مالكولم أكس؛ بطل كافح من أجل الإنسانية


تسنيم / خاص - في هذه الأيام وقبل اثنين وأربعين عاماً تم اغتيال أحد أبرز القادة المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أطلقت عليه خمس عشرة رصاصة ونسبت الشرطة الفدرالية الأمريكية حينها عملية الاغتيال لصراعات فئوية، وطوال مسيرة حياته الحافلة تعرض لعدة محاولات اغتيال لكنها باءت بالفشل.

أحد أنشط القادة المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية هو الداعية الإسلامي الشهير مالكولم أكس، وهو من المواطنين الأمريكان السود، حيث اغتيل في مثل هكذا يوم قبل اثنين وأربعين عاماً بمؤامرة من قبل بعض الجهات الاستخبارية الأمريكية وبالتعاون مع بعض المتطرفين، حيث استهدف بخمس عشرة رصاصة ففارق الحياة على أثرها.

 

هذا الزعيم الديني المعروف بنضاله ودعوته إلى إحقاق حقوق المسلمين وسائر الأقليات في الولايات المتحدة من مواليد 19 أيار / مايو عام 1925 م حيث أبصر النور في نبراسكا وكان يعرف أيضاً باسم الحاج مالك الشباز، وقد كان منذ شبابه ناشطاً على صعيد حقوق الإنسان وزعيماً للمواطنين السود في الولايات المتحدة الأمريكية ومدافعاً عن حقوقهم وعرف بشجبه الشديد للتعامل السيئ الذي كانوا يتعرضون له من قبل المواطنين البيض، لذلك اتهمه خصومه بالعنف والعنصرية.

والده آرل ليتل هو الآخر كان مدافعاً عن حقوق المواطنين السود وكان مديراً للجمعية العالمية لتقدم الزنوج لذلك امتلك نزعة تحررية ودافع بكل وجوده عن الحقوق المدنية والقانونية لأقرانه السود، وقد غرس هذه الروح لدى أبنائه.

مالكولم أكس عانى من اليتم منذ نعومة أظافره وذلك بعد أن اغتيل والده على يد مجموعة عنصرية وهو لم يتجاوز الشهر السادس من عمره بعد، وعندما بلغ الثالثة عشرة من عمره نقلت والدته إلى مستشفى الأمراض العقلية إثر أزمة نفسية حادة فلم يكن له مأوى حينها سوى دار الأيتام.

وهو في سن العشرين من عمره حكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات بتهمة السطو والسرقة، وهو في السجن انضم إلى حركة أمة الإسلام، وفي عام 1952 م أطلق سراحه بشكل مشروط وأصبح حينها ناطقاً إعلامياً باسمها بعد أن ذاع صيته فيها واشتهر.

النشاطات الدينية لهذا المناضل الأمريكي أثمرت عن نتائج إيجابية مشهودة حيث اعتنق الكثير من المواطنين السود الدين الإسلامي الحنيف وانضم الكثير منهم إلى حركة أمة الإسلام.

طوال اثني عشر عاماً كان يدافع عن المواطنين الأمريكان السود ويدعو إلى الفصل بينهم وبين البيض الذين وصفهم بأنهم ارتكبوا أبشع الجرائم بحق أبناء جلدته، ومن هذا المنطلق كان يسخر من حركة الحقوق المدنية التي كانت تدعو إلى الوحدة بين الجنسين المذكورين، ولكنه بعد ذلك غير وجهة نظره هذه ففي عام 1964 م استقال من عضوية حركة أمة الإسلام وانتقد بعض توجّهاتها الفكرية، ومن ثم شد الرحال إلى بعض البلدان الآسيوية والأفريقية لكي يثبت للعالم بأن الكفاح ضد التمييز العنصري بشكل عام لا يقتصر على المجتمع الأمريكي فحسب، ومن جملة الأحداث المصيرية في حياته سفره إلى الديار المقدسة في مكة والمدينة لأداء مناسك الحج، إذ بعد أن عاد من هذه المناسك العبادية غير اسمه إلى مالك الشباز.

نظراً لمواقفه المبدئية ودفاعه عن حقوق أبناء جلدته من المواطنين السود في الولايات المتحدة الأمريكية، كان عرضة بكشل مباشر لنقد لاذع وتأنيب شديد من جانب الجمعيات والحركات العنصرية وعلى رأسها حركات كو كلوكس كلان " Ku Klux Klan " واختصاراً تدعى أيضا " KKK " وهو اسم يطلق على عدد من المنظمات الأخوية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وصف الهجمات التي كانت تشن عليه قائلاً: " إنه كابوس لا يفارق ذهني، ففي إحدى ليالي عام 1929 م كنا راقدين فراشنا وحينها أختي الصغرى إيفون قد أبصرت النور حديثاً.

أتذكر في تلك الليلة أن شيئاً قذفنا نحو الأعلى فجأة، وعندما فتحت عيني وجدت نفسي في هالةٍ من النار والدخان، وتبادرت إلى أسماعي أصوات البنادق وصياح بعض الناس، فقد كانت فوضى عجيبة فألسنة اللهيب كانت متأججة في كل ناحية من البيت بعد أن أشعل البيض النار فيه.

سخط والدي وبدأ يوبخهم بشدة فحمل بندقيته وبادر في إطلاق النار عليهم، ونحن بدورنا كنا نحاول الهرب من هذه الجحيم الحقيقية ونتدافع فنسقط على الأرض ونعبر على أجساد بعضنا البعض، ووالدتي كانت تحمل الرضيعة الصغيرة في أحضانها وألسنة اللهيب تحيط بنا والشرار المتطاير من احتراق أثاث الدار يتساقط على رؤوسنا، ولكن والدتي تمكنت من اجتيازها وحالت دون انهيار السقف على رأسها.

لا أنسى تلك الليلة، فقد أمضيناها تحت مظلة السماء عرايا ودموعنا تجري خوفاً وذهولاً، ولما جاء رجال الإطفاء والشرطة البيض وفقوا كالمتفرجين فاحترقت الدار بأسرها لتتحول إلى ركامٍ ورمادٍ ".

وطوال مسيرة حياته الحافلة تعرض لعدة محاولات اغتيال لكنها باءت بالفشل ونسبتها الشرطة الفيدرالية الأمريكية فيما بعد لحركة أمة الإسلام، ففي الرابع عشر من شهر شباط / فبراير عام 1965 م انفجرت قنبلة في منزله الذي كان يقيم فيه مع زوجته بيتي وبناته الأربعة، لكنهم نجو من هذا الحادث دون أن يصيبهم أي أذى، ولم تمض سبعة أيام أخرى حتى استهدفه ثلاثة رجال مسلحين بعيارات نارية حينما كان يلقي خطاباً في صالة اجتماعات ولاية مانهاتن فأردوه قتيلاً بخمس عشرة رصاصة وهو في سن التاسعة والثلاثين من عمره.

ومن الجدير بالذكر هنا أنّ المصارع العالمي الكبير محمد علي كلاي قد اعتنق الإسلام بعد أن تعرف على مالكولم أكس، وبعد اعتناقه الإسلام شارك في أحد الاجتماعات التي عقدتها حركة أمة الإسلام في عام 1961 م وكذلك شارك في بعض الاجتماعات التي كان يعقدها المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تحسين أوضاع المواطنين السود الذين ينحدرون من أصول أفريقية، ويعتبر مالكولم أكس الأب الروحي لمحمد علي كلاي الذي أطلق على نفسه لفترة من الزمن اسم كاسيوس أكس تيمناً بأستاذه، وبعد ذلك أسماه زعيم حركة أمة الإسلام اليجاه محمد باسم محمد علي في عام 1964 م.

ودونت ابنة الفقيد مالكولم أكس إليسا شباز في مذكراتها حول والدها ما يلي: " حينما كان مالكولم أكس يتحدث عن الانتخابات أو إطلاق الرصاص، كان الأمريكان يجتمعون ويفسرون كلامه بأنه يقصد تحريض المواطنين السود على حمل السلاح ما لم يمنحوا حق المشاركة في الانتخابات، ومن هنا اشتد القمع ضد السود في أمريكا، وعندما غير القانون المقررات الانتخابية فهذه الشريحة من المجتمع لم تكن صغيرة، لذا كان الأمريكان البيض النافذون على الساحة يخشون انفلات الأمور من أيديهم ".

وأضافت قائلة: " ومن أهم ما امتاز به مالكولم أكس أنه كان ينتقد الشعارات التي يرفعها بعض الناشطين في الولايات المتحدة، وأعتقد بأنه كان يشجع المسؤولين الكبار للتأثير على الأوضاع دراماتيكياً ولكنه كان يعتبر هذه الحالة نوع من الذلة، وقد تمكن من التأقلم مع همجية رجال الشرطة الذين كانوا يستهدفون السود، حيث كانوا يرومون من وراء هذا العنف في المعاملة ردع هؤلاء المواطنين الأمريكان وإلقاء الذعر في أنفسهم، لكنهم لديهم أمل بالبقاء أحياء والدفاع عن حقوقهم.

وقد أيد مالكولم أكس حركة black lives matter  ولكنه كان متأكداً من أن كبار ضباط الشرطة المعارضين لا يوافقون على ذلك ".

/ انتهى/