خطة العدوان لاقتطاع الجنوب السوري... كيف ستواجه؟

خطة العدوان لاقتطاع الجنوب السوری... کیف ستواجه؟

إن خطة الجنوب الأميركية و التي جاءت «وثيقة حوران» كخطوة تنفيذية أولية لها، تقتضي لنجاحها عملاً ميدانياً يؤدي الى السيطرة على كامل المساحة المعينة في الوثيقة، و لذلك جاء نص صريح في تلك الوثيقة يفرض « قتال جيش النظام لإخراجه منها» على حد تعبيرهم.

بعد فبركة مسرحية خان شيخون و ما تبعها من عدوان أميركي على مطار الشعيرات في ريف حمص الشرقي، و بعد ردات الفعل الحازمة التي أبداها حلفاء سورية ببيانهم، و أكدها اللقاء الوزاري الثلاثي في موسكو و الذي جمع وزراء خارجية كل من روسيا و ايران و سوريا، و بعد التهرب الغربي من إلحاح سورية و حلفائها على إجراء تحقيق نزيه في جريمة خان شيخون، بعد كل هذه التطورات أخرجت منظومة العدوان على سورية مشروعاً جديداً لتطبيقه في الجنوب السوري ما أظهر أن ما كان يجري في الشمال كان من أجل عرض العضلات و إظهار القوة الأميركية للترهيب ولحرف الانتباه لتمرير مشروع الجنوب، فما هو هذا المشروع و ما هي حظوظه من النجاح ؟‏

نذكر بان ترامب كان يتمسك في فتره الانتخابات وفي الأسابيع التي تلت استلامه مقاليد الحكم في البيت الأبيض الأميركي، كان يتمسك فيما خص الازمة السورية بثلاثية: وجوب محاربة الإرهاب جدياً، وانشاء مناطق آمنة في سورية لإيواء اللاجئين وأخيراً أعدم اقحام انفه في شأن من يتولى الحكم السوري. ويومها كنا توقفنا عند العنصر الثاني من رؤية ترامب ووصفناها بانها تخفي في ثناياها مشروع تقسيم مقنع تريد أميركا أن تفرضه على سورية تحت عنوان إنساني يتصل باللاجئين السوريين. ونذكر أيضا بان اميركا طرحت إنشاء 4 مناطق آمنة تسند أمرها -وفقا للخطة- لدول الجوار وأرادت أن ترشي روسيا لتطمئنها بإسناد أمر منطقة الساحل لها للاحتفاظ بقواعدها العسكرية فيها.‏

لكن أميركا اصطدمت بالموقف السوري الحاسم والرافض للفكرة المخادعة وكان الرئيس الأسد قاطعاً في هذا، وجاراه فيه كل مكونات محور المقاومة بما في ذلك روسيا، التي اقرنت موافقتها على أي مشروع في سورية بموافقة دمشق، وهكذا تراجع الحديث عن المناطق الآمنة بعد ان افتضح أمرها وظهرت حقيقتها بأنها مشروع تقسيم سوريا ليكون نواة الفيدرالية الواهنة التي تقضي على فكرة سورية القوية الموحدة.‏

و يبدو أن أميركا المعنية في العمق بأمن إسرائيل و مستقبل احتلالها للجولان، أرادت أن تعوض على فشل مشروع المناطق الآمنة الفضفاض، بتجزئة التنفيذ و إقامة حزام أمني في الجنوب يكون بمثابة المنطقة العازلة عن الدولة السورية العميقة و مركزية القرار في دمشق ، على أن تقوم الأردن ظاهراً وإسرائيل باطناً بإدارته ، و من أجل ذلك جمعت أميركا ثلة من عملائها الذين تسميهم معارضة او معارضة معتدلة و صاغت لهم دستوراً للإقليم الانفصالي الجنوبي لتقيم لهم سلطة إدارية على محافظات السويداء و درعا و القنيطرة في مساحة يقيم فيها حوالي مليوني سوري.‏

إن خطة الجنوب الأميركية و التي جاءت «وثيقة حوران» كخطوة تنفيذية أولية لها، تقتضي لنجاحها عملاً ميدانياً يؤدي الى السيطرة على كامل المساحة المعينة في الوثيقة، و لذلك جاء نص صريح في تلك الوثيقة يفرض « قتال جيش النظام لإخراجه منها» على حد تعبيرهم، و هنا المفتاح الذي يخفي الخطة العسكرية لمعركة الجنوب، التي لا يمكن للفصائل المسلحة ان تنفذ المهمة فيها بدون دعم خارجي وازن و فاعل، و هنا تظهر أهمية التحضيرات التي أشار اليها الرئيس الأسد من قبل الأردن للمشاركة في القتال ضد الجيش العربي السوري، و هنا تكمن أهداف العدوان الجوي الإسرائيلي ثم القصف المدفعي الإسرائيلي لمواقع الجيش و الدفاع الوطني السوري في الجولان انطلاقا من الجولان المحتل، قصف يراد منه القول بأن إسرائيل باتت جاهزة للمساهمة في تنفيذ خطة اقتطاع الجنوب لاقامة الإقليم الانفصالي العازل.‏

إن المشهد السوري اليوم يظهر وأكثر من أي وقت مضى مدى التدخل الخارجي العدواني المباشر في الحرب على سورية، وإذا كانت المراحل السابقة تضمنت تدخلات مقنعة، فان تدخل اميركا وإسرائيل وتركيا باتت جلية من غير قناع تمارس وبكل وقاحة وغطرسة. أما الأردن الذي كان منذ بدء الازمة – كما وصف الرئيس الأسد-عاملاً من العوامل الرئيسية للعدوان على سورية، فإنه يتحضر كما يبدو ليقود ظاهراً العدوان على الجنوب السوري عملاً بالخطة الأميركية، يقوم بهذا دون أن يجد لمساهمته تلك أي مبرر، ولذلك وجدنا وزيرة إعلامه تنفي ما ساقته سورية ضدها من قرائن تثبت تورطها في العدوان الذي يحضر له، ولا تستند في نفيها الى دليل أو قرينة ميدانية صحيحة أو مقنعة تبعد الاتهام.‏

إذن خطة فصل الجنوب السوري لإقامة الحزام الأمني الإسرائيلي باتت حقيقة ملموسة شرعت أميركا وإسرائيل بتنفيذها مستعملة الأردن كعكاز يُتكأ عليه في الميدان، حتى إذا فرغت من المهمة استلمت إسرائيل القيادة الميدانية وفرضت على الأردن التراجع للخلف او استمر دوره كأداة تحدد إسرائيل واميركا وظيفتها.‏

و في التفصيل نرى أن الدور الأردني كما بات يبدو من التسريبات الحاصلة حتى الآن يقوم على انشاء قوة عسكرية مختلطة بقيادة اردنية قوامها جزء عسكري أردني يتشكل من قوات اردنية خاصة و معها وحدات مدرعة من الجيش الاردني مع اسناد جوي من الطيران الأردني، و في الجزء الآخر ستكون فصائل مسلحة مما تسميه أميركا معارضة معتدلة، و يكون قوام مجموع القوى 20 الف رجل منهم 8 آلاف من الجيش الأردني و 12 الف من الفصائل المسلحة سيعملون جميعا بقيادة اردنية محلية و قيادة أميركية إسرائيلية خلف الستار و ستعلن مهمة القوى بانها تطهير المنطقة من داعش و النصرة و فرض الأمن و الاستقرار في المحافظات السورية الجنوبية الثلاث. أما الدور الإسرائيلي في العملية فسيكون جوياً ونارياً عبر الحدود لتقديم الدعم للقوى وشل قواعد الاسناد الناري السوري في الميدان. وطبعا نذكر هنا بمناورات الأسد المتأهب التي جرت خلال السنوات الماضية على الأرض الأردنية بقيادة أميركية للتحضير لتنفيذ مثل هذه المهمة.‏

هذه هي الخطة كما يبدو فهل تنجح أميركا وإسرائيل في المسعى العدواني الجديد؟‏

قبل الإجابة نقول إن أهم ما في خطة الجنوب هو إقرار فعلي وضمني من رأس العدوان على سورية بأن عدوانه الأساسي فشل في تحقيق أهدافه الأصلية والتي هي إسقاط سورية المقاومة ووضع اليد عليها لصياغة سورية التابعة، وإقرار من قبلهم أن في دمشق أسد يقيم في عرين قومي ووطني لا يمكن لاحد أن يناله، وبالتالي لجأت أميركا وإسرائيل الى خطة تعويض بديلة تكون بمثابة جائزة الترضية بعد ان فاتتها الجائزة الرئيسية الكبرى.‏

أما في المواجهة فإننا نلفت الى أن محور المقاومة الذي خاض الحرب الدفاعية المكلفة خلال السنوات الست الماضية للمحافظة على سورية الموحدة، كان يدرك ولا يزال ان الحرب كلها شنت على سورية من أجل إسرائيل ولمصلحة إسرائيل، وبالتالي فهو يدرك أن تحقيق إسرائيل أي مكسب في الحرب يعني نجاح العدوان على سورية وعلى هذا الأساس اتخذ المحور التدابير واعتمد استراتيجية مواجهة دفاعية تجهض مساعي العدوان من أي طبيعة كانت. ولأجل هذا كان قرار محور المقاومة بوحدة الجبهتين اللبنانية والسورية في مواجهة إسرائيل. ورفع مستوى الجهوزية الى المستوى الذي تقتضيه الظروف والتحديات.‏

إن الحرب الدفاعية عن سورية ستتركز في الأسابيع المقبلة في الجنوب دون أن تشغل الجيش العربي السوري و حلفاءه عن الجبهات الأخرى، التي ينهار فيها الإرهاب بشكل متلاحق، لكن جبهة الجنوب ستتقدم عما سواها فان شاءت إسرائيل فتحها جدياً فستجد في الميدان ما لم تكن تنتظر و لم تتوقع، و إن انزلق الأردن الى ميدانها فانه سيجد ما لا يسره و لن يكون من دفعه الى المنزلق قادراً على حماية عرش مليكها و هو يعرف ما يوجد في الرماد الأردني الداخلي من جمر و ما ينتظره في الجنوب السوري من نار .فتحضيرات سورية و حلفاؤها في محور المقاومة و روسيا و آخرين كافية و بكل ثقة و اقتدار للمواجهة الدفاعية التي تجهض خطة اقتطاع الجنوب، و لمنع إسرائيل من إقامة حزام أمني مهما كانت التسميات .‏

* استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان‏

المصدر: صحيفة " الثورة" السورية

/انتهي/ 

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة