لا نقبل إستفتاءاً فسيفسائياً

لا نقبل إستفتاءاً فسیفسائیاً

إن الإستفتاء الذي سيقام في الـ25 من أيلول/ سبتمبر المقبل في منطقة كردستان العراق هو ليس كما يظن البعض أنه  بداية حل لقضية تأريخية، بل هو بداية أزمة أمنية وسياسية للمنطقة التي لم  تصحوا بعد من أزماتها السابقة.

وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الإستفتاء المقبل سيجعل العراق والشعب العراقي في مواجهة أزمة سياسية وأمنية، وعليه فإن الإنتباه للنقاط التالية يعتبر أمراً لا بد منه:

1- هو أن منطقة كردستان جزء من السيادة الوطنية التأريخية للعراق، وأنفصالها عن البلد الأم من الممكن أن يكون بداية لإنهيار الهوية العراقية. وإذا ما حدث هذا، فإن تكرار هذا الأمر في منطقة غرب العراق ذات الأغلبية السنية ليس أمراً مستبعداً، وهو أن كل وضع جديد سيتطلب حدوث أمور وقضايا كثيرة، كبيرة وصغيرة والتي سيستغرق كل منها جهداً ووقتاً طويلاً. فمن لا يعرف منا الحالة الراهنة التي ما تزال تمر بها اليونان، وقبرص، وتركيا، وبلغاريا، ودول كثيرة أخرى جراء حكاية باريس للسلام؛ فبعد مرور 100 عاماً تقريباً ما تزال هذه الدول تعاني من مشاكل أمنية، وسياسية، وإقتصادية، وثقافية، ومن منا لا يعلم أيضاً أنه ورغم مرور 100 عام تقريباً على توقيع إتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا وإحلال أوضاع جديدة في الأراضي التي تشمل العراق، وسوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين في العام 1916، فإن هذه المنطقة العربية ما تزال تعاني من شتى أنواع الأزمات والصراعات الأمنية، في الوقت الذي تشترك فيه شعوب هذه المناطق بالعروبة، وإتفاقية سايكس بيكو مدعومة بالكامل من قبل القوى العالمية. إذاً واضح جداً أن إنفصال المنطقة الكردية عن البلد الأم سجعلها تواجه ما واجهته سابقاً مناطق جنوب وشرق أوربا وكذلك المنطقة العربية في العراق وبلاد الشام.

2- رغم أنه لا يمكن التسليم بأن أكراد العراق لم يقوموا بالمطالبة بالإنفصال إلا عندما دعمتهم القوى الكبرى العالمية دعماً حقيقياً، إلا  أنه يمكن القول أن الأكراد في هذه المرحلة يعتمدون في إقامة إستفتاء الإنفصال على الدعم الأمريكي، والأوربي، وبعض دول المنطقة، من دون الأخذ بالحسبان مسألة الحجم، والتوقيت، وتأثيرات هذا الدعم. تشير بعض الأخبار إلى أن مبعوثي "مسعود البرزاني" لحشد الدعم الأجنبي المؤثر لم يكونوا قد نحجوا في مهمتهم. والحقيقة هي أن الغرب لا يدعمون مسألة إنفصال منطقة كردستان العراق إلا إذا كانوا يخططون بشكل كامل لإحداث تغييرات في المنطقة، وأنهم يرون أن الوقت قد حان بالنسبة لكل قطعة من قطع الفسيساء في المنطقة للتحرك بإتجاه الإنفصال عن البلد الأم، لكن في الظروف الراهنة فإن إنفصال قطعة الفسيساء الكردية عن العراق ستثير حساسية عربية، تركية، وفارسية مشتركة، في الوقت الذي تعتبر فيه مسألة حماية الغرب لعلاقاته مع الدول العربية الغنية وتركيا أولوية وأكثر فائدة من وقوفه مع الأكراد وإثارة غضب وإعتراض القوميات والمجمتعات الكبيرة في المنطقة. 

3- إن الإنتصار في إستفتاء الـ25 من أيلول/ سبتمبر المقبل سوف لن يكون كافياً لإقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق. فالإنتصار غداً في الإستفتاء سيكون بداية لقيام صراعات دموية في المناطق الكردية، لأن الإستفتاء لا يجب القيام به إلا عندما يضع القادة والنخب الكرد حداً لإختلافاتهم التي بدأت منذ عشرين عاماً على أقل تقدير، كذلك فإن الأحزاب الثلاث الأساسية الكردية والتي تشمل الإتحاد الوطني، و حزب غوران، والأحزاب الإسلامية ما تزال تشك في النوايا الحقيقية لمسعود برزاني، وكذلك فإن الحزبين الأول والثاني يقولان أنه إذا كانت هناك حاجة للتوصل لتسوية وطنية فإن هذه التسوية يجب أن تبدأ بإثبات أن مسعود برزاني ملتزم بتعهداته. وهو الذي يتولى وبشكل غير قانوني رئاسة الإقليم الكردي للمرة الثانية على التوالي. فمسعود برزاني يصر على أن يقوم المحافظون المعينون من قبله بإجراء الإستفتاء ليقول فيما بعد أن الأكراد جميعاً يؤيدونه.

4- القضية المهمة الأخرى، هي قضية المناطق "المتنازع عليها" لا سيما في محافظتي كركوك وديالى اللتين تسكنهما أغلبية سنية، فإجراء الإستفتاء في ثلاث محافظات موحدة إلى حد ما، وهي السليمانية، ودهوك وأربيل ليس أمراً صعباً، لكن عندما يصل هذا الموضوع إلى محافظات لا يشكل الأكراد فيها أغلبية فإن الأمر يصبح معقداً للغاية، وهذا يأتي في وقت يرى فيه كثير من القادة الكرد العراقيين أن تأسيس دولة كردية في المحافظات الشمالية لن يكون ممكناً ما لم يتم ضم المحافظات أو المناطق المتنازع عليها إلى إقليم كردستان، كذلك فإن أي محاولة للأكراد للسيطرة على محافظات مثل كركوك وديالى ستؤدي إلى إندلاع حروب دامية بين العرب، والمسيحيين والتركمان من جهة، والحكومة المركزية في بغداد من جهة ثانية، وهنا يجب القول أيضاً أن بقاء وحياة الدولة الكردية مرهونة بالنفط والغاز الموجود في المناطق المتنازع عليها. تماماً ولهذا السبب فإننا عندما نستمع إلى تصريحات منافسي البرزاني مثل قادة حزب الإتحاد الوطني وغوران نجد هؤلاء يقولون أن الوقت غير مناسب أبداً لإجراء هذا الإستفتاء.

5- إن قادة إقليم كردستان ومسعود البرزاني نفسه قاموا بمحاولات حثيثة للحصول على موافقة المسؤولين الأمريكيين لإجراء الإستفتاء، وكذلك للحصول على الدعم الأمريكي في هذا المجال، لكن على ما يبدو أن واشنطن وافقت على إجراء الإستفتاء فقط، بينما أوكلت أي نوع من أنواع التعاون إلى ما بعد العام 2025. يأتي هذا في الوقت الذي لا يمكن للقادة الكرد العراقيين إستبدال غضب أربع دول محيطة بهم بإبتسامة بعيدة لدولة بعيدة وهي أمريكا. في غضون ذلك فتركيا وكي لا تكون في مواجهة مع تكرار الأحداث في محافظاتها الشرقية، ستعمل بكل قوتها على القضاء على الدولة الكردية. ومع كل ما تقدم فإن القادة الكرد وكي يحققوا هدفهم في إستقلال إقليم كردستان يجب أن يكونوا قد فكروا جيداً بكثير من النتائج الصعبة التي ستنتج عن هذا الأمر. فتركيا وقبل أي دولة في المنطقة ستشعر برائحة إنفصال أجزاء محيطة عن حكومتها المركزية، ولأنها تواجه أقليتين قويتين قومية ودينية وهما الأكراد والعلويين فإنها لا تريد أبداً التفكير بشيء بناء من شأنه المساعدة في تأسيس الدولة الكردية.  فمثلما يقول جورج هاليدي فإن إرساء الدولة الكردية يتطلب دعماً تركياً قوياً، لأنه لا توجد دولة في المنطقة تحتوي على نسبة كبيرة من الأكراد مثل تركيا، ومن ناحية ثانية فهي ستكون الدولة الوحيدة المتضررة من تنامي القوة الكردية، وعليه فإنه لا ينبغي لمسعود البرزاني أن ينخدع بالإتفاقيات التي وقعها مع تركيا والفرح بهذه الإتفاقيات التي وقعت أساساً قبل الحديث عن موضوع الإستفتاء.

6- إن أكراد العراق وطوال تاريخ مواجهتم للحكومة المركزية (زمن صدام حسين) كانوا يتمتعون بدعم وإسناد إيران، وعلى هذا الأساس إستطاعوا التغلب على الكثير من الإجراءات التي نفذت ضدهم. وبما أن توجه الأكراد صوب الإنفصال أدى إلى إضعاف الحكومة المركزية العراقية كثيراً وجعلها تضررت نتيجة لذلك، فإن حكومة الجمهورية الإيرانية لا يمكنها البقاء مكتوفة الأيدي إزاء هذا الأمر. فإيران تعول بشكل جدي على وجود حكومة قوية يمكنها التغلب على جميع المشاكل الأمنية والسياسية والإقتصادية... الخ والقضاء على نفوذ أمريكا والجماعات الإرهابية في العراق. وقد توصلت طهران مؤخراً إلى نتجية مفادها أن المناطق الشمالية الغربية وكما كانت دائماً تشكل عصب التهديد الأمني للجمهورية الإسلامية. فإيران لا يمكنها ومن أجل أربعة عقود على الأقل أن تغض الطرف عن حالة إنعدام الأمن في المنطقة الشمالية الغربية لها والآخذة بالتصاعد يوماً بعد آخر، وكذلك عن السياسات الهشة والمتقلبة الحاصلة في ذلك الجانب من حدودها. فوضع كهذا لا شك أنه سيعيد أعداء الإسلام من جديد إلى المنطقة، وهذا الموضوع يجردنا من أي نوع من أنواع المجاملة في هذا الأمر. 

المصدر: كيهان

/انتهى/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة