العمليات العسكرية في شمال سوريا.. حلول لمخاوف أنقرة الأمنية ضمن عباءة الاحتلال

العملیات العسکریة فی شمال سوریا.. حلول لمخاوف أنقرة الأمنیة ضمن عباءة الاحتلال

تواصل تركيا العدّ التنازلي لهجومها على شرق الفرات في حين تنطوي هذه الخطوة على كثير من الأبعاد القانونية والسياسية لهذا التّحرّك كذلك وجود علامات استفهام كبرى حول الحل طويل الأمد لمعالجة مخاوف أنقرة الأمنية في شمال سوريا.

وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء أن تركيا وخلال الأشهر القليلة الماضية كانت قد حذرت من ارتفاع نسبة التهديدات الأمنية الناتجة من تواجد قوات كردية من وحدات حماية الشعب الكردي (YPG) وحزب الاتحاد الديمقراطي السّوري (PYD) المرتبطين بشكل أو بآخر بحزب العمال الكردستادني (PKK) على الحدود الشّمالية السّورية ملوحّة باقتراب هجوم عسكري تركي على مناطق تواجد هذه الوحدات وإنشاء ما يُسمى بالمنطقة الآمنة.

هل تسعى تركيا إلى إيجاد "منطقة آمنة" أو "معبر للسلام"

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد أشار في العديد من خطاباته ومواقفه على هذه التهديدات وردّد باستمرار هذه الجملة: "سوف نشن هجومًا مفاجئًا في أيّة لحظة"

ورُبما شكّلت كلمة التي ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة نقطة الذروة واللاعودة في هذا السياق حيث أعلن أن تركيا تهدف من وراء هجومها على شرق الفرات إيواء المهجرين السوريين.

أردوغان يُطلق مشروعًا خياليًا بقيمة 27 مليار دولار

أردوغان كان قد أشار حول مشروعه لإقامة المنطقة الآمنة عبر هجومه على شرق الفرات أنّه يهدف إلى بناء الوحدات السّكنية والمباني الإدارية في هذه المنطقة حيث من المقرر أن يعطي كل لاجئ سوري منزل تبلغ مساحته 200 متر مربع إضافة الى مزرعة كحصة في هذه المنطقة التي من المفترض أن تستقبل مليون الى مليونيين لاجئ سوري.

وبطبيعة الأحوال يبدو مشروع أردوغان ليس ضمن المتناول حيث تبلغ قيمة هذا المشروع الخيالي حوالي 27 مليار دولار حيث سعى الرئيس التركي خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة وخلال لقاءاته مع المسؤولين الغربيين أن يوفّر هذه الكلفة.

الظّاهر وحسب الوقائع أن توقّعات أردوغان ستخيب في هذا المجال وما علينا إلا أن نُراجع سلوك الاتحاد الأوروبي في تعاونه مع تركيا خلال السّنوات الماضية فعلى الرّغم من المفاوضات الحثيثة المتكررة والتهديدات التركية غالبًا المتمثّلة بفتح أبواب أوروبا أمام اللاجئين السّوريين، لم تستطع تركيا أن تستحصل من الاتحاد الأوروبي إلّا على مبلغ وقدره 6 مليارات يورو لم يتم دفعها بشكل كامل حتّى اليوم.

طرح مد نظر اردوغان البته آنچنان دست يافتني نيز نمي‌نمايد زيرا هزينه اين بلند پروازي بالغ بر 27 ميليارد دلار برآورده شده كه رئيس جمهور تركيه در سخنراني خود در سازمان ملل و همچنين ديدارهاي خود تلاش كرد تا مقامات غربي را براي تامين هزينه آن اقناع كند.

 

إنشاء مركز قيادة مشتركة للهجوم على شرق الفرات

تركيا ومن أجل تخفيض من تكاليف حربها من الناحية المادية والقانونية سعت أن تُدخل أمريكا في هذا الموضوع. وقد أدّت هذه الجهود التي امتدت على عدّة شهور من تشكيل مركز قيادة مشتركة في "شانلي أورفا" مؤلّفة من عدد من القادة العسكريين الأمريكيين والأتراك وكانت نتيجة هذا المركز هو القيام بدوريات جوية وبريّة مشتركة في نقاط متعددة على الحدود السّورية التركيّة.

بعد الضغوطات السياسية والاعلامية التي أطلقها المسؤولون الأتراك حول ضرورة شن هجوم على شرق الفرات وتجنّب تضييع مزيد من الوقت، وبعد الاحتجاج المتكرر للمسؤولين الأتراك ضد تزويد الأمريكيين لحلفائهم الأكراد بالمعدات العسكرية الخفيفة والنّصف ثقيلة، تراجع المسؤولون الأمريكيّون عن مواقفهم حول الهجوم التركي على شرق الفرات وأبدوا مرونة في هذا السّياق.

في السّابق كان المسؤولون الامريكيّون يطلقون تحذيرات جدية في مواجهة أي هجوم تركي على شرق الفرات وكانت تتمحور حول تدمير الاقتصاد التركي أو فرض عقوبات صارمة عليه، إلّا أنّه وفي المكالمة الاخيرة بين أردوغان وترامب لم تتكرر هذه التهديدات وأُعطي الضوء الأخضر المشروط لأنقرة سامحًا لها بشن الهجوم على شرق الفرات.

هل واشنطن تخلّت عن تركيا وحلفائها الأكراد؟

استنادًا الى البيان الذي أصدره البيت الأبيض والبنتاغون، فقد أعلنت أمريكا أنّها لن تدعم تركيا بهجومها هذا لكنّه لن تعارض حدوث أي هجوم من هذا النّوع، كما أوكلت مسؤولية أسرى تنظيم داعش الذين حتّى اليوم تحت قبضة الأكراد وأمريكا الى تركيا.

هذا البيان يوضح ان تركيا يجب أن تدخل وحيدة في هذه الحرب وعلى أنقرة أن تتحمّل تكاليفها المادية، السياسية والقانونية بشكل كامل، كما على تركيا أيضا أن تتولى مسؤوليّة أسرى تنظيم داعش الارهابي وهذا الأمر يُعدّ خطيرًا ومُكلفا لتركيا.

ومن يومين تقوم تركيا بإرسال معداتها العسكرية الى الحدود السّورية بينما رفعت مستوى الجهوزية العسكرية إلى أعلى مستوياتها، حتى أن تركيا قامت بشن العديد من الضربات الجوية ضد أهدافًا في منطقة الحسكة. تتواصل هذه الأحداث بينما أصدر البنتاغون بيانًا منع فيه من تحليق المقاتلات التركيّة لأجواء شمال سوريا كما أخرج تركيا من التّحالف الدّولي الذي تقوده الولايات المتّحدة.

هذا الموضوع يًمكن أن يرفع أيضا التّكاليف التركيّة لأن عليها أن تعتمد على القوات البرية بشكل كبير من دون دعم جويّ وهذا يعني أيضا سقوط خسائر أكبر في هذه العمليات التي أطلقت عليها تركيا اسم "نبع السلام" بهدف إيجاد المنطقة الآمنة أو معبر للسلام.

تركيا تستأذن من المحتل الأمريكي من أجل احتلال سوريا

يبدأ العدّ العكسي لهجوم تركيا على شمال شرق سوريا بالتّعاون مع الميليشيات المتحالفة معها في سوريا في ما يُطلق عليهم بالجيش الحر إضافة إلى مليشيات تركمانية متواجدة في هذه المناطق ومن المتوقع أن تنطلق وتتوسّع هذه المعركة خلال الأيام القليلة المُقبلة. لكن هنا يجب التّطرق الى العديد من النقاط في هذا السياق:

النقطة الاولى هي أن نسقت مع أمريكا امر الهجوم على شرق الفرات وأخذت الإذن من الولايات المتحدة في حال أن القوات الأمريكية في سوريا هي قوّات احتلال ولم يتم دعوتها بشكل رسمي من الحكومة السورية، وبالتالي فإن إنشاء غرفة عمليات مشتركة تركية أمريكية والتنسيق للهجوم على الأراضي السّوريّة هو أمر غير قانوني ويفتقد للمشروعية القانونية والسياسية وهذا سيترتّب عليه تكاليف باهظة ستتحملها تركيا في الوقت الحالي وسيُعقّد عليها الظروف في المستقبل. لأن تركيا إن لم تأخذ الإذن من الحكومة السّورية، وبالرّغم من التكاليف في الأرواح والمعدات والمال التي ستتحملها ستُعتبر بلد محتل وعليها عاجلا أم آجلا ترك هذه المنطقة.

النقطة الثانية وهي أن الحكومة السّورية باتت تتحكم بأغلب المناطق في سوريا والجيش السّوري يعزز من سيطرته على كل أنحاء سوريا تأكيدا لسيادة سوريا على أراضيها. فإذا كانت تركيا تتحجج بأن وجود القوات الكردية المتعلقة بحزب العمال الكردستاني ووجود هذه القوات يحول دون سيادة سوريا على أراضيها فلماذا عندئذ تواصل تركيا دعمها للإرهابيين في إدلب في حين أن الحكومة السّورية كانت تستطيع خلال الأشهر الماضية إقفال ملف إدلب وبالتالي مواجهة التحركات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني على الحدود الجنوبية لتركيا.

النقطة الثالثة وهي مخرجات مؤتمر استانا والذي يؤكد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادة هذا البلد على أراضيه، وهذا ما يؤكد عليه نسخة أنقرة لاجتماع الدول الثلاثة الضامنة في سوريا أي إيران وروسيا وتركيا.  وعلى الرغم من أن إيران وروسيا اعترفا رسميًّا بالمخاوف التركية على الحدود السورية، إلّا أنهم اعتبرا أن تصرّفات أنقرة تخالف مسار سوتشي واستانا وعلى أنقرة أن تنتبه لهذا الأمر.

النقطة الرّابعة وهي أن إخلاء أمريكا لعدد من مواقعها في شمال سوريا وبالتالي ترك حلفائها الأكراد في مواجهة الجيش التركي يشير إلى أنّه لا يُمكن الوثوق بهذه الدولة وعلى جميع الدول أن تحذر، وخاصّة تلك التي لا تزال تجاري الولايات المتحدة حفاظا على مصالحها مع الولايات المتحدة، من أن أي حدث صغير قد يؤدي لأن تترك الولايات المتحدة حلفائها لمواجهة مصيرهم.

والنموذج الواضح إزاء ذلك هو ترك الاكراد الذين تدعمهم لمواجهة مصيرهم على الرّغم من الطلب المتكرر من المسؤولين الاكراد وحتى الأكراد أنفسهم من أمريكا بألّا تدعهم في مواجهتم لتركيا حيث كتب ترامب في تغريدة له: " الأكراد قاتلوا معنا، لكنهم حصلوا على مبالغ طائلة وعتاد هائل لفعل ذلك. إنهم يقاتلون تركيا منذ عقود".

ما حدث للأكراد قد يحصل في المستقبل مع أي دولة أو فئة في المنطقة، وهذا الامر ليس مستغربا فقد تخلّت أمريكا عن كثيرا من حلفائها في المنطقة قبل تكرار هذا الأمر مع أكراد سوريا. ولذا فإن ثقة تركيا بأمريكا واعتمادها عليها وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة تسعى الى ترك المنطقة لا يبدو عقلانيًّا.

المفاوضات مع دمشق هو الحل الوحيد طويل الأمد أمام أنقرة

في النهاية يجب القول أن التحركات المكلفة والمسببة للاضطرابات في المنطقة مثل العمليات العسكرية التركية في سوريا لا يُمكن أن يُنهي قلق تركيا فيما يخص حدودها الجنوبية مع سوريا على المدى الطويل، والحل الوحيد طويل الأمد أمام أنقرة هو المفاوضات والحوار مع دمشق والتعاون فيما بينهم من أجل مواجهة الارهاب والانتصار عليه في سوريا. وبالتالي فإن الاستقرار في سوريا سيمنع من إنشاء أي ممر إرهابي ومناطق حكم ذاتية قد تشكل أي خطر أو مخاوف بالنسبة لتركيا.

بناءً عليه يُمكن اعتبار اتفاق أضنة الموقّع سابقا بين دمشق وأنقرة، والذي عالج العديد من المواضيع الأمنية وكانت له نتائج جيّدة بالنسبة للبلدين، أن يُشكّل نقطة بداية لأي محادثات مقبلة بين البلدين مما يعزز الاستقرار والسلام في سوريا والمنطقة.

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة