"تنظيم حراس الدين".. المولود القاعدي الجديد في المشهد السوري

"تنظیم حراس الدین".. المولود القاعدی الجدید فی المشهد السوری

خاص// تسنيم : لا تزال التنظيمات الجهادية تحاول البقاء على الأرض السورية رغم كل الضربات التي تلقتها والانشقاقات التي عانت منها، وسلسلة الاغتيالات المستمرة، والتسميات المتوالدة.

مع انطلاق شرارة الأحداث في سورية، ومع تفلت السلاح وظهور العديد من الفصائل والمجموعات المسلحة الإرهابية، أعلن في الرابع والعشرين من كانون الثاني عام 2012 عن ولادة فرع جديد لتنظيم القاعدة في سورية تحت مسمى "جبهة النصرة لأهل الشام" بهدف تدمير الجيش السوري والدولة السورية بكل مؤسساتها.

حيث نفذ التنظيم العديد من العمليات الإنغماسية ضد منشآت وحدات الجيش السوري ومؤسسات الدولة السورية أبرزها تفجيرات حلب في ساحة سعد الله الجابري، والهجوم على مقر قيادة أركان الجيش السوري في وسط العاصمة دمشق، ومع تسارع الأحداث في سورية، والخلاف الشهير بين أبو بكر البغدادي وأبو محمد الجولاني، والتدخل العلني لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري لحل الخلاف وانتداب أبو خالد السوري كمحكم بينهما، بدأت جبهة النصرة بالتمدد والتوسع حتى أصبح ريف حلب الشمالي إضافة إلى مدينة إدلب تقريباً تحت سيطرتها الفعلية، مع وجود فصائل أخرى تدين بالولاء لها وتتعاون معها ضد الفصائل الأخرى.

فك الارتباط

ولأن جبهة النصرة تعد من أقوى الفصائل الإرهابية التي تقاتل الجيش السوري إضافة إلى داعش الإرهابية، وعدم وجود فصيل آخر يمكن الاعتماد عليه، فقد سعت الدول الداعمة والممولة لها إلى فك ارتباطها بتنظيم القاعدة الدولي، وطرد المقاتلين الغرباء منها أو ما يسمى بـ"المهاجرين"، واعتبارها فصيلاً معارضاً سورياً معتدلاً، وقد قادت هذه الجهود كل من قطر وتركيا، ونجحت في الثامن والعشرين من شهر تموز من عام 2016 من استصدار بيان على لسان زعيم جبهة النصرة في سورية أبو محمد الجولاني فك ارتباطه بتنظيم القاعدة وتغيير اسمها لـ"جبهة فتح الشام".

بداية الخلاف

في بداية الأمر لم يعلن أيمن الظواهري زعيم القاعدة أي موقف من إعلان الجولاني، رغبة منه بعدم تعميق الخلاف وإظهاره للعلن، تاركاً الطريق مفتوحاً للعودة، ولكن عاد لاحقا للحديث عن إعلان الجولاني واصفاً ما قام به على أنه "نكث للبيعة" تم من دون استشارة قيادة القاعدة، لتتطور الأحداث ولتبرز بشكل كبير قضية المهاجرين أو ما سمي "الأجانب في جبهة فتح الشام" والذين يرتبطون بالجبهة أساساً من حيث انتماء الجبهة للقاعدة، ومن هنا بدأت عمليات انشقاق في صفوف هؤلاء الأجانب لاسيما الأردنيين منهم.

التيار الأردني

مع تطور الخلافات داخل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، برز إلى العلن وبشكل واضح التأثير الكبير للجناح الذي تقوده الشخصيات الأردنية، حيث سعى الجولاني ومجموعته إلى تحجيم هؤلاء والقضاء عليهم كي لا يتمكن أي منهم من منافسته أولاً على زعامة الجبهة، وثانياً كي يزيح أكبر معارضي انفصاله عن القاعدة من طريقه، حيث أصدر الجولاني أوامر باعتقال سامي العريدي وأبي جليبيب الأردني الطوباسي، وهما أمير جماعة "أنصار الفرقان" المرتبطة بالقاعدة ونائبه، كما سبق للهيئة أن اعتقلت كلا من "أبو سليمان السوري" و"أبو هاجر السوري" (كلاهما قائد عسكري في "أنصار الفرقان)، والأول كان يقيم في الأردن، ومحسوب على التيار الأردني الذي يتصدر قيادة "أنصار الفرقان"، وكان قائداً عسكرياً في "جبهة النصرة".

وكانت "هيئة تحرير الشام" قد شنت حملة اعتقالات في شهر تشرين الثاني 2017، طالت أيضاً قيادات من الصف الثاني، وهم في الغالب أردنيو الجنسية أيضاً، ممن كانوا ضمن صفوف "جبهة النصرة" في قطاعات البادية في ريفي حلب وادلب. ومن بينهم "أبو الليث" و"أبو زكريا" و"أبو مسلم". كما اعتُقل عدد كبير من عناصر الحماية، والمرافقة للشخصيات البارزة التي تم اعتقالها، وهناك جزء كبير منهم من الجنسية السورية.

تورط الجولاني

وفي هذا السياق، ألمح أحد الناشطين المختص بالشأن القاعدي المدعو "مزمجر الشام" إلى تورط الجولاني في اغتيال طيران التحالف الأمريكي لرموز ما يعرف بـ"جماعة خراسان"، الذين قدموا من أفغانستان، والتحقوا بجبهة النصرة، قائلا إن وجودهم كان يشكل خطراً عليه، نظراً لضحالة تجربته.. مقارنة بهم، وعلى رأسهم السعودي "عبد المحسن الشارخ" والكويتي "محسن الفضلي"، إضافة إلى تلميحه إلى تورط الجولاني في اغتيال المصريين "أبو الخير"، و"أبو الفرج"، كونهما الشاهدين على وعود الجولاني بإعادة بيعته للظواهري في حال قرر الأخير ذلك.

كما ألمح "مزمجر الشام" إلى تورط الجولاني بإفشاء معلومات (اسم) القيادي في القاعدة "أبو خالد السوري" (من كوادر القاعدة انتدبه الظواهري بعد مرور أشهر على الأزمة السورية وكان مقربا من "أحرار الشام")، ما أدى إلى اغتياله من قبل تنظيم داعش، وعليه فإن حملات الاعتقال التي نفذها الجولاني بحق رموز القاعدة في سوريا أدت إلى نتائج عكسية على غير ما يشتهي الجولاني، فقد أدت إلى المزيد من الانشقاقات على مستوى القادة والتشكيلات داخلها، ولاسيما الأجانب منهم.

نقطة تحول

في السابع والعشرين من شهر شباط المنصرم صدر بيان تحت عنوان "أنقذوا فسطاط المسلمين" يدعو الفصائل المسلحة إلى نصرة الغوطة الشرقية في سوريا ونبذ الخلافات لاسيما بين "هيئة تحرير الشام" و"جبهة تحرير سوريا" دون أن يسميهما، وقد ذُيل البيان باسم: "تنظيم حراس الدين". وهو إشعار بأن الساحة السورية قد شهدت ولادة تنظيم جديد. وقد ظهر أن هذا التنظيم يتألف من: "سرايا الساحل"، و"سرية كابل"، و"جند الشريعة".

ولم يكد يمضي أسبوع على هذا البيان حتى صدرت في يوم واحد (4-3-2018) ثلاثة بيانات من ثلاث فصائل أعلنت انضمامها إلى "تنظيم حراس الدين" وهي: "جيش الملاحم"، و"جيش البداية"، و"جيش الساحل"، كما وتبين أن هذا التنظيم يقوده القاعدي أبو همام الشامي.

بيان استباقي

قبل إصدار البيان رقم واحد الذي أُعلن فيه عن إنشاء "تنظيم حراس الدين"، كان تنظيم "القاعدة"، قد أعلن في بيان صادر عن "مؤسسة السحاب الإعلامية" بتاريخ 9 كانون الثاني2017، عن قرب ظهور كيان جديد للقاعدة في سوريا، وجاء ذلك بعد أكثر من شهر ونصف على بروز ملف مناصري القاعدة بشكل علني من المنشقين عن "هيئة تحرير الشام" في الشمال السوري، على خلفية اعتقال استباقي قامت به الهيئة لعدد من الشرعيين التابعين للتشكيل الجديد قبل الإعلان عنه. منهم "أبو جليبيب الأردني" و"سامي العريدي" ما أخّر إعلان فرع القاعدة، وكادت هذه الاعتقالات أن تنهي التنظيم قبل ولادته لولا تدخل الظواهري ومناصرته للمعتقلين والتهديد بإصدار بيان علني يناصرهم ويحرض على الهيئة، إضافة إلى سلسلة الردود التي تلت الاعتقالات وتطالب بالإفراج عنهم.

ولادة التنظيم

وفي خضم كل هذه التطورات المتسارعة خضعت هيئة تحرير الشام لضغوطات كبيرة أسفرت في النهاية بالإفراج عن "سامي العريدي" بتاريخ 11 كانون الأول 2017 بعد أن كانت قد أفرجت عن "أبو جليبيب الأردني" في الثالث من كانون الأول، ليكتمل عقد القادة المؤسسين للتنظيم الجديد، وبالمحصلة فإنه يمكن القول إن تكوين "تنظيم حراس الدين" هو تنظيم يتبع للقاعدة ويتألف من قيادات قاعدية تعمل في سوريا وكان معظمها من قيادات "جبهة النصرة" انشقت عنها بعد انفكاك الجبهة عن القاعدة، وهو يتألف من:

أبو همام الشامي "أميراً للتنظيم، أبو جليبيب الاردني "القائد العسكري"، سامي العريدي " أبو خديجة الأردني أبو القسام الأردني أبو عبد الرحمن المكي، عبد الكريم المصري. أعضاء شورى الجماعة الجديدة.

وبينت مصادر مرتبطة بالقاعدة أنه من المتوقع أن يكون قد انضم إلى "تنظيم حراس الدين" كل من: "أبو المقداد الأردني، حسين الكردي، عبد الرحمن الشيشاني، أبو بصير البريطاني، وأبو مالك التركماني، إضافة إلى أبو أنس السعودي، وأبو مختار التركي"، وهؤلاء جميعاً كانوا قد انشقوا عن "هيئة تحرير الشام" من قطاع البادية.

أهداف التنظيم

ويعد الإعلان عن تشكيل "تنظيم حراس الدين"، هو الرهان الكبير الذي قامت به القيادة المركزية لتنظيم القاعدة في سورية، حيث تنتظر التنظيم الجديد العديد من المهام والعمليات التي يردها الظواهري ومجموعته، ومن أهمها:

الأمر الأول: الحفاظ على الوجود القاعدي في سورية على الرغم من كل الظروف الجديدة والمستجدات، لأن الغياب عن هذه الساحة المشتعلة يمثل تقصيراً وابتعاداً عن بؤرة محورية لانتشار التنظيم.

والأمر الثاني: استقطاب عناصر داعش المنهزمين في ساحات القتال وإعادتهم إلى الحضن القاعدي عبر هذا التشكيل الجديد الذي يعد بعيداً عن الخلافات الفقهية والشرعية التي حصلت ما بين البغدادي والجولاني في فترة ما.

والأمر الثالث: هو إعادة الاعتبار لأجانب التنظيم العالمي الذي لبوا نداء الظواهري ونفروا للقتال في سورية كـ"أرض الجهاد" وبالتالي وجود التنظيم الذي يعطيهم مكانة كبيرة سيؤدي إلى استقطاب أعداد إضافية من المقاتلين من كافة أنحاء العالم.

 

التحديات

ولكن ورغم التعويل الكبير على ولادة تنظيم الجديد فهل سيستطيع مواجهة التطورات المتسارعة على الساحة السورية، ولاسيما بعد الخسارة المدوية في ريف درعا الشرقي وانحسار تواجد تنظيم القاعدة في منطقة ضيقة على الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، مع التأكيد أن الولاءات الموجودة هناك مقسمة ما بين الجولاني والتيار الأردني الذي يعد الغالب.

وبالتالي فإن التعويل على "حراس الدين" في إعادة تنظيم القاعدة ليكون الأول في سورية يحتاج إلى جهود كبيرة من أبو همام الشامي الذي يبدو حتى الآن غير قادر على استقطاب عدد جديد من البيعات، واجتذاب شرائح من المقاتلين المنضوين تحت راية الجولاني، فالمتابعين يرون في التعويل على الشامي مغامرة قد تكون فاشلة من قيادة القاعدة وهذا مرده إلى افتقاده الكثير من المزايا التي يجب أن تتوافر في الشخصية التي ستقود القتال في هذا الوقت الحساس من العمل القاعدي في سورية.

ختاماً: إن الجسد الجهادي في سوريا على الرغم من كل المحاولات التي تقوم بها قيادة القاعدة، يبدو أنه ذاهب إلى مزيد من التشرذم والتفكك، في ظل التنافس الكبير بين القيادات العاملة على الأرض السورية، فهل ستبقى الرايات السود ترفرف في جبهات القتال السورية أم سنشهد تنظيماً جديداً بصيغة وأهداف جديدة؟

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة