إرهاب 11 أيلول 2001 ... هل غيّر استراتيجية أمريكا في المنطقة العربية...؟


إرهاب 11 أیلول 2001 ... هل غیّر استراتیجیة أمریکا فی المنطقة العربیة...؟

تمر علينا هذه الأيام الذكرى السنوية الرابعة عشر لأحداث أو اعتداءات 11 أيلول المشبوهة في واشنطن ونيويورك ، التي صدمت العالم آنذاك ، و أرخت لتاريخ جديد وضعته الولايات المتحدة الامريكية تحت عنوان ''الحرب على الإرهاب'' ، وبينما كان العالم مصدوماً بما جرى يتحسب للتداعيات والنتائج بدت واشنطن وكأنها مستعدة لما بعد الاعتداءات .

و كتب الخبير الستراتيجي و الباحث المغربي مصطفى قطبي مقالا خص به وكالة تسنيم ، جاء فيه :

منذ أن أطلقت الولايات المتحدة ''حربها العالمية على الإرهاب'' المزعومة ، عقب هجمات الحادي عشر من أيلول  المشبوهة 2001، بدأت آلتها الحربية وطائراتها الاستطلاعية تحصد أرواح مئات الآلاف، بل ملايين الأبرياء المدنيين، ولم تستثن لا الأطفال ولا النساء ولا حتى الشيوخ. ولكن ما يدعو إلى الاستغراب والسخرية في آن، هو أن أمريكا التي تدعي أنها تحارب الإرهاب، هي نفسها التي تدعم الإرهاب في معظم أنحاء العالم كما تفعل الآن في سورية واليمن...، وسائل الإعلام الأمريكية نفسها اعترفت بقيام البيت الأبيض بتمويل المعارضة السورية ودعمها بالسلاح والمال، وتحريضها على ارتكاب المجازر فيها بغية إلصاق التهمة بالحكومة السورية، وبالتالي تحريض المجتمع الدولي على التدخل العسكري ضد سورية.
علينا أنْ نسميَ الأشياءَ بلغتِنا نحنُ. فالحربُ على الإرهاب هي حرب علينا لصالح الإرهاب، ونشرُ الدّيمقراطية من قبلِ الغيرِ هو نشر للفوضى. فإذا ما استقرأنا الواقع العربي بالعين الملاحظةِ، وأسقطناهُ على مجرياتِ الأحداث... وما يعصفُ بالعالم العربيِّ بخاصة والإسلامي بعامَّةً... فثمة تساؤلات لابد من طرحها؟!
أليستْ أحداث الحادي عشر من أيلول قد اخترعتها الأيادي الخفية الصهيو أمريكية ودبَّرتها ودبلجتها ومثَّلتها... كما اخترعت قبلها طالبان ودعمتها...؟!
أليست أحداث أيلول وطالبان ذريعة للحربِ علينا بحجةِ مكافحةِ الإرهاب... وتمَّ لأمريكا ما أرادت فغزت أفغانستان... مركز أوراسيا كما يُقال... واستنزفتها وغزت العراق بحجةِ وجود أسلحة نوويّة... ودمَّرته وقتلتْ شعبهُ وهجرته وسرقت تراثه وخيراته...!
وبعد ذلكّ هَلْ قضتْ على الإرهاب الذي يزدادُ يوماً بعد يومٍ... ويضربُ عالَمنا شرقاً وغرباً... وطولاً وعرضاً..؟!
ما هذه هي الحرية التي أُريدتْ لنا...؟! التَّفتيتُ والتقسيم... والتقتيل والتمثيل بالجثث...؟!
أليسَ كلّ ما يحدث الآن في عالمنا العربي والإسلامي يصبُّ في مصلحةِ الكيان الصهيوني الغاصب؟!
فالحرب على الإرهاب التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق ''جورج بوش'' والتي استمرت في عهد الرئيس ''باراك اوباما'' جعلت حقوق الإنسان ضحية الإرهاب حيث سقط عشرات مئات الألوف من القتلى في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا، وقد اعتبرت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي أن من أولويات الإدارة الأمريكية تدمير المنظمات الإرهابية ذات الامتدادات العالمية ومهاجمة قياداتها ومراكز التحكم والقيادة والمعلومات لديها وأن أمريكا ستبادر استباقياً للتصدي لأي تهديد ملموس يتعرض له أمنها كما حدث في احتلالها لأفغانستان والعراق وهذا يعطيها الحق للتدخل في أي مكان من العالم وفعل أي شيء بحجة حماية أمنها حتى ولو أدى ذلك لإقامة معتقل مثل غوانتانامو في كوبا وأبو غريب في العراق وتطبيق قوانين خاصة تتنافى مع كل الأعراف والمواثيق الدولية حتى ولو استدعى الأمر أيضاً سحق الكرامة البشرية كما حدث في سجن أبو غريب بالعراق، واتسع هذا الحق حتى تجاوز سلطة القانون الدولي والضرب به عرض الحائط.
وما يحصل في منطقة الشرق الأوسط هو أكبر دليل على رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على العالم وإحكام سلطتها على منابع الثروات الموجودة في المنطقة وإعادة رسم الخرائط الجغرافية. فتاريخ أمريكا ملطخ بدماء الأبرياء في معظم بقاع العالم من الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، إلى هيروشيما وناكازاكي إلى أفغانستان والعراق وليبيا واليمن، وهاهي سورية اليوم التي تواجه مؤامرة كونية تستخدم فيها كافة أشكال الارهاب الذي تنجزه أمريكا وتنفذه أوروبا وتركيا وتدفع قيمته بشيك مفتوح مشيخات البترودولار السعودية والقطرية وتجني فوائده «إسرائيل» والصهيونية العالمية والسداد يتم من دماء الشعوب.
والسؤال الذي يطرحه كثيرون: ما هي أهم تداعيات أحداث 11 أيلول 2001 على الأمن القومي العربي؟
في مقدمة ذلك: تعزيز الهيمنة الأميركية على المنطقة العربية، حيث اعتبر أن منفذي الهجمات عناصر عربية وإسلامية، وأن من حقها ملاحقة هذه العناصر والقبض عليهم واحتجازهم من دون أن يكون لسلطات بلادهم حق الاعتراض على ذلك، وهذا يشكل أول تجاوز على حقوق سيادة الدول العربية.
تلا ذلك تدخل أمريكي في المناهج التعليمية والخطاب الإعلامي بأنواعه باتجاه ضرورة إجراء تعديلات في هذه المناهج والرسائل الإعلامية يركز على التقليل من التطرق إلى ثقافة المقاومة، وتقليل العداء للغرب والولايات المتحدة بخاصة. كذلك، ونظراً لأهمية المنطقة العربية بالنسبة للولايات المتحدة، عملت الإدارة الأميركية باتجاه تعزيز هذه الهيمنة عليها عبر تدخلاتها تحت ذريعة دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان، ثم أدخلت هذه المنطقة ضمن المجال الحيوي لعمل حلف الناتو، كما عملت على تحقيق وجودها العسكري المباشر في منطقة الخليج (الفارسي) .
وضمن هذا السياق، اتخذت واشنطن عدة إجراءات على حساب الأمن القومي العربي مثل: وضع منظمات الكفاح المسلح العربية، في قائمة ما تسميه منظمات إرهابية، واللجوء إلى استخدام أسلوب المعونات الاقتصادية والعسكرية لبعض الدول العربية لربطها بسياستها، واتباع استراتيجية التفكيك للبلاد العربية، كالحالة اللبنانية، وتقسيم السودان، وتشجيع الأقليات  في العراق والجزائر، واتباع استراتيجيات العزل والاحتواء والتأديب ضد بعض الدول العربية التي تتمرد على السياسة الأمريكية كما جرى في العراق وليبيا والسودان وسورية، والسعي المتواصل لقبول ''إسرائيل'' في المنطقة العربية عبر تحقيق تسوية لمصلحة «إسرائيل» /تسوية المنتصر/.
ومحاولة تذويب النظام العربي في نظم بديلة بعيدة عن العروبة، عن طريق مشروعات إقليمية /شرق أوسطية ومتوسطية وتجمعات أفريقية...، وتعريض الأمن المائي العربي للخطر، كتحريك تركيا ضد سورية والعراق، وتحريك أثيوبيا ضد السودان ومصر، وتفعيل آلية التجزئة في المنطقة العربية بإثارة الصراعات والنعرات الطائفية والعرقية.
ومن تداعيات أحداث 11 أيلول، تمكين المشروع «الإسرائيلي»، عبر استخدام مفردات «إسرائيل» في دمغ نضال الشعب الفلسطيني بالإرهاب، وإطلاق يد آلة الحرب «الإسرائيلية» في قمع الفلسطينيين وفرض الحصار عليهم هنا وهناك والغريب أن واشنطن تعد هذه الإجراءات العدوانية «الإسرائيلية» أنها ''دفاع عن النفس'' هذا كله ناهيك عن الدعم المالي والعسكري والسياسي لـ«إسرائيل» بشكل هائل.
أما التداعيات الاقتصادية لأحداث 11 أيلول على الأمن القومي العربي فتجسدت في إضعاف المقدرة التشغيلية للاقتصاديات العربية، ما أدى إلى اتساع حجم البطالة لتطول كل الدول العربية تقريباً، وإضعاف القدرة على الإنفاق على القطاع التنموي، وإضعاف القدرة العربية على مجاراة «إسرائيل» عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً.
ومن خلال ما تقدم نجد أن امريكا استطاعت توظيف الإرهاب في تحقيق وجود دائم في مناطق النفوذ والمصالح وتحويل مكافحة الإرهاب من هدف الى وسيلة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية المتمثلة في التمدد في منطقة بحر قزوين التي تحوي ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم وإضعاف النفوذ الإقليمي لروسيا كذلك تدعيم الوجود الأمريكي في العراق بما يخدم مصلحة «إسرائيل» ومخططاتها وقطع الطريق على الصين ونسف مشروعاتها لإعادة طريق الحرير والقضاء على أي احتمال لبروز قوة عربية مناهضة لأمريكا و«إسرائيل» . ‏‏
الولايات المتحدة تعتبر نفسها في الوقت الراهن اللاعب الوحيد القادر على فرض رؤيته الكونية للنظام الذي يناسبه، فنتائج الحملة العسكرية ضد أفغانستان بدأت تظهر وتتشكل لدى الأنظمة الموجودة في المنطقة وحتى خارجها، فالتيارات الإسلامية التي تمت رعايتها من دول في المنطقة وبمساندة من الغرب وتحديداً على رأسها الولايات المتحدة الأميركية لأسباب تتعلق بالحرب الباردة والتي أضحت غير ملائمة الآن وخصوصاً أنه توجد في المنطقة بلدان لا تتفق أو تنسجم مع متطلبات النظام العالمي الجديد.
في الواقع النظام العالمي الجديد يفترض اندماج الدول العربية والإسلامية في هذا النظام الذي حددته عولمة للمبادلات وللعلاقات الإقليمية وبما أن أحد شروط هذه العولمة يفترض حداً أدنى من الحرية الاقتصادية، يترتب على ذلك بالضرورة نوع من تحرر المجتمعات، ولابد من القول إن كل هذه الانظمة الحليفة للولايات المتحدة ذات طابع تسلطي وحتى بعضها يعتبر ديكتاتورياً وهي مكروهة من شعوبها، اندماج هذا الواقع الإسلامي في نظام عالمي جديد يفترض إذاً تغييراً عميقاً على هذه الأنظمة وهذا ما سيتم لحظه في الفترة القادمة وكيف أن الولايات المتحدة الأميركية ستنقلب على حلفائها مقابل خلق معطيات جديدة تهدف إلى حماية وترسيخ المصالح الأميركية.
وبناءً على كل ما تقدم، يمكن القول بكل بساطة أن الحكومة الأمريكية هي من أكثر الحكومات العالمية إجراماً بحق الشعوب الأخرى في الوقت الذي تزعم أنها مهد العدالة والمساواة والديمقراطية! ومعظم جرائمها ارتكبتها تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وهي في حقيقة الأمر، إرهاب يخالطه شيء من الرحمة البتة. وهكذا يفعل حلفاؤها ومن سار على نهجها.
فبين الإرهاب والظلم توجد علاقة قوية وصلة وثيقة منذ قديم الأزل فحيثما وُجِدَ الظلم سيولد الإرهاب وبحسب القاعدة الفيزيائية القائلة: لكل فعلٍ رد فعل يساويه في القوّة ويعاكسه في الاتجاه، فكلما زاد ضغط الظلم المتمثِل بدول الاستكبار والاستبداد على المستضعفين كلما نما الإرهاب وتكاثر أثره، ولن يُنهى الإرهاب أو يحدّ منه إلا العودة إلى العدل والإنصاف على مستوى الأفراد والشعوب.‏ وكل اليقين، إن الإرهاب ودوله والظلم وأهله إلى زوال.

 

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة