اللغة الفارسية في العالم العربي بين الماضي والحاضر

اللغة الفارسیة فی العالم العربی بین الماضی والحاضر

ربما أن الحديث عن موضوع اللغة الفارسية في العالم العربي غريب بعض الشئ، أو لربما أن القارئ يعتقد أن اللغة الفارسية وإن وجدت في العالم العربي فهي حديثة النشأة.

وافادت وكالة تسنيم الدولية للانباء ان للغة الفارسية واللغة العربية ارتباط وثيق وعريق يمتد إلى آلاف السنين، إذ تحتل اللغة الفارسية المرتبة الثانية بعد اللغة العربية في العالم الإسلامي، نظرا لما أسدت من خدمات جليلة للمعرفة البشرية عموما، والإسلامية منها على وجه الخصوص، ولما دون فيها من تراث إسـلامي عريق، ولا سيما في مجال الأدب ولاسيما العلوم العرفـانية والعلوم الاسلامية.

حيث أن المشتركات الثقافية والعادات والتقاليد الرائجة في المجتمعات العربية والإيرانية متقاربة ومتشابهة جدا، خصوصا بعد العهد الإسلامي ودخول الإسلام إلى إيران، فاللغة الفارسية هي لغة الأدب و الشعر والتاريخ والتراث الإنساني، التي تغـنى بها الأدبـاء والشعراء طوال التاريخ، فضلا عن ذلك فهي لغة عريقة وأصيلة وسهلة التعليم والتأثر باللغات الأخرى، ولا سيما اللغة العربية.

فهناك تشابهات كثيرة بين أساليب الشعراء العرب والإيرانيين وهذا يعود إلى البيئة والعادات الحاكمة على المجتمع الذي يعيش به كلا الشاعرين، وكثيرا ما نسمع أن الكثير من رواد الأدب لا يستطيعون التمييز بين أشعار المتنبي والشاعر الإيراني المعروف سعدي، أو أن الشاعر جلال الدين الرومي له أشعار لا تعد ولا تحصى باللغة العربية.

كما أن أشعار حافظ الشيرازي التي تبدأ بشطر بالعربية لا تخفى على أي متتبع ومتبحر في عالم الأدبين العربي والفارسي ولا أظن أن هناك أحدا لم يسمع بمطلع (ألا يا أيها الساقي) لحافظ الشيرازي.

واللغة الفارسية لغة حية معاصرة، ومتفاعلة مع الحياة في كل الأزمنة والأمكنة، وهي لغة قديمة قدم الجنس الآري منذ آلاف السنين قبل الميلاد.

وبفضل سلاستها وإيقاعها، وبما اشتملت على آدابها من الحماسة و الحكم و السياسة والتراث الإنساني العريق عامة، جعلتها تتخطى حدود إيران ( فارس سابقا) طيلة قرون من الزمان، فامتدت انتشارها من تخوم القسطنطينية ( تركيا) إلى أعماق الدكـن ببلاد الهند.

وهي مسـاحة جغرافية تشمل بلاد ما يعرف اليوم بباكستان وأفغانستان وكشمير والهند ( بلاد السند سابقا) وتركيا وكردستان وبلاد القوقاز وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا.

من جهة أخرى وعلى الرغم من اعتماد اللغات الأجنبية كلغة أولى أو لغة ثانية في الكثير من الدول العربية والإسلامية، إلا أن اللغة العربية في الجمهورية الإسلامية في إيران تعتبر لغة رسمية وهي اللغة الرسمية الثانية في الدولة، ومناهجها تدرس في المدارس والجامعات أيضا، وهناك اهتمام بالغ بها.

نعم التقارب بين اللغة الفارسية والعربية أكثر مما كنتم تتصورون، فهناك الكثير من الشعراء في العراق ينشدون الشعر باللغتين العربية والفارسية، ويجيدون اللغتين، وإنشاد الشعر ليس بالأمر السهل، فتعلم اللغة لا يكفي لتنشد شعرا باللغتين ما لم يكن هناك مشتركات ثقافية، وتاريخ وحضارة مشتركتين، كما أن للنظم والنثر المشترك بين الشعبين وبين اللغتين قصص أخرى.

أما سورية الجريحة، ولربما أن الحديث عن اللغة الفارسية في سورية في المرحلة الراهنة غريب بعض الشئ، خصوصا أن سورية تخوض حربا ضارية وشرسة ضد الإرهاب متمثلا بتنظيم داعش والتنظيمات المتطرفة، ولكن جميل أن نخبركم أن اللغة الفارسية تدرّس حاليا في الجامعات السورية وبطريقتين أيضا.

حيث تدرس اللغة الفارسية في أقسام اللغة الفارسية والأدب الفارسي في ثلاث جامعات سورية وهي جامعات دمشق وحلب والبعث في حمص، وقبل اندلاع الأزمة في سورية أرسلت وزارة التعليم العالي الإيرانية أربعة أساتذة للتدريس في هذه الجامعات.

لكن الأوضاع الأمنية حالت دون استمرار هؤلاء الأساتذة في أداء مهامهم التعليمية، وكان لغيابهم أثرا سلبيا كبيرا على اللغة الفارسية وتدريسها وتعليمها في الجامعات السورية المذكورة.

ومع ذلك ما زالت الملحقية الثقافية في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحاول بالتعاون مع مؤسسة الثقافة والعلاقات الإسلامية وتبذل الجهود لتوسيع قاعدة اللغة الفارسية في سورية حيث قامت إلى الآن بإرسال أكثر من 1200 مجلد لكتب تعليمية وأدبية وأنواع القواميس الفارسية إلى هذه الجامعات الثلاث.

حيث أنه كانت اللغة الفارسية تدرس في كليات الآداب في سورية قبل إحداث أقسام اللغة الفارسية المستقلة حتى، إذ كانت تدرس بعنوان إحدى اللغات الشرقية، وما زالت إلى الآن تدرس في كافة الجامعات السورية كلغة شرقية لطلاب الآداب في كل الجامعات السورية، وعلى الرغم من أن اللغة الفارسية مادة إختيارية لبعض الفروع كالتاريخ وعلم الآثار والمتاحف، إلى جانب لغات أخرى إلا أن الكثير من الطلاب يدرسونها حبا وشغفا بالجمهورية الإسلامية والحضارة والتراث الإيراني المشترك مع حضارتهم وتراثهم.

وقبل أن نغادر سورية لابد أن نشير إلى اللغة الفارسية تدرس في الملحقية الثقافية التابعة للسفارة الإيرانية في سورية وقد أقامت إلى الآن أكثر من 83 دورة على أربع مراحل لتعليم اللغة الفارسية على 8 مستويات، وانتشرت مراكز تعليم اللغة الفارسية في أماكن عديدة من سورية نذكر لكم منها كلا من مركز تعليم اللغة الفارسية في اللاذقية، مركز تعليم اللغات الأجنبية التابع لجامعة دمشق، مركز جامعة المصطفى لتعليم اللغة الفارسية، حوزة الإمام الخميني (ره)، المدرسة المحسنية في دمشق،  حسينية الإمام المهدي في منطقة زين العابدين في دمشق، الكلية العسكرية السورية، جامعة السيدة رقية (س) ومركز الحجة في محافظة طرطوس والعديد من المراكز الأخرى.

من سورية ننتقل إلى الجزائر حيث كشف رئيس جامعة الجزائر بوزريعة، عبد القادر هني في تصريح له عن استقدام أساتذة من إيران، في أعقاب مشاورات أجرتها مع السفارة الإيرانية بالجزائر، من أجل تدريس اللغة الفارسية بالجزائر كتخصص قائم بذاته، في إطار انفتاح الجامعات الجزائرية على لغات الشرق بقدر المساواة مع انفتاح الجامعات الجزائرية على اللغات الغربية .

والأجدر الإنفتاح على اللغات التي تجمعها معنا قواسم وتراث مشترك بدل الإنفتاح على لغات تبعد عنا كل البعد دينيا وتراثيا وثقافيا.

كما تجدر الإشارة إلى أن الدراما الإيرانية أخيرا احتلت مكانا مرموقا في العالم العربي وبدأت تبعد الدراما الأجنبية والتركية عن ساحة المنافسة في العالم العربي والإسلامي، وذلك أيضا يعود إلى التقارب الثقافي والحضاري بين العرب والفرس وتقارب اللغتين الفارسية والعربية، إضافة إلى احتشام الدراما الإيرانية وتقيدها بالعلاقات الدينية والأخلاقية والأسرية وطرح المواضيع والمشاكل الإجتماعية من زاوية ورؤية اسلامية.

وبكل هذه المشتركات الدينية والثقافية والتاريخية العريقة والعلاقات المشتركة بين إيران والعرب، تبقى اللغة الفارسية أحد جسور التواصل بين العالمين العربي والفارسي، ووسيلة لتعزيز الصداقة المشتركة بين شعوب العالمين وأحد وسائل التواصل بين الحضارتين.

المصدر: وكالات

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
أهم الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
عناوين مختارة