تاريخ آل خليفة من احتلال البحرين الى تسليمها لبريطانيا

تاریخ آل خلیفة من احتلال البحرین الى تسلیمها لبریطانیا

أوعز الإنكليز إلى أحمد بن محمد بن خليفة في عام 1782م بمهاجمة جزيرة سترة المعزولة ليلًا، وبالفعل هاجموها وقاموا بنهب ثروات أهلها بعد مجزرةٍ عظيمةٍ قتلوا فيها الكثير من سكّانها.

بعد تعاظم وتوسّع قوى العتوب في المنطقة بسبب عمليّات النّهب والتّجارة مع الإنكليز وتشكيلهم تهديد على الشّعوب الموجودة هناك تحالف شيوخ بوشهر وهرمز العرب (بإيعاز من كريم خان زند الذي قدّم دعمًا بالقوّات الفارسيّة) وكذلك شيخ القواسم ضد الزّبارة والكويت وأعدّوا العدّة من أجل الهجوم على العتوب هناك لكن لم تتحرّك هذه القوّات قط؛ وبالرّغم من تكرّر تلك الاستعدادات إلّا أنّها لم تنفذ لما تعانيه كلّ واحدة من تلك القوى من مشاكل داخليّة.

الوجود البريطانيّ في الخليج (الفارسي) لم يكن خارج الصّورة بل كان في عمقها وقد اطمأنّ لعدم قدرة شعوب المنطقة على التصدّي لعملائه من القراصنة فأوعز الإنكليز إلى أحمد بن محمد بن خليفة في عام 1782م بمهاجمة جزيرة سترة المعزولة ليلًا، وبالفعل هاجموها وقاموا بنهب ثروات أهلها بعد مجزرةٍ عظيمةٍ قتلوا فيها الكثير من سكّانها.

بعد عام من ذلك بالتّحديد في الثّامن والعشرين من شهر يوليو 1783م الموافق ليوم الاثنين 28 شعبان 1197هـ جمع العتوب قواهم بقيادة آل خليفة وهاجموا البحرين واحتلُّوها وبذلك بدأ الحكم الوراثيّ لآل خليفة واستمرّ حتّى اليوم.

آل خليفة في البحرين

بعد سنة 1783م بدأت حقبةٌ جديدةٌ وتاريخٌ آخر يتشكّل في جزيرة البحرين، فبينما يسمّيها الإنكليز والخليفيّون (العهد الجديد) يقول الواقع أنّها حقبة من السواد، وتاريخٌ من الاندثار والتّهجير ورحلة من الألم والعذاب.

بعد احتلال تحالف العتوب للبحرين عمَّ الاستبداد وازداد الظّلم وجلس وحشٌ أثيمٌ على صدر أبناء الشّعب وهشّم عظامه، فأطلق العتوب على سكّانها الأصليّين تسمية "حلايل" إذ تشير الكلمة إلى أنّ هؤلاء السكّان محلّلُوا الدّم والمال والعرض، فهم ملكٌ للمالك الذي هو شيخ القبيلة والتصرّف معهم بأيّ سلوك وحشي أو غيره جائز لأنّهم لا يرقون لطبقة القبيلة وفق النّظام الطبقيّ القبليّ، وهكذا يتحوّل السكّان الأصليّون في القرى إلى مجموعات هامشيّة يقتل من يقتل منهم ويشرّد من يشرّد منهم وتنتهك الحرمات والأعراض، فكم من قرية قد سلبت ونهبت وقتل رجالها وسبيت نساؤها؟!.

لا داعي لأن ندعم توثيق الجرائم في هذا الجزء بالمصادر كما في الجزء الاول فقبور الشّهداء وروايات الأهالي وتشرّد عوائل البحارنة في أقصاع الأرض كافية لإدانة الخليفيّين، ولكن من باب الأمانة التاريخيّة سنذكر بعض المراجع التي يستطيع الباحث التوسّع من خلالها. مع ملاحظة أنّ كثير مما سيُنقل في هذا الجزء هو اقتباسات لجرائم سجّلها أبناء البحرين وتنظيمات معارضة.

جرائم الخليفيّين بحقّ الوطن (ملاحظة: سيتم السّرد وفق التّسلسل الزمنيّ):

جاء في كتاب الجبهة الإسلاميّة لتحرير البحرين، كفاح شعب البحرين:

ظلّ أحمد الخليفة يحكم البحرين بالقوّة حتى عام 1796م حيث مات وخلَفَه ابناه عبدالله وسلمان.

ولأنّ آل خليفة كانوا غرباء عن الشّعب البحرانيّ ولا تربطهم بالبحرين أيّة رابطة سوى رابطة (المحتلّ) بالأرض المحتلّة لذلك فإنّهم لم يكونوا مستعدّين للدّفاع عن البحرين وسكّانها، ومن هنا فعندما أرسلت سلطات عمان في عام 1799م أسطولها لاحتلال البحرين هرب الشّيخ سلمان إلى الزّبارة دون أيّة مقاومة وسلّم البحرين بكل سهولة.

وبقيَ هذا الأخير في الزّبارة حتى عام 1807م حيث عاد وغصب البحرين وطلب مساعدة الوهابيّين في ذلك. (لوريمر، دليل الخليج (الفارسي) ص1274-1275)

عام 1814م:

جرى اتصال بين البريطانيّين وبين آل خليفة –بحكم طبيعة مهمّة الطّرفين اللصوصيّة- ووافق المشايخ على عدم القيام بأيّ عمل يضرّ بالمصالح البريطانيّة.

عام 1816م:

تحوّلت البحرين إلى سوقٍ وقاعدةٍ للقراصنة بسبب سياسات آل خليفة في دعم القرصنة والقراصنة وتوفير ما يحتاجونه من معدّات. (لوريمر، دليل الخليج (الفارسي) ص1280)

عام 1820م:

وقّع كلٌّ من العميل سلمان والعميل عبدالله –اللّذان كانا يشتركان في حكم البحرين- المعاهدة الكبرى الأولى مع شركة الهند الشرقيّة الاستعماريّة وهي الشّركة التي أوصت من ذي قبل باحتلال البحرين لضمان طريقها إلى مستعمراتها الكبرى –الهند- وكانت المعاهدة هي بداية استعمار البحرين، حيث أنّها نصّت في بعض بنودها على ما يلي:

  1. تلتزم السّفن التّابعة للعرب الأصدقاء (!) برفع علم أبيض في وسطه مربع أحمر يكون رمزًا لجنسيّتها، وشارة السّلام بين الشّيوخ من جهة والبريطانيّين من جهة أخرى .. ولا يجوز لها استعمال شعار آخر.
  2. ستحمل سفن العرب المسالمين كلّها سجلًّا يحوي توقيع الشّيخ واسم السّفينة وطولها وعرضها وحمولتها، إضافةً إلى رخصة بتوقيع الشّيخ تحوي اسم مالكها وربّانها وبحّارتها وسلاحها وتعيين ميناء الخروج وميناء الوصول، وإذا قابلت هذه السّفن سفينة بريطانيّة وجبت عليها تقديم السّجل والرّخصة.
  3. إذا لم تكُف أيّة قبيلة أو جماعة عن النّشاطات المعادية، فإنّ جميع العرب المسالمين سيعملون ضدّها حسب طاقاتهم، وسيجري اتفاق بهذا الخصوص بين العرب المسالمين والبريطانيّين عندما يحدث ذلك!.

وإلى جانب معاهدة السّلام هذه جرى توقيع اتفاقيّة متبادلة أخرى مع بريطانيا، وهي الاتفاقيّة التي كانت بريطانيا تتذرّع بها لفصل البحرين عن باقي الدّول الإسلاميّة حتى أنّه عندما قام وفد من قبل "الأستانة" وكان يتكوّن من بعض شيوخ البصرة وبغداد- بزيارة البحرين لتوحيدها مع باقي الدّول الإسلاميّة احتجّت بريطانيا لدى "الباب العالي" وادّعت أنّ البحرين دولةٌ مستقلةٌ بحكم ارتباطاتها مع بريطانيا بمعاهدات خاصّة!.

يناير 1823م:

بناءً على أوامر خاصّة من حكومة بومباي قام الملازم الإنكليزيّ ماكلاود بزيارة للبحرين طمأن فيها عملاءه من الخليفيّين بأنّ الاتفاقيّة التي وُقّعت سابقًا وتنص على سيادة إيران على البحرين قد ألغتها الحكومة البريطانيّة وأنّ سياستهم تجاه العملاء الخليفيّين لن تتغيّر، وقد أشار لوريمر إلى أنّ ماكلاود ذكر أنّ سلطة شيوخ البحرين على أرضهم ليست مطلقة كما يتوقّع، وأنّ "أهالي الجزر يتحمّلونها على مضضٍ ظاهر". (لوريمر، دليل الخليج (الفارسي) ص1288)

عام 1833م:

أصبح الشّيخ عبدالله هو الحاكم المطلق في البحرين وبسبب تلهّفه على أن يُمسك بخيوط السّلطة جميعًا في يديه، إلى جانب سوء حكمه وسوء الإدارة أدّت إلى تفاقم الأوضاع الداخليّة وأصبحت البحرين إمارةً تُنذِر البريطانيّين بالخطر.

عام 1836م:

كان احتمال البحارنة للخليفيّين يتلاشى وبدأت الجزر تخلو من سكّانها المهاجرين، وكانت المدن في حالة من الفوضى والخراب، كما زعم ستة من أبناء الشّيخ عبدالله أنّ لكلّ منهم سلطته المستقلّة وقد انحصرت جهودهم جميعًا في ابتزاز الأموال من التّجار وغيرهم، ولم يكن للمواطن البحرانيّ العادي أيّة حقوق معترف بها، حتّى حيواناته التي يملكها كثيرًا ما كانت تؤخذ منه لأعمال السّخَرَة ولا تُعاد إليه أبدًا، وكانت النّتيجة هجرة جماعيّة لأهالي البحرين إلى مختلف مناطق الخليج (الفارسي). (لوريمر، دليل الخليج (الفارسي) ص1299)

تجدر الإشارة إلى أنّ عبدالله الخليفة طلب المعونة من الحكومة الإيرانيّة في 1839م واعتبر البحرين من رعاياها، وقد طلب بنفسه من أمير الحكم في شيراز أن يرسل مبعوثًا إلى البحرين. (لوريمر، دليل الخليج(الفارسي) ص1304)

عام 1840م:

عندما لم يعجب الحكومة الإنكليزيّة شيخ البحرين عبدالله الخليفة ارتأت أن تستبدله بعميل آخر، لذلك ناقشت اللّجنة السريّة لمديري شركة الهند الشرقيّة الاستعماريّة إمكانيّة استبداله بعبدٍ آخر أكثر عبوديّة، فقرّرت أن تعطي المجال لسيد عمان بغزو البحرين وأن لا تقف في وجهه!! لكنّ هذه الخطّة كانت تواجه خللًا فنيًّا وهو خرق الخطّ المانع الذي أقامته السّلطات الإنكليزيّة في سنة 1836م وهو خرق لابدّ أن يحدث. (لوريمر، دليل الخليج (الفارسي) ص1310)

نتيجةً لذلك عملت الحكومة البريطانيّة على إثارة خلاف بين الشّيخ عبدالله الخليفة وحفيد شقيقه محمد بن خليفة بن سلمان ممّا أدّى لحدوث العديد من المناوشات والحروب على مدى 3 سنوات، وبعد أن طُرِدَ الشّيخ محمد خارج البحرين أوعز الإنكليز له بالتّحالف مع عيسى بن طريف زعيم آل بن علي وبشير بن رحمة بمباركة المقيم البريطانيّ في بوشهر، وتم منحهم الإذن للقيام بأعمال عسكريّة وسمح لهم بنهب المنامة. (لوريمر، دليل الخليج (الفارسي) ص1313)، بعد هزيمة الشّيخ عبدالله الخليفة وهربه من البحرين ذهب للتسوّل من قوى المنطقة من أجل مدّ يد العون له ومساعدته لاحتلال البحرين مقابل إغراءات قدّمها لهم.

في الفترة الممتدّة بين أربعينات وستينات القرن التّاسع عشر لم تنعم البحرين –كما مضى- بالهدوء الداخليّ بل سادت موجةٌ من الاضطرابات والمشاكل، وكانت الحالة في البحرين حسب وصف الملازم ديسبروا: "كنا نتوقّع دائمًا حدوث الاضطرابات والهجمات، ونطلب نصيحة المقيم، وكثيرًا ما كنّا نختلف معه حول ضرورة تقديم النّصائح الواضحة لنا، فمن الأمور العادية التي آنذاك في البحرين اضطهاد الرّعايا –يقصد اضطهاد الخليفيّين للبحارنة-، وفرار من يقع عليه الاضطهاد من الجزر، وإرسال الوفود المسلّحة المفوّضة تفويضًا كاملًا لعقد اتفاقيّات ثم عودتهم، وتوجيه اللّوم إليهم لهذه الاتّفاقيات التي توصّلوا إليها ..".

عام 1861م:

وقّع العميل محمد بن خليفة معاهدة خائنة مع بريطانيا تنصّ على أنّ البحرين من محميّات بريطانيا –وتفتحها للاحتكارات البريطانيّة وتفصلها عن بقيّة الدّول العربيّة والإسلاميّة، وقد جاء في بنود الاتفاقيّة:

  1.  يعلن الشّيخ محمد بن خليفة حاكم البحرين المستقلّ أصالةً عن نفسه ونيابةً عن ورثته وخلفائه، وبحضور الرّؤساء والكبراء –الذين شهدوا هذه الوثيقة- انضمامه إلى معاهدة الصّداقة والسّلام الدّائم.
  2.  لكي يتسنّى تنفيذ الالتزامات السّابقة يوافق الشّيخ على أن يُطلع بالرّعاية الممكنة المقيم البريطانيّ في الخليج (الفارسي) –باعتباره مرجع الفصل في مثل هذه الحالات (!)- على كافّة الأعمال العدوانيّة التي تشن أو قد شنّت بحرًا.
  3.  للرّعايا البريطانيّين من جميع الطّوائف أن يقيموا في البحرين ويمارسوا فيها تجارتهم، ويتمتّع هؤلاء الرّعايا وتابعوهم بمعاملة الدّولة الأكثر رعاية وتحال جميع الخلافات التي تنشب بين الرّعايا البريطانيّين وبين أهالي البحرين إلى المقيم البريطانيّ لتسوية الخلافات.

وهكذا باع الحاكم الخليفيّ البحرين لبريطانيا، ضارباً بذلك كل القيم الإلهيّة التي تمنع المسلم من عبادة غير الله والخضوع له.

 

المصدر: كتاب آل خليفة الأصول والتّاريخ الأسود

يتبع..

الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة