العمل على إيجاد تنظيمات "تعبئة شعبية مسلحة" لمواجهة حرب داخلية متوقعة في تركيا

العمل على إیجاد تنظیمات "تعبئة شعبیة مسلحة" لمواجهة حرب داخلیة متوقعة فی ترکیا

هناك الكثير من الشكوك تثار حول الخطط المستقبلية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد انتعاش نشاطات بعض المؤسسات الأمنية بشكل غير مسبوق وسط صمت حكومي مطبق مما دعا البعض إلى التأكيد على أن هذا الرجل يروم تعبئة مؤيديه وتسليحهم كي يتصدوا لأي صراع داخلي محتمل ويقمعوا كل حركة مناهضة لسياسة حزب العدالة والتنمية.

الساحة التركية تشهد في هذه الأيام تطورات واسعة النطاق أرغمت رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان على الانغماس في مشاكل داخلية يمكن وصفها بأنها نار تحت الرماد، فهناك شائعات فحواها أن مؤيدي هذا الرجل بادروا إلى تأسيس مجاميع مسلحة تحت راية حزب العدالة والتنمية، وقد انتشرت هذه الشائعات بشكل كبير لتصبح حديث الساعة بين المواطنين الأتراك وما أضفى على هذه التنبؤات حقيقة عينية هو تصريح عمدة أنقرة "مليح غوكتشه" الذين أكد فيه على احتمال تسليح أنصار أردوغان بغية التصدي لأي انقلاب عسكري محتمل مستقبلاً، وقال لا بد من منح تصاريح بحمل السلاح للمواطنين الأتراك - ويقصد أنصار أردوغان - حتى وإن كانت أسلحة تقليدية كأسلحة الصيد.

* تغريدات للتعبئة الشعبية في الشارع التركي

كما أن الناشط الاجتماعي والأمين العام للجان العثمانية الأوجاقلارية أمين جان بولات المعروف بولائه الشديد لرجب طيب أردوغان نشر تغريدة على تويتر دعا فيها الشعب التركي - ويعني مؤيدو حزب العدالة والتنمية - إلى الدفاع عن رئيس الجمهورية الأمر الذي أثار عدة تساؤلات من قبل الشارع التركي حول أهدافه الحقيقية غير المعلنة.

إضافة إلى ما ذكر فقد نشرت الكثير من التغريدات في شبكات التواصل الاجتماعي تدعو أنصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى حمل السلاح والتأهب للدفاع عن حزب العدالة والتنمية، وإثر ذلك اعتقلت الشرطة التركية أحد مدوني هذه التغريدات بتهمة تضليل الرأي العام وإثارة الفوضى في البلاد، وفور ذلك بادرت المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام الموالية لأردوغان بنفي حقيقة هذه التغريدات معتبرة إياها مجرد مساع لشحن الأجواء ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم في هذا البلد.

ولكننا لو تتبعنا الأحداث بدقة وتمعنا بالإجراءات التي اتخذتها وما زالت تتخذها الحكومة التركية وتحت مظلة حزب العدالة والتنمية، لوجدنا أن هذا الكلام ليس مجرد شائعات كما يزعم مؤيدو أردوغان إذ يشوبه الكثير من الغموض وكما يقول المثل " لا دخان دون نار ".

وأفاد مراسلنا في أسطنبول وجود شائعات سائدة بين أعضاء حزب العدالة والتنمية أنفسهم تؤكد على وجود أخبار تنم عن دعوات لما ذكر، وعلى مر الأيام تطورت هذه الشائعات لتوجد شكوك حول الموضوع ولا سيما تلك التصريحات التي تصدر بين الفينة والأخرى من قبل أعوان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

* أردوغان يسعى إلى تعبئة 100 ألف مؤيد له

يتناقل الناس في الشارع التركي أخباراً تفيد بأن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في صدد تعبئة 100 ألف شخص من أنصاره بحيث يخضعون لأوامره بشكل مباشر، وبعد أن يتم تجهيزهم ونظمهم سوف يبادر حزب العدالة والتنمية إلى زيادة العدد وتوسيع نطاق هذه التعبئة العامة.

وقبل ذلك فقد أعلنت المخابرات الوطنية التركية أنها تروم إيجاد مقرات مقاومة في المناطق الجنوبية والجنوب شرقية من الأراضي التركية وكذلك في المدن الكبرى مثل أسطنبول وأنقرة، وبالفعل فقد تم تنفيذ هذه الخطة وأثبتت نجاها لتحقيق مآرب الحكومة التركية لذلك قررت الحكومة شرعنتها بشكل رسمي وتنظيمها على شكل مقرات مؤسساتية خاضعة لأوامر الحكومة، وتنضوي تحت هذه التشكيلات الجديدة العديد من التيارات السياسية التركية وبما فيها الإسلامية والقومية وبعض الحركات الموالية لحزب العدالة والتنمية وعلى رأس ذلك وفائها لرجب طيب أردوغان، حيث سيبادر كوادر المخابرات التركية إلى تزكيتهم وتدريبهم على حروب المدن وقتال الميليشيات المسلحة إضافة إلى تدريبهم على مختلف النشاطات الاستخبارية واستخدام مختلف الأسلحة التي يحتاجها المقاتلون في حرب الشوارع بهدف الاعتماد عليهم للسيطرة على أية حركة معارضة داخلية تجتاح الشارع التركي مستقبلاً.

أعضاء هذه التيارات التي ستدرج أسماؤهم ضمن قوائم التعبئة الشعبية الموالية لحزب العدالة والتنمية ليسوا من شريحة اجتماعية واحدة وسوف يبقون في وظائفهم وأعمالهم ويزاولون حياتهم اليومية وكأنهم قوات احتياطية يتم استدعاؤهم متى ما اقتضت الحاجة، أي أنهم يتدربون على حمل السلاح وحرب الشوارع.

وقد قررت الحكومة التركية في الوقت الراهن توسيع نطاق هذه المقرات وزيادة عدد منتسبيها لأجل تأسيس مؤسسة متكاملة الأجزاء لم يحدد اسمها حتى الآن.

* تنبؤات بحدوث حروب شوارع في المدن التركية الكبرى

الأمر الجدير بالذكر على هذا الصعيد وجود الكثير من التنؤات حول انطلاق حروب شوارع محتدمة في كبرى المدن التركية ولكن إجراءات الحزب الحاكم الهادفة إلى تأسيس قوات تعبئة موالية لأردوغان في هذه المرحلة اقتصرت بشكل علني في المدن الجنوبية والجنوب شرقية، وهناك الكثير من المعنيين بالشأن التركي من الأتراك والأجانب يؤكدون على أن حكومة حزب العدالة والتنمية تخطط لخلط الأوراق وإستثمار أعضاء تنظيم داعش الإرهابي الذين فروا من الأراضي السورية والعراقية واستقروا على الحدود التركية بأمن وأمان لأجل ضرب الحركات الكردية المناهضة لحكومة أنقرة وعلى رأسها قوات الـ " ب ك ك " ولربما سيؤجج أردوغان هذه الحرب تحت مسمى يخدمه في تنفيذ مشاريعه المعلنة وغير المعلنة بغية كسب تأييد شعبي أوسع نطاقاً وتحشيد الرأي العام لصالحه ناهيك عن أنه سيجيره لإيهام الرأي العام العالمي بأن أنقرة تحارب داعش والإرهاب، ومن المتوقع أن يبادر الرئيس التركي إلى تصوير قوات تعبئته المسلحة بأنهم مضطهدون ومغتصبو الحقوق تمهيداً لإضفاء شرعية على نشاطاتهم العسكرية المتوقعة في شتى المدن التركية، وبالتالي سيعينه هؤلاء على استتباب الأمن والاستقرار في المدن الكبرى وتأمين سلامته وسلامة حزبه من أي تهديد داخلي أو حتى خارجي.

وقد تمت تجربة هذا المخطط في مدينة عين العرب السورية حيث تمكن الأكراد من كسب دعم دولي شامل بعد أن أثبتوا ظليمتهم وهذا الأمر أسفر عن تحشيد دعم عام لهم وتمكينهم من استرجاع أراضيهم من عصابات داعش الإرهابية، كذلك فقد تمكن أكراد العراق أيضاً من كسب دعم دولي شامل للإيزديين الذين نكل بهم الدواعش واسترقوا نساءهم إذ جمت لهم مساعدات مالية بلغت ملايين الدولارات فضلاً عن دعم حلف شمال الأطلسي لهم وطيران التحالف الأمريكي.

* عاقبة مشروع حزب العدالة والتنمية

لو باءت مساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالفشل في هذا المشروع الخطير ولم تتمكن الحكومة التركية من حزم الأمور في الوقت والمكان المناسبين، من المحتمل أن تتفاقم الأوضاع ويضطر الأتراك إلى طلب عون خارجي وبالطبع فإن التحالف الدولي لمحاربة داعش سوف يكون على رأس القائمة، ولكن عواقب هذا الأمر ستكون وخيمة للغاية ولا أحد يدري ما الذي ستتمخض عنه الأوضاع مستقبلاً فيما لو حدث ذلك.

ومن المؤكد أن هذا المشروع يثبت أن الحكومة التركية قد أدركت مدى ضعف منظومتها العسكرية وعدم ولاء الجيش التركي بكافة تشكيلاته لحزب العدالة والتنمية، ناهيك عن عدم ثقة أردوغان وأعوانه بالجنرالات الذين بأيديهم زمام الأمور العسكرية في تركيا، فقوات التعبئة المحتملة سوف تتشكل في شتى أرجاء البلاد وسوف تسلح بشكل سري لتكون خلايا نائمة يعتمد عليها في قمع أي تحرك مناهض لحكومة حزب العدالة والتوسعة فيما لو عجز الجيش والشرطة عن تهدئة الأوضاع.

* من الذي سيقود قوات التعبئة التركية المسلحة؟

لحد الآن لا أحد يعلم المكون الرسمي أو غير الرسمي الذي سيتولى قيادة قوات التعبئة السرية التي سيشكلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولا علم لأحد بالظروف المحتملة التي ستكتنف إدارة هذا المكون المسلح، ولكن جميع الخبراء والمعنيين بالشأن التركي وصلوا إلى درجة اليقين بحتمية تأسيسه.

وقد شاعت أخبار في الآونة الأخيرة تفيد بأن أردوغان يزاول نشاطات سرية حالياً لتأسيس كتيبة مسلحة تخضع لأوامره الخاصة وتتحرك وفقاً لرغباته الشخصية، وبالفعل فقد سمح لبعض المؤسسات الأمنية العسكرية والخصوصية بمزاولة نشاطات غامضة على هذا الصعيد مما أثار شكوك حول نواياه الحقيقية.

صحيفة جمهوريت التركية نشرت تقريراً قبل مدة بقلم الباحث بالشأن التركي تشيغدم توكر تضمن حقائق مضمونها أن إحدى المؤسسات الأمنية التي يديرها ضباط رفيعي المستوى من المتقاعدين والمطرودين من الجيش التركي بدأت تزاول نشاطات أمنية وعسكرية تثير الجدل والشكوك حيث تم تأسيسها في عام 2012 م وقد صرح مؤسسها في ذلك الوقت بأن الهدف منها هو نقل الخبرة العسكرية التركية إلى المسلمين في سائر البلدان المسلمة!

هذه المؤسسة السرية اسمها شادات أي. أس. وقد أسسها عدنان تانر يوردي وهو جنرال متقاعد من الجيش التركي، وقد جمع هذا الضابط حوله العديد من الضباط المتقاعدين والمطرودين من الجيش التركي وحتى بعض الشباب، كما استقطب أنظار وتأييد بعض أساتذة الجامعات في التخصصات التي تمت بصلة إلى أهدافه وغاياته المستقبلية كأساتذة علم النفس والاقتصاد بغية الاستفادة منهم كمستشارين، وتقدم هذه الشركة خدمات مسلحة وقتالية متنوعة من عمليات الشرطة في المدن وحراسة الحدود ومهارات الاستفادة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة كالمدفعية الثقيلة والخفيفة، وبالفعل فقد أقيمت دورات تعليمية عديدة على هذا الصعيد.

وهناك شكوك أثيرت حول حقيقة هذه المؤسسة الأمنية الغامضة، فالدورات التي أقامتها تتطلب نفقات مالية طائلة جداً وتصريحات رسمية من الحكومة بحيث لا يمكن الحصول عليها بيسر وسهولة، إذ إن الإمكانيات المالية لها ضئيلة للغاية وليس لديها أي مورد مالي وثانياً كيف تمكن الجنرال عدنان تانر يوردي من الحصول على تصاريح رسمية لإقامة هذه الدورات الحساسة والخطيرة للغاية؟! والتساؤل الآخر المطروح حولها هو: من هم الأشخاص المخولون في الانضمام لهذه المؤسسة والتدريب على يد ضباطها؟ ومن أين يتم توفير النفقات اللازمة لذلك؟ وكيف يتم تأمين السلاح والذخيرة لها؟ وما هي الآلية التي تسير وفقها كل تلك التدريبات العسكرية وتحت أي مسمى؟

كل هذه التساؤلات بقيت في هالة من الغموض وأثارت شكوكاً كبيرة حول نوايا مؤسسيها والأهم من ذلك تلك الشكوك التي أثيرت حول سكوت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومنحها صلاحيات واسعة دون أن يعرف الرأي العام التركي أي شيء عنها وعن أهدافها الحقيقية.

وقد نشرت صحيفة جمهوريت تقريراً أكدت فيه على أن أربعة من ممثلي حزب الجمهورية " CHP " في البرلمان التركي طالبوا بتوضيحات من المسؤولين الحكوميين حول هذه المؤسسة الأمنية الغامضة ولكنهم لم يحصلوا على أية إجابة ولم يسمح لأحد بمناقشة الموضوع، فقد أثار هؤلاء النواب استفهامات حول عمليات تدريب قوات المعارضة السورية وكذلك تساءلوا عن وجود الكثير من الهدايا والمنح المالية الضخمة التي وهبتها حكومة رجب طيب أردوغان إلى بعض الشركات والبلدان الأجنبية، كما طالبوا بذكر توضيحات حول نشاطات بعض الشركات والمؤسسات الأمنية الموالية لحزب العدالة والتنمية والتي تزاول نشاطاتها المشبوهة بكل حرية ودون أية رقابة بعيداً عن الرأي العام الشعب وحتى الرسمي.

وقد اتفق الخبراء والمراقبون للشأن التركي بأن المؤسسات والشركات الأمنية الموالية لحكومة أردوغان كانت لها اليد الطولى في الحرب الداخلية المحتدمة في سوريا بحيث قدمت دعماً لوجستياً وتدريبياً كبيراً للزمر الوهابية التكفيرية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي.

الشخصية الكردية المعارضة صباحت تونجل صرح بأن هذه المؤسسة الأمنية الموالية لرجب طيب أردوغان أرادت إحراق 34 مواطناً كردياً وهم أحياء في إحدى القرى لكن أحد جنرالات الجيش توسط وحال دون حدوث ذلك.

إذن، نستنتج مما ذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى بشكل حثيث لتأسيس مقر عسكري كبير خاضع لأوامره المباشرة بحيث يجعله كالخلية النائمة التي يحركها متى ما اقتضت مصلحة حزب العدالة والتنمية، وهذه الكتيبة العسكرية لا تأخذ أوامرها من قيادة الجيش ولا من القصر الرئاسي، بل من أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وبالفعل فهذه القوات الآن بدأت تزاول نشاطاتها بشكل عملي في جنوب شرقي تركيا وتخوض حرب داخلية تجريبية مع الأكراد كما تعمل على مساعدة إرهابيي سوريا في تدمير البنى التحتية للشعب السوري، وكما أعلن بعض المسؤولين فسوف يتم نقل تجريبياتها ونشاطاتها مستقبلاً إلى بعض البلدان خدمة للمطامح التركية.

بقلم: مسعود صدر محمدي

/ انتهى/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة