أمريكا وفضيحة التجسس : حرب خلف الكواليس


أمریکا وفضیحة التجسس : حرب خلف الکوالیس

فجّر مسرب أسرار وكالة الأمن القومي الأمريكي إدوارد سنودن، موجة غضب عارمة من لدن السياسيين الأوروبيين بشأن أعمال تجسس أمريكية تشي بأزمة سياسية خطيرة قد صلت إلى قلب العلاقات الأوروبية - الأمريكية .

ياتي ذلك بعدما أثار الكشف عن برامج مراقبة امريكية بناء على وثائق أخذها المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الامريكي والهارب حاليا ادوارد سنودن غضبا سياسيا في الولايات المتحدة وخارجها بشأن الموازنة بين حقوق الخصوصية والأمن القومي.، لكن المدى الذي بلغته واشنطن في التنصت على الحلفاء الأوربيين يمثل قضية تثير القلق على نحو خاص. فقد اثارت المعلومات الجديدة التي كشفت عن مراقبة واسعة النطاق للاتصالات الالكترونية الالمانية من قبل اجهزة الاستخبارات الاميركية صدمة واستهجانا في المانيا، الدولة الحريصة على احاطة شؤونها الداخلية بحماية خاصة بسبب تاريخها. حيث رأى أغلب المحللين ان قضية التجسس المتهمة فيها أمريكا ستؤثر سلبا على مسار تطوير العلاقات بين الاتحاد الاوربي وولايات المتحدة الامريكية ، محذرين من تداعيات خطيرة على العلاقات الثنائية بحال ثبوت صحة وثائق سربها سنودن لمجلة ألمانية تشير إلى تجسس واشنطن على مسؤولين أوروبيين. وقد تجددت مخاوف أوروبا من تكتيكات التجسس الأمريكية بعدما كشف عن وثائق أمريكية سرية إن الولايات المتحدة تتنصت على نصف مليار من الاتصالات ورسائل البريد الالكتروني والرسائل النصية في المانيا شهريا وصنفت اكبر حليفة لها في اوروبا على أنها هدف مماثل للصين. حيث تعد عملية التجسس احد اهم الاسلحة لدى الكثير من الدول والمؤسسات العالمية التي تسعى الى اضعاف قدرات اعدائها ومنافسيها من خلال جمع ورصد بعض المعلومات المهمة، ويمكن من خلالها اختراق بعض اكبر الدول وأشدها أمنا. ويرى بعض المحللين أن  تزايد التوترات السياسية واحتدام الأزمات الدولية خلال الاونة الاخيرة ، خصوصا بعدما باتت الدول المتخاصمة اليوم شبه متوازنة القوى، قد تعيد قضية التجسس هذه الحياة للحروب الباردة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية بين الكتلتين المتخاصمتين، وعلى الرغم من تأكيدات بعض المحللين بأنه ما من أدلة على حدوث اختراقات أمنية كبرى ، تدور تكهنات على نطاق واسع بحصول امريكا على معلومات سرية، وازدادت تلك القناعة بفضل تصريحات مدير وكالة الأمن القومي الأمريكية شرحا تفصيليا لأربعة وخمسين مخططا دبرها متشددون قال إنها أحبطت من خلال مراقبة الاتصالات الهاتفية والانترنت، وفي الوقت نفسه قدمت صحيفة بريطانية ادلة على عمليات تجسس أمريكية أوسع، كما أثارت مخلفات هذه الفضيحة تساؤلات هامة وضعت أوباما في موقف محرج، أهمها كيف سيتم معالجة هذا الشرخ الكبير في مؤسسة الامن القومي الامريكي؟، ولماذا كشفت فضيحة سنودن الان وليس في وقت حدوثها؟، وعليه حيث تذكي هذه الفضيحة الجاسوسية حروب التجسس التي تتخفى بالأساليب الملتوية والمبهمة، مما يمهد لعودة الحروب الباردة ويقلل فرص السلام في العالم.

سنودن يفجر أزمة تجسس أمريكا على أوروبا

في سياق متصل قال رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولز، في بيان حول القضية: "أشعر بقلق شديد وبصدمة حول هذه الادعاءات، وإذا ثبت صحتها فستكون مسألة خطيرة تؤثر بشكل كبير على العلاقات بين أوروبا وأمريكا. باسم البرلمان الأوروبي أطالب بتوضيحات كاملة وتوفير المزيد من المعلومات حول هذه المزاعم من قبل السلطات الأمريكية."

أما وزيرة العدل الألمانية، سابين لوثيسر-شنارينبيرغر، فقد اعتبرت أنه في حال اتضاح صحة هذه المزاعم فسيشكل الأمر استعادة لفترة الحرب الباردة،" في حين طالب وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، الجانب الأمريكي بتقديم "توضيحات عاجلة" معتبرا أن هذه الأعمال  - بحال اتضاح صحتها - ستكون مرفوضة بالكامل.

وكانت مجلة "ديرشبيغل" الألمانية قد نشرت نقلا عن وثائق سرية سربها سنودن أن عدة أجهزة أمنية أمريكية تجسست على مسؤولين أوروبيين، مشيرة إلى أنها اطلعت على ما يشير إلى التجسس على مكاتب مسؤولين من أوروبا في واشنطن ونيويورك، إلى جانب التسلل إلكترونيا إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، كما شملت أعمال التجسس ملايين الاتصالات والعمليات الهاتفية والإلكترونية في أوروبا، وخاصة ألمانيا التي كانت منظومة الاتصالات فيها على رأس أهداف الأجهزة الأمنية الأمريكية. بحسب السي ان ان.

الاتحاد الأوروبي يواجه أمريكا

فقد طالب الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة بتفسير لما ورد في تقرير نشرته مجلة دير شبيجل الألمانية يفيد بأن واشنطن تتجسس على الاتحاد مستخدما لهجة قوية بصورة غير معتادة مع أقرب حلفائه بشأن ما تردد عن أنشطة التجسس، وقالت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية ان الاتحاد الأوروبي اتصل بالسلطات الأمريكية في واشنطن وبروكسل بشأن تقرير دير شبيجل بأن وكالة الأمن القومي الأمريكية تنصتت على مكاتب تابعة للاتحاد الأوروبي في واشنطن وبروكسل والأمم المتحدة. وقالت المتحدثة "اتصلنا على الفور بالسلطات الأمريكية في واشنطن وبروكسل وقد واجهناهم بالتقارير الصحفية"، وأضافت في بيان "أبلغونا بأنهم يراجعون دقة المعلومات التي ذكرت بالأمس وسيردون علينا"، وطلبت فرنسا أيضا توضيحا، وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس "هذه الأعمال إذا تأكدت ستكون غير مقبولة على الاطلاق... نتوقع أن تستجيب السلطات الأمريكية لبواعث القلق المشروعة التي أثارتها هذه التسريبات الصحفية بأسرع ما يمكن."وقالت المجلة في تقرير نشرته ان الوكالة الأمريكية تنصتت على نصف مليار محادثة هاتفية ورسالة بريد الكتروني ورسالة قصيرة في ألمانيا خلال شهر وهو ما يزيد كثيرا عن اي دولة أوروبية أخرى ويماثل البيانات التي جرى التنصت عليها في الصين أو العراق، كما استخدمت بيانات من مراكز لخدمات الانترنت في جنوب وغرب ألمانيا تنظم حركة تدفق البيانات الى سوريا ومالي. بحسب رويترز.

وقال مكتب المدعي الاتحادي في ألمانيا المعني بقضايا الأمن القومي انه ينظر فيما إذا كان يتعين فتح تحقيق في الأمر. وقالت المتحدثة باسم المكتب فروكه كولر لرويترز ان من المتوقع توجيه اتهامات جنائية، ولم تعلق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على تقرير دير شبيجل الأخير. وكانت ميركل دافعت قبل زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لألمانيا في وقت سابق هذا الشهر عن برنامج حكومي لمراقبة الاتصالات عبر الانترنت وقالت ان قيام الولايات المتحدة بمثل هذا النشاط حال دون وقوع هجمات على الأراضي الألمانية.

وقال مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي وهو ألماني أيضا انه اذا ثبتت صحة التقرير فسوف يكون له "أثر خطير" على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأثناء زيارة لجنوب افريقيا رفض نائب مستشارة الأمن القومي الأمريكي بن رودس التعليق واكتفى بالقول "هؤلاء هم بعض أقرب شركائنا في مجال المخابرات لذا من المهم الاشارة الى أن الاوروبيين يعملون بشكل وثيق للغاية معنا. لدينا معهم علاقات مخابراتية وثيقة للغاية"، وقال بعض صانعي السياسة في الاتحاد الأوروبي انه يجب تجميد اتفاق للتجارة الحرة بين واشنطن والاتحاد الأوروبي لحين الحصول على توضيحات من الولايات المتحدة، وقالت المفوضة الأوروبية للعدل والحقوق الأساسية فيفيان ريدنج في كلمة القتها في لوكسمبورج "الشركاء لا يتجسسون على بعضهم."

في الوقت نفسه نقلت مجلة دير شبيجل الألمانية عن وثائق سرية أن الولايات المتحدة تنصتت على مكاتب للاتحاد الأوروبي واخترقت شبكات كمبيوتر داخلية للاتحاد وذلك في أحدث حلقة في سلسلة تسريبات لمعلومات عن برامج امريكية مزعومة للتجسس، واستشهدت دير شبيجل بوثيقة "سرية للغاية" تابعة لوكالة الأمن القومي الأمريكية يرجع تاريخها إلى سبتمبر أيلول 2010. وقالت المجلة إن موظف الوكالة السابق والهارب إدوارد سنودن أخذ هذه الوثيقة معه واطلع صحفيوها على أجزاء منها.

وتوضح الوثيقة كيف تنصتت وكالة الأمن القومي على مكاتب للاتحاد الأوروبي وتجسست على شبكات كمبيوتر داخلية تابعة للاتحاد في واشنطن والأمم المتحدة وأن الأمر لم يقتصر على التنصت على المحادثات والمكالمات الهاتفية فقط بل تضمن أيضا الاطلاع على بعض الوثائق والرسائل الإلكترونية، ووصفت الوثيقة بشكل واضح الاتحاد الأوروبي بأنه "هدف"، ولم يتسن على الفور الحصول على تعقيب من مسؤولين أمريكيين.

وقال مارتن شولز رئيس البرلمان الأوروبي إنه إذا صح هذا التقرير فسيكون له "تأثير خطير" على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، واضاف قائلا في بيان بالبريد الإلكتروني "باسم البرلمان الأوروبي أطالب السلطات الأمريكية بالإسراع في تقديم توضيح كامل وأطلب المزيد من المعلومات بخصوص هذه المزاعم"، وأبلغ وزير خارجية لوكسمبورج جان اسلبورن مجلة دير شبيجل "إذا كانت هذه التقارير صحيحة فإنها مثيرة للاشمئزاز"، وقال "من الأفضل للولايات المتحدة أن تراقب أجهزتها المخابراتية بدلا من مراقبة حلفائها. يجب أن نحصل الان على ضمان من أعلى المستويات لوقف هذا الأمر على الفور". بحسب رويترز.

هولاند يدعو الولايات المتحدة للتوقف فورا عن التجسس على الاتحاد الاوروبي

من جهته طلب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من الولايات المتحدة ان توقف "فورا" تجسسها على الاتحاد الاوروبي، وقال ان فرنسا لا يمكن ان "تقبل بمثل هذه التصرفات"، واضاف الرئيس الفرنسي على هامش زيارة الى لوريان (غرب) "لا يمكن ان نقبل بهذا النوع من التصرف بين شركاء وحلفاء"، معتبرا ان "العناصر باتت متوافرة بما يكفي لكي نطلب توضيحات"، وقال هولاند "نطلب التاكيد او النفي. لا يمكننا ان نصدر احكاما مسبقة". واضاف "لا يمكن، في فرنسا، ان نجري مفاوضات او تعاملات في كل المجالات الا فور حصولنا على هذه الضمانات، ولكن هذا ينطبق ايضا على كل الاتحاد الاوروبي، كل شركاء الولايات المتحدة"، في اشارة الى المفاوضات التي ستبدأ في تموز/يوليو بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي حول منطقة للتبادل الحر عبر الاطلسي. بحسب فرانس برس.

اوباما يعد الاوروبيين بتوضيحات في قضية التجسس

في المقابل وعد الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي يواجه خطر توقف المفاوضات التجارية بين بلاده والاتحاد الاوروبي، حلفاءه الاوروبيين بتقديم كل "المعلومات" التي يطالبون بها حول قضية التجسس الالكتروني على مؤسساتهم من جانب وكالة اميركية، وطلب المستشار السابق في الاستخبارات الاميركية ادوارد سنودن الذي يقف وراء كشف المعلومات حول التجسس، اللجوء السياسي الى روسيا وفق ما اعلن مسؤول قنصلي روسي. وقال اوباما الذي يزور تنزانيا ان واشنطن تواصل "تقييم" اتهامات سنودن التي نقلتها وسائل الاعلام الاوروبية، مؤكدا ان الولايات المتحدة "ستتواصل (لاحقا) في شكل مناسب مع حلفائها"، واثر الاستياء الاوروبي الذي اثاره كشف معلومات عن عمليات تنصت ومراقبة لمؤسسات اوروبية قامت بها وكالة الامن القومي الاميركية.

 

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة