التيارات الشيعية العراقية وضرورة اليقظة إزاء المؤامرات والفتن الداخلية

التیارات الشیعیة العراقیة وضرورة الیقظة إزاء المؤامرات والفتن الداخلیة

في الظروف التي يواجه فيها العراق مجاميع الإرهاب والتطرف والإنتصارات الكبيرة التي حققهها على هذه المجاميع بدعم وإسناد من مختلف أبناء الشعب العراقي، نجد بعض التحركات المريبة التي تحاول جاهدة منع حصد ثمار هذه الإنتصارات العظيمة.

فأعداء الشعب العراقي الذين كانوا قد أصيبوا في يوم من الأيام بالهلع من قيام حكومة منتخبة شعبياً في العراق، وحولوا هذا البلد إلى ساحة للإنتقام عبر تصدير الإرهاب والسلاح إليه، ها هم اليوم قد عادوا ليطفوا إلى السطح مجدداً وينتقموا من الشعب العراقي.

لقد قامت بعض دول المنطقة التي لم تكن راضية عن النموذج الديمقراطي المتبع في العراق والغريبة أصلاً عن الديمقراطية، بالتعاون مع وسائل الإعلام التابعة لها بشن حرب إعلامية كبيرة ضد هذا البلد، وسعت لتسميم الرأي العام بمقولة مفادها أن الشيعة يريدون عزل أهل السنة وأبعادهم عن جميع مراكز صنع القرار، لكن شيعة العراق وبنظرة ثاقبة وبالمشاركة مع كافة الأطياف والتيارات السياسية العراقية أفشلوا هذه الحرب وأخذوا بزمام المبادرة فيها.

فالشيعة ورغم تشكيلهم للثقل الأكبر في العراق إلا أنهم كانوا طوال العقود الثلاثة الماضية على الهامش، حيث لم نكن نسمع صوتاً لهذه الدول التي تحمل الآن لواء الدفاع عن أهل السنة، لكن بعد سقوط النظام السابق ووصول الشيعة إلى سدة الحكم باعتبار أنهم يشكلون الأكثرية،أخذت هذه الدول وما تزال القرع على طبول الطائفية في العراق، وسعت عبر إثارة النعرات الطائفية والمذهبية إلى دفع أبناء الشعب العراقي إلى الإقتتال الطائفي والحرب المذهبية، لكن حكمة ويقظة المرجعية الدينية الشيعية في العراق أفشلت هذه المؤامرات، حيث يواصل شيعة العراق وسنته وباقي القوميات والطوائف العراقية التعايش سلمياً جنباً إلى جنب، والسعي جميعاً إلى تطوير ورقي العراق.

إن العراق اليوم يمر بظروف تأريخية وسياسية حساسة، وبما أنه مقبل في العام القادم على إجراء إنتخابات برلمانية، فإن هناك مساعي مدمرة يقوم بها البعض لإيجاد فجوة وشرخ بين المكون الشيعي الذي يشكل القوة الأكبر في الحكومة، حيث يستدعي هذا الأمر اليقظة والإنتباه من جميع التيارات السياسية العراقية.

وفي هذا الصدد هناك تحركات مبهمة تقوم بها بعض الدول في المنطقة وخارجها ووسائل الإعلام التابعة لها للقضاء على العلاقة التي تربط العراق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث تسعى هذه الدول عبر طرحها لمواضيع هامشية إلى القول أن علاقة التيارات السياسية الشيعية مع طهران في طريقها إلى الإضمحلال، وأن نفوذ إيران في العراق بصدد الإندثار، ولا تعلم هذه الدول أن علاقة الجمهورية الإسلامية بالتيارات السياسية في العراق، هي أكبر من المصالح الحزبية والسياسية، وأن هذه العلاقة ترجع إلى القواسم الثقافية، والدينية والمذهبية المشتركة بين شيعة كلا البلدين إيران والعراق.

ففي الوقت الذي كانت فيه هذه الدول تصدر الإرهاب والسلاح إلى العراق بغية ضربه في أمنه وإستقراره، كانت إيران بمستشاريها العسكريين تقف جنباً إلى جنب مع الجيش والحشد الشعبي العراقيين في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، وكما صرح المسؤولون العراقيون مراراً أنه لو لم يكن الدعم الإيراني حاضراً لكانت داعش اليوم في بغداد.

والآن وبعد أن إستطاع العراق بوحدة وتضامن شعبه وقواته المسلحة الإنتصار على عدوه المشترك أي تنظيم داعش الإجرامي، فإن مواصلة هذا الطريق تستدعي أيضاً الوحدة والتضامن بين جميع التيارات السياسية العراقية لإجهاض هذه المؤامرات في مهدها والقضاء عليها.

في الحقيقة إن أعداء الشعب العراقي في الظروف الراهنة يأخذون على عاتقهم تنفيذ خطتين، حيث جعلوهما على رأس الأولويات بالنسبة لهم، وهما:

أولاً، إشاعة الإختلافات بين التيارات السياسية الشيعية العراقية بصفتها القوة الأكبر في الحكم بالعراق، حيث بدأت هذه الخطة عملياً بالترويج لقضايا هامشية، والإنحياز إلى طرف على حساب آخر.

وثانياً، السعي إلى تأزيم العلاقة بين إيران والعراق والأحزاب السياسية في هذا البلد.

هاتان الخطتان وضعتا أيضاً على سلم الأولويات بالنسبة لوسائل الإعلام المرتبطة ببعض الأنظمة العربية في المنطقة والدول الغربية، ونظراً لكون العراق مقبل في العام القادم على إجراء إنتخابات برلمانية، فهم يسعون عبر إشاعة الخلافات بين المكون الشيعي الذي يمسك بزمام السلطة في العراق، إلى الحيلولة دون تحقيق هذا المكون للإنتصار الحاسم في هذه الإنتخابات، وإفقاده الأكثرية، ليتمكنوا بعد ذلك من المجيء بمن يرغبون هم ويريدون لهم التفرد بزمام السلطة في العراق.

من جانب آخر تسعى هذه الدول إلى القضاء على العلاقة بين إيران والعراق، حيث لم تدخر في ذلك أي جهد من شأنه تحقيق رغبتها هذه، بدءاً من الترويج لأخبار "كاذبة ومفبركة" ضد إيران، ومروراً بمحاولة إظهار التيارات السياسية الشيعية على أنها مرتبطة بإيران، وأخيراً الترويج لإبتعاد هذه التيارات عن إيران.

وخلافاً لإدعاءات وسائل الإعلام العربية في إظهار التيارات الشيعية على أنها مرتبطة بإيران، فإن الزيارات الأخيرة التي قام بها المسؤولون السياسيون العراقيون إلى بعض البلدان في المنطقة لتعزيز العلاقات بين العراق وهذه الدول، بيَّنت أن هذه التيارات ليست مرتبطة بأي دولة خارجية، وهي تضع مسألة حماية المصالح الوطنية والدينية على رأس أولوياتها، وأن رغبة وإرادة الدول الأخرى لا يمكنها التاثير على عزم وإرادة والتوجهات السياسية لهذه التيارات.

إن إيران تدعم تعزيز العراق لعلاقاته مع الدول الإقليمية، وهي ترى ذلك يصب في مصلحة الإستقرار والأمن في المنطقة. فلا يوجد بلد تضرر من إنعدام الأمن والإستقرار في العراق أكثر من إيران، والجمهورية الإسلامية ترى في أمن العراق وإستقراره جزءً من أمنها واستقرارها، وهي تشعر بالقلق أكثر من أي دولة أخرى إزاء الوضع الأمني والإستقرار في العراق لأن أنعدام الأمن والإستقرار فيه سيؤثر من دون شك على الأمن والإستقرار في إيران.

وعليه فإنه يتوقع من قادة التيارات السياسية العراقية في ظل الظروف الحساسة التي يمر بها هذا البلد، العمل عبر حفاظهم على الوحدة والتضامن بينهم، على منع حدوث الفجوات والإختلافات بينهم، وألا يسمحوا لأعداء الشعب العراقي بإستغلال هذا الأمر للوصول إلى أهدافهم وغاياتهم الرخيصة.

فمن الطبيعي جداً أن يكون هناك إختلاف في وجهات النظر السياسية إزاء القضايا السياسية المختلفة، لكن المهم هو أن يسعى قادة التيارات السياسية العراقية عبر الحوار والتفاهم إلى الحيلولة دون حدوث أي إختلاف بينهم وتفويت الفرص على من يحاولون إستغلالها لضرب العراق وتياراته السياسية لتحقيق مآربهم وغاياتهم المشؤومة.

* كاتب و صحفي ايراني

/انتهي/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة