دماء الشهداء الأبرار لن تجف .. وتظلّ عن الثأر تستفهم

دماء الشهداء الأبرار لن تجف .. وتظلّ عن الثأر تستفهم

لم يكن مفاجئا اغتيالها القائد الجهادي مصطفى بدر الدين في العرين السوري - رغم عدم إعلان مسؤوليتها حتى الآن ـ فكل ظاهرة اسلامية وعربية وتقدمية ووطنية ، إن لم تقتلها «إسرائيل» ، فانها ساهمت بقتلها إن تخطيطاً أو تغطية لوجستية ، أو معلومات ؛ وبالتالي إذا أردنا تفسير معنى الإرهاب ، لنا أن نقول على الفور «إسرائيل» ؛ فهي أكثر من في العالم غيظاً من بقاء سوريا وعلى رأسها بشار الأسد ، وعلاقتها بالإرهاب عضوية وأساسية وهي من ترعاه ، وفي الوقت نفسه يختفي الإرهابيون تحت سقفها إيماناً منهم بأنها الأم الرحيمة لمراعاة إرهابهم.

ولدى وداع القائد المقاوم مصطفى بدر الدين ''السيد ذو الفقار'' ، أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في كلمة خلال التشييع إن الشهيد بدر الدين ملأ حياته بالعطاءات و التضحيات ، و عرفته ساحات الجهاد شجاعاً مقداماً مجاهداً مضحياً ، ليثبت دعائم الحق و يحرر الأرض من الصهاينة وإتباعهم الإرهابيين التكفيريين. وأشار الشيخ قاسم إلى أن «اسرائيل» والإرهابيين التكفيريين تلقوا ضربات موجعة على يد الجيش العربي السوري والمقاومين معتبراً أن استشهاد بدر الدين أعطى دفعة جديدة لمسيرة المقاومة التي تقدم الشهيد تلو الشهيد على طريق تحقيق النصر ، مشددا على أن المقاومة ستبقى حاضرة في المكان والزمان والأسلوب بما يحمي مشروع المقاومة حتى النصر.

إمعان العدوان و إدمان الإرهاب هوية و طبيعة «إسرائيلية» رسماً وختماً ، ذلك أن هذه الطبيعة العدوانية الإرهابية هي من أهم عوامل بقاء هذا الكيان الاحتلالي الغاصب ، وفي سبيل ذلك من الطبيعي أن يسوق المحتل «الإسرائيلي» مبررات وذرائع يبرر بها جريمته ، و ليضفي عليها شيئاً من الشرعية وفق معزوفة الأسطوانة المشروخة "حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها'' التي ألفتها القوى الغربية المتحالفة معه استراتيجيّاً و بخاصة الولايات المتحدة ، و ليكمل هذه المعزوفة بمعزوفته النشاز بأنه ''مستهدف، وأن الأعداء يحيطون به من كل حدب وصوب''.
هذا هو تاريخ هذا الكيان الذي زرع في منطقتنا على أسس إرهابية مرتكباً المجازر بالجملة والمفرق . فهو في فلسطين صاحب خبرة في قتل قياداتها وشعبها وفي مقدمتهم ياسر عرفات وأحمد ياسين وأبو علي مصطفى وقبلهم الكثير، وفي مصر ما زال المصريون ينوحون على شهدائهم . وإذا ما ذكرنا الجولان فتلك حكاية لا تنتهي من مآسي أبنائها . و خلف البحار امتدت يد «الإسرائيلي» ، إلى قادة فلسطينيين تم تصفيتهم إن في تونس (أبو اياد وخليل الوزير) أو في لبنان حدث ولا حرج من القادة الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار إلى غسان كنفاني وغيرهم بل كل شعب فلسطين في لبنان، وفي مالطا مؤسس الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي وكثيرون. يد إجرامية طويلة تساعدها كل أجهزة استخبارات العالم التي ساهمت في ولادة هذا الكيان وتواصل رعايته. ومع حزب الله فقد لا يكون آخر من تغتاله مصطفى بدر الدين، لها تاريخ لا ينتهي من قتل قادته من عباس الموسوي إلى راغب حرب إلى عماد مغنية إلى سمير القنطار.
لقد أحلَّ «الإسرائيليون» لأنفسهم استباحة الدم الفلسطيني والدم العربي، ورتبوا المشهد مع حلفائهم الاستراتيجيين الأميركيين و الذين معهم على أن كل ما يُقْدِم عليه مجرمو الحرب الصهاينة بصورة فردية أو جماعية هو حق وواجب، وما عداه بأن يقوم المواطن الفلسطيني أو العربي بالدفاع عن نفسه أو مقاومة الاحتلال وصد الإرهاب «الإسرائيلي» عنه، فهو محرم في شريعة الغاب الصهيو ـ أميركية، بل هو سلوك مدان ومجرم ويجب معاقبة من يقوم به.
وبناء عليه، فإن استهداف قيادات المقاومة ورموز النضال الوطني في فلسطين والوطن العربي من قبل آلة الحرب «الإسرائيلية» أو من قبل الموساد أو أجهزة الاستخبارات الحليفة له يأتي في إطار ذريعة ''الدفاع عن النفس'' ، كما هو الحال مع جريمة الاغتيال الإرهابية «الإسرائيلية» ضد القائد المجاهد مصطفى بدر الدين ، وبالتالي أي رد اعتبار أو ردع المجرم «الإسرائيلي» وصد عدوانه مرفوض جملة وتفصيلا وفق شريعة الغاب الصهيو ـ أميركية.
فائض النفاق هذا هو الخيط الرفيع الذي تمشي عليه قوى حلف التآمر والعدوان ، فحين يبدي الأميركي تراجعاً كلاميّاً في مواقفه المتشددة كان قد أوعز إلى ذيل من ذيوله (تارة العربي، وأخرى الفرنسي، ومرة البريطاني ومرات الصهيوني والتركي) ليتدخل لإحداث عملية التشويش والخلط والإفشال ولدعم تنظيمات الإرهاب.
على أن الأهم في مخطط المؤامرة هو الإرهاب وتنظيماته الذي بني به المخطط، ومن يتابع تفاصيل المشهد السوري وخصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي يجد احتدام الصراع بين حلفين؛ حلف التآمر والعدوان بقيادة الولايات المتحدة يدعم الإرهاب وتنظيماته بكل ما أوتي من قوة وبما فيها تنظيم ''داعش'' والنصرة؛ لكونهما (الإرهاب وتنظيماته) الذراع والجيش على الأرض لحلف التآمر والعدوان، وحلف محوره سوريا وروسيا الاتحادية والجمهورية الإٍسلامية الإيرانية وقوى المقاومة يحارب الإرهاب وتنظيماته.
وفي ظل تبادل الأدوار، تقدم كيان الارهاب الصهيوني نحو خط المواجهة هذه المرة باغتيال القائد المجاهد مصطفى بدر الدين. وتأتي عملية الاغتيال في السياق ذاته الهادف إلى خلط الأوراق والتشويش وإفشال الاستراتيجية الروسية ودعم الإرهاب وتنظيماته ورفع معنوياتها ، لكنه أيضاً في التوقيت يجيء ترجمة ورداً واختباراً على ثلاثة تطورات:
الأول : اتفاق كل من تركيا ـ أردوغان وكيان الاحتلال الصهيوني ـ نتنياهو على تطوير تحالفهما الخفي، ونشر ''دفئه'' في ربوع المنطقة، بعد المسرحية الهزلية بإعلانهما ما أسمياه تفاهمات لإنهاء الأزمة الدبلوماسية بينهما في أعقاب مهاجمة البحرية الصهيونية لأسطول الحرية، في العام 2010، وإعادة تطبيع العلاقات بينهما.
ويبدو أن من ملامح هذا الاتفاق أن يتولى كيان الاحتلال الصهيوني بالنيابة تحقيق ما تعجز عنه "حكومة العدالة والتنمية" في سوريا، بالمقابل تقوم حكومة العدالة والتنمية على خدمة كيان الاحتلال الصهيوني في الملفات الأخرى في المنطقة، وبالأخص ملف حركة حماس وجناحها المسلح (كتائب عز الدين القسام)، بدءاً بالاعتراف بالكيان الغاصب ، وانتهاءً بقبول ما يعمل عليه العرَّاب التركي والعرَّاب توني بلير على قبول حماس إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة وفق ما يعرف باتفاق ''حماس ـ بلير'' . وكذلك ملف العراق وبخاصة شماله، حيث العلاقة التاريخية بين الصهاينة والأكراد، ووعد الصهاينة للأكراد بإقامة دولة كردية في الشمال العراقي ؛ بمعنى تعاون التركي والصهيوني على تنفيذ مخطط تقسيم العراق ، فكلاهما له مطامعه. إلى جانب غيرها من الملفات من منطلق النظرة الرائجة والمغلوطة بأن تركيا السنية ''مقبولة'' من قبل جميع الدول العربية . الثاني: تصويت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على القرار 2254 الداعي إلى وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات بين الحكومة السورية و''المعارضة المسلحة''. فوقف إطلاق النار ـ من وجهة النظر الصهيونية ـ لا يخدم مخطط استهداف سوريا بالاستنزاف والتدمير، إذ من شأن ذلك أن يوفر الوقت والجهد للجيش العربي السوري.
كما أن مجرد جلوس الطرفين الحكومة والإرهابيين المدعومين من قبل حلف التآمر والعدوان والموصوفين بـ''المعارضة''، وبقاء الرئيس بشار على رأس السلطة في هذه المرحلة ، يعني انتصاراً للدولة السورية وحلفائها، وهزيمة للأعداء الذين لا يزالون ينعقون بأن لا تفاوض في ظل وجود الرئيس الأسد.
الثالث : تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن القوات الروسية لا تستخدم بعمليتها ضد الإرهاب في سوريا جميع قدراتها العسكرية، وأن ثمة وسائل إضافية قد تستعملها موسكو في حال دعت الضرورة، ونقل موقع روسيا اليوم عن بوتين قوله في كلمة ألقاها أثناء حفل أقيم في الكرملين إحياء لعيد رجال أجهزة الأمن إن الطيارين الروس ورجال الاستخبارات يعملون في سوريا بشكل فعال، مشيراً إلى أنهم نجحوا في تنسيق خطواتهم المشتركة.
ومن الواضح أن الصهاينة أرادوا من اغتيال المجاهد مصطفى بدر الدين، إحراج بوتين أمام حلفاء بلاده وتأزيم الأمور وتعقيدها، في إطار مساعي إفشال استراتيجية تدخله في سوريا، والزعم الصهيوني بإمكانية وصول الأسلحة الروسية النوعية إلى حزب الله.

وأذا كان حزب الله اعلن اليوم أن الانفجار الذي أدى إلى استشهاد القائد الجهادي الكبير «السيد ذو الفقار» ، نجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات الإرهابية التكفيرية .. فاننا نعتقد ان الجماعات التكفيرية هم الوجه الآخر للصهيونية .
فلقد نال الشهيد الكبير مصطفى بدر الدين كل أوسمة الشرف ، اذ كان مجاهداً مقاتلاً في مختلف جبهات الحق و الصراع مع الباطل بكل أشكاله ، و نال شرف قتال العدو الصهيوني وأصيب علي مثلث خلدة مدخل بيروت الجنوبي وهو يصد الاجتياح الصهيوني لبيروت عام 1982 حيث جُرح فنال وسام الجرح ، ثم أُسر وهو يسعي لقتال الأمريكي ، و بعد الأسر عاد لساحة جهاده في لبنان مع العدو الصهيوني . و عندما اندلعت الحرب الصهيونية بالوجه التكفيري على خط المقاومة .. امتشق سلاحه وكان حاضراً في كل ساحات المواجهة في سوريا حتى نال شرف الشهادة كأرفع وسام يوضع على صدره ومن خلاله على صدر المقاومة والنهج الجهادي الإسلامي الأصيل .
ولأن الجماعات التكفيرية هم الوجه الآخر للصهيونية وصنيعة الاستكبار العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية .. فأننا نرى ان العدو الصهيوني هو الذي يقف وراء هذه الجريمة النكراء و هذا العمل الجبان الذي هو دليل على ضعف أعداء المقاومة وإفلاسهم ، فأن النصر سيكون حليف المقاومة ، وفي وقتٍ هو أقرب مما يتصوره أعداؤها .
وأخيراً وليس آخرا ، لقد أخطأت «إسرائيل» كثيراً باغتيال القائد مصطفى بدر الدين وتخطئ أكثر حين تظن أن الاغتيالات الجبانة لقادة ورموز المقاومة يمكن أن تقتل روح المقاومة والنضال في وجدان الأمة أو تجلب لكيانها الغاصب الأمن والاستقرار ، فهذه السياسة لم تحقق لها سوى الخيبة والخذلان، بينما راية المقاومة تنتقل من يد إلى يد ومن جيل إلى جيل.‏ فالمجاهد ''ذو الفقار'' باستشهاده نال ما أحب وما سعى إليه بكل شجاعة وإقدام ، أما «إسرائيل» القلقة على مصيرها والمرتبكة بحماقاتها فعليها أن تنتظر ما تكره، فدماء الشهداء لن تجف وهي ''تظلّ عن الثأر تستفهم'' ...

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                             «تسنيم»

الأكثر قراءة الأخبار {0}
عناوين مختارة