الخلافات بين تركيا والسعودية أكثر بكثير من التقارب

الخلافات بین ترکیا والسعودیة أکثر بکثیر من التقارب

الحكومة التركية غيرت من سياستها الخارجية في سوريا ولم تعد تعتبر إسقاط الرئيس بشار الأسد مطلباً استراتيجياً، كما أنها تعارض تأسيس حكومة كردية مستقلة شمالي سوريا بعد أن أعلنت دعمها لوحدة الأراضي السورية، في حين أن حكومة الرياض تدعم إقامة حكم ذاتي للأكراد هناك والولايات المتحدة الأمريكية بدورها تروم تقسيم هذا البلد إلى ثلاث دويلات مستقلة.

تسنيم / خاص- الخبير في شؤون المنطقة والمحلل السياسي التركي السيد رمضان بورسا دون تقريراً خاصاً لوكالة تسنيم حول واقع العلاقات بين حكومتي أنقرة والرياض منذ تأسيس نظام آل سعود في الجزيرة العربية وإلى عصرنا الحاضر.

ودون هذا الخبير التركي في الجزء الأول من تقريره بحثاً حول التطورات التأريخية التي شهدتها الحكومتين العثمانية والسعودية، وأما في هذا الجزء فقد سلط الضوء على العلاقات بين البلدين خلال العقود الماضية ولا سيما مواقفهما إزاء العراق وسوريا.

* العلاقات التركية السعودية بعد أول اتفاقية أبرمت بين البلدين

بعد أن حطت الحرب العالمية الأولى أوزارها عقدت اتفاقية لوزان التي تعد أول اتفاقية بين نظام آل سعود والحكومة التركية في عام 1929 م وقد اعترفت الحكومة التركية رسمياً باستقلال بلاد نجد والحجاز، وحينها كانت السعودية تسمى مملكة نجد والحجاز.

والجدير بالذكر هنا أن الحكومة العثمانية في أيامها الأخيرة واجهت أزمات محتدمة وحروباً داخلية أثرت على سياستها الخارجية وبالتالي أسفرت عن سقوطها وانحسارها في الجمهورية التركية فقط، وعلى الرغم من أن هذه الدولة الفتية عقدت اتفاقية سلام مع نظام آل سعود في عام 1929 م ولكن علاقتها مع الرياض كانت باردة منذ تلك الآونة وحتى عام 1970 م باستثناء مؤتمر عقد في عام 1966 م للتعاون بين البلدان الإسلامية قام إثره الملك السعودي آنذاك فيصل بن عبد العزيز بزيارة تركيا.

في عام 1980 م رفعت أنقرة من مستوى تبادلها التجاري مع الرياض بغية توفير حاجتها من النفط والغاز، ولكن حتى عام 1990 م لم يحدث أي تقارب سياسي بين البلدين ففي ذلك العام اندلعت حرب الخليج الثانية ونظراً للمصالح المشتركة بين البلدين حدث تقارب سياسي في المواقف إلى حد ما.

هذه العلاقات التي تحسنت بشكل نسبي بقيت منتعشة تقريباً حتى عام 2002 م حينما قام نظام آل سعود بتخريب آخر القلاع العثمانية في مكة المكرمة وهي قلعة " أجياد " مما أدى إلى تعكير الأجواء وتوتير العلاقات بين البلدين وبقيت الأزمة متأججة حتى عام 2003 م حيث توحدت المواقف السياسية مرة أخرى حينما زعمت حكومة آل سعود بأنها تعارض تنظيم القاعدة وكذلك اتفق الجانبان أيضاً على ضرب سوريا وتأجيج حرب داخلية فيها.

وبعد الانقلاب العسكري في مصر والذي أطاح بحكومة محمد مرسي اختلف الجانبان مرة أخرى حيث ساندته الرياض وعارضته أنقرة.

* العلاقات التركية السعودية إبان السنوات الخمس الماضية

اندلاع الحرب الداخلية في سوريا أسفرت عن حدوث تقارب بين المواقف التركية السعودية، ولكن هذا التقارب لا يعني بالضرورة حدوث اتفاق استراتيجي حول السياسة الخارجية للبلدين إذ إن هدفهما الوحيد هو إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، لذا إن تحقق هذا الهدف سوف لا يبقى هناك أي هدف مشترك بين الحكومتين في الساحة السورية فالخلافات في هذا الصدد أكثر بكثير من تقارب وجهات النظر، فالحكومة التركية التي كانت ذات يوم تدعو إلى الإطاحة ببشار الأسد كهدف أساسي لها وأولوية في سياستها الخارجية قد تخلت مؤخراً عن ذلك وبدأت تبحث عن حلول بديلة، لكن نظام آل سعود ما زال متشدقاً بهذا المطلب.

الحكومة التركية غيرت من سياستها الخارجية في سوريا ولم تعد تعتبر إسقاط الرئيس بشار الأسد مطلباً استراتيجياً، كما أنها تعارض بشدة تأسيس حكومة كردية مستقلة شمالي سوريا بعد أن أعلنت دعمها لوحدة الأراضي السورية في حين أن حكومة الرياض تدعم إقامة حكم ذاتي للأكراد هناك والولايات المتحدة الأمريكية بدورها تروم تقسيم هذا البلد إلى ثلاث دويلات مستقلة، ونتيجة هذا الكلام أن تركيا قد حذت حذو الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا على صعيد الأزمة السورية وتخلت عن المعسكر الأمريكي السعودي.

حزب الله لبنان هو الآخر بؤرة اختلاف بين الرياض وأنقرة، فتركيا تعترف رسمياً بهذا الحزب وتعتبره مكونا عسكرياً قانونياً لدرجة أن بعض مشاكلها العالقة مع الحكومة اللبنانية قد بادرت إلى حلها عن طريق وساطة أعضاء هذا الحزب في حين أن المملكة السعودية تعتبره حركة إرهابية، وفي مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في تركيا بذل سلمان بن عبد العزيز قصارى جهوده وترجى الحكومة التركية بأن تعلن حزب الله كحركة إرهابية بحيث شد رحاله إلى أنقرة قبل أربعة أيام من انعقاد هذا المؤتمر ولكنه لما واجه فشلاً ذريعاً في مساعيه هذه غادر البلاد قبل انعقاد المؤتمر.

والأمر الآخر الذي يمكن اعتباره خلافاً أساسياً بين البلدن، أن تركيا في عام 2004 م عارضت المشروع الأمريكي السعودي الرامي إلى تأسيس جيش سني من مختلف البلدان الإسلامية ولكنها في الآونة الأخيرة أعربت عن تأييدها لتأسيس هذا الجيش لكنها لم تتخذ إجراءات عملية على هذا الصعيد الأمر الذي أسفر عن فشل هذا المشروع.

حركة الإخوان المسلمين هي الأخرى بؤرة خلاف بين الرياض وأنقرة، فنظام آل سعود يبذل الغالي والنفيس لضرب هذه الحركة واستهداف رموزها وتشكيلاتها في كل مكان نجد الحكومة التركية تقدم دعماً كبيراً لها في مصر والأردن وتونس.

كما أن النشاطات التبليغية للفكر الوهابي في منطقة القوقاز والبلقان من قبل آل سعود ومواليهم هي الأخرى أدت إلى توتير العلاقات بين البلدين لأنها لا تروق لحكومة أنقرة.
ومن العوامل الأخرى التي يمكن اعتبارها سبباً للخلافات المحتدمة بين البلدين هو تعرض الاقتصاد التركي لضربة مؤلمة بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي حدث في شهر تموز / يوليو من العام الجاري، وكذلك تزعزع الاقتصاد السعودي إثر حربها الاستنزافية ضد الشعب اليمني المغلوب على أمره.

* العلاقات التركية السعودية بعد الانقلاب العسكري الفاشل

الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا في الخامس عشر من شهر تموز / يوليو والذي قام به الإرهابيون الموالون لفتح الله غولن بدعم أمريكي والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي الـ " ناتو " قد أثار سخط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واستيائه من الأنظمة الغربية بحيث جعله يتطرق إلى الحديث عنه وانتقاده في العديد من خطاباته التي ألقاها في شتى المناسبات، كما أن سلوكيات نظام الرياض قبل وبعد هذا الانقلاب الفاشل قد أثارت حفيظة ساسة أنقرة، حيث بادرت الحكومة التركية إلى تقييم جميع ردود الأفعال في شتى وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية وجميع المواقف السياسية ورتبت على ذلك أثراً في علاقاتها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن قناة العربية السعودية قد غطت أحداث الانقلاب الفاشل لحظة بلحظة بكل شوق وحماس وكأنها توحي للمشاهدين بأن كل شيء قد انتهى في أنقرة لكنها حينما أدركت عقم هذا الانقلاب سرعان ما غيرت موقفها وأذعنت بأن هذا الانقلاب قد فشل في تحقيق أهدافه وكأنها ممتضعة من ذلك.

والناشط السعودي " مجتهد " الذي عادة ما ينشر معلومات سرية حول ما يجري في داخل أروقة الأسرة الحاكمة في الرياض، دون تغريدة في حسابه على تويتر حول الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا وقال إن دولة الإمارات العربية المتحدة قدمت دعماً مالياً للانقلابيين عن طريق محمد دحلان وأن وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان كان علم بذلك لكنه لم ينبه الحكومة التركية بداعي علاقات بلده الحميمة مع الحكومة الإماراتية وذلك على أمل نجاح هذا الانقلاب.

هذه التغريدة أثارت حفيظة وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية، وبعد عدة أيام من فشل هذا الانقلاب أجرى محمد دحلان لقاء متلفزاً مع فتح الله غولن وهو في ولاية بنسلفانيا الأمريكية في قناة الغد المصرية، وبعد شهر أجرت قناة العربية التابعة للسعودية لقاء خاصاً معه حيث وجه فيه تهماً خطيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان واعتبره خائناً للشعب التركي ومتسلطاً على رقاب أبنائه، وهذه المقابلة تم تدوينها في الموقع الرسمي للقناة تحت عنوان يشيد بهذا الرجل ويعتبره مربياً لجيل ذهبي في تركيا.

الحكومة التركية لم تتجاهل هذه المقابلة فوزارة الخارجية نددت ببثها واعترضت عليها رسمياً الأمر الذي أدى إلى حذفها من موقع قناة العربية.

الرئيس التركي بدرت منه ردة فعل إزاء المواقف السعودية المناهضة لحكومته حينما دعا ولي العهد محمد بن نايف إلى زيارة تركيا إذ إنه يدرك جيداً أن هذا الرجل على خلاف شديد مع الملك سلمان وابنه، وبالفعل فقد وافق ولي العهد على طلب أردوغان ولبى دعوته فزار تركيا في السادس والعشرين من شهر أيلول / سبتمبر في العام الجاري حيث استقبله رئيس الوزراء بن علي يلدريم رسمياً.

لا شك في أن تأييد نظام آل سعود للانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا في شهر تموز / يوليو المنصرم يعتبر أهم بؤرة خلاف أزمت العلاقات السياسية بين البلدين.

* خلاصة الكلام

الاتفاقية التي عقدت بين تركيا ومملكة نجد والحجاز في عام 1929 م واتحاد وجهات النظر حول إسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لا يعتبران وازعاً لتبني البلدين استراتيجية مشتركة ولم يسهما في توطيد علاقاتهما الباردة من أساسها.

الأحداث التأريخية تنعكس في أذهان الشعوب وهي بطبيعة الحال ذات دور أساسي في تعيين مصير السياسات الخارجية لكل بلد، لذا رغم حدوث تقارب نسبي بين حكومتي أنقرة والرياض في بعض السنوات لكن هذه التقارب ليس سوى موقفاً تكتيكياً مرحلياً وليس قراراً راسخاً، لذا بقيت العلاقات متوترة كما كانت سابقاً، ومن هذا المنطلق إن أردنا تقييم واقع العلاقات التركية السعودية بواقعية أكثر فلا مناص لنا من دراسة وتحليل مختلف الأحداث التأريخية منذ تأسيس نظام آل سعود وإلى يومنها هذا وتقييم مواقف البلدين بالنسبة إلى مختلف ملفات المنطقة.

بقلم: رمضان بورسا  Ramadhan Bursa  محلل تركي

/ انتهى/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة