.
فبينما واصلت إسرائيل اغتيال قادة بارزين إيرانيين خلال فترة العدوان الإسرائيلي على إيران، أثبتت طهران جاهزيتها الفورية بملء أي فراغ بسرعة، لتُظهر مرة أخرى أن قرار الرد ليس مؤجلاً ولا خاضعاً لحسابات التسويف، بل محكوم بمنظومة منظمة واستعداد دائم لردود متعددة الاتجاهات.
لا تخفي إسرائيل أهدافها الحقيقية؛ إذ تعتمد خطة ممنهجة للنيل من هيبة النظام الإيراني واستنزاف رموزه السيادية. ولا يتوقف الأمر عند حدود الضربات العسكرية والاغتيالات، بل يمتد إلى محاولات تأليب الشارع الإيراني واستدعاء احتجاجات داخلية تخدم مشروع إسقاط الدولة أو إضعافها من الداخل.
أما الموقف الأمريكي، فلم يعد مجرّد انحياز أعمى لتل أبيب، بل تجاوز ذلك ليكشف عن حقيقة أكثر وضوحاً: واشنطن تحولت إلى طرف مباشر في التصعيد، شريك معلن في استهداف إيران ومصالحها. ويُدرك كثيرون أن الولايات المتحدة، رغم كل ما تملك من قوة، باتت تتصرف بمنطق «الزعران» الذين يضربون حيث يشاءون ويستعرضون القوة متى اقتضت مصالحهم، حتى لو كانوا في الواقع أقلّ صلابة مما
يحاولون إظهاره.
ما فعلته إيران من ثبات وردود متواصلة، لم تجرؤ عليه للأسف أي دولة عربية، رغم أن شعوب المنطقة طالما اعتبرت الدول العربية الشقيقة لها سنداً وملاذاً في مواجهة المشروع الإسرائيلي. وبينما تواصل إيران ومعها قوى من لبنان وفصائل مقاومة أخرى التصدي للمشروع الإسرائيلي، ما زال بعض العرب يراهنون على وساطات هشّة أو تطبيع مجاني لم يجلب سوى مزيد من التغوّل على الحقوق الفلسطينية.
الضربة الأمريكية الأخيرة، خاصة إذا ما صحّت المعلومات عن استهداف منشآت نووية غير عسكرية، تكشف عن انتهاك صارخ للقانون الدولي وجريمة حرب مكتملة الأركان. فمن المفارقة أن إيران التي لا تملك سلاحاً نووياً – ولا حتى برنامجاً معلناً لتطويره – تُستهدف منشآتها، بينما تحتفظ إسرائيل بترسانة نووية خارج أي رقابة أو مساءلة دولية.
وبينما يخيّم القلق على الشارع الإسرائيلي ويتنامى الخوف في الأوساط الأمريكية من تداعيات التصعيد، تدرك واشنطن أن مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط قد تتحول إلى أهداف مشروعة للرد الإيراني. وهنا، تحاول إسرائيل – الغارقة في حالة استنزاف متواصلة – أن تجد مخرجاً من المأزق عبر جرّ أمريكا إلى واجهة الاشتباك، أملاً في تخفيف الضغط عنها أو إعادة ترتيب أوراق المواجهة.
لا شك أن إسرائيل هي الذراع التنفيذي للسياسة الأمريكية في المنطقة، وما تقوم به من عمليات عسكرية يعكس أجندة واشنطن المباشرة. وفي لحظة كان يُفترض أن تُبذل فيها الجهود نحو التهدئة وتخفيف التوتر، جاء القرار الأمريكي ليؤكد أن منطق القوة والهيمنة ما زال هو الحاكم، حتى لو تقنّع بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
/انتهى/