وليست المرة الأولى التي يدخل الحاج قاسم سليماني فيها «بيت الأحزان» ، حيث أضيفت صورة جديدة إلى صور الشهداء. يجلس صديق العائلة بين جميع أفرادها، يتلو الآية القرآنية (ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزَقون) ، ليبدأ الحديث حاملاً سبحة ترابية في يده اليمنى، فيما يزيّن خاتم عقيق يده اليسرى . توجه بالكلام إلى أم الشهيد، السيدة أم عدنان: «لقد فقدنا قائداً وأخاً عزيزاً . هذا المصاب هو مصاب للأمة الإسلامية ، إذ إن شخصية كشخصية السيد ذو الفقار لا يمكن اختصار خسارتها في بلد أو منطقة أو ضاحية».
و أضاف اللواء سليماني متحدثًا عن عائلة الشهيد بدرالدين : ان هذه العائلة هي عائلة مجاهدين اذ قدّمت «الحاج رضوان» (القائد الشهيد عماد مغنية) وشاباً مثل جهاد (نجل الشهيد مغنية) ، و ليس جديداً عليها أن تقدّم المزيد من الشهداء .
وحسب رفاق الشهيد مصطفى بدر الدين ، فان السيد ذو الفقار منذ عهد بعيد ، ٤٠ عاما من الجهاد والعطاء ، كان يتحدث عن طلبه للشهادة ، وها هو هدفه الأسمي قد تحقق ، وهو ما كان ينتظره منذ انطلاقة المقاومة .
و قال اللواء سليماني : كنَّا على يقين بأن قائداً مثل «السيد ذو الفقار» يطلب الشهادة منذ ريعان شبابه ، ومنذ بدايات انطلاقته مع المقاومة تنتهي حياته بها، لا موتاً على الفراش ، لذلك فان شهادته ليست مفاجئةً لنا .
و همس اللواء سليماني لعلي ، ابن الشهيد الذي خيَّم عليه حزن فراق الاب ، قائلا : “ستكون أنت على مسار أبيك ، قدوة ــ مثله ــ لجيلك ، و لكل الشباب” .
و جلس اللواء سليماني نحو 20 دقيقة ، بعدها توجه إلي روضة الشهيدين . والبداية كانت من ضريحَي الشهيد عماد مغنية ، و«السيّد ذو الفقار» . و هناك جلس وقرأ آيات قرآنية ، ثم مرَّ على أضرحة الشهداء مسلِّماً ؛ يقرأ الأسماء ، ويسأل عن بعضهم . و أثناء عبوره بهدوء تام بينهم ، استحضر ذكرى القائد علي فياض «علاء البوسنة» الذي قضى شهيداً على طريق خناصر ــ حلب في شباط الماضي . سأل عن ضريحه ، ليأتيه الجواب بأنه في بلدته أنصار . سلَّم على عوائل الشهداء الموجودة هناك، والتقى ، صدفةً ، بجريح من جرحى المقاومة يزور رفاقه ، لترتسم ابتسامة وديعة على شفتيه .
كان اللواء سليماني يستغرب كيف يغيب السيد ذو الفقار ، منذ بدء الأحداث في سوريا ، عن عائلته لشهرين أو ثلاثة، ليعود بعدها أياماً قليلة، يعوّض فيها عن كل ما فاته تجاههم .

ويؤكد من عاشروه أن الشهيد بدر الدين كان يحرص على أن لّا تفوته مناسبة تخصّ أحد أفراد عائلته دون تقديم هديته . واجباته العائلية متقدّمة على كل شيء، حتى على الأمور الأمنية . وفي عام 2012 ، وفي عرس ابنته ، أصرَّ بعد انتهاء الزفاف على الحضور إلى القاعة ، والتقاط الصور التذكارية مع العائلة والعروس. كذلك تأتي «صلة الرحم» في مقام «المقدّس» لديه . وقد واظب على زيارة أخيه المريض، دون مراعاة للأمور الأمنية ، أسبوعياً في المستشفى بعدما أُصيب عام 2007 بالسرطان إلى حين وفاته بعدها بسنتين .
و في تفاصيل حياة الشهيد نقرا : كان يهمه أن تجتمع العائلة علي مائدة إفطار شهر رمضان، ويتابع تفاصيل أخبار كل الذين حوله، من صغيرهم إلي كبيرهم. ينصح المقبلين منهم علي الجامعات، بالاختصاصات التي يجب أن يدرسوها . ويوجههم لسبب محدّد : «إذا لم تتمكن من خدمة المقاومة علي الصعيد العسكري، فاخدم مجتمع المقاومة باختصاص يفيدهم» .
يشار الى ان القائد الجهادي الكبير في حزب الله مصطفي بدر الدين، المعروف باسم «السيد ذو الفقار» كان يتولي قيادة عمل المقاومة في مواجهة الجماعات الإرهابية التكفيرية في سوريا، وقد استشهد جراء انفجار كبير في أحد مراكز حزب الله قرب مطار دمشق الدولي، وتم تشييعه عصر الجمعة الماضي، بمراسم مهيبة في ضاحية بيروت الجنوبية، ودفن في روضة شهداء المقاومة إلي جانب الشهيد القائد عماد مغنية، صديقه وشقيق زوجته .