الأطماع الصهيونية في الثروات المائية العربية إلى أين...!


الأطماع الصهیونیة فی الثروات المائیة العربیة إلى أین...!

فيما تغط دول عربية عديدة في نوم وسبات عميق متجاهلين ما يتهددهم ، فان الأمن المائي العربي يواجه خطرا كبيرا ليس جديدا في ظل الأطماع الصهيونية بثرواتنا المائية ، و يوشك أن يصبح خاضعاً لمشيئة قوى خارجية حيث عملت «إسرائيل» بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و تقسيم السودان والعدوان الأطلسي على ليبيا والفوضى في اليمن والتآمر الكبير على سورية ، على تنفيذ مشروعها في سحب مياه دجلة والفرات بالاتفاق مع تركيا .

و كتب الباحث المغربي والخبير الستراتيجي "مصطفى قطبي" مقالا خص به وكالة "تسنيم" جاء فيه :

إن مجرد إلقاء نظرة على الواقع المائي العربي ، وهو لا يقل تراجعاً عن واقعه السياسي ، يجعلنا ندرك أننا بحاجة إلى أهمية قبول التحدي لننجح ولو لمرة في إدارة ملف مهم و خطير و حيوي ومصيري مثل ملف المياه لأنه ببساطة يرتبط بالحياة نفسها ، فلا يمكن أن ننتظر حتى نموت عطشاً ثم نبدأ في التفكير . فما يحدث في ملفات السياسة لا يصلح في ملف المياه !
فما الذي فَعله العرب لاتقاء شر الاستبداد الأجنبي بمصادِر ومنابع المياه التي تجري في أراضي العرب ؟!
إننا نشرب ونسقي زرعنا من مياه النيل ، التي منابعها في أراضٍ غير عربية، ومن مياه دجلة والفرات، التي منابعها في أراضٍ غير عربية، ومن مياه نهر الأردن، الذي تحكم «إسرائيل» قبضتها على مصادره ومنابعه . فما الذي فَعلناه للتأسيس لـ''أمن قومي مائي'' ، و لإحراز شيء من الاستقلال في مياه الشرب والزراعة عن تلك المصادِر والمنابع المائية (النهرية) غير العربية ، ونحن الذين اكتَنزنا كثيراً، وكثيراً جداً، من ''الذهب الأصفر (أو من نوابِه وممثِليه)'' من طريق بيعنا كثيراً، وكثيراً جداً، من ''ذهبنا الأسود''؟!
و وفق تقرير للبنك الدولي تتحدث الأرقام عن المشكلة وتداعياتها في غضون عقدين تقريباً ، هناك 13 بلداً عربياً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية حيث يقر تقرير البنك الدولي أن (أي بلد يقل متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنوياً عن 1000 ـ 2000 متر مكعب يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية).
و قياسا على ذلك فإن متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد في الوطن العربي (مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض) سيصل إلى 667 متراً مكعباً في سنة 2025 بعدما كان 3430 متراً مكعباً في سنة 1960 أي بانخفاض بنسبة 80 في المائة.
أما معدل موارد المياه المتجددة سنوياً في المنطقة العربية فيبلغ حوالي 350 مليار متر مكعب وتغطي نسبة 35 في المائة منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة (وهذه مشكلة كبيرة ذات أبعاد سياسية وأمنية بعيدة المدى حيث تمثل عامل ضغط على الإرادات العربية وتأثير في موازين القوى لصالح أطراف إقليمية غير عربية . حيث يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار متر مكعب (مصر دولة مصب) وعن طريق نهر الفرات 25 مليار متر مكعب وعن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مكعب، سوريا والعراق أيضاً (دولتا مصب). الأمر الذي يمثل تحدياً سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وهو أحد أهم التحديات التي تواجه العالم العربي في حال نشوب أزمات أو مشكلات إقليمية كما حدث في الأزمة السورية التركية عام 1998 وربما مع مصر والسودان مع استكمال السدود الإثيوبية وكما يحدث في سرقة «إسرائيل» للمياه العربية اللبنانية والفلسطينية .
لقد تزايدت الحاجة إلى استعمال المياه مع تنامي عدد السكان والانفجار الديمغرافي في الوطن العربي، وتزايد حاجات الإنتاج ـ الزراعي والصناعي ـ نتيجة تزيد النشاط الاجتماعي ، غير أن هذا كله لا يبرر التردي الخطير في الأمن المائي العربي ، الذي لا يفسر ـ فقط ـ بندرة التساقطات في السنين الأخيرة، وإنما يفسر ـ إلى جانب هذه العوامل وعوامل أخرى، بسوء الاستثمار، الذي تكشف سياساته عن غياب بعدين أساسيين هما العقلانية في التخطيط، وإدخال المستقبل في الاستهلاك، فالتخبط، والتجريبية والاستهلاك الأعمال هي سيدة الموقف، وإذا كانت هذه العناصر قد أودت ـ أو تكاد ـ بالثروة النفطية فها هي تهدد الثروة المائية، وما لم يجر ـ في المستقبل القريب ـ تدارك الموقف، ورفع درجة الأداء في إدارة الثروة المائية، فإن علينا توقع الأسوأ مع الندرة المتزايدة للمياه.
أما الخطر الخارجي، فيتمثل في وقوع منابع الأنهار الرئيسية في الوطن العربي خارج الحدود الحالية للوطن العربي، وتزايد تهديد دول الجوار الإقليمي للأمن المائي العربي، فبعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتقسيم السودان والعدوان الأطلسي على ليبيا والفوضى في اليمن والتآمر الكبير على سورية ، تعمل «إسرائيل» على تنفيذ مشروعها في سحب مياه دجلة والفرات بالاتفاق مع تركيا.
وجاء انفصال جنوب السودان ليزيد من المخاطر التي ترتسم حول مياه النيل، والتي تهدد دولتي المصب العربيتين، مصر والسودان، في ضوء الابتزاز الذي راحت دول المنبع تمارسه في السنوات الأخيرة بتشجيع غربي «إسرائيلي» . ويضاف إلى ذلك إقدام «إسرائيل» على سرقة المياه العربية في فلسطين وجنوب لبنان والجولان، والأطماع «الإسرائيلية» لا تقف عن ذلك .
وهذا الخطر الخارجي ليس جديداً اذ إنه ينحدر منذ ما قبل إقدام الكيان الصهيوني على مشروعه لتحويل مياه نهر الأردن الذي انعقدت القمة العربية التي دعا لها الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر'' رداً عليه ، بهدف ري المشروعات الزراعية «الإسرائيلية» في فلسطين ، لا بل ينحدر من الخمسينيات، واستشعار مخاطر التهديد الصهيوني للمياه اللبنانية (مياه نهر الليطاني)، وهو ما كشفت عنه مراسلات ''بن غوريون''، ''موشي شارين'' الشهيرة، والتي تضمنت، من جملة ما تضمنت ـ مشاريع «إسرائيلية» للسيطرة على نهر الليطاني وتحويل مجراه إلى شمال فلسطين.
ومع ذلك فإن التطورات الكبرى المرتبطة بالوضع الاقتصادي والغذائي في المنطقة زادت من حدة التوتر حول هذا الموضوع ، ووسعت حتى دائرة الاحتمالات الخطيرة التي تحيل بها مشكلة المياه الأمر الذي دفع ''ببطرس غالي''، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة للقول إنه يرجح أن الحرب القادمة في المنطقة ستكون حرباً على المياه .
إن الحقيقة الخطيرة والمؤلمة هي أن الأمن المائي العربي يوشك أن يصبح خاضعاً لمشيئة قوى خارجية ، و إذا أضفنا إلى الاعتبارات الجغرافية التي تجعل مصادر ومنابع المياه توجد ـ في معظمها ـ خارج الوطن العربي، فإن غياب استراتيجية عربية جدية لحماية هذه الثروة المائية القومية يزيد من حجم المشكلة، ويكرس إبعادها الرامية .
فالنيل مصدر حياة الشعبين المصري والسوداني ـ تتحكم في مصيره سبع دول، هي تنزانيا، وبورندي، ورواندا، وزائير، وكينيا، وأوغندا، وإثيوبيا، وأي تعديل في حصص هذه الدول من إيرادته المائية تؤثر تأثيراً مباشراً على مصر والسودان وغير خاف أن أثيوبيا ـ من دون سائر ذلك الدول ـ هي الأكثر تهديداً للأمن المائي المصري والسوداني ـ .
وفي هذا السياق فالأنباء التي تتحدث عن مشاريع أثيوبية ـ «إسرائيلية» لإقامة سدود على النيل ـ صحيحة وقد أكدها ''أحمد نجاش'' مدير إدارة شؤون الأنهار عابرة للحدود بوزارة المياه والري الأثيوبية، حيث أكد موقف إثيوبيا بأنه لن يحدث أي تباطؤ في بناء سد النهضة على الرغم من توقف المحادثات، مضيفاً ''أنه سواء استمرت المحادثات أو لا، فإنه لن يكون هناك أي تأثير على بناء السد، ولن يؤثر ذلك على الموعد المقرر لذلك ولا على حجم السد، وسوف يستمر البناء'' .
ومعنى ذلك أن حياة المصريين في خطر.
وما يقال عن النيل يقال عن الفرات الذي يشكل واحداً من أهم مصادر عيش العراقيين والسوريين فمنابع هذا النهر تسيطر عليها تركيا (العضو في الحلف الأطلسي)، والفرات يعني مفتاح الأمن الغذائي لحوالي 50 مليوناً من العرب في سورية والعراق.
أما «إسرائيل» فتبقى المصدر الأكثر تهديداً على هذا الصعيد، فقد سرقت المياه العربية في فلسطين بعد استيطانها، ثم زادت في معدلات استغلالها للمياه العربية الجوفية في الضفة وغزة بعد الاحتلال إلى درجة التهديد بنضوبها وهددت وتهدد الأردن ولبنان في مياهها (نهر الأردن، نهر الليطاني) وتحاول البحث عن صورة من صور استغلال مياه النيل ومدخلها إلى ذلك الضغط على مصر عبر أثيوبيا . وجاء التدفق الكثيف للمهاجرين من دول اوروبا الشرقية ليزيد من أطماع «إسرائيل» في المياه العربية ، و لنا أن نتصور مستقبلاً تذهب فيه «إسرائيل» إلى سرقة المزيد من المياه العربية، إنه لن يكون إلا على حساب على حساب مصيرنا .
هكذا تبدو اللوحة غير مشجعة، بينما يغط كثير من العرب في النوم، متجاهلين ما يتهددهم .
ويتصل التفكير في هذه الناحية بالنظر إلى نواحي الأمن المائي العربي لا بأمن الأنهار والآبار والاحتياطات الجوفية من الماء فحسب، وإنما بأمن المحيطات والبحار والمضايق، أي الحزام المائي الإقليمي العربي الممتد على شمال غرب وشرق الوطن العربي، وفي قلبه، فالبحار والمحيطات تكوّن جزءاً من الفضاء (الجيوستراتيجي) المتميز للوطن العربي، وتفصله عن، وتصله بـ (جنوب أوروبا)، وتفصلنا عن القارة الأمريكية، وعن العالم الآسيوي، وهو ـ في الوقت نفسه ـ يشطر الجغرافيا العربية إلى قسمين من قارتين (البحر الأحمر): قسم إفريقي وقسم آسيوي.
وإلى ذلك فالوطن العربي يتحكم أو يشارك التحكم ـ مع غيره ـ في السيطرة على الكثير من القوات والمضايق الاستراتيجية الهامة (مضيق هرمز، باب المندب، خليج العقبة، قناة السويس).
وهذا الوضع (الجيوستراتيجي) للوطن العربي يجعله مفتوحاً وعرضة للاختراق ، فعلى مقربة من المياه الإقليمية للدول العربية تجثم الأساطيل الكبرى كي تؤدي وظيفة حماية الاستراتيجيات الكبرى، وتتحرك تجارة تصدير النفط على أوسع نطاق، لتتحرك معها البحرية الأمريكية في الخليج (الفارسي) ، وإذا أضفنا إلى ذلك أن الغرب يراقب قناة السويس بمعية «إسرائيل» ، و إن هذه تراقب الحركة في البحر الأحمر وفي خليج العقبة، عبر ميناء إيلات المحتل، وإن إيران تراقب مضيق هرمز بل تسيطر عليه ، لاتضح جلياً أن هذه الميزة الاستراتيجية ، لا تشكل في ظل غياب استراتيجياً أمنية عربية بحرية، امتيازاً للعرب، بل إنها تكاد تنقلب عبئاً على أمنه، وليس أدل على ذلك من إقدام فرق الموساد على تنفيذ اغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) في العاصمة التونسية بعملية لم تواجه عائقاً، في ظل غياب خطير حتى للحراسة البحرية العادية (دوريات الشاطئ) للدول العربية في بحر كبير الأهمية ، كالبحر المتوسط...
وواقع الأمن المائي ـ بهذا المعنى العسكري ـ يعكس عجز الدول العربية على بناء استراتيجية عسكرية لحماية أمنها من الأخطار التي تحدق به من جراء تواجد الأساطيل الدولية الضخمة وبسبب ما قد تحمله الحركة التجارية، لاسيما ما تعلق بتدفق النفط، عبر البحار والمحيطات من احتمالات تعرضها للخطر.
ليس ثمة شك في وجود علاقة عضوية وطيدة بين الأمن المائي والاستقلال الكامل، الاقتصادي والسياسي، فتحقيق الأول يسهم في ضمان تحقيق الثاني، كما أن فقدان الأول يؤثر موضوعياً في  الثاني، إن دولة لا تستطيع تأمين ثروتها المائية من مخاطر التبذير وسوء التصرف اللاعقلاني في الداخل، ومن مخاطر السيطرة الخارجية على بحار ومحيطات يفترض أن تكون نقطة قوة لها هي دولة عاجزة عن ضمان أمنها الاقتصادي والغذائي.
إن دولة لا تستطيع بناء سياسة بحرية دفاعية تؤمن حقوقها المائية، وترفع من درجة استعدادها الأمني لدرء الأخطار العسكرية البحرية هي دولة تعجز ـ تماماً ـ عن ضمان استقلالها السياسي، وحين تفقد الدولة قدرتها على تأمين الغذاء لشعبها ـ وحين يصبح مستعصياً عليها ـ بالتدريج ـ أن تستوعب الحاجات الاقتصادية المتزايدة بسبب فقدانها للحد الأدنى من السيطرة على ثرواتها فإن وجهتها عادة ما تكون هي الالتجاء للخارج للاستدانة مع ما يتبع ذلك من قبول منها ـ اضطراري ـ للتبعية والتخلي عن جزء من سيادتها، ويضعها، موضوعياً، تحت رحمة القوى الدائنة، وقد شهدنا كيف كانت الحياة السياسية لكثير من دول العالم الثالث تدار من حكومات الظل المرتبطة مباشرة بصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، بصورة تحولت معها البرامج والمخططات الحكومية إلى تنفيذ لتوصيات هذه المؤسسات المالية المدارة من عواصم الغرب الكبرى.
ومن هذا المنطلق يجب التنبه للأخطار الصهيونية المحدقة والمتزايدة، التي تدعونا للسؤال من أين يشرب 450 مليون عربي في الأعوام القليلة القادمة إذا استطاعت «إسرائيل» تنفيذ مخططاتها ولم تجد من يردعها عن غيها وغطرستها تلك؟! كما تدعونا لاتخاذ موقف عربي موحد وتوقيع اتفاقيات تضمن الأمن المائي العربي حتى نستمر بالحياة، فخطر شح المياه أشبه بالأسلحة الفتاكة التي تسعى «إسرائيل» لاقتنائها وتهديدنا بها.‏ ولابد من التحذير أن الوطن العربي مقبل على كارثة مائية بحلول عام 2020 في ظل المؤامرات الدائرة على منابع المياه وغياب استراتيجية عربية للحل.

أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة