخرون يتفق عليهم الحاضرون ، يجب أن يُهزموا
7 ــ بناء على بيان جنيف 2012، وقرار مجلس الأمن 2118، الحاضرون يدعون الأمم المتحدة لإحضار ممثلي الحكومة والمعارضة السورية من أجل عملية سياسية تفضي لحكومة ذات صدقية ، كاملة الصلاحيات وغير طائفية ، و يلحقها تعديل بالدستور و إنتخابات . و هذه الإنتخابات يجب أن تدار بواسطة مراقبين من الأمم المتحدة من أجل إنتخابات مُرضية و لضمان أعلى المعايير الدولية بالشفافية والمسؤولية ، حرة و عادلة لكل السوريين ، حتى من هم في الشتات لهم الحق في المشاركة
8 ــ هذه العملية السياسية ستكون بقيادة سورية ، و يملكها السوريون ، والسوريون هم من سيحدد مستقبل سوريا
9 ــ الحاضرون مع الأمم المتحدة سيبحثون عن أساليب لضمان تحقيق وقف إطلاق نار عام ليعلن في يوم محدد بالتوازي مع العملية السياسية المتجددة
الحاضرون سيبذلون جهدهم في الأيام المقبلة لردم الفجوات وبناء إتفاق. الوزراء سيعودون للإجتماع بعد اسبوعين لتكملة النقاشات .

وفي قراءة لما حدث في فيينا .. نجد ان مسارا جديدا قد بدأ ، و الأمريكي وسيط فيه لا طرف !! وهما الخلاصتان الأساسيتان اللتان انتهى إليهما نهار فيينا السوري الطويل ، كما يؤكد المشاركون فيه . أما التفاصيل فتحمل الكثير من الوقائع المفاجئة والمعطيات المعبرة والرسائل البالغة الدلالة :
- في الشكل أولاً ، حرص وزير الخارجية الأميركي جون كيري طيلة النهار على لعب دور الوساطة لا غير ولم يظهر لحظة في صف الأعداء الصقور لحكم دمشق. فظلت الرياض و أنقرة شبه وحيدتين في تعنّتهما ، كل منهما على طريقته ، فيما كيري يدوّر الزوايا و يقرّب وجهات النظر و يحدد أولويات إدارته و بلاده .
ومنذ اللحظات الأولى ، حسم كيري أن المطلوب هو عملية سياسية تؤمن انتقالاً سلمياً للسلطة . لكنه عند الوصول إلى إشكالية المرحلة الانتقالية و الانتخابات وبقاء الرئيس الأسد ، يصير المسؤول الأميركي شبه ناظر على مواقف حلفائه . يكتفي من قضية مصير بشار بخلاصة مبسطة ، عنوانها : هذه مسألة اتفقنا على أننا مختلفون حولها . فلننتقل إلى سواها !
- أما حين يصل النقاش إلى الوضع الميداني والتطورات العسكرية على الأرض، فتصبح الفجوة أكبر بين الأميركي و حليفيه المفترضين ، السعودي و التركي . فالأخير ظل على مدى ساعات يظهر توتره و فقدان شيء من أعصابه و بعض الصواب، في محاولة جرّ المتحاورين إلى معادلة أن التدخل العسكري في سوريا يجب أن يشمل في أهدافه سلطة دمشق ، فيما كان موقف كيري جازماً : نحن في سوريا لن نضرب إلا داعش . و عندما أبلغ الناظر الأميركي الحاضرين أن البيت الأبيض سيعلن عن إرسال قوات عسكرية محدودة إلى الشمال السوري للمساعدة في الحرب ضد داعش وحدها دون سواها ، صار التوتر التركي ظاهراً على تقاسيم الوجه وحركات اليدين . كأنه يعتبر أن الخطوة الأميركية مرتبطة باستحقاق الانتخابات التركية بعد ساعات ، أكثر منها ارتباطاً بما يحصل في دمشق وبما قد يكون مستقبل حكمها الراهن .
هكذا بدا التركي الخاسر الأكبر في بوكر فيينا . لا طرح . ولا حتى حلفاء . والسعودي حلّ طبعاً في مرتبة الخاسر الثاني بوضوح ، ذلك أن مشروعه المحصور برحيل الأسد ، بدا يتيماً و عقيماً. حتى هو كان عاجزاً عن بلورة آلياته أو طرح عمليته التنفيذية ، إذ ظهر السعودي عالقاً بين استحالتين بالنسبة إليه : استحالة أن يدعو إلى إسقاط الأسد بالقوة . وهي استحالة باتت أقرب إلى الجنون في حضور الثنائي الكبير على رأس الطاولة : الروسي يقاتل إلى جانب الأسد . والأميركي يؤكد أنه صار مستعداً لبذل التضحيات البشرية ، لكن في عملية ضرب داعش لا سواها . أما الاستحالة الثانية فأن يدعو السعودي إلى إسقاط الأسد بالانتخابات وفي صناديق الاقتراع . هنا بدا السعودي وكأنه أمام محظورين اثنين: أولاً عجزه المفهومي ، كنظام عائلي وكسلطة أوتوقراطية ، عن أن يلفظ كلمة انتخاب أو يعلن مطلباً متلازماً مع مبدأ الاقتراع . وثانياً إدراكه أن الأسد قادر على الفوز في أي انتخابات نزيهة تجرى في ظل أي إشراف حيادي عادل . هكذا اكتفى السعودي على مدى ساعات بتكرار لازمة بدت مملة مضجرة : رحيل الأسد . ولو حشر أكثر بسؤاله حول كيفية الطرح ، لأجاب ربما : على الطريقة السعودية . بصفقة ، بتهريبة ، بتصفية ، المهم أن يرحل !
وفي الجهة المقابلة من الوسيط الأميركي ومن المتوترين التركي والسعودي ، كان الإيراني حاضراً ببسمته و هدوئه . كأنه يقول للجميع : لا بديل لوجودي على هذه الطاولة . رغم أنه جاء إلى مسار انطلق قبل زمن طويل من دونه ، بدا كأنه كان حاضراً في أساسه أو مؤسّساً له . حضر الإيراني للمرة الأولى ، لكن كالرقم الصعب في هذا المسار . كأنه التحق به من دون ثمن ولا تنازل . لم يكن ينقص غير توافقه الظاهر مع القطبين المترئسين طاولة التفاوض ، الروسي كما الأميركي ، ليؤكد أنه يملك الأوراق الرابحة في اللعبة الدائرة . عند عرض الاحتمالات ، كان مستعداً لها كلها . أو حتى متحدياً : تريدون مرحلة انتقالية ؟ فلنذهب إليها فوراً ، و نتوّجها بانتخابات حرة نزيهة عادلة ، وفق أي منطق ديمقراطي غربي أو أممي . و بدا واثقاً من فوز حليفه ... تريدون حرباً ضد الإرهاب ؟ جاهزون لها أيضاً، ولنتعاون جميعاً عليها. فعنوان الإرهاب والإرهابيين واضح معروف ، طرفاً مقاتلاً وأطرافاً مموّلة ومسلحة ومكفرة ومفكرة ... أخيراً تريدون حرباً ضد الأسد وحده ؟ جاهزون أيضاً ، كما كنا منذ أربعة أعوام ونيف. وليتحمل كل طرف مسؤوليته وليربح الأقوى!
وحده لبنان بدا على طاولة الكبار تلك وكأنه مرجعية أممية أو جهة ناظرة للقانون الدولي . فعلى قاعدة «النأي بالنفس» اللبنانية المزمنة ، ظل طرحه غير مقيّد ولا مكبّل بأي اعتبار : أولاً، نحن مع محاربة الإرهاب أينما كان وبكل الوسائل المشروعة . ثانياً نحن مع السلام على قاعدة الحقوق الشاملة والحوار. ثالثاً نحن مع حق الشعوب في تقرير مصيرها. ومع وسيلة وحيدة أكيدة لتحقيق ذلك، عبر انتخابات حرة عادلة نزيهة، تماماً كتلك التي حرم الشعب اللبناني منها طيلة ربع قرن. رابعاً، نحن مع احترام سيادة كل دولة، ومع وحدة أرضها كاملة. منعاً لفوضى قد تهدد السلام والأمن الدوليين، والتزاماً بالمضمون والفلسفة اللذين أسّسا لميثاق الأمم المتحدة، كما لميثاق جامعة الدول العربية... لم تكن تنقص الوفد اللبناني إلا إشارة أحد المشاركين إلى أن الحل السوري يمكن أن يكون على طريقة «الطائف اللبناني» ، ليذكّر مسؤولو بيروت كل الحاضرين بأن طائف لبنان تمّ بالقوة ، وأثبت بما انتهى إليه اليوم، أن القوة لا تشكل حلاً لأي قضية، بل تأزيماً لها وتعميقاً وتعميماً...
هذا وينتظر أن تعود طاولة فيينا بعد أسبوعين إلى الانعقاد . لكن مسارها بات واضحاً . يبقى حتى الموعد التالي ترقّب أمرين : من سيكون ممثلاً لأنقرة فيها ؟ وكيف تكون خطوط التماس السورية عندها ؟ مسألتان يرجّح أن تسرّعا ذلك المسار لا غير .

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة