أردوغان ما بين العسكرة والسياسية وطوق النجاة

أردوغان ما بین العسکرة والسیاسیة وطوق النجاة

ربما استفاق اليوم المجتمع التركي على حد تعبير البعض لتغيير المنطقة برمتها فاليوم قد يشهد انتخابات مبكرة ظاهريه الديمقراطية باطنيه المتغيرات الداخلية والخارجية.

خاص تسنيم: فعلى الرغم من شعبيه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ماتزال هي الأقوى في نظر العديد من الاتراك الان الوضع ربما سوف يختلف من خلال أكبر موجه معارضه له منذ توليه السلطة السياسية في اول فوز انتخابي له في عام 2002 .

فأردوغان الملك الامبراطوري الساعي دائما لكسب البازارات السياسية الداخلية والإقليمية ومنذ أكثر من أسبوعين وهو يولي اهتمامه بما اسماه استنزاف الإرهاب في مستنقع شمال العراق والذي اتى في وقت استثنائي ودقيق خصوصا بعد السنوات العديدة من حالات الثبات العسكري لتنشيط تلك المناطق التي هي تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل.

في وقت لم يعد حزب العمال الكردستاني يشكل أي مكسب سياسي او عسكريا من خلال قصف تلك الجبال القاحلة لكن هذا ما يشير الى ان الامبراطور العثماني يسعى فعلا من اجل كسب بازار سياسي وذلك من خلال ما يطرحه من قضايا الإرهاب وغيرها.

الضربات العسكرية   في النظرية الاردوغانيه المتغيرة

ففي وقت ليس بعيد قام الجيش التركي بقصف 11 هدفا  يقال انها قواعد لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وجاءت هذه الضربات بالتزامن مع قيام اردوغان بحشد مسيرات مؤيده له في مساء ذلك اليوم في لبغده وسط الاناضول ومدينه بورصا وهي منطقه صناعيه ذات كثافه سكانيه كبيرة حيث تبعد 60 ميلا عن إسطنبول حيث شكلت تلك المناطق في يوم من الأيام  المعقل الأكبر في حشد الأصوات الانتخابية فيما يبدو انها اليوم غير مستقرة بشكل متزايد تجاهه حيث تراجعت نسبه تأييده في تلك المناطق بسرعه ملحوظه خاصه بعد ان شهدت  انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، فوزه في مدينة بورصا بأكثر من ضعفي تصويت أقرب منافسيه، لكن عندما نقارن المسيرات الداعمة له الآن نجد أن حملته الانتخابية في المدينة شبه فارغة.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت تلك المشاهد مألوفة لحملات أردوغان، على الجانب الآخر هناك تحالف علماني آخر في مواجهة أردوغان، بقيادة محرم إينجة والقيادية القومية السابقة ميرال أكشنار والتيار الإسلامي المعارض بقيادة كرم ملة أوغلو، مما يقلل من فرص مكاسبه السياسية، وفي استطلاع حديث أجرته إحدى شركات الاقتراع في تركيا، أظهرت النتائج أن 51% من العينة أن الاقتصاد هو الشاغل الرئيسي، بحيث جاء الأمن في المرتبة الثانية بنسبة 13.4%.

على الرغم من ان استطلاعات الرأي التركية لا توجد فيها معيار دقيقه بسبب ارتباط تلك الشركات لصالح الأحزاب السياسية بشكل سري، وتستفيد منها تلك الأحزاب في تعديل استراتيجيتها وتصويب خطابها وتطوير حملاتها الانتخابية.

وإذا كان أردوغان سيفوز، فإنه يعلم أنه بحاجة إلى تغيير حسابات الجمهور إذا استطاع أن يحقق الأمن في مقدمة أذهان الناخبين، وبذلك يمكنه استعادة جزء من شعبيته الانتخابية أمام المعارضة في الانتخابات الرئاسية ، إلا أنه قد يخسر البرلمان وربما أيضًا الانتخابات الرئاسية ومن ثم الرئاسة الإمبراطورية التي كان يطمح إليها بشدة.

إن عملية قنديل ما هي إلا عرض درامي لكيفية تحويل ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي(الناتو)، إلى أداة سياسية لتحقيق طموحاته.

في حزيران 2015، انهارت هدنة أردوغان مع حزب العمال الكردستاني، وساعدة فسخ هذا الاتفاق وعودة الأعمال العدائية من جديد إلى تحقيق فوز سهل في الانتخابات التي أجريت في يوليو/ تموز 2016، أي بعد خمسة أشهر من إعلان إلغاء الاتفاق مع الأكراد ومحاولة الانقلاب الفاشل الذي يعتقد أردوغان أنه تم تنظيمه من جانب رجل الدين التركي الموجود في بنسلفانيا فتح الله جولن، حليفه القديم الذي تحول إلى عدو، تبع ذلك إعلان أردوغان عن عملية درع الفرات داخل سوريا كامتداد لتوظيف تدخلاته العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية.

وفي كانون الثاني 2017، قبل ثلاثة أشهر من الاستفتاء الرئاسي، كامتداد لعملية درع الفرات العسكرية في سوريا، استخدم أردوغان نفس الحيلة مرة أخرى، وهذا يعني أن هذه العمليات لم يكن لها أي ميزة لحماية الأمن القومي التركي، بيد أن توقيتها وتنفيذها يمكن أن يتم تحديده من قبل الحسابات السياسية لأردوغان أكثر من كونه ضرورة عسكرية.

وبالنظر إلى الجهود التي بذلها أردوغان منذ فترة طويلة للسيطرة على الجيش، فإن هذه العمليات لم تكن مفاجأة، فابتداءً من أواخر عام 2000، بدأت تركيا حملة تطهير جماعي مع محاكمتي إيرجينيكون و باليوز، والتي اتهم فيها تحالف من كبار الضباط العسكريين ووسطاء السلطة العلمانيين بالتآمر للإطاحة بالحكومة المنتخبة في البلاد..

الحليف الأقوى لأمريكا في عهده التجاذبات السياسية التركية

يعتبر الأكراد أهم حليف للولايات المتحدة في سوريا، وكان الأكراد في طليعة القتال بجانب واشنطن ضد تنظيم "داعش" الارهابي، وعلى الرغم من إعلان واشنطن وقف دعم المقاتلين الأكراد، لكن من الصعب قطع العلاقة بينهم نهائيًا، خاصة في ظل عدم التحقيق الكامل لأهداف الولايات المتحدة في المنطقة؛ حيث لا يزال الأكراد يشكلون جزءاً كبيراً من خططها لتحقيق تلك الأهداف، وعلى ذلك فإن تركيا متخوفة من تلك العلاقة خاصة فيما يتعلق بطموحات إقامة دولة كردية على الحدود الجنوبية لها.

في الوقت نفسه، لابد من مواجهة الحقائق خاصة المتعلقة بعدم تخلي واشنطن عن الأكراد لمجرد أن أنقرة طلبت منها ذلك، ولن يتخلى الأكراد السوريون عن تطلعاتهم لإقامة دولة عندما يتمتعون بالفعل بحكم ذاتي فعلي في أكثر من ربع الأراضي السورية ويسيطرون على العديد من حقول النفط الرئيسية مثل تاناك وعمر وشادادي والسويداء.

علاوة على ذلك، لو كان أردوغان جادًا بشأن التشدد على حزب العمال الكردستاني، لكان استهدف الأماكن التي يسيطرون عليها، إلا أنه قام بتفجير الجبال القاحلة ذلك لأن النجاح الذي يسعى إليه سياسيًا وليس عسكريًا، كما يهتم أردوغان أكثر من ذلك بالفوز في صناديق الاقتراع أكثر من اهتمامه في ساحة المعركة.

الانتخابات التركية والقضايا العربية وطوق نجاه اردوغان

ظهِر الاهتمام الكبير بالانتخابات التركية المقبلة في العالم العربي مدى أهميتها ليس فقط للناخب التركي بل وللمواطن العربي لعدة أسباب، فقد أصبحت دولة إقليمية فاعلة ومتداخلة مع قضايا المنطقة، ولها مواقفها من عدة ملفات حساسة وهامة بدءاً من سوريا ومروراً بفلسطين ومصر ووصولاً إلى الأزمة بين الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي، فضلاً عن خصوصية الانتخابات القادمة وحساسيتها وكذلك الاهتمام المباشر بالتجربة التركية وتفاعلاتها.

يعني تلك الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، لم تعد شأناً داخلياً تركياً بالنسبة للكثيرين في العالم العربي، كما أن السياسة الخارجية باتت تحتل جزءاً أكبر من اهتمام الناخب التركي مما كانت عليه سابقاً، ويزيد من أهمية كل ما سبق الاختلاف الكبير بين المرشحين الرئاسيين والأحزاب – خصوصاً بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري – فيما يتعلق بالسياسة الخارجية عموماً ومنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي على وجه الخصوص.

ثمة رؤية عامة للسياسة الخارجية تفرض نفسها في البرنامج الانتخابي وتصدر عنها رؤى تفصيلية لاحقة لبعض القضايا المهمة، يدفع حزب العدالة والتنمية نحو استمرار السياسة الخارجية الحالية التي يصفها بأنها متعددة المحاور وإنسانية، والتي تسعى لدور ومكانة أكبر لأنقرة في الإقليم والعالم، وترى تركيا أنها "صوتاً للمظلومين" ورائداً من رواد العالم الإسلامي والمناهِضة لتيار الإسلاموفوبيا في الغرب وأحد الداعين لنظام دولي "أكثر عدلاً" تحت شعار "العالم أكبر من خمسة"، فضلاً طبعاً عن أولوية مكافحة المنظمات الإرهابية.

وختاماً ربما ذهب الرئيس التركي اردوغان الى الانتخابات السياسية المبكرة جدا لتخطي جميع الضغوطات السياسية الداخلية وأيضا التحديات الخارجية متسلح بملفات الإرهاب وفلسطين والملف الكردي ولكن هناك من يقف ويراقب عن قرب وعن بعد لان ما بعد الانتخابات التركية سوف يكون في ميزان الشعب التركي والقوى الإقليمية اللاعبة ويبقي الرئيس التركي ما بين مطرقه المتغيرات الداخلية والتحديات الخارجية.

/انتهى/

 

 

الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة