"تسنيم" تتجول في أخطر جبهة ملاصقة لدمشق.. الحربُ التي لا مثيل لها في سوريا +فيديو وصور


دمشق / تسنيم // هنا "جوبر".. الجبهة الأطول والأسخن والأعجب في تاريخ الحرب على سوريا.. 6 سنواتٍ من المعارك خاضها الجيش السوري في هذا الحي الدمشقي، تحطمت فيها كل محاولات المسلحين في اقتحام العاصمة.. ذاك الحلم الذي راود المسلحين عشرات المرات، تبدد على أعتاب هذه القلعة الصامدة.

 

أمتارٌ قليلة قطعناها قادمين من الجهة الشرقية لدمشق، لنجد أنفسنا فجأة في قلب المعركة، حيث لا مكان هنا للمدنيين ولا صوت إلا صوت السلاح وحديث العسكر.

ندخل إلى عمق الحي برفقة أحد القادة الميدانيين ونجتاز الأبنية والممرات لنصل في النهاية إلى السواتر التي أقامها الجيش كحدّ فاصل بينهم وبين الإرهابيين، الحذر هنا واجب، فخلف هذا الستار يقبع المسلحون وينتشر قناصوهم لضرب أي هدف متحرك.

نتابع طريقنا بصحبة القائد الميداني وندخل من الفتحات المحفورة في الجدران لنصعد بعدها إلى النقاط التي يتحصن فيها عناصر الجيش السوري، والتي يشرفون من خلالها على تجمعات المسلحين، ويستهدفون أي تحرك لهم.. ففي هذه الأبنية التي رصدتها عدستنا يتحصن الإرهابيون ويستتر قناصوهم.

نسأل أحد المقاتلين المرابطين على خط النار: "ماهي مهمتك حالياً في جوبر؟" يجيب المقاتل: "مهمتي هنا هي الرصد، وقطع طريق إمداد المسلحين واستهداف الطريق الذي يتقدمون منه على محور "عين ترما" جنوب الأتوستراد (الطريق الدولي)".

يضيف المقاتل بكل ثقة : "نحن جاهزون لضرب أي هدف يمكن أن يظهر أمامنا، في أي محاولة لإطلاق صاروخ أو قذيفة من قبل المسلحين، نحن لهم بالمرصاد، سنبقى صامدين هنا حتى آخر نفس في حياتنا"

نسمع أثناء حديثنا صوت المعارك ونسأل الجندي: "سمعنا الآن صوت إطلاق نار، أخبرنا أكثر عن المعارك التي تجري حالياً في جوبر".

يجيب : "بحمد الله نخوض معارك ضد المسلحين وهناك تقدم واضح لنا بشكل دائم، والمعارك مستمرة، وفي بعض الأحيان يحاول المسلحون العبور بدراجاتهم النارية، لكن نكون لهم بالمرصاد، ولا نسمح لأي عربة أو هدف أو انتحاريين أن يتقدموا بل نتصدى لهم باستمرار، وسنبقى مرابطين هنا بإذن الله حتى آخر نفس فينا".

حرب من نوع آخر يخوضها الجيش السوري هنا في هذا الحي.. إنها حرب النفاق.. خبرة كبيرة اكتسبها الجيش في التعامل مع هذا النوع من الحروب، ففي مقابل كل نفق يحفره المسلحون، هناك نفق آخر معاكس يحفره الجيش السوري في الاتجاه نفسه.. لينتظر بعدها اللحظة الحاسمة ليفجّر النفق.. ويدفن تحته العشرات من المسلحين.

يقول لنا أحد المقاتلين : "الأنفاق هي السبب الذي يقف في وجه الحسم النهائي لهذه الجبهة، فتحت جوبر توجد مدينة كاملة تم حفرها خلال الأعوام الستة الماضية".

نقف على فوهة أحد الأنفاق التي سيطر عليها الجيش السوري خلال معاركه في حي جوبر الدمشقي، هذا النفق الذي حاول المسلحون العبور من خلاله للدخول إلى مدينة دمشق، لكن رجال الجيش السوري كانوا لهم بالمرصاد".

قابلنا أحد القادة الميدانيين ليشرح لنا طبيعة المعارك في هذا الحي وأهم ما يميزه عن غيره من المناطق.

نسأل القائد: "لو تتحدث لنا عن الأهمية الاستراتيجية لجبهة جوبر التي نتواجد فيها حالياً؟"

يجيب القائد الميداني : "تكمن أهمية جبهة جوبر بقربها من العاصمة، وانطلاقاً منها كان هناك تهديدات كثيرة من قبل المسلحين بدخول العاصمة من عدة سنوات، إضافة إلى تهديد الناس العزّل في المناطق المدنية بالقذائف الصاروخية وقذائف الهاون"؛ مضيفاً: "لقد حاولنا في الفترات السابقة أن نتقدم على المسلحين وكان تقدمنا ناجحاً بحمد الله، واستطعنا أن ندحرهم من الخطوط الأولى وكسرنا لهم خط الدفاع الأول، ومازال التقدم مستمراً إلى الآن".

ولفت القائد الميداني إلى أن هناك صعوبة وبطئا في التقدم، لكن النجاحات التي وصلنا لها ميزة جداً، وبإذن الله خلال فترة وجيزة، ستكون جوبر في قبضة الجيش العربي السوري".

نسأله: "لقد تميزت جوبر بأنها تحوي عدداً كبيراً من الأنفاق، لو تحدثنا عن خصوصية جوبر من حيث الأنفاق"، يجيب القائد الميداني : "تأتي هذه الخصوصية في أن جوبر تقع في منطقة الغوطة، وكما نعلم فإن الحفر في تربة الغوطة الشرقي سهل جداً، ولا توجد صخور في هذه التربة، كما أن الأنفاق التي يحفرها المسلحون متينة، لأن التربة الموجودة هنا متماسكة وانهدامها قليل، ثانياً، الجيش يتقدم في جوبر ببطء بسبب وجود العدد الكبير من هذه الأنفاق" مشيراً إلى أن أي تقدم باتجاه أي نفق يحفره المسلحون، يتم من خلال حفر نفق آخر نحوه، وهذا الأمر يأخذ منا وقتا أكثر في التقدم".

يختم قائلا: "الحمد لله لقد أحرزنا تقدماً كبيراً وسيطرنا على القسم الأكبر من الأنفاق الموجودة، وفي الأيام القادمة سيكون القسم المتبقي تحت سيطرة الجيش بإذن الله".

صادفتنا في طريقنا إحدى المجموعات العائدة من مهمتها القتالية، لفتتنا الابتسامة المرسومة على وجوههم وشارات النصر التي رفعوها أمام عدسة الكاميرا، فرغم المخاطر الكبيرة التي تواجههم، تراهم متفائلين دائماً بالنصر الأكيد.

نسأل أحد المقاتلين في هذه المجموعة عن أسباب صمود الجيش السوري الذي يقاتل في جوبر منذ أكثر من خمس سنوات والتي منعت المسلحين من دخول العاصمة"؟

يقول المقاتل: "أول سبب لصمودنا هو الإرادة، ثانياً؛ امتلكنا خططاً بديلة للخطط التي يستخدمها المسلحون من حيث الأنفاق ومن خلال خبرتنا في المعارك التي شاركنا فيها، فاكتسبنا خبرة في التعامل مع كل الأساليب التي يستخدمها المسلحون، ويبقى السبب الأساسي هو إيماننا الكبير برب العالمين، وإيماننا بوطننا وبالقضية التي ندافع عنها وبأننا على حق وبالتأكيد سيكون النصر في النهاية للحق".

يضيف مقاتل آخر: "بإذن الله نحن لا نخاف، لأنه يوجد هنا رجال يحمون الأرض، وقادرون على خوض هذه المعارك الشرسة ضد المسلحين".

صوت السلاح ليس الصوت الوحيد الذي يجمع المقاتلين في جوبر.. فهذا الشاب الذي يحمل البندقية بيده، يجتمع  حوله الأصدقاء أيضاً، ليستمتعوا بصوته العذب وهو يؤدي الأناشيد الوطنية.

قلنا له أن المقاتلين الذين قابلناهم قالوا إنك تملك صوتاً جميلاً، وطلبنا منه أن يسمعنا أحد المقاطع التي يحفظها"

ينشد المقاتل بصوت عذب ولهجة جبلية مميزة :

"جبلنا بدمنا ترابو جبلنا"

"مهما الدهر غضباتو جبلنا"

"منبقى هون ما منترك جبلنا"

"تراب الوطن أغلى من الذهب"

الجيش السوري الذي قدّم العديد من الشهداء وسالت دماء رجاله على هذه الأرض، مازال يتابع عملياته العسكرية في هذا الحي ضد المجموعات الإرهابية، حيث يأمل الدمشقيون أن يُطوى ملف جوبر قريباً، ليرتاحوا من قذائف الموت التي يطلقها الإرهابيون على أحياء العاصمة.

من جبهة جوبر شرق العاصمة دمشق – فتحي نظام – وكالة تسنيم.