سايكولوجيا جماعات العنف

سایکولوجیا جماعات العنف

طهران / تسنيم // من منا لم يلحظ القسوة الدموية لبعض الجماعات التي توصف بالاسلامية؟ ومن منا لم يستمع الى قصص فيها من الكراهية قدر ما فيها من الحماقة. إذ ماذا يعني هذا القتل الجماعي المصحوب ببشاعة ينفر منها الضمير ويدينها العقل. ماهو الحق الذي يستند اليه هذا السلوك؟، ما هي مبررات رفض الآخر الى حد استئصاله. ومن هو هذا (الآخر) الذي يتوجه اليه هذا الموت؟.

بقلم د.أحمد الصحاف؛ أستاذ الاجتماع السياسي والجماعات
 
 في العالم كله يتأصل العنف وتؤدلج الكراهية وتعزز مرجعيات التجنب ويبدو التعايش المستقر أملاً يقارب اليوتوبيا . قد يقول البعض ان هذه الجماعات تقدم دليلاً جاهزاً لأولئك الذين يتهمون الاسلام بالارهاب . على اننا ندرك بأن ذلك ليس صحيحاً أليس بين المسيحين جماعات مارست العنف؟ (حزب الكتائب اللبناني مثلا )، وهل لا يمارس الصهاينة في فلسطين اشكالا متعددة من العنف الذي ينم عن الكراهية. بل ونستمع يومياً الى عمليات قتل جماعي في ميانمار ، وتظهر أدبيات ووسائل اعلام كيف تقوم جميعات ومراكز متخصصة في الغرب باذكاء الكراهية ضد المسلمين. إذ يقوم احد القساوسة بحرق كتاب الله .. ويقوم آخر برسم صور مسيئة للرسول (صلى الله عليه وآله). ومع ذلك، فهناك من كبار المنظرين مثل برِجنسكي من يرى بأن محاولة تصوير الاسلام (المتطرف) على انه التهديد المركزي للغرب بأعتباره خليفة الشيوعية، إنما هي محاولة في غاية البساطة.

الكراهية تطلق العنف وتبرره ُوتجعل تدمير الآخر من ضرورات وجود الذات. وكلما تأصلت الكراهية وأتسع نطاقها بشرياً أتسع نطاق العنف، وأصبح الجدل المسلح بديلاً عن الحوار، ودخل المجتمع دوامة التفكك. يقول آلان تورين: ان التصدي للقوى اللاأجتماعية واللاشخصية التي تغزو المجال الاجتماعي لم يعد ممكناً، اذ اننا نشهد تفكك الاجتماعي مع انتقال المجتمع الى جماعات منغلقة على ذاتها تمسك بزمامها سلطة مستبدة ترفض من منطلق العداوة سائر الجماعات.

في البلاد العربية خصوصا وبعد موجات التكفير وتصدي جماعاتها، تتصاعد وتائر الكراهية، فلا نستثني طفلاً أو امرأة أو شيخاً فتزداد الشروخ والانقسامات في بنية المجتمعات، وتبدأ الذاكرة الجمعية بفقدان مصادر التعايش والتضامن ، وتصبح المصالح المشتركة أسيرة أهواء أمراء الحرب وفلاسفة الموت . ولم يعد (الوطن) الا صورة باهتة نحن إليها دون ان نبذل جهداً  نستحضرها على صعيد الواقع. 
 
يبدو من مراجعة اساليب الكسب والتثقيف العقائدي لهذه الجماعات ان من اهم مبادئها الخضوع التام والثقة المطلقة بقيادة الجماعة. ومع أن هذا الخضوع شائع في كل الاحزاب والجماعات السياسية ولكن بدرجات من الشدة، فانه في هذه الجماعات يبدو على درجة من المبالغة كذلك لا يمكن تعميم صورة ذهنية أو نمطية عن شخصية عضو مثل هذه الجماعات. غير أن اول ما يمكن افتراضه هو ان القيادة فيها أبوية ذكورية وان  بعضها ذات بنية أسرية . ففي سبيل المثال، وضع الاخوان المسلمون في مصر نظاماً يعرف باسم نظام الاسر، الذي يعتبر المجال العملي للتربية الروحية للاعضاء وعندما نظمت عضوية الاخوان الى مراتب أصبح دخول نظام الاسر مقتصراً على الاخوان العاملين. وتتألف كل أسرة من عدد يتراوح ما بين (5-10) اعضاء وكانت على اساس فئوي فهي تتكون إما من طلبة او موظفين او عمال. وتعقد كل اسرة اجتماعا اسبوعيا في منزل أحد الاعضاء لزيادة التآلف.

ولم يلبث نظام الأسر ان تحول الى نظام لتخريج المجاهدين. وكان حسن البنا قد حدد أركان البيعة بعشرة مبادئ هي الفهم والاخلاص والعمل والجهاد والطاعة والثبات والاخوه والثقة والتجرد وفسر الطاعة بانها امتثال الأمر وانفاذه  في العسر واليسر  وفسر الثقة بانها اطمئنان الجندي لقائده في كفاءته واخلاصه إطمئناناً عميقاً. ويرى الدكتور عبد العظيم رمضان، ان الأُسر أصبحت مدخلا للنظام الخاص باعتباره المجال العملي للجهاد والاسر هي المجال الروحي. ومن الواضح ان نظام الاسر يقوم على اسس ابوية تقليدية تجعل للقائد رمزية اصدار الأوامر غير القابلة للنقاش. لقد اعتمدت جماعة الاخوان على علاقات العبادة والصداقة والقرابة كمدخل لتجنيد الاعضاء. وطبقا لادبيات حزب التحرير الذي انشق عن الاخوان روعي في تجنيد الشباب الاندفاع والتهور والاستعداد لتنفيذ ما يؤمرون به دون تردد التزاماً بمبدأ السمع والطاعة ولذلك كان يراعي فيهم الا تكون لهم ارتباطات يحرصون عليها من زوجة أو ولد أو وظيفة.

وقد نجح التنظيم بتشكيل مجموعات تضم كل منها (4-6) اعضاء لا يعرف أي منها اعضاء الجماعات الاخرى. وكانت المبايعة تتم بالعبارات التالية: ابايعك على السمع والطاعة من العُسر واليُسر..الخ . وكانت تجرى بعض التجارب للتأكد من ثبات الاعضاء والتزامهم بالسمع والطاعة لأميرهم. وقد اشترطت الجماعة على الفتاة التي تنظم اليها أن تطيعها طاعة عمياء وكان وراء هذا الشرط قائمة كبيرة من الممنوعات والمحرمات. إذ ان كل مايأتي من المجتمع الجاهلي الكافر ممنوع ومحرم. والفتاة حتى إن كانت متزوجة يحق لها الزواج من آخر إذ بمجرد انضمامها الى الجماعة تصبح حرة ومحرمة على زوجها لأنه كافر.

يقول الدكتور محمد سعيد ابو عامود ان هذه الطريقة في التنظيم تخلق نوعاً من أنواع الولاء الشخصي لأمر الجماعة من قبل العضو وهو ما يجسد القيادة الفردية في هذه الجماعات.. بل أن جماعة الأخوان لم تأخذ بالزامية الشورى للمرشد العام ولا تقتصر علاقة الولاء والخضوع على المستوى الأعلى للقيادة بل تمتد إلى المستويات الدنيا فالعضو في المستوى الأدنى لابد ان يكون خاضعاً خضوعاً تاماً لأمر جماعته الصغرى.

 لقد أظهرت العديد من الدراسات أن الغالبية العظمى من اعضاء هذه الجماعات هم من الشباب. من هذه الدراسات تلك التي قام بها المركز القومي للبحوث الاجتماعية عن مجموعة تنظيم الفنية العسكرية وجماعة التكفير والهجرة ومنها دراسة الدكتور سعد الدين ابراهيم عن الجماعتين المذكورتين. فأعضاء الفنية العسكرية تتراوح أعمارهم بين 17-26 سنة بمتوسط قدره (22) سنة، كما أن أعمار أعضاء جماعة الناجون من النار تتراوح أعمارهم بين (25-30) سنة. ويبدو أن معظم أولئك الأعضاء من مناطق ريفية أو من مدن صغيرة(16).  وفي العراق تم استقطاب عدد من الأطفال في تنظيم طيور الجنة كما أشارت الصحف اليومية (الدستور ، العدد 2957 في 8/2/2013) الى مجموعة عنوانها أولاد الله ووضعت الجهات الأمنية عشرة من المرشدين الدينيين تحت المراقبة المستمرة وتشير الصحيفة الى أن هذه المجموعة تنشر أفكاراً لتسقيط المرجعية الدينية.

*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي وكالة تسنيم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
أهم الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
عناوين مختارة