تقرير خاص تسنيم / جهاز الخارجية الإيرانية يترجم جهود الانتصارات سياسيًا واقتصّاديّا

تتلاحق نجاحات جهاز السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة لا سيّما على صعيد تعزيز تأثيره في حل أزمات المنطقة وترجمة الانتصارات العسكرية في صالح تحقيق مزيد من النّتائج السّياسيّة والاقتصادية؛ وفي هذا الإطار يمكن تصنيف انعقاد قمّة سوتشي الّتي أنهت النّسخة الرّابعة للقمم الإيرانية – الرّوسية – التركيّة والتي تدير قطار حل الأزمة السّورية باتجاه الاستقرار في هذا البلد.

وكالة تسنيم الدّوليّة للأنباء – علي حيدري: أحدث النّجاحات للسياسة الخارجية الإيرانية في الفترة الأخيرة بدأت باللقاء الذي جمع كبير مساعدي وزير الخارجية الإيرانية مع المسؤولين الأوروبيين والذي بحث سُبل خفض الأزمة اليمنية مُفضيّا لاحقًا الى محادثات السّلام اليمنية الّتي عُقدت في السّويد.

وعلى سجل هذه النّجاحات كانت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف الى العراق والتي امتدت لخمسة أيام بحثت مختلف العلاقات السّياسيّة والاقتصادية مع المسؤولين العراقيين.

مهمّة حصد النّتائج السياسية والاقتصادية أوكلت لجهاز الخارجية الإيرانية بعد نجاح الجهاز العسكري الإيراني بالتّعاون مع نظرائه في دول المنطقة بإنهاء التهديد الإرهابي والمساعدة في إعادة الاستقرار لدّول المجاورة في مواجهة المجاميع الإرهابية.

 

ولعلّ ما يلفت النّظر في زيارة ظريف الى العراق كان اللقاء الذي تلى مباشرة لقاءه بنظيره العراقي أي رئيس تحالف الإصلاح والبناء الّذي يُعدّ تيارًا معتدلًا ووسطيّا؛ الأمر الذي حمل ضمن طيّاته رسائل متعددة يمكن تلقّيها في أكثر من اتّجاه.

كذلك التقى وزير الخارجية الإيرانية بالقادة السياسيين في بغداد وأربيل كما اجتمع بعدد من التّجار الإيرانيين والعراقيين، كما أجرى محادثات لأول مرة مع رؤساء العشائر العراقيين في أطول زيارة يجريها ظريف في المنطقة.

 

تأخذ السياسة الخارجية الإيرانية الجديدة منحىً تصاعديّا بحيث يمتدّ نسيج العلاقات الإيرانية إضافة الى التّيّارات الرسمية في دول المنطقة الى الأحزاب والمجموعات التي تمتلك تأثيرًا قويًّا في هذه الدّول بحيث تستطيع وزارة الخارجية الإيرانية لاحقًا إنشاء علاقات أقوى مع هذه الدّول عبر مؤسساتها الرّسمية والعلاقات مع مختلف الأطياف داخلها.

نموذج آخر على هذه السّياسة الإيرانيّة الجديدة يمكن رؤيته باتّجاه الطّرف الآخر للحدود الإيرانية أي أفغانستان حيث أجرت الخارجية الإيرانية محادثات رسمية لأول مرّة مع تنظيم طالبان الأمر الذي سيؤثّر على المنطقة بشكل جدّي في المستقبل.

زيارة أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني إلى أفغانستان ولقاءه مع وفد طالبان الى طاولة المفاوضات كذلك لقاءاته مع مسؤولي الخارجية الأفغانية ربّما كانت كفيلة بإظهار أن مسار السّلام في أفغانستان يمر عبر طهران وأن تحقيق أفضل مستوى للاستقرار في هذا البلد يكون عبر مساعدة ومراقبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ وذلك لأن طهران تملك نفوذا كبيرا بين الشّعب الأفغاني، المجاهدين الأفغان وأطراف المحادثات الأفغانية بشقّيه الحكومي من جهة وطالبان من جهة أخرى.

 

الزّيارة التي أجراها وزير الخارجية الإيرانية إلى لبنان أخيرًا كانت خطوة أخرى مهمة أقدمت عليها الخارجية الإيرانية بحيث يُعتبر ظريف أول وزير خارجية يزور لبنان بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، وقد التقى بالمسؤولين اللبنانيين وأجرى محادثات معهم. لقاءات ظريف بالمسؤولين اللبنانيين شملت معظم أطياف الشّعب اللبناني فهو قد اجتمع بالسّيّد حسن نصر الله كما اجتمع برئيس الحكومة سعد الحريري في إشارة إلى ان طهران ترغب في التّعامل مع كافّة الأطراف اللبنانية.

 

ظريف أعلن خلال زيارته الى بيروت بأن طهران مستعدّة لتزويد الجيش اللبناني بأنظمة دفاع جوي من أجل تمكينه من مقاومة اعتداءات الكيان الصّهيوني كما أعلن عن استعداد إيران للمساهمة في المشاريع الإنمائية في هذا البلد. ولعل النّتائج الأولية لهذه الزيارة كانت عدم مشاركة لبنان في مؤتمر وارسو الذي يستهدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكل أساسي.

الملف السّوري كان بعهدة النائب الأول لرئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري الذي حمله في زيارة ناجحة الى دمشق، ومن اليوم فصاعدًا سنشهد دورًا أكبر لوزارة الخارجية الإيرانية وتفعيلًا لإمكانيّاتها على محور الملف التّعاون السياسي والاقتصادي السّوري الإيراني.

نجاحات جهاز السياسة الخارجية الإيرانية تتلاحق في المنطقة لا سيّما على صعيد تعزيز تأثيره في حل أزمات المنطقة وترجمة الانتصارات العسكرية في صالح تحقيق مزيد من النّتائج السّياسيّة والاقتصادية؛ وفي هذا الإطار يمكن تصنيف انعقاد قمّة سوتشي الّتي أنهت النّسخة الرّابعة للقمم الإيرانية – الرّوسية التّركيّة والتي تدير قطار حل الأزمة السّورية بما فيه عربة إدلب باتجاه الاستقرار في هذا البلد.

سياسة جهاز الدبلوماسية الإيرانية فيما خص ملفات المنطقة من العراق إلى أفغانستان ومن سوريا الى لبنان وصولًا حتّى اليمن يُمكن تفسيرها باتّجاه بُعدين أساسيين:

الأول: حصد النّتائج الاقتصادية للجهود التي بُذلت خلال السّنوات الماضية لا سّيما تلك التي تتعلّق بجهود الحفاظ عل الاستقرار في دول المنطقة.

الثّاني: استخدام الطاقة القصوى من أجل إنهاء الأزمات وحفضها الى مستوى صّفري. وتعتمد السياسة الإيرانية في سبيل هذا الأمر طريق المحادثات والحوار مع كافة الأطراف المتنازعة والمتصارعة الدّاخلية والخارجية بهدف جمع هذه الأطراف حول طاولة تذهب بالأزمات نحو هدف التّفاهم والتّلاقي.

هذه السياسة أتت ثمارها في اليمن حيث أثنى الديبلوماسيون الأوروبيّون على الدّور الإيراني البنّاء من أجل إيصال الأزمة اليمنية إلى طاولة السّويد التفاوضيّة.

ولا يجب إغفال هُنا أن السياسة التي اعتمدتها الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة مؤخّرا دفعت باكستان إلى مراجعة تواجدها في التّحالف السّعودي ضد اليمن ولاحقًا الى الخروج منه؛ نتائج هذه السياسة امتدت لتطال تحييد لبنان عن المشاركة في مؤتمر وارسو كما أفشلت الهدف الأمريكي بإخراج العراق من السّوق الإيراني. وبات لبنان يملك اليوم خيارًا جديّا في التّعاطي مع الاعتداءات الصّهيونية ضد أجواءه في إطار المشروعية الدّوليّة المتمثلة بحقّه في الدّفاع عن نفسه كما بات الملف السّوري ضمن خانة الحل الذي تقبّله المجتمع الدّولي بمساعدة إيرانية روسية تركية.

اصطحاب ظريف في زياراته الى الدّول المجاورة وفدًا من القطاع الخاص الإيراني، كان بهدف تعزيز قدرات التّبادل التّجاري والاقتصادي بين دول المنطقة عبر استغلال الطاقات الكامنة فيها في ظل الحظر المفروض بشكل أحادي الجانب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. اليوم، باتت أسواق المنطقة تتطلع بشكل مُرحّب به وجدّي إلى إيران ويمكن اعتبار هذا الأمر نتيجة طبيعية للمساعدة التي قدّمتها الجهود العسكرية الإيرانية للحفاظ على استقرار المنطقة وبالتّالي سيكون تواجد إيران الاقتصادي في المنطقة أكثر ازدهارًا أكثر من أي وقت مضى.

/انتهى/