الذّكري الثانية والعشرون لمجزرة قانا..دماء الشّعوب لا تزال تحقق الانتصارات على سيوف الاستكبار


طهران/ تسنيم// يُصادف هذا اليوم الذّكرى الثانية والعشرون لمجزرة قانا الأولى التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصّهيوني في جنوب لبنان في واحدة من أبشع الجرائم التي نُفّذت ضد أبرياء عُزّل على مرأى من الأمم المتّحدة وفي كنفها.

وكالة تسنيم الدّوليّة للأنباء - من منّا لا يتذكّر ذكرى هذا اليوم من العام 1996 عندما تسمّرت عيون العالم على شاشات التّلفزة لترى أشلاء أطفال جنوب لبنان وهي ممزّقة بفعل قنابل الحقد الصّهيونية التي استهدفت حضن الأمم المتّحدة الذي لم يكن يومًا دافئًا للشّعوب الرّافضة لاحتلال أراضيها واغتصاب حقوقها. يا لحرارة الدّموع في مقن الأمهات المفجوعات والزوجات الثكالى والأطفال اليتامى !!!

إحداثيّات الجريمة

الزّمان في الثّامن عشر من شهر نيسان من العام 1996 والمكان قانا – مجمع مقر الكتيبة (الفيجية) التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان؛ هما إحداثيّات التّاريخ والجغرافيا التي تقاطعت على أشلاء المدنيين العُزّل في القرية التي استضافت المسيح (ع) حيث مكث فيها منذ غابر الزّمن مبشّرًا بالسلام لترقد بعد ذلك بحوالي ألفي عام جثامين أكثر من مئة لبناني بسلام ملبّية دعوة عيسى المسيح.

مجمع مقر الكتيبة (الفيجية) التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في قانا

ظن المدنيّون اللبنانيّون آنذاك أن الأمم المتحدة سوف تحميهم من نيران الحقد الصّهيوني، غير أن هذا المقرّ الأممي لم يكن آمنا في حرب "عناقيد الغضب" التي شنّها الكيان الصّهيوني مُستهدفا الحجر والبشر في جنوب لبنان. وكعادته الخبيثة لم يجرؤ هذا الكيان الغاصب على مواجهة رجال المقاومة في الميدان ودفعه فشله العسكري إلى صبّ جام عناقيد غضبه على المدنيين.

ناجٍ يستعيد وعيه بين اشلاء 22 شخصا من أفراد عائلته

ففي مشهد مؤلم دمعت له عيون العالم حتى الغربي منه عدا دوائر الاستكبار العالمي، يتحدّث أحد الناجين من المجزرة "الاسرائيلية" الهمجية "عن ضجيج لا يحتمل ونار حارقة وسخونة مرتفعة جدا شملت المكان، وحين فتح عينه الوحيدة السليمة رأى 22 شخصا من عائلته مذبوحين كقطيع من الغنم حوله".

ناجية من مجزرة قانا وسط أشلاء اطفالها الشّهداء

الاستهداف الصّهيوني كان عمديًّا وبهدف ارتكاب المجزرة

كان جيش العدو "الإسرائيلي" يعلم علم اليقين بوجود المدنيين من الاطفال والنساء في المقر، ولكنه قام بقصفه وارتكاب المجزرة الجماعية البشعة، وأعلن كعادة اليهود في الكذب والتضليل والاجرام انهم اخطأوا بالتصويب لعدم وجود طائرة استطلاع لتحديد اهداف المدفعية بدقة.

المدفعية الصّهيونية تستهدف بلدة قانا في جنوب لبنان

فاجأهم أحد عناصر قوات الطوارئ الدولية الذي صور شريط فيديو يظهر القذائف وهي تنفجر، بينما كانت طائرة استطلاع "اسرائيلية" تحلق في الجو. و وصلت الحقارة والكذب بشمعون بيريز رئيس وزراء كيان العدو الصهيوني آنذاك حدا قال فيه "ان الجيش الاسرائيلي لم يكن على علم بوجود مدنيين في مقر الامم المتحدة"، الا ان الجنرال موشيه ايلون رئيس الاستخبارات العسكرية قال "ان ضباط الجيش الاسرائيلي علموا بوجود لاجئين مدنيين في مركز الامم المتحدة ".

تحقيق الأمم المتحدة يُثبت التورّط الإسرائيل وأمريكا تقف إلى جانب الكيان الصّهيوني

أجرى الجنرال فرانك فان كابين المستشار العسكري في الامم المتحدة تحقيقا رسميا في موقع المجزرة، ورفعه الى الامين العام للأمم المتحدة في حينه، "بطرس غالي"، جاء فيه "استحالة ان يكون قصف القاعدة التابعة لليونيفيل في قانا نتيجة خطأ تقني او اجرائي فادح كما ادعى ذلك مسؤولون في الجيش الإسرائيلي".

الأمين العام للأمم المتّحدة آنذاك بطرس غالي

واشار في تقريره الى احتمال ان يكون مسؤولون الجيش "الاسرائيلي" ممن هم في مركز من مستويات القيادة متورطين بإصدار الاوامر بقصف القاعدة التي كانوا يعلمون انها تأوي المئات من المدنيين العزل.

الجنرال فرانك فان كابين المستشار العسكري في الامم المتحدة سابقًا

اجرت عدة منظمات عالمية مهتمة بحقوق الانسان تحقيقات حول المجزرة، وخلصت كلها الى ترجيح ان يكون القصف متعمدا وليس نتيجة الخطأ التقني الذي ادعته "إسرائيل".

الرّئيس الأمريكي بيل كلينتون

مارست ادارة الرئيس الأمريكي كلينتون آنذاك ضغوطا هائلة على الامين العام للأمم المتحدة بطرس غالي (في ذلك الوقت) كي لا ينشر التقرير الاممي، ولكنه أصر على نشره فعاقبته امريكا بعدم تجديد انتخابه مرة ثانية. وكشف التقرير بوضوح تام عن معرفة وعلم "اسرائيل" بوجود المدنيين في مقر اليونيفيل، وأنها دمرته عن عمد وسبق اصرار وليس عن طريق الخطأ كما زعمت.

وجسّد موقف الإدارة الاميركية الانحياز الاميركي البشع لسياسة الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي تمارسها "اسرائيل" تجاه العرب؛ وعبّر بيل كلينتون عن دعمه للرواية "الاسرائيلية" الكاذبة، واعتبر انها خطأ من نوع الاخطاء التي تحدث في الحروب، وبرر الحرب العدوانية والمجزرة قائلا: ان لـلـ "إسرائيليين" الحق في الدفاع عن أنفسهم.

الكيان الصّهيوني يجلد الضّحيّة ويتّهم حزب الله

رفضت وزارة خارجية الكيان الصّهيوني تقرير الامم المتحدة وتقارير المنظمات الدولية الاخرى حول اتهام "اسرائيل" بارتكاب المجزرة عن قصد وزعمت كذبا وبهتانا في البيان الصادر عنها ان حزب الله يتحمل المسؤولية عن المجزرة، وانه من الصعب على "إسرائيل" إدراك سبب عدم ادانة التقرير (الاممي) لحزب الله، وان هذا التقرير غير الدقيق والمنحاز هو تقرير مضلل.

الأمم المتحدة تُدين الكيان الصّهيوني بشكل صريح

ولكن الجمعية العامة للأمم المتحدة وجهت صفعة قوية للرئيس الامريكي كلينتون واقرت في 25نيسان 1996 بان الاعمال التي قامت بها "اسرائيل" خلال الحرب العدوانية التي اشعلتها في جنوب لبنان تشكل انتهاكا فاضحا للقوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين خلال الحرب.

واعترف رئيس وزراء الكيان الصّهيوني بيريز لاحقا في خضم الجدل الدولي عن مسؤولية الجيش وضباطه عن المجزرة وتحمل علنا وبوقاحة منقطعة النّظير المسؤولية عنها. وشن في الوقت نفسه هجوما عنيفا على الامم المتحدة لنشرها التقرير الذي اظهر مسؤولية "اسرائيل" الكاملة عن ارتكابها.

رئيس وزراء الكيان الصّهيوني آنذاك المجرم شمعون  بيريز

صحيفة صهيونية تنشر اعترافات جنود صهاينة شاركوا في المجزرة

نشرت مجلة كول هاعير "الاسرائيلية" مقابلة مع 5 جنود شاركوا في مجزرة قانا، اظهرت بجلاء التربية الارهابية والعنصرية وحب سفك الدماء وقتل الاطفال والنساء والرجال العرب المتغلغلة في اوساط جنود وضباط الجيش "الاسرائيلي"، حيث أكد المجرمون الخمسة انهم غير آسفين على ارتكاب مجزرة قانا واصفين القتلى بـ "انهم ليسوا الا مجموعة من العرب الاوباش".

وقال جندي كان قد اشترك في المجزرة للمجلة المذكورة ان آمر المدفعية الذي قصفت مجموعته مقر اليونيفيل قد قال لعناصره بعد دقائق من قصف المقر " انه سواء زاد العرب ان نقصوا واحدا فالأمر سيان".

واضاف الجندي ان آمر مربض المدفعية قال لنا، " اننا رماة ماهرون وعلينا ان نبقى كذلك وان هناك ملايين العرب على اي حال"؛ و قال جندي اخر للمجلة ان قائد الموقع قال لنا "اننا قمنا بواجبنا وأننا ممتازون وان الامر لا يتعلق بأكثر من عرابوشيم (تعبير عبري عنصري يقصد منه اهانة العرب)".

وقال الجندي للمجلة "ان ضميري لا يؤنبني ابدا، بل كان يجب ان نطلق المزيد من القنابل لقتل المزيد من العرب ".

واعترف ضابط الجيش "الاسرائيلي" بأنهم تعمدوا قتل المزيد من المدنيين وتدمير المزيد من البنى الاقتصادية في لبنان لتحقيق اهداف حرب "عناقيد الغضب" وقهر ارادة الشعب اللبناني واملاء الشروط على حكومته.

مجزرة قانا أثبتت أن جرائم الكيان الصّهيوني تحظى بغطاء أمريكي

اثبتت مجزرة قانا الاولى ان "اسرائيل" مستعدة دائما لارتكاب مجازر الابادة الجماعية تجاه العرب والمسلمين ويشجعها على ذلك انحياز الإدارات الاميركية المتعاقبة لحروبها العدوانية ومجازرها الجماعية.

ان مجزرة قانا لم تكن مجرد صدفة او مجرد خطأ تقني في تحديد الهدف او جهل في معرفة المتواجدين في مقر اليونيفيل وانما هي جريمة نكراء خطط لها الجيش الاسرائيلي بموافقة رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك شمعون بيريز. وبالتالي جريمة حرب تتحمل الحكومة "الاسرائيلية" المسؤولية الكاملة عنها وتقضي بوجوب محاكمة بيريس والضباط والجنود الذين نفذوها امام المحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب اسوة بمجرمي الحرب النازيين، واجبار الكيان الصهيوني على دفع التعويضات لعائلات الضحايا والحكومة اللبنانية.

صور من تشييع شهداء مجزرة قانا

ان المجتمع الدولي الذي عاقب النازيين على جرائمهم لا يجوز ابدا ان يكيل بمكيالين ولا يعاقب الصهاينة على جرائمهم ضد العرب، بل يجب ان يعاقب الصهاينة كما عاقب النازيين حفاظا على المبادئ والقوانين والعهود والمواثيق الدولية التي تكرست بعد محكمة نورن بيرغ والمحكمة الجنائية الدولية.

لقد ساعد توقيع اتفاقات الاذعان في كمب ديفيد واوسلو ووادي عربة وتبادل السفراء مع الكيان الصهيوني والتقصير والصمت العربي الرسمي "اسرائيل" وشجعها على الاستمرار في ممارسة الارهاب والابادة والعنصرية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية دائمة مما الحق ويلحق أفدح الاضرار بالوطن والمواطن العربي وعروبة فلسطين.

بين الأمس واليوم

لا شكّ وعند سرد هذه الأحداث للتّاريخ القريب، فإن ما ينتاب أيّ شخص عدا الألم هو ملاحظته لسياسة ازدواجيّة المعايير التي يُمارسها المجتمع الدّوليّ إزاء جرائم الحروب التي يرتكبها الاستكبار العالمي والقوى الكبرى في العالم؛ حيث أنّه من المسموح أن يرتكب الكيان الصّهيوني مجزرة مروّعّة لا لبس فيها بحق المدنيين العًزّل في بلدة قانا اللبنانية وبوثائق مدموغة من قبل الأمم المتحدة ذاتها؛ كما يحق لقوى الاستكبار أن تُدمّر دولا كالعراق بحجج واهية حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، كما يحق لهذه القوى المتغطرسة أن تُفبرك الأكاذيب حول سعي إيران الإسلامية لامتلاك قنبلة نووية ليثبت لاحقا زيف هذه المزاعم؛ كما يحق لهذا العالم الذي يسوده ما هو أخطر من شريعة الغاب أن يُجيّش مئات آلاف الإرهابيين لتدمير دول المنطقة بينما يدّعي لنفسه احترام حقوق الإنسان؛ ويحق لهذا المجتمع الظالم أن يُفبرك أكاذيب الكيميائي في سوريا دون انتظار نتائج تحقيق؛ كما يحق لدول الاستكبار أن تُقيم تحالفات خارج أي إطار مقبول دوليًّا فقط لأنها تُريد وترغب بذلك؛ ولا تنتهي سياسة ازدواجيّة المعايير عند دعم تحالف العدوان في مواجهة الشّعب اليمني الأعزل والسّكوت عن الظلم الذي يتعرّض له مسلمي كشمير وميانمار واللائحة تطول...

لا شكّ أنّ الأفضل لن يكون في ظل هكذا نظام دولي مبنيّ على النّفاق واختراع الأكاذيب؛ وكل الأمل يكمن في الشّعوب وقدرتها في رفع منسوب الوعي لديها لإيجاد نظام عالمي لا تكون فيه شعوب هذه المنطقة عبيدا وقطعان عند راعي البقر الأمريكي المجرم، ولا تخضع لسيطرة الغدّة السّرطانية للاستكبار الموجودة في منطقتنا والمتمثّلة بإسرائيل. يجب أن يكون لدى شعوب المنطقة إيمانا قويًّا بمعتقداتهم بأنّه يمكنهم التّخلّص من هذا الشّر وأدواته في المنطقة.

/انتهى/