الخارجية الإيرانية: المفاوضات مع أمريكا لن تحقق مصالح إيران الوطنية
أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، في إطار متابعتها لبيانات وتوصيات قائد الثورة الإسلامية، أنها ستواصل المسار الدبلوماسي القوي بهدف تأمين مصالح الشعب الإيراني العظيم من موقع القوة، مع أخذ الحذر الكامل وفهمٍ كامل لطبيعة الأطراف المقابلة.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأنه في ردها على مذكرة الأمن القومي للرئيس الأمريكي والضغط الموجه ضد إيران، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها: "تلتزم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بثلاثة مبادئ أساسية في سياستها الخارجية وهي: الكرامة، والحكمة، والمصلحة. وتؤمن بأن المفاوضات مع أمريكا التي اتخذت صراحة خيار ممارسة الضغط الشامل ضد الشعب الإيراني وتهدد إيران بشكل علني باتخاذ إجراءات عسكرية، لن تحقق مصالح إيران الوطنية."
وفي ما يلي النص الكامل للبيان:
وقع رئيس أمريكا في 4 فبراير 2025 مذكرة رئاسية للأمن القومي، تأمر بإعادة تفعيل سياسة "الضغوط القصوى" الفاشلة ضد الشعب الإيراني.
تدعي الحكومة الأمريكية أنها تعيد تفعيل سياسة الضغوط القصوى، ولكن الحقيقة هي أن سياسة الضغوط القصوى لم تتوقف في أي وقت من الأوقات لتتم إعادة تفعيلها اليوم. الحكومة الأمريكية السابقة لم توقف أي من العقوبات المفروضة في الماضي، وفي اعترافها الخاص، أضافت المئات من العقوبات الجديدة على العقوبات السابقة.
لقد أظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها ردت على سياسة الضغوط القصوى بمقاومة أقصى، وستستمر في ذلك. وتؤمن إيران بشدة أنه لا ينبغي لأي شعب أن يتعرض لضغوط غير عادلة أو عقوبات غير قانونية.
النهج المنافق لأمريكا
بينما تحدث رئيس الولايات المتحدة، عند توقيعه على الوثيقة، عن رغبته في الحوار والتوصل إلى اتفاق مع إيران في القضايا النووية، إلا أن الوثيقة التي تُعيد تفعيل سياسة "الضغوط القصوى"، كما ذكرها رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تتضمن جميع المؤامرات الممكنة لمواجهة إيران وتعزيز الضغوط على الشعب الإيراني.
لقد أظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، استمراريتها في تبني نهجها المبدئي، دعمها المستمر للبحث عن حلول دبلوماسية لمختلف القضايا، بما في ذلك القضايا النووية، وأثبتت التزامها بالدبلوماسية والنهج المستند إليها على مدى العقدين الماضيين.
في الوقت نفسه، تؤكد التجربة التاريخية أن الشعب الإيراني لن يقبل أبداً التفاوض تحت الضغط، وأن فرض الشروط الأحادية، والترهيب، والتهديدات ضد الجمهورية الإسلامية لن تُجدي نفعاً ولن تنجح. إن توقيت إصدار أمر تشديد الضغوط ضد الشعب الإيراني، إلى جانب إعلان الرغبة في التفاوض والتوصل إلى اتفاق، لا يُظهر سوى استمرار النهج المراوغ الذي لطالما كان ضمن سياسات الحكومات الأمريكية تجاه إيران.
إصرار واشنطن على هذا النهج المزدوج لا يساهم في حل القضايا، بل يزيد من عمق عدم الثقة في نوايا وسياسات الولايات المتحدة.
سابقة أداء أمريكا في الاتفاق النووي
تُبدي الولايات المتحدة رغبتها في الحوار والتوصل إلى اتفاق مع إيران في وقت فشلت فيه مرارًا في الوفاء بالتزاماتها، خصوصًا فيما يتعلق بالاتفاق النووي، الذي يُعد اتفاقًا معتمدًا من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
اليوم، يتحدث رئيس الولايات المتحدة عن الحوار والتفاوض في الوقت الذي كان قد قرر فيه بشكل أحادي في عام 2018 الخروج من هذا الاتفاق وفرض أشد الضغوطات على الشعب الإيراني. وقد اتُخذ هذا القرار في وقت كانت إيران، بحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ملتزمة تمامًا بالتزاماتها النووية الواسعة. وحتى قبل ذلك، كان عدم تنفيذ الولايات المتحدة لالتزاماتها بشكل كامل قد حال دون استفادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكل كامل من فوائد رفع العقوبات، كما كان متوقعًا في الاتفاق النووي.
ورغم كل هذه الظروف، استمرت إيران في الوفاء بتعهداتها الدبلوماسية حتى بعد عام من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وقامت باتخاذ مجموعة من الخطوات التعويضية في المجال النووي، وفي إطار الحقوق المنصوص عليها في الاتفاق، من أجل إحياء الدبلوماسية، وأوقفت تنفيذ بعض الإجراءات المنصوص عليها في الاتفاق النووي.
خلال السنوات الأربع الماضية، ورغم المحادثات المكثفة لإحياء الاتفاق النووي، لم تقم واشنطن، رغم إبداء رغبتها الكلامية في العودة إلى الاتفاق، بالعودة إلى التزاماتها في الاتفاق النووي ولم ترفع العقوبات عن الشعب الإيراني، وفي كل مرة تمَّ استخدام ذريعة ما لمنع التوصل إلى نتيجة نهائية في مفاوضات إحياء الاتفاق. في الواقع، يمكن وصف تجربة الاتفاق النووي كمرآة لسلوك الولايات المتحدة المزدوج تجاه إيران.
موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه التوجه المزدوج للولايات المتحدة اليوم ينبع من هذه التجربة التاريخية.
السلوك التاريخي لأميركا تجاه إيران
تاريخ سلوك الحكومة الأمريكية تجاه الحكومة والشعب الإيراني العظيم مليء بعدم الثقة الناجم عن استمرار النهج الاستكباري، والتهديدات، والترهيب، والتدخلات المتكررة في الشؤون الداخلية، والاعتداء على الموارد والثروات الوطنية تحت مسميات مختلفة، وحرمان الشعب الإيراني من الفرص التجارية المعتادة من خلال العقوبات، وفرض الحرب، واستخدام أنواع وأشكال الإرهاب، وخاصة الإرهاب الاقتصادي، والإجراءات الاستفزازية، والعديد من هذه الأفعال غير الإنسانية والجائرة.
تتعارض هذه الإجراءات مع أي معيار إنساني وكذلك مع القوانين والأنظمة الدولية. من تنفيذ الانقلاب ضد الحكومة القانونية الإيرانية في 1953، إلى تجميد جميع ممتلكات إيران في الأيام الأولى للثورة الإسلامية، وتقديم الدعم الاستخباراتي والأمني واللوجستي للنظام البعثي في العراق خلال حرب السنوات الثماني المفروضة، وشن الهجمات على منصات النفط، والهجوم على الطائرة المدنية الإيرانية، وإزالة اسم منظمة مجاهدي خلق من قائمة الجماعات الإرهابية، والترهيب والتهديد للإيرانيين من خلال احتجازهم وتسليمهم إلى الولايات المتحدة، والخروج من الاتفاق النووي، والتحريض والمشاركة في اغتيال بطل مكافحة الإرهاب الشهيد قاسم سليماني، وفرض العقوبات خارج الحدود واستهداف المواطنين الإيرانيين على نطاق واسع من خلال هذه العقوبات، وكذلك المشاركة في اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين من خلال دعم الكيان الصهيوني، كلها مجرد أمثلة على هذه الأفعال والسلوكيات العدائية.
بحسب التاريخ، فإن الوضع الحالي في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران هو نتاج مجموعة من الأعمال العدائية التي اتبعتها واشنطن ضد الشعب الإيراني على مدار ما يقرب من قرن. ولا يمكن لواشنطن، من خلال توجيه الاتهامات إلى إيران، تغيير الحقائق التاريخية وإلقاء اللوم على إيران.
الدعم التاريخي الأمريكي للإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة
في حين تتهم أمريكا الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعم الإرهاب، فإن إيران هي أكبر ضحية للإرهاب في العالم، ولم يقاوم أي بلد بقدر ما قاومت إيران، والشعب الإيراني، والقوات المسلحة الإيرانية، ظهور هذه الظاهرة المدمرة في منطقة غرب آسيا. فقد قدمت إيران أرواح العديد من أبنائها لدعم ودفاع شعوب المنطقة ضد الإرهاب الوحشي وغير المنضبط، وقد وضعت دائمًا السلام والاستقرار في المنطقة كأولوية في سياستها الإقليمية.
من ناحية أخرى، داخل إيران، فإن الجماعات الإرهابية المختلفة التي تم إنشاؤها بدعم من الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، قد تسببت في مقتل أكثر من 23 ألف إنسان بريء.
ورغم ادعائها بأنها تحارب الإرهاب، فإن الولايات المتحدة كانت في الواقع المسبب والداعم والعامل في انتشار الإرهاب وعدم الاستقرار في منطقة غرب آسيا.
كما اعترف رئيس الولايات المتحدة الحالي عدة مرات بأن التدخلات العسكرية الأمريكية في المنطقة تحت ذريعة "الحرب ضد الإرهاب"، سواء في العراق أو في أفغانستان، لم تؤدِ إلا إلى عدم الاستقرار وزيادة نمو الجماعات الإرهابية.
الولايات المتحدة ليست في موضع الشاكي، بل في موضع المتهم، ويجب أن تجيب عن هذا السؤال: من كان المسؤول عن تأسيس الجماعات الإرهابية وتأمين الموارد المالية والعسكرية لجماعات خطيرة مثل "القاعدة"، و"داعش"، و"جبهة النصرة" على مدار العقود الماضية؟ لقد أظهرت الولايات المتحدة أنها تعتبر الجماعات الإرهابية أداة لتحقيق أهداف سياساتها ضد الدول الأخرى، بما في ذلك في المنطقة.
وإن وصم "دعم الإرهاب" لدعم الشعب الإيراني لفصائل المقاومة والشعوب المسلمة في المنطقة التي تقاتل من أجل تحرير أراضيها وكرامتها ضد كيان احتلال غاصب، لا يغير من الواقع شيئًا. إن توجيه الاتهامات ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو محاولة غير مجدية لتحميل المسؤولية عن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني، وهروب الولايات المتحدة من مسؤولياتها في الدعم الكامل والمطلق لهذه الجرائم.
ادعاءات حقوق الإنسان من قبل الولايات المتحدة
في الوقت الذي تتهم فيه الولايات المتحدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بانتهاك حقوق الإنسان، فإنها لا تقتصر على غض الطرف عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، بل تدعم هذه الأعمال بشكل شامل، واليوم تستخدم الخراب الناجم عن الهجمات الإجرامية للكيان الصهيوني كذريعة لتهجير الفلسطينيين قسرًا من قطاع غزة واحتلال أراضيهم.
إن ادعاء الولايات المتحدة بدعم الشعب الإيراني وحقوق الإنسان يأتي في وقت تعمل فيه واشنطن منذ سنوات على فرض أشد العقوبات، مستهدفة بشكل مباشر اقتصاد ورفاهية الشعب الإيراني، وتعتبر الضغط الاقتصادي على شرائح الشعب الإيراني من أبرز إنجازات "حملة الضغوط القصوى". لا يمكن تجاهل أو إنكار حقيقة أنه في الوقت الذي كان فيه الشعب الإيراني يكافح جائحة كورونا، كانت الولايات المتحدة، دون مراعاة للتبعات الإنسانية للعقوبات، تسعى يومًا بعد يوم إلى تكثيف الضغط الاقتصادي على الشعب الإيراني. وفقًا للتقارير الدولية، فإن العقوبات الأمريكية لم تستهدف الاقتصاد فحسب، بل استهدفت أيضًا الحق الأساسي في الحياة للشعب الإيراني، مما أدى إلى فقدان العديد من الأرواح بسبب القيود الناتجة عن هذه العقوبات الظالمة.
ومع هذه الخلفية، لا يمكن لأمريكا أن تضع نفسها في موضع المدعي أو الناقد في قضية حقوق الإنسان. ليس خافيًا على أحد أن واشنطن، من خلال طرح ادعاءات حقوق الإنسان، ليس لديها نية سوى تكثيف الضغط على نفس الشعب الذي تدعي القلق عليه، وهذا يعد دليلًا آخر على النهج المراوغ والرياء الذي تتبعه أمريكا تجاه إيران.
سياسة زعزعة الاستقرار العالمي
في وقت تدعي فيه الولايات المتحدة أنها داعمة للنظام الدولي المزعوم القائم على القانون، وتُصر دائمًا على ضرورة الالتزام بالقوانين الدولية، فإن هذا البلد في مراحل مختلفة قد خالف القواعد الدولية واتخذ خطوات في اتجاه نشر عدم الاستقرار على المستوى العالمي.
ورغم أن الولايات المتحدة كانت دائمًا تخفي مخالفتها للقوانين الدولية تحت شعارات وأدبيات تبدو مبررة مثل حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، فإنها اليوم قد تركت هذه التبريرات جانبًا، وبدون مواربة، بدأت تستخدم الأدبيات الإمبريالية والاستعمارية، ولم تعد تخفي نواياها في غزو الأراضي الأخرى، سواء في أوروبا أو غرب آسيا أو أمريكا اللاتينية.
في الواقع، اليوم أصبحت الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى أكبر عامل في انتهاك القانون وإنكار المبادئ والمعايير الدولية المعترف بها، بما في ذلك احترام وحدة الأراضي والسيادة الوطنية. ولا يمكن فصل نهج الولايات المتحدة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن هذه العقلية والسياسة الاستعمارية.
العقلانية، الذكاء والشرف
استنادًا إلى التجربة التاريخية وسوابق تصرفات الحكومة، اعتبر قائد الثورة الإسلامية أن التفاوض مع الولايات المتحدة في الظروف الحالية يتناقض مع العقلانية والذكاء والشرف. إيران لم تكن يومًا ضد الحوار ولم تترك طاولة المفاوضات، لكن هل من الحكمة والعقل التفاوض تحت الضغوط القصوى والتهديد؟ لا ينبغي أن ننسى أن الولايات المتحدة هي التي خرجت من وثيقة تفاهم متعددة الأطراف وتركَت طاولة المفاوضات، واليوم، بينما تدعي استعدادها للتفاوض، فإنها تواصل نفس السياسة السابقة، متمسكة بأسلوب الضغوط القصوى غير المجدي.
في هذا السياق، وبالرغم من التزام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بثلاثة مبادئ هي "الكرامة والحكمة والمصلحة" في سياستها الخارجية، فإنها ترى أن التفاوض مع الولايات المتحدة التي تضع بصراحة سياسة الضغط الشامل ضد الشعب الإيراني كأولوية لها، وتهدد صراحة بإجراءات عسكرية ضد إيران، لن يكون في صالح المصالح الوطنية الإيرانية.
ضمن الإطار الديني والاستراتيجي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لم يكن صنع أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة النووية، أبدًا جزءًا من خططها، والفتوى الصادرة من قائد الثورة في هذا الصدد هي شهادة مؤكدة على هذا الالتزام. ولا يمكن للولايات المتحدة، باعتبارها الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي في التاريخ، أن تجعل القضية النووية ذريعة للمواجهة والضغط على الشعب الإيراني.
إيران ما زالت ملتزمة بإيجاد حل دبلوماسي من أجل استعادة حقوق الشعب الإيراني ورفع العقوبات، وستواصل التشاور مع الأطراف المعنية، وفي نفس الوقت، ستستفيد من جميع عناصر قوتها الوطنية للرد على التهديدات ومواجهتها.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت دائمًا منادية بالسلام والهدوء في المنطقة والعالم، ولا تسعى إلى الضغط أو التهديد ضد أي طرف، ولكن إذا حاول أي طرف تهديد إيران، فسيتم الرد عليه بالمثل.
في رد فعل حازم على أي تهديد للأمن الوطني، لن تتردد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسترد بقوة على أي خطوة ضد إيران.
وزارة الخارجية، بناءً على تصريحات وتوجيهات قائد الثورة، ستسير في طريق الدبلوماسية التي تضمن كرامة إيران، وستسعى لتحقيق مصالح الشعب الإيراني الكبير من موقع القوة ومعرفة تامة بطبيعة الأطراف المقابلة.
/انتهى/