خاص/ تسنيم..قائد استخباراتي يروي عن 11 عاما من الرفقة المستمرة مع الحاج قاسم / ما هي أصعب لحظات الشهيد سليماني في سوريا؟


الحاج يونس، أحد قادة الاستخبارات في قوة القدس التابعة للحرس الثوري يروي عن 11 عاما من الرفقة المستمرة مع الشهيد حاج قاسم سليماني، تتناول هذه الرواية خصائص شخصية الحاج قاسم وعبقريته المتميزة في القيادة العسكرية.

 خلال السنوات التي عصفت الأزمة الأمنية باركان النظام السوري واجه الجيش في هذا البلد تحديات شديدة، وتطور الوضع إلى درجة أن الكثيرين حتى في داخل إيران، اعتبروا ان  النظام السوري سيسقط، ومع تصاعد هذه التوترات التي أدت تدريجياً إلى تشكيل وظهور الجماعات المسلحة التكفيرية ومن ثم التحاق داعش اليها ، كان الشهيد الحاج قاسم سليماني، قائد قوة القدس  قد كلف بمهمة  الذهاب إلى هذا البلد لتقديم  الدعم الاستشاري للحكومة السورية.

وقد رافق الحاج قاسم  في مهمته في البداية عدد قليل من القادة العسكريين الإيرانيين (كان عددهم لا يتجاوز  أصابع اليدين)، مثل الشهيد حسين همداني و"الحاج يونس"، وكانت مهمتم الرئيسية تقديم الدعم الاستشاري للجيش السوري. وبعد مضي من الزمن  اتسعت دائرة  الأزمة أكثر اثر الدور الذي لعبه تنظيم داعش الارهابي  بحيث تجاوزت د ائرة تهديدات هذا التنظيم حدود سوريا وطالت جزءا كبيرا من منطقة جنوب غرب آسيا.

ان مواجهة هذه التهديدات والقضاء على داعش في العراق والشام كان من أهم مهمات قوة  القدس بقيادة  الشهيد الحاج قاسم سليماني، بحيث أنجز هذه المهمة بمساعدة القادة العسكريين والقوات التابعة له.

بمناسبة الذكرى الرابعة لاستشهاد الحاج قاسم، اجرينا مقابلة مع أحد القادة البارزين في جهاز استخبارات قوة القدس بحثنا خلالها  الحرب السورية وأحداث عقد من الأزمة في هذا البلد. وفي هذا الحديث، بالإضافة إلى السرد والتحليل المباشر للأحداث خاصة في الأشهر الأولى من بداية هذه الأزمة قام بشرح  شخصية الشهيد قاسم سليماني.. ونرى أنه من الضروري أن نذكر أنه في هذه المقابلة، ولأسباب أمنية، تم تجنب نشر صورة واسم الشخص الذي تمت مقابلة معه،  وقد اكتفينا  بذكر اسمه  الحركي "الحاج يونس".

وكان "الحاج يونس" من أوائل قادة قوة القدس الذي تواجد في هذا البلد برفقة الشهيد سليماني منذ بداية الأزمة السورية وحتى نهايتها.

اشار الحاج يونس في هذه المقابلة الى ان الازمة السورية كانت من أهم مسؤوليات قوة القدس خلال الاعوام الأخيرة، مبينا ان الشهيد حاج  قاسم الذي كان يتمتع بروح جهادية وثورية قام بتغيير قوة القدس جذريا  واضاف:  كانت جهوده وتفكيره الاستراتيجي هي التي خلقت تحالفا متعدد الجنسيات في سوريا.. ورأينا أن المجاهدين  من عدة دول  جاهدوا جنبا الى جنب في هذا البلد،  بينما كان لكل منهم ثقافته الخاصة.. وكانت نظرة الحاج قاسم هي أنه إذا أردنا الحفاظ على الأمن في الجمهورية الإسلامية، فيجب أن تكون الدول المجاورة آمنة أيضا، ولهذا السبب، كان يساعدهم على ضمان أمن بلادهم.

واكد الحاج يونس انه مع تولي الحاج قاسم قيادة قوة القدس تعززت قدرات هذه القوة بشكل كبير، وأصبحت شجرة ضخمة وقوية لا يمكن احد القضاء عليها.

واشار في حديثه الى تسارع خروج بعض المدن السورية من السيطرة  الحكومية جراء اتساع رقعة الازمات التي كانت تعصف بهذا البلد خلال تلك الاعوام، مبينا ان  عدد المستشارين العسكريين الايرانيين الذين كانوا متواجدين على الاراضي السورية في تلك الفترة  كان يتراوح ما بين  5 الى 10 اشخاص  لافتا  الى ان  الشهيد حاج قاسم كان يوصي ويشدد على ضرورة  بذل قصارى الجهود للحيلولة دون سقوط  النظام في سوريا.

واكد انه رغم التقديرات التي كانت تشير بان الحكومة السورية ستسقط  خلال 5 أشهر الا ان الشهيد قاسم سليماني كان واثقا بعدم وقوع هذا الامر وبذل جهودا حثيثة  للحفاظ على النظام السوري. 

واضاف: عندما رأى الحاج قاسم حالة عدم الاستقرار في أركان هذا البلد ، قام بتشكيل قوات الدفاع الوطني مقتدياً بقوات التعبئة (البسيج ) في بلادنا، ووضعه تحت إشراف شخص يحظى بثقة كبيرة من قبل رئيس الجمهورية.. وفي غضون بضعة أشهر، انضم آلاف الأشخاص الذين يمكن الوثوق بهم الى قوات الدفاع الوطني.. وقبل ذلك قام الشهيد قاسم سليماني بتشكيل فصائل مثل "البسيج "في المدن الشيعية لحماية تلك المدن.

وتابع: وعندما تم تشكيل قوات الدفاع الوطني، جعل  الحاج قاسم هذه القوات منضوية  في القوات الحكومية، كما قمنا كمستشارين بتقديم مساعداتنا في مجال  التدريب.. وكانت أهم مهمة لقوات الدفاع الوطني  في ذلك الوقت هي إيقاف سرعة سقوط المناطق في هذا البلد. وهذه كانت عبقرية الحاج قاسم .. وأصر على أن تكون قيادة هذه القوات بيد الجيش السوري.

واضاف: من الملفت أن بعض المسؤولين  السوريين كانوا في البداية يرفضون فكرة قوات الدفاع الوطني لكن عندما تشكلت  فانه تم تشكيل مجموعات أخرى شبيهة بها، مثل "قوات صقور الصحراء" أو "قوات العميد سهيل"  .. على أية حال، بمبادرة الحاج قاسم  تم تشكيل جيش شعبي إلى جانب الجيش السوري و بعد ذلك قام الحاج قاسم بعمل مهم آخر وهو  انشاء مقرين رئيسيين، أحدهما في الجنوب (دمشق)  باسم السيدة زينب (ع) والآخر في الشمال (حلب) باسم السيدة رقية (ع).. بحيث كانت  الأولوية الأولى توفير أمن دمشق والأولوية الثانية كانت توفير أمن حلب، العاصمة الاقتصادية السورية، هذا في حين كانت الحكومة السورية تسيطر فقط على 20 بالمائة من مدينة حلب،...  بعد ذلك، وبالتوازي في دمشق، بدأ العمل بتطهير طريق المطار، الذي كان المتنفس الوحيد..في غضون 30 يومًا، تم إنشاء حزام أمني حول المدينة لصد هجمات المسلحين... دمشق وحلب نقطتان استراتيجيتان لو سقطتا لكان الوضع أسوأ بكثير.. كان هذا الامر ينم عن ذكاء الحاج قاسم .

واستطرد قائلا :بعد عملية حلب بدأ تحرير المدن الأخرى..في حلب، تم تنظيم ما يقارب  5000 شخص في مجموعات مختلفة لمواجهة المسلحين، وهذا ادى الى تغيير المعادلة..  وبعد هذا قام الحاج قاسم بعمل عظيم آخر،  وهو تشكيل جيش عالمي، بمشاركة الشيعة وغير الإيرانيين  للقيام بعمليات في سوريا ؛ شارك فيها فاطميون من أفغانستان، وحيدريون من العراق، وزينبيون من باكستان، وكل من كان يكن حبا لأهل البيت عليهم السلام.

ومضي قائلا: واليوم نرى آثار هذا التحالف في جبهة المقاومة، بحيث من خلال معركة غزة، وبدون غرفة قيادة مشتركة، يدافع أفراد هذه الجبهة عن بعضهم البعض، بحيث جعلوا أمريكا وأوروبا يعربان عن عجزهما.

وفيما يتعلق بموضوع التواجد الروسي في سوريا أشار الحاج يونس الى أهمية التواجد الروسي في ميادين القتال في سوريا مبينا ان التواجد العسكري الروسي في سوريا حدث عندما قاموا الأمريكان بعمليات القصف وتزايد دعمهم وأوروبا والدول العربية للجماعات المسلحة لدرجة أن الحرب السورية لم تعد تقتصر على التكفيريين بل  تحولت إلى حرب إقليمية، لافتا  الى ان المجئ بالقوات الروسية الى ساحات القتال في سوريا جاء  بتدبير من قبل الحاج قاسم.

واضاف:  ان الجيشين السوري  والروسي كانا قد أبرما مذكرة تفاهم بينهما للتدريب والتجهيز منذ أكثر من 30 عاما تقريبا ؛ ولذلك ونظراً للأضرار الكثيرة التي لحقت بالمطارات والمعدات الجوية، تقرر أن تقدم روسيا دعما جويا من أجل خلق التوازن في المنطقة، ..أردنا مشاركة الروس لأن القوة الجوية السورية قد الحقت بها اضرارا وكنا بحاجة إلى مساعدتهم في مناطق مختلفة، وخاصة تحرير الفوعة وكفريا.

واستطرد قائلا : إن حضورنا ووجهات نظرنا كان مهما للغاية بالنسبة للروس حتى في خططهم ، وهذا ما يجب أن نفتخر به باعتبارنا أبناء الثورة...أعتقد أن الاحترام الذي كان يكنه القادة الروس في سوريا للحاج قاسم كان بمثابة بعض الأساطير التاريخية الخاصة بهم..

 وفي رده على سؤال بشان ما هي أصعب لحظات الشهيد سليماني في سوريا؟ بين ان الحاج قاسم تألم كثيرا  بشان حصار أهالي بلدتي الفوعة وكفريا من قبل الجماعات التكفيرية.. ان اوضاع الفوعة وكفريا كانت أكثر سوء مقارنة بمدينتي نبل والزهراء..  صحيح أن مدينتي نبل والزهراء كانتا تحت الحصار، لكن  كانتا متجاورتين  مع مناطق كردية، مما خلق مساحة صغيرة للتنفيس، الاان الفوعة وكفريا لم تكونا كذلك. وكانتا محاصرتان بالكامل  من قبل الجماعات التكفيرية والمتطرفة  التي بذلت قصارى مساعيها  لقتل الشيعة في هاتين المنطقتين.

وفيما يتعلق بموضوع تحرير مدينة حلب أشار حاج يونس الى ان الحاج قاسم  توقع  بعد زيارته الى قلعة حلب بتحرير المدينة خلال يومين أو 3 ايام  واضاف: انا قلت لحاج قاسم  باستغراب أن نصف المدينة ما زالت محتلة ،..  الا ان بعد  عدة  أيام فقط، سقطت حلب بالكامل في أيدينا... مبينا ان الشهيد حاج قاسم كان يتمتع بقوة تحليلية غير عادية...

واردف بالقول: الحاج قاسم كان ملم بالقضايا السياسية والشؤون الدولية  وفي الوقت نفسه كان يقاتل في الميدان،.. بحيث قام بعقد مؤتمر أستانا... وكان من المهم جدا بالنسبة له ألا يقتل الأبرياء، و ان يتم تنفيذ الامور بالحوار قدر الإمكان.

 واكد ان الشهيد حاج قاسم  هو مؤسس مدرسة المقاومة ..وما نرى اليوم من احداث في غزة، هو مثالا لذلك.. عندما تكون غزة في خطر، يأتي سائر  الاعضاء من جبهة المقاومة لمساعدتها من على بعد آلاف الكيلومترات  لافتا الى ان الدول الإمبريالية  عاجزة عن مواجهة هذه المدرسة.

انتهى/