لماذا رفضت قطر التنازل؟

لماذا رفضت قطر التنازل؟

أخيراً وبعد التكهنات التي أثيرت حول مطالب السعودية وحلفائها التي قدمت لقطر وإنتهاء المهلة المحددة للرد على هذه المطالب، جاءت الدوحة لتضع نهاية لكل هذه التكهنات عبر الرد على هذه المطالب.

طبقاً لمحتوى الرد القطري على مطالب الدول الأربع الذي نشرته وسائل الإعلام، فإن الدوحة أيضاً قامت وعبر إعداد قائمة من المطالب بإلقاء الكرة في ملعب السعودية وحلفائها، وظهرت بدور المدعي.

إن السعودية وحلفائها كانوا يظنون للوهلة الأولى أنه يمكنهم وعبر ممارسة مزيد من الضغوط الإعلامية إجبار الدوحة على التراجع، حيث وبعد مرور مدة من الزمن لم تؤد هذه الضغوط إلى نتيجة، فيما بعد، قامت هذه الدول الأربع بقطع علاقاتها الدبلوماسية وفرض ضغوط إقتصادية على قطر لإرغام هذه الدولة الصغيرة على الاستسلام والتراجع، لكن هذه الخطة لم تنجح أيضاً، وأخيراً وعبر تحديد مهلة عشرة أيام وتمديدها ليومين آخرين لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم حيث ووجهوا في نهاية المطاف برد سلبي من الدوحة.

وكانت السعودية وحلفائها قد أعلنوا أن هدفهم هو إجبار الدوحة على تغيير سياستها والكف عن دعم ما وصفته الرياض ومن معها بالإرهاب والإرهابيين. ويأتي إتهام السعودية لقطر بدعم الإرهاب في الوقت الذي تواصل فيه الرياض دعم الإرهابيين في سوريا بالمال والعتاد، لتبقى مواجهة السعودية للإرهاب أقوالاً لا أفعالا. فدور الرياض في أحداث الـ11 من سبتمبر وكذلك إشاعة الفكر المتطرف في المنطقة والعالم ليس بالأمر الذي يخفى على أحد.

إن السعودية التي تخشى من التمدد القطري في المنطقة، هي الخاسرة حتى هذه اللحظة، فهي لا تستطيع التراجع أمام قطر وكذلك لم تتمكن حتى الآن من إقناع قطر برضوخ لمطالبها،كما ان إستمرار هذه الأزمة بلا شك سوف لن يكون من صالح الرياض.

لقد كان واضحاً منذ البداية أن قطر لن ترضخ لقائمة المطالب الـ13، وكما قال وزير الخارجية القطري فهذه المطالب قدمت إلى الدوحة لكي ترفضها.

واستطاعت قطر أن تفهم الظروف التي تمر بها السعودية في المنطقة وحيث انها متورطة في ملفات إقليمية عدة وهزمت عملياً في اليمن وسوريا، وتقربت الدوحة من الدول المناوئة للسياسات السعودية كروسيا ، وتركيا، وإيران كي تخفف من حدة الضغوط التي فرضت عليها من قبل السعودية وحلفائها.

لقد قامت قطر بعد فرض الضغوط الإقتصادية والحصار عليها بتأمين جزء من إحتياجاتها من السوقين التركية والإيرانية لإفشال خطط السعودية ومن معها. وقد وصلت الأوضاع إلى حد صارت فيه الدول الأوربية كذلك تطالب السعودية بإنهاء خلافها مع قطر، وهذا يبين أن حتى الدول الأوربية لا تريد لهذه الأزمة أن تتوسع. وحتى الأمريكيين الذين ينتقدون السلوك القطري في المنطقة ويحاولون إظهار أنفسهم كداعمين إلى حد ما للموقف السعودي، لا يريدون لهذه الأزمة أن تتطور، حيث من المقرر أن يقوم وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بزيارة إلى المنطقة في يوم الإثنين القادم بهدف مناقشة الأزمة والبحث عن سبيل لحلها.

والآن وبعد أن رفضت قطر هذه المطالب، ترى ماذا ستكون الخطوة المقبلة للسعودية وحلفائها تجاه الدوحة؟

طبقاً لما أعلنه وزير الخارجية السعودي، فإن الضغوط السياسية والإقتصادية على قطر ستتواصل، لأن السعودية ليست حرة لتفعل ما تشاء تجاه قطر.

فعادل الجبير وزير الخارجية السعودي صرح بعد إنتهاء المهلة المحددة لقطر ورفض الدوحة لهذه المطالب أن الهدف هو تغيير السياسة القطرية وأن هذه العقوبات والحصار سيبقيان على هما هي عليه حتى تغير الدوحة من سلوكها.

كذلك فإن حتى الحديث عن «تجميد عضوية» الدوحة في مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي ونظراً للموقف الكويتي والعماني لا يبدو أنه قابل للتطبيق عملياً، لأن هذا المجلس وكي يكون قادراً على إقرار هذا الأمر فهو بحاجة للإجماع وموافقة جميع أعضائه، حيث من المستبعد أن توافق الكويت وسلطنة عمان على ذلك.

من ناحية أخرى فإن الخيار العسكري أيضاً لا يمكن القيام به ضد قطر لا سيما في ظل التواجد العسكري لكل من أمريكا وتركيا على الأراضي القطرية، فالخيار الوحيد للسعودية وحلفائها سينحصر في ممارسة الضغوط الإقتصادية على الدوحة والشركات التجارية التابعة لها، وفي هذا الصدد فإن قطر وعبر إدراك هذه الظروف تسعى إلى توسيع دائرة الأطراف المعارضة للحصار الإقتصادي ضدها، وقد بدأت ذلك بتحركات دبلوماسية، وأبقت الباب مفتوحاً أمام الحوار مع تلك الدول لتقوم وإضافة إلى المحافظة على مواقفها وعدم منح الطرف الآخر الإمتيازات الكبيرة بقلب لعبة ذلك الطرف رأساً على عقب، لأنها تعلم أن أي تنازل أمام الطرف الآخر في الظروف الراهنة يعني أنها ستكون مجبرة في المستقبل على تقديم مزيد من التنازلات الكبيرة لهذا الطرف، لأن هذه الدول سوف لن ترضى بهذا الحد وسترفع من سقف مطالبها شيئاً فشيئا.

أو ربما أن الحكاية شيء آخر، وهي أن القطريين أدركوا أن الخطة الحقيقية للسعودية وحلفائها ضد الدوحة هي أكبر مما هو معلن، وأن الهدف هو ضرب قلب النظام الحاكم في هذا البلد وتغييره، ولهذا السبب ولأن الدوحة على علم بهذا الأمر وأكدت أن هذه المطالب هي مساس بسيادة البلاد وإستقلالها السياسي، فهي رفضت منذ البداية هذه المطالب، وهو ما أكد عليه الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية القطري في مقابلة مع السي أن أن الأمريكية بأن قطر لن تتفاوض حول قضايا من شأنها المساس بإستقلال وسيادة البلاد.

ونظراً لما مر ذكر يمكن الإستنتاج  أن رغم المشاكل التي تسببت بها هذه الضغوط والعقوبات الإقتصادية للدوحة كانت خلافاً لما توقعه الرياض وحلفائها، أولاً لأنها لم تكن بذاك المستوى الذي يجعل قطر ترضخ، وثانياً ان مواقف الدول الغربية حيال قطر لم تكن شديدة الى الدرجة التي تجعل الدوحة محصورة في الزاوية، وقطر ولمعرفتها بهذه القضايا وإطلاعها على ضعف السعودية في التقدم بملفات المنطقة تصر على موقفها وليست مستعدة للتنازل عن مطالبها.

وثالثاً هو أن السعودية فشلت في تحشيد الرأي العام على المستويين الداخلي والإقليمي لفرض مزيد من الضغوط الإقتصادية على قطر، ولم تستطع إستقطاب دول أخرى وضمها إلى موقفها عدا عدد من الدول التي أيدتها منذ البداية وأنخرطت معها، وكذلك لم تستطع الحصول على موافقة الدول الأوربية والغربية، لأن الدول الغربية تعتقد بان سياسة الرياض أعطت نتائج عكسية، وأصبح أصحاب القرار في الرياض يعتقدون أن الضغوط لم تبعد الدوحة عن طهران بل زادت من التقارب بين البلدين.

حسن رستمي؛ كاتب و صحفي

/انتهى/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة