عراقجي: إيران تصر على حقها في التخصيب

وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، شارك عصر اليوم السبت، في مؤتمر "الحوار الإيراني-العربي" الذي انطلق في الدوحة تحت عنوان: "علاقات قوية ومصالح مشتركة"، حيث ألقى كلمة خلال الجلسة.

وقال عراقجي في كلمته: "نجتمع اليوم من أجل دفع مسار التفاهم والتفاعل بين دولنا إلى الأمام. منطقتنا، التي كانت منذ القدم مهدًا لحضارات عريقة، باتت اليوم بحاجة أكبر إلى التفاهم والتعاون المتبادل".

وشدد على أن "إيران تؤمن إيماناً كاملاً بأصل ومبدأ الحوار"، مؤكداً "إصرار طهران على تحقيق التوافق الإقليمي". وأضاف أن "التطورات الأخيرة في المنطقة ساهمت في خلق فهم مشترك لمواجهة التهديدات القائمة".

وأكد وزير الخارجية الإيراني أن إيران تؤمن إيمانًا كاملاً بالحوار، وتصرّ على تحقيق التوافق الإقليمي، مشيرًا إلى أن التطورات الأخيرة في المنطقة أسهمت في التوصل إلى فهم مشترك لمواجهة التهديدات.

وأضاف: "اكتشفنا أن بيننا من المشتركات ما يفوق بكثير نقاط الخلاف"، لافتًا إلى أنه لا يمكن الصمت أمام ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم، مشددًا على أن ما يُعرف بـ"حل الدولتين" قد تم تجاوزه فعليًا بفعل ممارسات الكيان الصهيوني الذي لا يؤمن به أصلًا.

وأشار عراقجي إلى أن الكيان الصهيوني يشكّل تهديدًا دائمًا للمنطقة، وقال: "لا يمكن تجاهل أهدافه التوسعية الخطيرة"، لافتًا إلى أنه بينما يمارس الإبادة في غزة، يواصل اعتداءاته على سوريا ولبنان بهدف زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.

وأكد عراقجي أن السبيل الوحيد لمستقبل آمن في المنطقة هو تعزيز خطاب إقليمي مشترك، مبني على الثقة والتعاون الثقافي والاجتماعي بين الدول.

وقال وزير الخارجية بشأن المفاوضات بين إيران وأمريكا: إن إيران تعتبر امتلاك واستخدام الأسلحة النووية محرّماً، لكنها في الوقت نفسه تُصرّ على حقها في تخصيب اليورانيوم. وأضاف: "نحن لا نسعى إلى امتلاك السلاح النووي، وليس لهذا السلاح أي مكان في العقيدة الدفاعية الإيرانية. ومع ذلك، ينبغي على الدول الغربية أن تتجنب اتباع المعايير المزدوجة، إذ لا يمكن القبول بأن يمتلك كيان يرتكب الإبادة الجماعية ترسانة نووية".

وختم بالقول: "إذا كان الهدف من المفاوضات ضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي، فهذا هدف يمكن تحقيقه. أما إذا كانت المطالب غير عقلانية، فعليهم أن يدركوا أن إيران لن تتنازل عن حقوق شعبها بأي حال".

وفي ما يلي نص كلمة الدكتور سيد عباس عراقجي، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية:

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب المعالي،

السيدات والسادة،

يسعدني كثيرًا أن أُتيحت لي اليوم الفرصة، خلال الدورة الرابعة من لقاءات الحوار الإيراني-العربي، والتي تُعقد تحت عنوان "علاقات قوية ومنافع مشتركة"، لأن أتحاور وأتبادل وجهات النظر مع نخبة من المفكرين والمثقفين في المنطقة، بما يُسهم في تعزيز التفاهم والتفاعل بين إيران والعالم العربي.

أتوجه بالشكر والتقدير إلى المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في طهران، وكذلك إلى مركز الجزيرة للدراسات في الدوحة، على تنظيم هذا اللقاء.

وأغتنم هذه المناسبة لأستحضر بكل تقدير ذكرى الوزير الشهيد حسين أميرعبداللهيان، الذي ألقى الكلمة في النسخة السابقة من هذا المؤتمر في طهران.

لقد اجتمعنا اليوم مرة أخرى، لنفكر معًا ونعمل على تعزيز مسار التفاعل والتفاهم بين دولنا بشكل أقوى وأعمق.

لا شك أن العلاقات الطيبة بين إيران والعالم العربي، ضمن إطار الحضارة الإسلامية العريقة، قد أسهمت عبر التاريخ في إنجازات قيمة للحضارة الإسلامية وللعالم أجمع، وهي تُعدّ اليوم من الإرث المشترك الذي نفخر به.

إن منطقتنا، التي كانت منذ القدم مهدًا للحضارات العريقة، والأفكار الرفيعة، والثقافات الغنية، هي اليوم في أمسّ الحاجة إلى التفاهم، والتضامن، والتعاون المتبادل أكثر من أي وقت مضى.

تؤمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على الصعيدين الداخلي والدولي، إيمانًا كاملاً بمبدأ الحوار، وانطلاقًا من سياسة إيران المبدئية، فإننا نصرّ على تحقيق الوفاق الإقليمي.

لقد شهدنا خلال العام الماضي تحولات كثيرة في منطقة غرب آسيا، وعلى الرغم من مرارة هذه التحولات، فقد أسهمت في تقارب وجهات نظر دول المنطقة، والوصول إلى فهم مشترك لمواجهة التحديات والتهديدات.

يمكننا القول اليوم إننا بلغنا مستوى أعلى من الحوار والتعاون الإقليمي. فقد تمكّنا خلال العام الماضي، بعد أربعة عقود، من عقد أول اجتماع مشترك – وإنْ كان غير رسمي – بين دول مجلس تعاون الخليج الفارسي والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهذا المسار يدل على الاتجاه نحو علاقات أقوى تأخذ في الحسبان المصالح المشتركة لجميع الدول المطلة على ضفتي الممر المائي الاستراتيجي للخليج الفارسي وبحر عمان.

لقد أدركنا أن قواسمنا المشتركة كثيرة، وتتجاوز بكثير نقاط الاختلاف، والتي في أغلبها مصطنعة ومفروضة من الخارج.

ومع ذلك، لا يمكننا اليوم الحديث عن تحقيق أهداف الأمة الإسلامية، وفي الوقت نفسه نغضّ الطرف عن الظلم الواقع على شعب فلسطين. فالكِيان الصهيوني يشكل الخطر الأكبر على السلام في المنطقة، وتضع أمريكا نفسها – بدعمها له – في موقع الشريك والمتواطئ في جرائم هذا الكيان.

 إن فكرة "حل الدولتين"، التي عطّلت لأجلها حقوق الشعب الفلسطيني لعقود، قد تم الإعلان رسميًا عن إلغائها من قِبَل الكيان الصهيوني، وهو اليوم يسعى بلا أي مراعاة إلى محو الشعب الفلسطيني استعمارياً، بأبشع أساليب الإبادة الجماعية والتهجير القسري.

لقد أصبحت القضية الفلسطينية اليوم أكثر أهمية وأولوية من أي وقت مضى. فإيقاف الإبادة الجماعية في فلسطين، ومنع تنفيذ مشروع محو الشعب الفلسطيني، هو مسؤولية قانونية، وأخلاقية، ودينية، واستراتيجية تقع على عاتقنا جميعًا.

لا يمكن في الوقت نفسه التغافل عن النزعة التوسعية الخطيرة والنزعة الحربية المتواصلة للكيان الصهيوني في المنطقة المحيطة. فهذا الكيان، الذي يشكّل منذ ثمانية عقود كيانًا شريرًا وإجراميًا، كان دائمًا مصدرًا لانعدام الأمن والتهديد والحرب في المنطقة. لقد اعتدى الكيان الصهيوني على جميع جيران فلسطين المحتلة، وهو الآن، بالتوازي مع المجازر الجارية في غزة، يُحوّل سوريا ولبنان إلى ساحات مفتوحة لاعتداءاته المتكررة وهجماته الإرهابية، كما شنّ مرارًا غارات على اليمن. ولا شك أن هدف هذا الكيان من هذه الاعتداءات هو تدمير الدول الإسلامية وإضعافها، والسعي إلى احتلال أكبر قدر ممكن من أراضي دول المنطقة.

إن التصدي لهذه الشرور مسؤولية قانونية وأخلاقية تقع على عاتق جميع حكومات المنطقة.

نحن نؤمن بأن السبيل الوحيد للمضي نحو مستقبل آمن ومستقر يكمن في ترسيخ خطاب إقليمي قائم على الاحترام، والتعايش، والتفاهم المتبادل، ومراعاة المصالح المشروعة لجميع الأطراف. ومن أجل تحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى تعزيز الثقة والتفاهم. إن ترسيخ الثقة بين دول المنطقة يجب أن يكون عملية مستمرة ومؤسسية، ويجب علينا جميعاً الالتزام بمتطلباتها ولوازمها.

وينبغي لهذا التحول في الخطاب أن يستبدل مبدأ المشاركة بسياسة توازن القوى. كما أن هذا التحول المنشود يقتضي التعاون في مجالات مثل التبادل الثقافي، والسياحة، والتجارة. فالنمو والازدهار لا يتحققان إلا عبر تبنّي نهج يقوم على "منطقة قوية"، لا مجرد "دولة قوية أو دول قوية".

إن هذا المؤتمر خطوة في اتجاه استبدال التفاهم بالمواجهة، ويجب العمل على تطويرها. والخطوة التالية هي تصميم آلية مؤسسية لضمان استمرارية هذه الحوارات، وإيجاد وتعزيز قنوات التواصل بين النخب، وتعريف مشاريع جماعية مشتركة للتفكير في قضايا المنطقة.

الحضور الكريم،

في ختام كلمتي، أود أن أتناول بإيجاز مسألة المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأمريكا، التي ستُعقد جولتها الرابعة غداً.

إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر حيازة واستخدام الأسلحة النووية محرمة شرعاً، وكانت على الدوام عضواً ملتزماً بنظام منع الانتشار النووي الدولي. لكنها، في الوقت نفسه، تصرّ على حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بما يشمل التخصيب.

نحن لا نسعى إلى امتلاك سلاح نووي، فالأسلحة الفتاكة لا مكان لها في العقيدة الأمنية للجمهورية الإسلامية، ومن هذا المنطلق نحن من روّاد الدعوة لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في آسيا. لكن من الضروري أن تكف الدول الغربية، وكل من يدّعي مواجهة الأسلحة النووية، عن اعتماد المعايير المزدوجة. لا يمكن من جهة الادعاء بالقلق حيال الطاقة النووية السلمية لإيران ودول أخرى في المنطقة، ومن جهة أخرى السماح لكيان محتل ومعتدٍ ومرتكب لمجازر إبادة، بامتلاك ترسانة نووية ضخمة.

نحن نواصل مفاوضاتنا مع أمريكا، وبالتوازي معها مع أوروبا وروسيا والصين، بحسن نية. وإذا كان الهدف من هذه المفاوضات هو ضمان عدم سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، فإن هذا الهدف قد تحقق بالفعل، وبالتالي فإن التوصل إلى اتفاق أمر في المتناول. ولكن إذا كان الهدف هو حرمان إيران من حقوقها النووية، وفرض مطالب غير منطقية وغير واقعية، فعندئذٍ أقول بوضوح: الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتنازل بأي شكل من الأشكال عن أي من حقوق الشعب الإيراني العزيز.

شكراً لكم على حسن الإصغاء

/انتهى/