معركة جرود عرسال... الأسباب، سير المعارك، والنتائج المتوقعة

معرکة جرود عرسال... الأسباب، سیر المعارک، والنتائج المتوقعة

يعود الحديث عن عرسال وجرودها والحركة العسكرية للمجموعات الإرهابية الى أواخر العام 2011 حين صرّح وزير الدفاع اللبناني آنذاك فايز غصن عن وجود عناصر من القاعدة في جرود البلدة. تصريح غصن عن وجود العناصر المسلحة جاء بعد حالات تهريب للسلاح عبر بلدة عرسال اللبنانية الى الداخل السوري ضمن مخطط تدمير سوريا وإسقاط النظام فيها.

وبالفعل وبسبب التمويل والدعم بالسلاح للمجموعات الإرهابية كبُر تهديد هذه المجموعات على المدن السورية وخصوصا العاصمة دمشق ومدينة حمص كأهم مدينتين تجاوران الحدود اللبنانية عبر أريافهما. إلّا أن تهديد هذه المجموعات ولاحقا التنظيمات الإرهابية التي أعلنت الولاء لتنظيم القاعدة وداعش لم يقتصر على الدّاخل السّوري، بل تعدّته الى الدّاخل اللبناني والقرى الحدودية المتداخلة بين البلدين والتي يسكنها مواطنون لبنانيون.

تنبّه حزب الله باكرا الى المخطط التكفيري الّذي يريد ضرب المنطقة بشكل عام ولبنان وسوريا بالتحديد، خاصة وأنه كان على دراية تامة بالوضع العراقي الّذي كان لا يزال من يعاني من الهجمات الإرهابية التي تستهدف العراقيين بسبب الانتماء المذهبي أو حتى مخالفة آراء المواطنين لطريقة تفكير هذه المجموعات الإرهابية التكفيرية.

دعمت المقاومة الإسلامية أهالي القرى الحدودية بالسلاح وذلك للدفاع عن أرضهم وأهلهم، إلّا أن خطر هذه المجموعات والتنظيمات الإرهابية بدا بالتزايد مع قصف القرى اللبنانية بالصواريخ وتهديد أهالي المنطقة بعمليات الذبح والسّبي بسبب انتمائهم الطائفي، ولذلك أطلق حزب الله أولى عملياته الهجومية نحو ريف القصير لإبعاد المجموعات المسلحة عن القرى اللبنانية، وبسبب سير المعارك في تلك المنطقة الواقعة الى غرب نهر العاصي، وجدت القوات المهاجمة من المقاومة والجيش السوري نفسها عند أراف مدينة القصير الاستراتيجية الواصلة ما بين دمشق وحمص من جهة والساحل السّوري من جهة أخرى.

وفي مايو2013 بدأت القوات الحليفة من الجيش السوري وحزب الله بتحرير مدينة القصير، بالفعل وبعد 19 من المعارك تم تحرير مدينة القصير الاستراتيجية. سير معارك القصير وريفها الشمالي فتح خط انسحاب للمجموعات المسلحة نحو قرى وبلدات القلمون الغربي لتبدأ الجماعات المسلحة هناك تحصينها لهذه البلدات وإنشاء معامل تفخيخ السّيارات وإرسالها الى الداخل السوري واللبناني وتفجيرها وارتكاب المجازر بحق المدنيين مستغليّن انشغال الجيش السوري والمقاومة بصد تقدم المجموعات التكفيرية التي أعلنت في وقت لاحق ولائها لتنظيم داعش الارهابي واستطاعت السيطرة على قرية مهين في ريف حمص الجنوبي، وبدا واضحا أن مزيدا من التقدم لهذا المجموعات التكفيرية من جهة مهين كان سيسمح لها بالاتصال بالمجموعات الإرهابية في القلمون بالتالي الوصول الى الداخل اللبناني.

في أواخر خريف 2013 أطلق حزب الله عملية عسكرية لتحرير منطقة القلمون وذلك بهدف السيطرة على مصانع تفخيخ السيارات التي قتلت وجرحت آلاف المواطنين اللبنانيين والسوريين في الداخلين اللبناني والسوري ونفذت عمليات إرهابية كان أبرزها ضد السفارة الإيرانية في بيروت والتي أدت الى استشهاد الملحق الثقافي الإيراني في لبنان الشيخ إبراهيم الأنصاري إضافة الى 23 مدني آخرين، وبالفعل سيطر على عدد من البلدات وفكك عدد من مصانع التفخيخ. خطر الإرهاب لم يتوقف عند هذه العملية، فأطلق حزب الله المرحلة الثانية من العمليات ودخل معقل معامل التفخيخ في بلدة يبرود القلمونية، مما أدى الى انسحاب المسلحين نحو الجرود.

الهزائم المتتالية لهذه المجموعات التكفيرية لم توقف العقل الاجرامي لهم، بل اتخذوا من الجرود ذات الطبيعة القاسية مأوى لهم ومن كهوفها معامل جديدة لتضيع سيارات التفخيخ وإرسالها من جديد الى لبنان. وفي أوائل العام 2014 انقسم تأييد هذه المجموعات فيما بين تنظيم النصرة وتنظيم داعش الإرهابي. لم يكن يطرء على خيال أحد من الإرهابيين أن باستطاعة أحد اقتحام أوكارهم في طبيعة الجرود والجبال القاسية والتي شبهها البعض بطبيعة جبال طورا بورا الموجودة في أفغانستان. إلا أن حزب الله باغتهم بعملية لتحرير الجرود من قبضتهم وأيضا لتفكيك معامل تفخيخ السيارات التي استهدفت مجددا بإرهابها مختلف المناطق المدنية وحصدت العشرات من أرواح المدنيين الأبرياء ومئات الجرحى.

العملية العسكرية التي أطلقها تحالف الجيش السوري وحزب الله استطاعت حتى حزيران من العام 2015 من إنهاء وجود هذه المجموعات في معظم الجرود، ووقف العملية العسكرية عند حدود جرود عرسال لأوضاع سياسية آنذاك تتعلق بالداخل اللبناني وقرار تحرير هذه المنطقة بالّذات. هزيمة المجموعات الإرهابية المسلحة دفعتها الى التعويض عن هذه الخسارة فشنوا هجوما على مراكز الجيش اللبناني في أوائل آب من العام 2014 وقتلوا العشرات من جنوده بالإضافة الى خطف 27 عسكريا بين قوى أمن داخلي وجنود للجيش اللبناني. لم يطل العهد بالمجموعات الإرهابية في بقائها في عرسال فشن الجيش اللبناني هجوما مضادا استطاع خلاله تحرير البلدة والوقوف عند أطرافها باتجاه الجرود واستعادة 6 من جنوده المخطوفين.

استكمل حزب الله تنظيف الحدود اللبنانية من الإرهاب عبر اطلاقه بالتعاون مع الجيش السوري مدينة الزبداني والقرى المحيطة بها كآخر معاقل للمجموعات الإرهابية تتاخم الحدود اللبنانية، واستطاع بعد عملية عسكرية مدروسة انتهت في 24 سبتمبر 2015 من حصر المجموعات الإرهابية داخل مربع صغير داخل مدينة الزبداني وفي قرية مضايا ومن ثم تم إخراجهم نحو إدلب وريف حلب الغربي بعد اتفاقية ما يعرف باتفاقية البلدات الأربعة (الزبداني-مضايا، كفريا والفوعة).

تأخر قرار الحكومة اللبنانية للجيش اللبناني بالقضاء على هذه المجموعات الإرهابية المتواجدة في جرود عرسال التي أصبحت تشكل شوكة إرهابية في خاصرة الوطن، وتستنزف جهودا للمقاومة والجيش السوري الّذين يريدون تركيز اهتمامهم على محاربة تنظيم داعش في البادية السورية. فكان أعلن السيد حسن نصرالله أن لا أفق للمعركة التي تخوضها هذه الجماعات ولا هدف يستطيعون القتال لأجله، ولذلك دعا المسلحين الى إنهاء هذه الحالة، محذرا من بقائهم في الجرود.

أجرى حزب الله مفاوضات غير مباشرة مع المجموعات الإرهابية في الجرود ضمن سلامتهم الشخصية في حال خروجهم، إلا أن شروط المسلحين وقادتهم المتعجرفة أوقفت المفاوضات ودفعت المقاومة لانتزاع الشوكة الأخيرة للإرهاب على الحدود اللبنانية السورية، ومنذ 5 أيّام على انطلاق هذه العملية العسكرية تم إنهاء وجود جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة تقريبا، فيما ينتظر داعش دوره، في حين تشير بعض الأخبار الى محاولة هذا التنظيم المفاوضة للخروج من الجرود لقاء معلومات يدليها عن مكان اختطافه للجنود من الجيش اللبناني.

لا شك أن تحرير جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع سيزيل هذه الحالة الغير صحية التي كانت المناطق الحدودية اللبنانية تعاني منها وأولها بلدة عرسال، وسيوفر على المقاومة الإسلامية مجهودا حربيا كان يوضع في تلك الجرود، وتركيز هذا المجهود على الدّاخل السّوري وخصوصا مواجهة تنظيم داعش في البادية السورية.

/انتهى/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة