الإعدامات ستتواصل في السعودية.. ماذا تريد السلطة؟


الإعدامات ستتواصل فی السعودیة.. ماذا ترید السلطة؟

أحد أبرز المشاكل في المملكة السعودية أن الجو القائم يغلب عليه الطابع الأمني حيث لا مجال للبحث عن أفق للحرية أو مطالبة بصيانة وحفظ الحقوق.

تسير المملكة السعودية نحو سلسلة من الإعدامات بحق 29 مواطنا حيث صدقت محكمة الاستئناف الأحكام الصادرة بحقهم، وهم 15 محكوما من خلية "الكفاءات" والبقية 14 شابا مما عرفوا بـ "مجموعة الـ 24"، في تصعيد متواصل بحق كل من يحاول أن يرفع صوته للمطالبة بحقوقه وحرياته أو يحاول أن يجتهد خارج إمرة ووصاية "أولياء الأمور" من الحكام السعوديين، وبالإضافة إلى هؤلاء هناك من هو محكوم بالإعدام على خلفية إرهابية، هذا وتفيد المعلومات أن الجميع سيعدمون في سياق واحد في تكرار لما حصل في مطلع العام 2016 عندما أعدم العشرات على رأسهم الشيخ الشهيد نمر باقر النمر.
 
انتهاكات بالجملة..

 واللافت هنا أن التهم الموجهة لخلية الكفاءات ولمجموعة  الـ24  هي تهم تتركز حول الإرهاب والإخلال بأمن المملكة وصولا إلى التخابر مع إيران والاجتماع بقائد الثورة الاسلامية الإمام السيد علي الخامنئي، في إيحاء أن هناك مخططات تدبر ضد النظام الحاكم في المملكة، وبنفس السياق مع حملة الإعدامات مطلع العام 2016 يتم إضافة بعض الإرهابيين الحقيقيين ممن تورطوا فعلا بالإرهاب التكفيري المعروف الدعم والتمويل والتوجيه، للقول بعد ذلك أن كل من يتم إعدامهم هم من الإرهابيين، ورسم مثل هذا السيناريو لهذه الجولة من الإعدامات يؤكد أن الأمور تدار عبر العقلية الأمنية الإستخباراتية التي تخترع سيناريوهات لأهداف معينة، بدل أن تدار الأمور وتحكم عبر منظومة من الإجراءات القانونية والقضائية التي تحفظ الحقوق وتمنع حصول تجاوزات قد تفضي إلى معاقبة أشخاص على أفعال لم يرتكبوها أو يعاقبوا على ما قاموا به بشكل تعسفي فاحش حيث لا توازن بين الفعل والعقوبة المفروضة.

ولكن كيف يمكن فهم هذه الطريقة في إدارة الأمور الحقوقية والقضائية في المملكة؟ وكيف يمكن تقييم هذه الأحكام من مختلف الجوانب القانونية والقضائية وصولا للغايات السياسية التي تسعى إلى تحقيقها؟ وماذا تريد السلطات الحاكمة في المملكة من كل هذا التصعيد؟ هل من رسائل خلف هذا التصعيد المستمر من قبل السلطات لتنفيذ حملات من الإعدامات الجماعية؟ هل الهدف إلغاء كل صوت معارض؟ هل هناك تأكيد على إلغاء الحرية الفردية بشكل كامل؟ هل الهدف تصفية مكونات أساسية في الوطن؟ وإلى أين تسير الأمور في المملكة في ظل كل ذلك؟ هل هذا هو المستقبل الموعود للمملكة وسط القتل الجماعي الذي يلبس لبوس القانون والقضاء؟ أليس ما يجري أشبه  بالتصفيات الجماعية للأفراد؟ أليس ما يجري من محاكمات أشبه بالمحاكمات العسكرية أو المحاكمات أمام محاكم عرفية تحكمها أنظمة الطوارئ حيث غالبا ما تكون الأحكام معلب ومعروفة مسبقا؟
 
حقوق الإنسان والرؤية الأمنية..

 والحقيقة أن الاستمرار في هذا الأسلوب العنفي في إصدار الأحكام يعيد طرح مسائل متعلقة بمنظومة الحقوق المنتهكة في المملكة، حيث لا يأمن الإنسان على نفسه أو ماله أو عرضه وأمنه الشخصي والعائلي في أية حركة قد يقوم بها، وسواء كان من هذا الفريق الثقافي والفكري أو غير ذاك وسواء يمارس نشاطات سياسية ويعبر عن رأيه أم لا، فأحد أبرز المشاكل في المملكة أن الجو القائم يغلب عليه الطابع الأمني حيث لا مجال للبحث عن أفق للحرية أو مطالبة بصيانة وحفظ الحقوق، فالأساس هو الرؤية الأمنية حيث قد تصنع مخططات لأهداف معينة يكون فريستها هو المواطن العادي دون أي ذنب أو خطأ ارتكبه، وهذا ما جرى مع المحكومين بالإعدام الـ29 اليوم.
 
فبعض المحكومين سيعدمون لأنهم عبروا عن رأيهم وهذا في الأساس مخالف للقانون والشريعة، إنما بات موجودا في واقع الحال في المملكة رغم كل الرفض والإدانة له، إلا أن بعض المحكومين وجدوا أنفسهم ملاحقين من دون ارتكاب أي شيء يعاقب عليه القانون ومن دون الخروج للتظاهر أو لإبداء الرأي السياسي سواء في الشارع أو عبر الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، المحكومون وجدوا أنفسهم أمام سيل من التهم التي حيكت لها حيثيات ونسجت لها رواية وتفاصيل دقيقة بحبكة جيدة، ما يجعل الأساس في المملكة هو الاتهام وليس البراءة، وعلى المواطن أن يبحث عن طرق للدفاع عن نفسه أمام تهم لم يرتكبها مطلقا بل الأصعب من ذلك عليه إثبات البراءة أمام من اختلق التهم ويريد إلباسه هي بشتى الوسائل وصولا إلى إعدامه.
 
أداء القضاء.. وحتمية تنفيذ الأحكام

بعد ذلك هل من الممكن في مثل هذا النظام الأمني وليس القضائي إثبات البراءة لمتهم؟ يكفي التفكير بسيل الانتهاكات التي تحصل مع المحكوم منذ لحظة اعتقاله وحتى لحظة إصدار الحكم عليه وصولا لتنفيذها حتى ندرك مدى قانونية الأحكام والإجراءات التي اتخذت بحقه، فالاعتقالات تحصل بشكل غير قانوني ومخالف لأبسط المبادئ وكذلك المحاكمات والتعذيب داخل السجون لانتزاع اعترافات معينة، حتى أن المحكومين يقفون أمام "القضاة" ويؤكدون أن الاعترافات إما أخذت منهم تحت التعذيب وإما أنهم لم ينطقوا بها ومع ذلك يرفض القضاة الإصغاء لهم أو الأخذ بروايتهم مع وجود في كثير من الأحيان دلائل تؤكد صحة ما يقولون من آثار تعذيب وضرب وتعنيف وغيرها.
 
وتشير مصادر مطلعة على الأوضاع في المملكة إلى أنه "مع تصديق الأحكام فإنه يتوقع تنفيذ الإعدامات في أي لحظة خاصة مع نقل جميع من صدقت أحكامهم إلى الرياض وتواجد عسكري كثيف في القطيف مع تأزم الأوضاع داخليا وخارجيا".
 
في حين أن العديد من المنظمات الحقوقية أكدت على وقوع الكثير من المخالفات القانونية والانتهاكات خلال المحاكمات التي غابت عنها الشروط التي تضمن عدالتها، على سبيل المثال عقدت جلسات بشكل سري، لم يمكن بعض المحكومين من الاستعانة أو الاتصال بمحامي أو التواصل مع عائلاتهم.
 
وفي هذا الإطار، اعتبرت منظمة "القسط" الحقوقية أن "القضاء السعودي غير مستقل ولا يحتكم إلى قانون واضح ومكتوب"، وأشارت إلى أن "السلطات السعودية ترفض أن تقنن الإجراءات أمام القضاء وأن تكتب القوانين فتعطي القضاة الحق القانوني والشرعي في الاجتهاد في إنزال الأحكام بينما تخضعهم لضغوط السلطات العليا"، وتابعت "بذلك يكون الموجه لأحكام القضاة هو الضغط من السلطات وليس القانون".
 
رغم كل ذلك يبقى الرهان على وجود بعض الأصوات العاقلة والحكيمة في المؤسسة السياسية السعودية التي تنبه من خطورة الاستمرار بما يحصل على مجمل الوضع العام في البلاد، فهل نرى مثل هذا التحرك لوقف تنفيذ الأحكام؟ وهل نرى أي تدخل أو ضغط أو نصيحة من قبل الرعاة الدوليين أو الحلفاء الإقليميين لمنع تنفيذ مثل هذه الأحكام المسيسة بشكل لا جدال فيه لما لها من انعكاسات سلبية على مستقبل البلاد؟

المصدر: العهد

/انتهي/ 

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة