تصريحات موسكو حول الهدنة في سوريا "تحول استراتيجي"

تصریحات موسکو حول الهدنة فی سوریا "تحول استراتیجی"

من يتابع التصريحات الروسية المتعلقة بالاتفاق مع واشنطن حول وقف إطلاق النار في سوريا، يلاحظ أنها خرجت عن العباءة الخجولة واتسمت بالقوة وتوجيه أصابع الاتهام المباشر نحو أمريكا بأنها من تخرق الهدنة عبر الفصائل التي تدعمها على الأرض.

يبدو واضحاً أن تصريحات المسؤولين الروس خلال الأيام الماضية كانت تتسم في معظمها بالقوة وتقف بشكل كامل إلى جانب الجيش والدولة السورية، وتفضح التعاطي الأمريكي مع المجموعات المسلحة التي تصفها واشنطن بـ "المعتدلة".

وزارة الدفاع الروسية صرحت بأنه " خلال ثلاثة أيام من وقف إطلاق النار، تبين أن الجيش السوري وحده من يلتزم الهدوء، وأن المعارضة المدعومة من أمريكا تقصف الأحياء السكنية"، هذا الكلام يؤكد أن موسكو تُحمّل واشنطن بشكل مباشر مسؤولية أي فشل لاتفاق التسوية، عبر تسترها على من تسميهم "المعارضة المعتدلة" وتتابع وزارة الدفاع الروسية؛ "إن أمريكا تحاول التستر على غير الملتزمين بالهدنة من المعارضة والإرهابيين في سوريا".

التصريحات الروسية أيضاً يشوبها التخوف والحذر من عدم جدية أمريكا  في تحقيق النتائج المطلوبة من الاتفاق، حيث لم تقدم واشنطن أي معطيات حول البنود المتفق عليها مع موسكو، خاصة فيما يتعلق بالمعارضة المعتدلة، حيث أكد  "فيكتور بوزنيخير"، النائب الأول لرئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية، بأن الولايات المتحدة لم تقدم حتى الآن لروسيا معطيات دقيقة حول ماهية "المعارضة المعتدلة" في سوريا.

وأشار الفريق "بوزنيخير" إلى أن المواد المقدمة من قبل الجانب الأمريكي تتضمن فقط قائمة الفصائل الخاضعة له، ولا حديث فيها عن المناطق التي تنشط فيها هذه الفصائل ولا تعداد أفرادها ولا أسماء قادتها الميدانيين، وشدد على أن هذا المسلك من جانب الأمريكيين لا يعرقل محاربة المسلحين المتشددين من "جبهة النصرة" فحسب، بل يهدد أيضاً عملية نقل المساعدات الإنسانية.

كل التصريحات الروسية السابقة، تُحمّل واشنطن بشكل مباشر مسؤولية نقض الاتفاق، ومحاولة المجموعات الإرهابية استغلال هذه الهدنة لصالحهم بغطاء دولي، حيث دعا المبعوث الأممي إلى سوريا  ستيفان دي ميستورا إلى إدخال ما أسماه "المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية" إلى الأحياء الشرقية لمدينة حلب والخاضعة لسيطرة الإرهابيين دون أي تفتيش من قبل الجيش والدولة السورية، ما يترك علامات استفهام حول خفايا الطلب الأمريكي، والدعوة الأممية.

روسيا دعت أيضاً إلى نشر بنود الاتفاق الذي توصلت إليه مع واشنطن،  حتى يتسنى للمجتمع الدولي معرفة من يخل بالتسوية، هذا الأمر تلقفته فرنسا التي أعلن وزير خارجيتها جان مارك آيرولت أن بلاده تطالب واشنطن بإطلاعها على نص اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، الذي توصلت إليه مع موسكو ، لمنع حدوث أي لبس حول المستهدفين على الأرض.

الواضح من كل ماسبق أن نبرة المسؤولين الروس قد تغيرت في الأيام القليلة الماضية، حيث كانت موسكو سابقاً تدعو واشنطن بشكل ودّي إلى الاتفاق، وتزودها بالمعطيات عن أماكن تواجد الإرهابيين، إضافة إلى الدعوات الخجولة من قبل الإدارة الروسية لأمريكا، بشأن فصل المعارضة المعتدلة عن تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي.

هذا التحول في الحديث الروسي يستند إلى الإنجازات الأخيرة للجيش السوري على الأرض، وتحديداً في مدينة حلب وتمكنِه من فرض طوق أمني محكم على المسلحين المتواجدين داخل الأحياء الشرقية الأمر الذي دفع واشنطن للقبول بالاتفاق، والذهاب نحو الطريق الدبلوماسي، لإيجاد مخرج للأزمة المندلعة منذ حوالي الخمس سنوات.

واشنطن التي وجدت نفسها تحت الضغط الروسي عقب الاتفاق، حاولت تشتيت الانتباه عبر تسريب أخبار عن وجود خلافات بين موسكو وطهران على بنود التسوية، الأمر الذي نفاه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بشكل قاطع، مؤكداً أنه لاوجود لأي خلاف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهذا الشأن.

بدوره مدير قسم آسيا الثاني لوزارة الخارجية الروسية زامير كابولوف أشار إلى أن الأمريكيين لن يتمكنوا من عزل إيران من المشاركة في شؤون المنطقة، مهما أرادوا ذلك، مضيفا أن الواقع الآن مغاير وأن إيران لاعب كبير في المنطقة.

/انتهي/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة