طوفان الأقصى.. مقدمات الحرب الإقليمية والمعركة الأخيرة مع الكيان الإسرائيلي

استطاعت المقاومة الفلسطينية من خلال عملية طوفان الأقصى أن تعلن لنفسها النصر منذ الساعات الأولى لهذه العملية ، حيث وضعت قادة الكيان وحلفائه بموقع فشل.

لم يكن أحد ليصدق أن هذا هو  الواقع الاستخباراتي للصهاينة وبدا يصبح هذا الفشل عنوانا لتحليلات كبار المسؤولين والساسة لحلفائه قبل أعدائه وبالتالي تتحول عملية طوفان الأقصى لعنوان كبير للنجاح الاستخباراتي المنقطع النظير للمقاومة ويسجل لها موقع متميز في عالم الاستخبارات الحديث. 

حيث استطاعت هذه  المقاومة  الباسلة تحييد كل أنظمة التجسس الاسرائيلية وضربها ليتلقى هذا الكيان ضربة مؤلمة لأنظمته الاستخباراتية وبرامجه التجسسية بيغاسوس وغيرها من البرامج التي باعتها اسرائيل لدول كبيرة وصغيرة وقبضت ثمنها ملايين الدولارات، وفي الوقت ذاته أثبتت عدم الجدوائية للقواعد الأمريكية المنتشرة بالقرب منه لحمايته وهذا فشل مزدوج لأجهزة الاستخبارات الامريكية والاسرائيلية على حد سواء.  

واذ ما أردنا ان نقوم بتقييم لمخرجات هذه العملية الكبرى حتى هذه اللحظة التي استطاعت أن تقوم بحرق الأوراق وليس خلطها لناحية تاريخ من المساومة على القضية الفلسطينية وكل محاولات تصفيتها من أوسلو الى مدريد الى اتفاقيات التطبيع ابراهام، وضربت حسابات قوى عالمية واقليمية والذين كانوا منشغلين كل الفترات السابقة بالتخطيط للمشاريع الاستراتيجية العالمية ضاربين بعرض الحائط أن خططهم مبنية على الموقع الجغرافي الفلسطيني وليس الاسرائيلي من مبدأ التعامل مع الكيان على أنه صاحب اليد الطولا على الجغرافية السياسية لناحية الموقع الاستراتيجي لفلسطين وأهميته في مشاريعهم الخبيثة. 

من هنا أتت عملية طوفان الأقصى لأخذ المشهد بعيداً جداً عن قراءة نتائجه على المشهد الإقليمي فحسب لناحية توسع دائرته لتشمل حلفاء المقاومة الفلسطينية من حزب الله الى سورية الى ايران، لتتسع دائرة مخرجاته لتشمل العالم بما ينذر بحرب عالمية ثالثة ونرجئ هذه الرؤية لناحية تضارب المشاريع بين القوى الكبرى المؤثرة في المشهد الدولي لناحية الهيمنة الامريكية على النظام الدولي من ناحية في مواجهة القوى الصاعدة ومشاريعها كالصين وروسيا من جهة أخرى. 

هذه الحسابات كانت واضحة ولو كانت بشكل ضمني في اجتماع مجلس الأمن الدولي منذ يومين الذي أرادت منه أمريكا استخلاص قرار جامع من كل الدول المجتمعة  يدين عملية طوفان الأقصى بقيادة حماس إلا أن هذا لم يحصل وأفشلته روسيا والصين. 

فالمشروع الأمريكي الذي تم الاعلان عنه في قمة العشرين المتمثل بإنشاء السكك الحديدية التي تربط الهند بكل من الامارات والسعودية والاردن و"اسرائيل" بأوروبا في مواجهة المشروع الاستراتيجي الصيني المبارك روسياً  المعروف بالحزام والطريق بات في مهب الفشل، لتأتي هذه العملية لتفشل المشروع في مهده فالمقاومة استطاعت تعرية الجيش الاسرائيلي وقدمته على حقيقته بأنه نمر من ورق مما يدفع بهذه الدول لإعادة حساباتها أن كانت فعلاً تنوي الانخراط فيه.  

قرار أمريكا بإرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد الى سواحل المتوسط في محاولة منها لمنح هذا الكيان المأزوم  معنويات تساعده في  ترميم حالة التشوه والعري الذي مني بها خلال الايام القليلة  الماضية فأمريكا غير قادرة على الدخول  المباشر لدعمه بحربه الظالمة على الشعب الفلسطيني فهناك الكثير من المعطيات التي تمنعها من ذلك منها:  

انشغال أمريكا بحربها مع روسيا والتي تعتبرها واشنطن حربا مصيرية في اوكرانيا التي فتحت أمامها كل مستودعات الاسلحة ، وما سببه هذا الانفاق من ضغوطات في الداخل الامريكي على حكومة الرئيس بايدن وهو على اعتاب الانتخابات الرئاسية.  

التحذيرات الآتية من الكرملين وعلى لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي رأى في تحريك حاملة الطائرات فورد خطرا على تواجد قوات بلاده في المتوسط، وهذا ما دفع الرئيس بوتين  لارسال رسالة واضحة لبايدن مفادها لو دخلتم الحرب لدعم اسرائيل ستدخل روسيا لدعم فلسطين. 

وفي هذه الرسائل تكمن المستجدات المتمثلة بإعلان البيت الأبيض أنه لا نية لديه لإرسال حنود أمريكيين لدعم اسرائيل في حربها ضد حماس ليتضح بأن الفعل الأمريكي في هذه الحرب سيقتصر على تقديم الدعم الاستخباراتي في تخطيط عمليات خاصة بتحرير الرهائن هذا من جهة ومن جهة أخرى توكيل  متاعب هذه المهمة على حلفائها الاقليميين للضغط على دول محور المقاومة لناحية عدم توسع رقعة الحرب لتشمل حزب الله وسورية أي الجبهة الشمالية التي تقلق الكيان وتشتت قوته، وهذا مالم يحصل فحزب الله دخل الحرب وسورية رفعت من جهوزيتها ووضعتها في حالة تأهب قصوى.

وفي الخلاصة نستطيع القول بأن عملية طوفان الاقصى التي احتاجت جهود جبارة من المقاومة الفلسطينية والحلفاء وأخذت سنوات حتى اتخذ قرار ساعة الصفر  ليحدثنا  عنوانها عن مضامينها التي ستشكل طوفانا يدفع بالكيان ومستوطنيه للهرب منه برا وجوا وبحرا . حزب الله كلمة السر في هذه المعادلة وهاجس الرعب الذي تشكله المقاومة الاسلامية للصهاينة والأمريكان والذي تدور حوله معظم المعطيات في الغرف المغلقة والاتصالات الساخنة وما زيارة المبعوث الاوروبي المحمل بالرسائل الامريكية لحزب الله بأنه لو تدخل بالحرب ستضرب سورية وعاصمتها دمشق وفي هذه الرسالة وقاحة وضعف في الرؤية لدى الامريكان والصهاينة فهذه التهديدات لن تنفع مع الأسد فهم خبروه جيدا خلال السنوات الماضية ولا مع سيد المقاومة فقرار توحيد الساحات اتخذ قبل انطلاق عملية الحرية والكرامة وهذه الوحدة الذي كانت تراها واشنطن واسرائيل محصورة  في سورية وحزب الله وإيران والمقاومة الفلسطينية امتدت لتشمل العراق واليمن وأحرار العالم. 

المقاومة اليوم أقوى من أي وقت مضى وهذه القوة يشهد لها السلوك الاسرائيلي الذي اختار القتل الجماعي لينفث عن غضبه من هذه الهزيمة الكبرى فهو مهزوم في الداخل وهناك عصيان وتمرد لدى قوات جيشه وهناك المستوطنين  الأسرى بما يشلونه من ورقة مساومة دولية، وفي المقلب الآخر هناك المستوطنون الذين افترشوا أرض مطار بن غوريون بانتظار الإعلان عن عودة الرحلات ليعودوا من حيث أتوا فهم يدركون جيداً أن هذه المعركة التي قد تطول وتتسع رقعتها لما وراء وراء الحدود ليست معركتهم لأن هذه الارض المقدسة ليست أرضهم.  

الدكتورة حسناء نصر الحسين  

باحثة في العلاقات الدولية – دمشق

/انتهى/