انضمام عمان للتحالف السعودي .. استراتيجية أم تكتيك؟

انضمام عمان للتحالف السعودی .. استراتیجیة أم تکتیک؟

التغيير المفاجئ في موقف سلطنة عمان وإعلانها الانضمام للتحالف الهزيل الذي تقوده السعودية ضد الشعب اليمني المظلوم في اللحظات الأخيرة من عام 2016 م، أثار استغراب المحللين السياسيين واعتبره بعضهم مجرد تغيير تكتيكي للتخلص من الضغوط الكبيرة التي تمارسها الرياض ضد كل من لا ينصاع لأوامرها، ولا سيما بلدان الخليج الفارسي.

وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء أن السلطنة عمان أعلنت رسمياً انضمامها للتحالف الهش والهزيل الذي يقوده آل سعود ضد الشعب اليمني المظلوم، رغم أنّ هذا البلد عادة ما يتبنى قرارات عقلانية وينأى بنفسه عن تلك المغامرات اللاإنسانية التي تقوم بها بعض بلدان دولارات النفط في الخليج الفارسي، لذلك أثيرت العديد من التساؤلات حول هذا القرار المفاجئ والوجهة الحقيقية للسياسة العمانية والذي تم تبريره من قبل السلطات الرسمية بنه اتخذ لأجل محاربة الإرهاب!

وعلى الرغم من أن سلطنة عمان لا تمتلك منظومة اقتصادية قوية كسائر بلدان مجلس التعاون في الخليج الفارسي، إلا أنها تحتل موقعاً استراتيجياً حساساً، حيث يقع في الحدود الجنوبية الشرقية للجزيرة العربية وتمتد سواحل هذا البلد حتى مضيق هرمز شمالي جمهورية اليمن، وما زاد من أهميته استراتيجياً أنه يحاذي ثلاثة بحار هي الخليج الفارسي وبحر عمان وبحر العرب، ونظام آل سعود من منطلق رؤيته السلطوية للمنطقة فهو يعتبر هذا البلد جزءاً من نطاق سيطرته الاستراتيجية.

ولا شك في أن مجاورة هذا البلد الخليجي لمضيق هرمز الذي يعتبر بوابة لتصدير ما يقارب 40 بالمئة من النفط الخام في العالم قد زاد من أهميته الاستراتيجية، وهذا المضيق الذي يمثل ممراً حدودياً بين سلطنة عمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية له تأثير على واقع العلاقات الثنائية لذلك لعبت مسقط دور الوسيط في الكثير من الملفات الإقليمية الأمر الذي أثار حفيظة الرياض وجعلها تسعى للتفرد والاستحواذ على هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة بأي ثمن كان.

حكومة سلطنة عمان عادة ما تعاملت بحيادية مع مختلف الأزمات التي تعصف بالمنطقة ولم تذعن لأوامر حكام الرياض الاستبدادية التي أذعنت لها حكومات سائر البلدان الخليجية رغماً عن أنوفهم مما تسبب في تأزيم العلاقات بين الجانبين، لذلك تجاهل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز السلطنة ولم يتفقدها خلال جولته الأخيرة والتي زار فيها جميع بلدان مجلس التعاون في الخليج الفارسي الشهر الماضي وكأنه ممتعض من المواقف المبدئية التي اتخذتها الحكومة العمانية.

ومن أهم المواقف المبدئية التي اتخذتها السلطنة ونأت بنفسها عن مغامرات آل سعود ومن لف لفهم في بلدان دولارات النفط، أنها عارضت تأسيس اتحاد لبلدان الخليج الفارسي يحل محل مجلس التعاون السقيم، ورفضت ضرب عملة نقدية مشتركة تحت إشراف حكومة الرياض، وشجبت الهجوم على اليمن، ونأت بنفسها عن السياسات المناهضة للجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي اتخذتها سائر بلدان مجلس التعاون، وأعلنت مراراً عن امتعاضها من تفرد أمراء آل سعود بقرارات مجلس التعاون. هذه في الحقيقة ليست سوى مصاديق قليلة من الخلافات الإيديولوجية بين مسقط وسائر بلدان الخليج الفارسي وعلى رأسها الرياض، ولكن القرار الأخير الذي أعلن فيه عن انضمام السلطنة للتحالف السعودي الهزيل ضد الشعب اليمني أثار استغراب المراقبين، فقال بعضهم إنه يعكس تغييراً في الخارطة الجيوسياسية بمنطقة غرب آسيا بعد أن أدركت مسقط أن لا فائدة من السير في ركب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذكرت بعض وكالات الأنباء أن ولي العهد في نظام آل سعود محمد بن سلمان سوف يزور السلطنة خلال الأسابيع المقبلة لتمهيد مقدمات زيارة والده الملك المرتقبة، إذ إن الرياض عجزت سابقاً عن فرض أوامرها على حكومة مسقط لذلك اعتبرت هذا القرار تغييراً استراتيجياً وبدأت تستغله بشتى السبل وتزيد من أهميته باعتباره الخطوة الأولى لجرجرة العمانيين في مغامراتهم السقيمة.

وسائل الإعلام التي تتغذى على فتات مائدة آل سعود نشرت تقارير وأجرت مقابلات مع أصحاب الأقلام المأجورة بغية إيهام الرأي العالمي بأن قرار سلطنة عمان بالانضمام للتحالف السعودي يعد خطوة أولى في طريق استحواذ الرياض على هذه البقعة الاستراتيجية وفي الحين ستكون لها تداعيات على العلاقات العمانية الإيرانية ولا سيما من الناحية الاقتصادية، كما أنها ستؤدي إلى عزل إيران بالكامل عن السواحل الغربية للخليج الفارسي، في حين رأى باحثون وخبراء آخرون أن هذا القرار لا يتعدى كونه موقفاً تكتيكياً أرادت مسقط منه الخلاص من الضغوط الشديدة والمضايقات السياسية التي يمارسها أمراء آل سعود ضدها من وراء الكواليس، لذا فإن انضمامها للتحالف ليس سوى أمراً صورياً لا ثمرة منه سوى ضجيج إعلامي.

مسقط كانت لها علاقات حسنة مع طهران طوال تأريخ العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وحتى حينما تفاقمت العلاقات بين الجمهورية الإسلامية وبلدان مجلس التعاون في الخليج الفارسي لم تذعن سلطنة عمان لضغوط هذه البلدان واحتفظت بعلاقاتها الودية مع طهران ولا سيما بعد القرار الذي اتخذ في اللحظات الأخيرة من عام 2016 م، لذا يتساءل المراقبون عن مستقبل هذه العلاقات، فيا ترى هل سيكون هذا القرار واحداً من قرارات جديدة ستتخذ من قبل السلطنة بحيث تنصب ضد توجهات الجمهورية الإسلامية في المنطقة وتتناغم مع سياسات نظام الرياض أو أنها مجرد قرار لا يمت بصلة لواقع السياسة الخارجية لهذا البلد؟

وفي هذا السياق اعتبر الباحث والمحلل السياسي العماني، عبد الله الغيلاني، تقديم سلطنة عُمان لطلب بالانضمام إلى التحالف العسكري السعودي ضد الشعب اليمني بأنه لا يمثل تحولاً جذرياً في السياسات العمانية المعلنة على المستوى الاستراتيجي، وأنه مجرد خطوة رمزية لترميم العلاقة مع منظومة التعاون الخليجي وخاصة مع حكام السعودية، واستغرب هذا المحلل السياسي في تصريح خص به " الخليج أونلاين "  مما وصفه بـ " المبالغة الفجة " في الاحتفاء بالانضمام.

ولم يتردد الغيلاني في وصف الانضمام بأنه " سيرمم " العلاقة بين الرياض ومسقط والتي وصفها بالقول: " تشهد قدراً من الارتباك يسعى البلدان إلى التستر عليه، لكنه ما انفك يرشح إلى السطح عبر جملة من التباينات في الملفات الإقليمية ".

وأضاف أن انضمام السلطنة إلى التحالف السعودي: " لا يعني شيئاً "، مؤكداً على أن ارتباط السلطنة بهذا التحالف سيكون سياسياً محضاً، وقال: " ما أحسب أنها - سلطنة عمان - ستشارك في الشق العسكري، بل هي خطوة رمزية لترميم العلاقة مع الكتلة الخليجية، خاصة بعد جولة الملك سلمان التي تخطى فيها السلطنة ولم تكن ضمن محطاته الخليجية ".

وعن علاقة السلطنة بدول الخليج الفارسي، قال الغيلاني: " إن هذه العلاقة تحكمها في هذه اللحظة أربعة ملفات: السورية، الأزمة اليمنية، العلاقة بإيران، والموقف من الاتحاد الخليجي "، موضحاً أنه في حال عدم حدوث " تحول جوهري إزاء هذه المكونات، فإن خطوط الاتصال بين الطرفين ستبقى هشة، وربما تصاب بشيء من العطب ".

وأما بالنسبة إلى العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي تعد متوترة مع معظم بلدان الخليج الفارسي، فقد أكد هذا الباحث العماني على ما يلي: " إن طهران حليف إقليمي لعُمان، والأرجح أن طهران قد أُطلعت مسبقاً على خطوة الانضمام إلى التحالف الإسلامي، ولكن المؤكد أن التقارب العماني - الإيراني لن يتأثر بإجراء رمزي كهذا ".

وفي الحين  ذاته أشار الغيلاني في حديثه لـ " الخليج أونلاين " إلى أن حسابات السلطنة الإقليمية " تحتاج إلى مراجعات جادة، فهي في المجمل لا تخدم الأمن القومي العماني، خاصة لجهة الموقف إزاء الملفين اليمني والسوري ".

وزعم أحد المتغذين على فتات مائدة آل سعود وهو إبراهيم الهدبان أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت أن سلطنة عمان تحقق مكسبين جراء انضمامها قبل أيام إلى التحالف السعودي ضد الشعب اليمني، وهما المساهمة في تحسين صورتها أمام العالم، ومنحها هامشًا أكبر للحركة في مواجهة إيران، التي تتهمها بقية دول الخليج الفارسي بالتدخل في شؤون دول المنطقة، ولا سيما البحرين.

وأضاف أن قرار سلطنة عمان أن تصبح العضو الـ 41 في التحالف قد فاجأ الكثيرين لا سيما أنها انضمت متأخرة مقارنة مع غيرها، وأكد على أن المفاجأة تعود أيضًا إلى أن السلطنة ترفض مقترح تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي، ولا تشارك في تحالف عسكري عربي تقوده السعودية في اليمن، منذ الـ 26 من آذار / مارس 2015 م لدعم قوات الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي في مواجهة تحالف أنصار الله والرئيس السابق علي عبد الله صالح، المتهم بتلقي دعمًا عسكريًا إيرانيًا - حسب زعمه -.

وقال هذا المحلل الموالي للرياض إن سلطنة عمان لديها علاقات مع دول الخليج الفارسي وإيران في الوقت نفسه، لكنها تقول للطرفين إن " لديها استقلالية وحرية حركة، ولا تدور في فلك أي منهما ".

وأكد إبراهيم الهدبان على أن انضمام سلطنة عمان إلى التحالف السعودي لا يعني تغييرًا في سياستها الخارجية، فتحفظها متعلق بموضوع إنشاء الاتحاد الخليجي، وهو أمر مختلف عن موضوع الانضمام إلى هذا التحالف.

وعقب قرار الانضمام، أوضحت وزارة الخارجية العمانية: " إنه يأتي في سياق الفهم المشترك للدول الإسلامية، وعلى وجه الخصوص دور وقيادة السعودية في تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المناطق التي يسودها العنف الإرهابي المسلح، متعهدة ببذل كل الجهود مع الأشقاء والأصدقاء لتوفير بيئة إقليمية يسودها الأمن والسلام ".

يذكر أن التحالف الذي أعلنته الرياض في كانون الأول / ديسمبر عام 2015 م قد بررته بذريعة مكافحة الإرهاب، وانضمام سلطنة عمان له بطبيعة الحال لا يسمن ولا يغني من جوع لكونه تحالفاً هزيلاً منذ لحظة تأسيسه والبلدان التي انضوت تحته فغرت أفواهها لاقتناص أكبر قدر ممكن من الدولارات الملوثة بالنفط السعودي، فهي تدرك حماقة أمراء آل سعود وسخف مغامراتهم الهمجية، لذا ليس من المعقول أن حكام سلطنة عمان مستعدون للتضحية بالأمن والاستقرار الذي يسود في بلدهم من خلال الانجرار وراء قرارات الرياض وأعمالها الصبيانية في المنطقة.

ومن جانب آخر فانضمام السلطنة لا يعني ترميم سمعة السلطنة دولياً كما روجت وسائل الإعلام الموالية لآل سعود، فالسير في ركب هؤلاء المجرمين ليس شأناً إنسانياً ولا سياسياً، حيث دمروا البنة التحتية في اليمن وقتلوا النساء والأطفال ودعموا التنظيمات الإرهابية والتكفيرية في اليمن والمنطقة بأسرها، لذلك فقدوا اعتبارهم في العالم وأصبح جميع الأحرار في العالم دون استثناء يحتقرونهم ويهزأون بقراراتهم وتبريراتهم الواهية، لذلك لا يمكن القول بأن انضمام سلطنة عمان لتحالفهم الظالم ينصب في مصلحة الشعب العماني أو يرتقي بمكانة حكومته في الأوساط الدولية.

والطريف أن السعودية مهما فعلت فهي عاجزة عن تغيير موازنة القوى في المنطقة فهي أقل شأنا من أن تحقق هذه الاستراتيجية والتجربة العملية أثبتت هذه الحقيقة بوضوح، إذ لم يكسب حكام الرياض من تصرفاتهم الهوجاء سوى نقد لاذع واحتقار من شتى الأوساط الدولية ورغم مضي أكثر من 21 شهراً على هجومهم المدعوم بأحدث الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية على اليمن، لكنهم لم يحققوا أياً من أهدافهم ولم يخوضوا حتى الآن معركة برية حقيقية مع القوات اليمنية الوفية لوطنها، وغاية ما في الأمر أنهم يستخدمون الطائرات الأمريكية المتطورة التي تحلق على ارتفاع شاهق وتلقي بآلاف الأطنان من الحديد والديناميت على رؤوس الشعب اليمني الأعزل وهذه هي غاية الخسة والدناءة في الحروب التقليدية مما يعني ضعف الجندي السعودي وخوفه من الحروب البرية التي يبرز فيها الرجال، ولو أن اليمنيين يمتلكون ما تمتلكه الرياض من معدات حربية لحسموا الأمر منذ زمن بعيد ولقضوا على آل سعود ومن لف لفهم بالكامل، لذلك فإن سلطنة عمان تدرك هذه الأمور وتعرف حق المعرفة أنه من الغباء بمكان التضحية بحليف استراتيجي هام مثل الجمهورية الإسلامية لأجل الانخراط في مغامرات صبيان آل سعود.

المصدر: موقع مشرق

/انتهى /
 

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة