في ذكرى استشهاده : الإمام محمدالباقر(ع) عطاء علمي زاخر

فی ذکرى استشهاده : الإمام محمدالباقر(ع) عطاء علمی زاخر

يوافق اليوم السابع من شهر ذي الحجة الحرام ذكرى استشهاد الإمام محمد بن علي الباقر(ع) خامس أنوار الهداية و الولاية و أئمة أهل بيت الرسالة الذي كانت حياته المباركة، حافلة بالخير والعطاء الزاخر للأمة الاسلامية ، بل للبشرية جمعاء ، في مواجهة قوى الشر والضلال في اطار مسيرة صراع الحق و الباطل المتواصلة لتكريس مفاهيم العدالة الانسانية و مدرسة تجلى فيها العطاء العلمي المبارك بأروع صوره .

• ولادة الامام الباقر
ولد الإمام الباقر عليه السلام في شهر رجب المبارك عام 57 هجرية ، وتلقفه أهل البيت بالتقبيل والسرور ، إذ لطالما كانوا ينتظرون ولادته التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ عشرات السنين .
أمه الماجدة فاطمة بنت الامام الحسن المجتبى عليه السلام وقيل ام عبد الله، فأصبح عليه السلام ابن الخيرتين وعلوياً بين العلويين.
روي في دعوات الراوندي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال : كانت أمي قاعدة عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدة شديدة فقالت بيدها : لا وحق المصطفى ما أذن الله لك في السقوط، فبقى معلقاً حتى جازته، فتصدق عنها ابي عليه السلام بمائة دينار.
• ألقاب الامام الباقر
إسمه الشريف محمد ، وكنيته أبو جعفر، و القابه الشريفة الباقر والشاكر والهادي، وأشهر القابه الباقر، وقد لقبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به كما ورد في رواية سفينة عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين عليه السلام يقال له محمد، يبقر علم الدين بقراً فاذا لقيته فاقرأه مني السلام.
وروى الشيخ الصدوق عن عمروبن شمر قال : سألت جابر بن يزيد الجعفي فقلت له: ولم سمي الباقر باقراً؟ قال: لانه بقر العلم بقراً أي شقه شقاً وأظهره إظهاراً.
وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة مع كثرة عناده ونصبه: (أبو جعفر محمد الباقر سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها وأثار مخبآتها ومكانها فلذلك هو أظهر من مخبئآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام واللطائف مالا يخفى الا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه الخ).
• إمامته عليه السلام
ومن مزايا هذا الوليد الطاهر أنه ملتقى ورابط بين أسرة الإمام الحسين وأسرة الإمام الحسن، فهو أول هاشمي علوي يولد من جهة الحسن والحسين عليهما السلام، لأن أباه علي بن الحسين وأمه فاطمة بنت الحسن عليهم السلام، فكان الباقر ملتقى الكرامات وآصرة علوية أثلج بولادته قلوب أهل البيت عليهم السلام فما أكرمه وما أعظمه .
وروي أن الإمام السجاد عليه السلام قال لابنه الباقر عليه السلام: بني إني جعلتك خليفتي من بعدي لا يدعى فيما بيني و بينك أحد إلا قلده الله يوم القيامة طوقاً من نار.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا فارق الحسين الدنيا، فالقائم بالامر بعده علي ابنه وهو الحجة والامام وسيخرج الله من صلب علي ابناً اسمه اسمي وعلمه علمي وحكمه حكمي، وهو أشبه الناس إلي وهو الامام والحجة بعد أبيه.
• مناظرات الامام الباقر
لقد عرف عهد الإمام الباقر بكثرة المناظرات والمحاججات والحوارات المفتوحة لان دولة بني أمية فتحت المجال للبدع والمذاهب المنحرفة والاتجاهات الضالة والآراء الفاسدة الكاسدة فجلس الإمام الباقر بكل جهاد إمام هذه التيارات المنحرفة يوعظهم ويرشدهم ويصحح أفكارهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم.
• عبادة الامام الباقر
تمثل العبادة بالنسبة للمعصومين حالة كمال وإشراق وليست عبارة عن تكلف يراد الخلاص منه بل كانوا يأنسون بالعبادة لله تعالى.
حكى (افلح) وهو خادم الإمام الباقر عليه السلام قال: حججت مع أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام فلما دخل المسجد ونظر البيت بكى فقلت بابي أنت وأمي إن الناس ينظرون أليك فلو خفضت صوتك قليلاً.
قال: (ويحك يا افلح ولم لا ارفع صوتي بالبكاء لعل الله ينظر إلي برحمة منه فالفوز بها غداً).
• من معاجز الامام الباقر عليه السلام
روى القطب الراوندي بسنده عن ابي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أنا مولاك ومن شيعتك ضعيف ضرير إضمن لي الجنة، قال: أولا أعطيك علامة الائمة؟ قلت: وما عليك ان تجمعها لي؟ قال: وتحب ذلك؟ قلت: كيف لا أحب فما زاد أن مسح على بصري فأبصرت جميع ما في السقيفة التي كان فيها جالساً (وفي رواية مختصر البصائر: فأبصرت جميع الأئمة عليهم السلام عنده) قال:يا أبا محمد مد بصرك فأنظر ماذا ترى بعينك.
قال: فوالله ما أبصرت الا كلباً وخنزيراً وقرداً، قلت: ما هذا الخلق الممسوخ؟ قال: هذا الذي ترى هذا السواد الأعظم، لو كشف الغطاء للناس ما نظر الشيعة إلى من خالفهم الا في هذه الصور، ثم قال: يا ابا محمد إن أحببت تركتك على حالك هكذا وحسابك على الله وإن أحببت ضمنت لك على الله الجنة ورددتك إلى حالتك الأولى؟
قلت: لا حاجة لي إلى هذا الخلق المنكوس، ردني فما للجنة عوض، فمسح يده على عيني فرجعت كما كنت.
حكاية جابر مع الإمام الباقر (ع):

كان جابر بن عبد الله الانصاري حين يجلس في مسجد الرسول (ص) يردّد: يا باقر العلم، يا باقر العلم. وكان أهل المدينة إذا سمعوه يردّد هذا القول، يتعجّبون ويقولون: إنّ جابراً يهجر (أي يهذي بأقوالٍ غير مفهومةٍ) . فكان يجيبهم : والله ما أهجر ، لكنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : «إنك ستدرك رجلاً منّي ، اسمه اسمي ، وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقراً» . فذاك ما دعاني إلى ما أقول .
كان جابر ذات يوم في بعض طرق المدينة، فمرّ به غلام، فلمّا رآه جابر قال: يا غلام أقبل، فأقبل، ثمّ قال له: أدبر، فأدبر، ثم قال جابر: شمائل رسول الله، والذي نفسي بيده. يا غلام ما اسمك؟ قال: اسمي محمد بن علي بن الحسين. فقام جابر يقبّل رأسه ويقول : بأبي أنت وأمي ، أبوك رسول الله (ص) يقرئك السلام ، فقال محمد : وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته . ثم رجع محمد إلى أبيه مذعوراً فأخبره الخبر ، فقال له : يا بنيّ ، قد فعلها جابر؟ قال: نعم ، قال: الزم بيتك يا بنيّ.
• كرم الامام الباقر
تقول سلمى خادمة أبي جعفر الباقر: انه كان يدخل عليه بعض إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويكسوهم في بعض الأحيان ويعطيهم الدراهم قالت: فكنت اكلمه في ذلك لكثرة عياله وتوسط حاله فيقول: (يا سلمى ما حسنة الدنيا إلا صلة الأخوان والمعارف) فكان يصل بالخمسمائة درهم وبالستمائة ألف درهم.
• من شهد كلامه عليه السلام
- ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم.
- الكمال كل الكمال التفقه في الدين والصبر على النائبة وتقدير المعيشة.
- ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتحلم إذا جهل عليك.
- سلاح اللئام قبيح الكلم.
- إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر من كسل لم يؤد حقا ومن ضجر لم يصبر على حق.
- عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد.
- عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد.
جانب من حياة الامام الباقر :
عاش الإمام الباقر عليه السلام سبعاً و خمسين سنة، وكانت إمامته عليه السلام بعد وفاة أبيه تسع عشرة سنة وشهرين . وقد شهد عليه السلام في بداية حياته الشريفة واقعة الطف وكان له من العمر سنتان ، وعاش المحنة التي مرت على أهل البيت في طفولته ورافق الرزايا والمصائب التي توالت على أبيه زين العابدين عليه السلام وبعد أبيه ما يقرب العشرين سنة من حكام الجور الأموي في ذلك العصر وهم: الوليد بن عبد الملك، سليمان بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، هشام بن عبد الملك.
وحول واقعة الطف ، يقول الامام عليه السلام : «قتل جدي الحسين ولي أربع سنين وإني لأذكر مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت».

مناظرات الامام الباقر :

وكانت من جملة النشاطات العلمية للإمام الباقر عليه السلام هي مناظراته مع الكثير من العلماء والمفكرين بل ومع الزنادقة والمنحرفين وفي شتى المواضيع المختلفة، وكان منها:
مناظرته (عليه السلام) مع أسقف النصارى
مناظرته (عليه السلام) مع الحسن البصري
مناظرته (عليه السلام) مع قتادة بن دعامة
مناظرته (عليه السلام) مع هشام بن عبد الملك
مناظرته (عليه السلام) مع محمد بن المنكدر
مناظراته (عليه السلام) مع نافع بن الأزرق
مناظرته (عليه السلام) مع عبد الله بن معمّر الليثي
مناظرته (عليه السلام) مع قتادة بن دعامة

تلاميذ الامام الباقر :
زرارة بن أعين، بريد بن معاوية العجلي، معروف بن خربوذ، فضيل بن يسار النهدي، محمد بن مسلم، أبو حمزة الثمالي، جابر بن يزيد الجعفي • حمران بن أعين، ابان بن تغلب، جابر بن عبد الله الأنصاري، الكميت بن زيد الأسدي.
• استشهاده عليه السلام
ورد في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي أن الإمام محمد الباقر قد استشهد مسموما في عهد مُلك هشام بن عبد الملك وتشير المصادر الى أن هشام بن عبد الملك كان وراء سم الإمام عليه السلام.
وقال الصادق عليه السلام: ان ابي عليه السلام قال لي ذات يوم في مرضه: يابني أدخل أناساً من قريش من أهل المدينة حتى أشهدهم، قال: فأدخلت عليه أناساً منهم، فقال: ياجعفر إذا انا مت فغسلني وكفني وارفع قبري اربع اصابع ورشه بالماء.
فلما خرجوا قلت: يا ابت لو أمرتني بهذا لصنعته ولم ترد ان أدخل عليك قوماً تشهدهم؟ فقال: يابني اردت أن لا تنازع.
وفي رواية أن عليه السلام قال: يابني أما سمعت علي بن الحسين عليه السلام ناداني من وراء الجدران يا محمد تعال عجل.
وروي أيضاً في بصائر الدرجات عن الإمام الصادق عليه السلام انه أتى أبا جعفر عليه السلام ليلة قبض وهو يناجي، فأومأ إليه بيده أن تأخر، فتأخر حتى فرغ من المناجاة ثم أتاه فقال: يابني أن هذه الليلة التي أقبض فيها وهي الليلة التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال وحدثني أن أباه علي بن الحسين عليه السلام أتاه بشراب في الليلة التي قبض فيها، وقال اشرب هذا فقال: يا بني إن هذه الليلة التي وعدت أن تقبض فيها، فقبض فيها.
وروى القطب الراوندي بسند معتبر عن الصادق عليه السلام قال: لما كانت الليلة التي قبض فيها أبو جعفر، قال يا بني هذه الليلة التي وعدتها، وقد كان وضوءه قريباً، فقال: أريقوه أريقوه، فظننا أنه يقول من الحمى فقال: يابني أرقه، فأرقناه فاذا فيه فأرة.
وروى الكليني بسند معتبر صحيح عنه عليه السلام قال: ان رجلاً كان على أميال من المدينة فرأى في منامه فقيل له: انطلق فصل على أبي جعفر عليه السلام فان الملائكة تغسله في البقيع. وروي أيضاً أن ابا جعفر عليه السلام أوصى بثمانمائة درهم لمأتمه. كما روي عن ابي عبد الله عليه السلام قال: قال لي أبي: ياجعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى.
وبهذه المناسبة الأليمة .. تتقدم أسرة وكالة "تسنيم" الدولية للانباء للمسلمين كافة وخاصة الى شيعة أهل بيت الرسول المصطفى اسمى ايات العزاء سائلين الباري عز و جل التوفيق للسير على هدي هذا الامام الهمام و الانتهال من نهجه القويم نهج محمد و ال محمد صلوات الله عليهم اجمعين .

• دوافع اغتيال الإمام الباقر :
سمو شخصية الإمام الباقر(عليه السلام) : لقد كان الإمام أبو جعفر(عليه السلام) أسمى شخصية في العالم الإسلامي فقد أجمع المسلمون على تعظيمه، والاعتراف له بالفضل، وكان مقصد العلماء من جميع البلاد الإسلامية.
لقد ملك الإمام(عليه السلام) عواطف الناس واستأثر بإكبارهم وتقديرهم لأنه العلم البارز في الأسرة النبوية، وقد أثارت منزلته الاجتماعية غيظ الأمويين وحقدهم فأجمعوا على اغتياله للتخلص منه.
استشهد الامام الباقر (ع)اليوم السابع من شهر ذي الحجّة عام 114 هـ.   ودفن في البقيع إلى جوار مرقد الطاهر للإمام الحسن (ع) والإمام السجاد (ع) ولحق به الامام الصادق(ع) .

الأكثر قراءة الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
أهم الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
عناوين مختارة