خاص تسنيم:كفريا والفوعة لحظة الحقيقة.. ونهاية إدلب

لم يسبق في التاريخ المنظور وأن تجمع هذا الكم الهائل من الإرهابيين في رقعة جغرافية في الشرق الأوسط أو في العالم، كما حصل في ادلب شمال شرق سوريا.

بقلم بلال ديب || خـاص تسنيم: "إدلب نقطة سوداء، لا تظنوا أننا جالسون تحت المكيفات وسط نسائنا وأطفالنا، نحن نعرف أن الموت قادم، الخيار لكم ادلب نقطة سوداء وأنتم ميتون في بلداتكم أو هنا في ادلب" هذا الاقتباس من حديث موجه من قيادات جيش الفتح لقيادات المسلحين في مضايا، وصلني عبر تسجيل صوتي منذ حوالي العام ونصف بالتزامن مع انهاء ملف بلدات مضايا، والزبداني بريف دمشق، البلدات التي عاشت لفترة طويلة امتدت لحوالي العام وهي مرتبطة المصير ببلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة والتي كان على رأسها ذاك الوقت، ما يسمى "جيش الفتح".

في تلك الاثناء وهنا اتحدث عن حوالي عام ممتد بين الـ 2016 - 2017 كانت القضية تعرف بما سمي ملف البلدات الأربعة، (مضايا، الزبداني، كفريا والفوعة)، وقد عملت الماكينات الإعلامية على تصوير الملف على أنه حصار متبادل بين مجموعة تتبع للطائفة السُنية، وأخرى تتبع للطائفة الشيعية، وكنت معنياً بالقضية كوني من أبناء بلدة بقين الملاصقة لبلدة مضايا والتي تضررت بحكم الجوار من تلك الوصمة التي وصمت الملف.

حينها كُنت أكتب في احدى الصحف المحلية السورية عبر الصفحات الأولى، مجمل الحقائق التي تصلني من داخل مضايا حول التضليل الإعلامي والفبركات والتهويل والكذب الذي يستند الى معاناة حقيقية هُناك نتيجة "للحصار الداخلي" الذي عانت منه بلدت ريف دمشق (مضايا والزبداني) ناجمة عن سيطرة فصائل مسلحة تابعة لما يسمى (جيش الفتح واحرار الشام والنصرة وقليل من الدواعش)، والتي كانت مدعومة بكل المحطات والصحف ووسائل الاعلام العالمية لدرجة ان الـ bbc عنونت لما كنت أكتب بعنوان "صحف عربية: انتقاد للمجتمع الدولي بسبب حصار مضايا ودفاع عن الأسد في سوريا"، حيث ذكرت الـ BBC ما ذكرته خمس صحف كبيرة ناطقة بالعربية بأسماء محرريها حول الادعاءات والتضليل وهو غيض من فيض الوسائل التي كانت تتخذ نفس الاتجاه، بمقابل مقالي الوحيد في الصحيفة السورية.

وكان لزاماً عليّ أن أقوم بنشر التفاصيل حول المعاناة المقابلة التي عاناها الأهالي في كفريا والفوعة وبدأت هنا قصة التواصل وجمع المعلومات والنشر بذات الحجم والموضع (على الصفحة الأولى) لمعاناة السوريين في كفريا والفوعة، ومضايا والزبداني، واستمرت الحالة لأشهر تطورت معها الأدوات.

مرحلة الفعل على الأرض

تطورت المسألة من مجرد حرب مضادة عبر الصحيفة الى لقاءات مباشرة مع الوجهاء من كل البلدات الأربعة، بحكم التواصل المستمر مع أهالي الفوعة وكفريا والانتماء الى مضايا والزبداني، وكان اللقاء الأول بين حوالي 12 شخص من أهالي البلدات الأربعة في أحد المطاعم في باب توما بدمشق بحوالي الـ 6 مساءاً واستمر الى منتصف الليل، وتوالت اللقاءات والتشاور وانتقلت الاجتماعات الى مكتب ديمستورا المبعوث الدولي الخاص الى سوريا، وتكررت اللقاءات ودخلت منظمة الاوتشا على خط الاجتماعات، وعلي الزعتري منسق الامم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، ودخول الوفدين الى مكتب وزير المصالحة الوطنية السورية، واستمرار كُل تلك الجهود للوصول لنتائج إيجابية في الملف الإنساني.

 

ودون الخوض في التفاصيل الكثيرة التي تمتد لأشهر أخرى سأكتفي بالنتائج والتي أدت الى تسهيل مرور القوافل وتنظيم ادخال المساعدات الإنسانية والأدوية وإخراج الحالات المرضية التي كانت تتعرض لخطر الموت بسبب الإصابات او الشح في الادوية والعناية الطبية في البلدات الأربعة.

ما لفتني خلال الاجتماعات التي لم تخلو من الانسجام التام بين الوجهاء من البلدات الأربعة والتي أدت لإصدار بيانات مشتركة وعلنية حول خطط الطريق لحل الازمة التي كانت دوماً تتوقف عند قرار "أبو محمد" تلك الشخصية الشابة التي وصفتها المنسقة الخاصة بالاوتشا (رنا)  بالذكية الدقيقة الممتلكة لكل المعلومات حول الملف والذي لا يمكن ان تفوته فائتة وتصويره على أنه شخصية شابة فلكية المواصفات، اعجابها به وتواصلها المتكرر معه كان مثاراً للاستغراب بالنسبة لي على الأقل، فهو من كان يقرر حينها كيف ومتى وكم من القوافل تتحرك أو تتوقف، وحتى الحالات الإنسانية كلها كانت عبر "أبو محمد"، والذي كان حسب ما عرفت مرتبطاً بـ"جيش الفتح" وقياداته وعلى تواصل مع تركيا وتنسيق مع القيادات داخل مضايا.

انقاذ حياة الأبرياء

عملية ربط كفريا والفوعة بمضايا والزبداني لم تكن في يوم من الأيام حرصاً على أي من البلدات الأربعة، بل كانت وفق المعلومات التي توضحت في الساعات الأخيرة أن البلدات الأربعة كانت رهينة لدى "جيش الفتح" خدمة لأحد الدول العربية، لكن ما كان يهم الجميع حينها هو انقاذ حياة المدنيين في البلدات الأربعة وكانت المجموعة المشكلة من الوجهاء تحمل ذات الحرص وتعمل ليل نهار لإنجاز كل تلك الترتيبات التي تنقذ حياة المدنيين، فكان الملف منقسماً الى قسمين أو ملعبين الأول هو انساني فيه حرص على استمرار المدنيين أحياء وكانت من مهمة مجموعة العمل الاهلية بالتنسيق مع الجهات الرسمية السورية والمنظمات الدولية، والملعب المظلم هو الذي كان يملك القرارين قرار الملعب الأول وقرار انهاء الملف بحكم احتجازه للأبرياء، وبعد معاناة متواصلة، تحقق اتفاق ظهر في يوم وليلة يقضي بإخراج المجموعات الإرهابية المسلحة من مضايا والزبداني بشكل كامل مقابل اخراج جزء من المدنيين في كفريا والفوعة ودون ذكر التفاصيل المعرفة للجميع.

استمرار المعاناة

ولم تنتهي معاناة كفريا والفوعة بنهاية ملف البلدات الأربعة، وكان هذا أو دليل على عدم صدق الارتباط الطائفي الذي حاولت وسائل الاعلام العالمية اللعب عليه، واستثماره ولم يتم نقل أي من أهالي كفريا والفوعة الى منطقة الزبداني وبلداتها، وكانت الزبداني ومضايا والبلدات المحيطة أسرع البلدات والمدن السورية في استعادة عافيتها والان يقصدها السواح من كافة المناطق السورية وحتى من بلدات عربية ودول العالم، نعم الى هذه الدرجة عادت الزبداني بأهلها وسكانها الأصليين، فالحرب في سورية لم تكن يوماً ذات حقيقة طائفية ولو اكتست بها بكثير من المواقف، الا أنها مغايرة لهذا  التوصيف جملة وتفصيلاً.

أما بلدتي ادلب الوحيدتين اللتين بقيتا الى لحظة كتابة هذه الكلمات رافعة للعلم الوطني السوري بقيت مرهونة تارة لمناطق في حلب وتارة مقابل المعتقلين والإرهابيين التابعين للتنظيمات التي تحاصر البلدتين ومن يرتبط بهم وتعرض مدنيوها لعديد من محاولات الاقتحام ورمي القذائف والصواريخ واستشهد منهم الكثير الى ان اعلن في اليومين الماضيين التوصل الى اتفاق يقضي بإخلاء البلدتين بشكل تام أي اخلاء ما يقارب الـ 7000 مدني من ديارهم نقلهم الى مناطق امنة في حلب وسواها، بعد ان تم تهجير دفعات قبلها تماثل العدد بمرتين تقريباً أو يزيد، ليسجل التاريخ ان أهالي بلدتين آمنتين أخرجوا من ديارهم وقتلوا، واستخدموا كاليد المتألمة للدولة السورية وحلفائها، لتنفيذ أجندات تتحكم بها دول عربية وغربية كانت شريكا في الحرب على سورية، هذه هي الحقيقة في كفريا والفوعة.

نهاية إدلب!

ويقرأ المتابعون مصير ادلب بعد الاتفاق على أن شيء هام سيحصل في المحافظة التي تشكل الان الخزان الآثن الأكبر في العالم، مملوء بشتى أنواع التطرف والإرهاب، ولا يفوتني في معرض هذا المقال أن أتحدث عن عشرات الاتصالات عبر الانترنت التي وردتني من أشخاص تم نقلهم الى ادلب، اكتشف بعضهم حقيقة الأرض الخضراء التي وُعدوا بها، والتي وجدوها أرضا قاحلة، ومتكئات لا تصلح للعيش وخيام لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء بعد أن كان بعضهم من سكان القصور، وتعبيرهم الدائم عن الرغبة بالعودة فيما لو فتح الباب لهم لمثل تلك العودة، ووصول بعضهم لمرحلة طلب الانضمام لصفوف الجيش السوري، نعم هي حالهم في ادلب وحال الكثيرين ممن قيل لهم انكم لو بقيتم في مناطق "النظام" ستؤسرون وستسبى نسائكم ويقتل أطفالكم، والحقيقة أن ما حصل هو العودة الى ما قبل الـ 2011 من رغد العيش في المناطق التي شهدت مصالحات وتسويات، وعادت الى الدولة السورية  والتي كان نصيب الريف الدمشقى الاوفر بها.

الا أن القراءات لتوقيت وتفاصيل الاتفاق الحالي القاضي  بإخراج أهالي كفريا والفوعة بالتزامن مع اقتراب الانتهاء من ملف الجنوب السوري واستكمال التحرير، يمكن أن تذهب الى أن إدلب هي التالي على الأجندة الميدانية للجيش السوري والدولة السورية والحلفاء، فتنظيم "جبهة النصرة" أو "تحرير الشام" أي فرع القاعدة في سورية هي المتحكم الرئيسي بادلب، إضافة لتنظيمات وفصائل أخرى وهي تشكل الهدف الاستراتيجي للعام الحالي 2018 أي ان القضاء على هذه التنظيمات لا بد حاصل وبالتالي فإدلب انتهت، بحكم أنه هذا حال كل البلدات والمدن والمحافظات التي قرر الجيش السوري انهاء معاناتها، وانتهت.. وتبقى الأيام القادمة هي الحاكم لصحة ما نقول.

/انتهى/